Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هذه ... هي الكاتبة المبدعة :وزنة حامد

تقول صاحبة هذا الكتاب في حوار مطول وشائق أجرته إحدى الصحف معها وكانت الصحيفة قد طرحت عليها السؤال التالي :متى وكيف دخلت عالم القصة ..؟ تجيب القاصة الشابة وزنة حامد .
كنت وأنا ما أزال صبية غضة الإهاب ,لم أتجاوز السنة السادسة شديدة الشغف بالإصغاء إلى القصص الطريفة التي تلقيها أمٌنا على مسامعنا كلما فرغت من الشؤون المنزلية ..ولم يكن يتأتى لنا ذلك في جل الأوقات إلاََ بعد حلول المساء ..ويوماً بعد يوم استحال هذا الشغف عشقاً وتدلهاً بالقصص والروايات والأساطير , وكل ما كنت اسمعه لم يستطيع أن يشبع لي نهما أو يروي لي غلة فكنت أدأب على القول هل من مزيد ؟.. ومع مرور الأيام وكثرة السرد من جهة الأم ,وكثرة الإصغاء من جهتي كان لابد لهذا المخزون أو المنهل القصصي من أن يشح ثم ينضب فلا يعود قادراً على الرفد وتلبية رغبتي الجياشة ,عندئذ كانت والدتي أمام هذا الإلحاح تلجأ أحياناً إلى حيلة بارعة كانت تنطلي علينا حين تبدل وتحوز أحداثاً في قصص سمعناها وتغيراسماء شخصياتها فكانت نفوسنا ترخى وتطيب بذلك . ثم تستمر الكاتبة في حديثها قائلة )) : ولما أدخلت المدرسة التي لم يكن لدخولها من بد ومرت الأعوام وألممت بالقراءة والكتابة بانَ لي إنني مازلت على عهدي القديم بحب القصص فبدأت بقراءة تلك القصص المبسطة التي تكتب للصغار والناشئين , وأكثرت من القراءة والمطالعة حتى تجرأت وعنَ لي أن أكتب قصة قصيرة من محض فكري وخيالي كانت اللبنة الأولى في مشروعي القصصي الذي ثابرت على تشييده ..))
في هذه المجموعة القصصية ترخي الكاتبة وزنة حامد العنان لراعيها كي تقدم لنا أفكارها المشحونة بالحدب على الإنسان مهما كان لون هذا الإنسان ومهما كان زمانه ومكانه الزاخرة بالشفق على الضعفاء والبائسين المنطوية على مقت الجور والظلم وكراهة الاستبداد الأثرة والأنانية والجشع ,والحيف الواقع على المرأة في أكثر المجتمعات البدائية تخلفا وجهلا وغلبة على أمرها ..
لو إن فتاة ذات فطنة وذكاء مفطورة على رهافة الحس ,ودقة الملاحظة وعمق النظر أمضت ردحا من طفولتها وشطراً من أيام صباها في حضن أم فاضلة رؤوم علمتها الأيام وكشف لها الحياة كثراً من أسرارها , وفي كنف أب سبر الحياة وعرف أنماطا من البشر وتمرس بهم وأدرك خفاياهم .نقول أن فتاة على هذه الشاكلة عاشت فترة من طفولتها وجزءاً من صباها بين هذين الأبوين لكان حرياً بها أن تمتلئ حكمة وأناة ورؤية فلا تحكم على الأشياء إلا بعد تبصر وإمعان فكر ,إن وزنة حامد في هذه القصص التي بين أيدينا كما في قصصها الأخرى لا تهيب أو تخرج من إعلان الحقيقة جلية ناصعة لا تلجأ إلى التورية أو التواري خلف أقنعة العبارات المبهمة والمرامي البعيدة الحمالة لأكثر من تأويل ,ولئن فعلت ذلك ذات مرة فمن باب الطرفة الغريبة أو الملحة النادرة ,بل تخرج سافرة ,شامخة الهامة ,كالتاجر الأمين القانع الذي يعرض بضاعته على الملأ جهاراً في وضح النهار وهو متيقن من جودة بضاعته تلك .
إن الشخصيات التي تقطن على الرقعة الرحيبة الأدبية –
سواء الأسطورية والحقيقية - في قصص وزنة حامد ذات ملامح وقسمات واضحة , ومراميها ومقاصدها جلية لا يكتنفها الغموض ,وهي تتعمد أن تكون هذه الشخصيات المجلوبة بجرة من قلمها على هذا المقدار من البنيان والإيضاح حتى يتاح لها بيسر وسهولة مخاطبة فكر القارئ وبصره معنى وصورة في ألقٍ وإشراق . وهي في كل أعمالها تصطفي وتختار زمراً من أشخاص لهم حضور رانح ووطيد في جميع طبقات المجتمع وفئاته يسعفها في ذلك إلمامها العميق وتلبسها بحياة الناس وأساليب عيشهم وألوان تفكيرهم ونوازعهم الوجدانية والعاطفية وحركاتهم وسكناتهم وأمنياتهم وأحلامهم .وهي تستخدم وتسخر قلمها بارعة .
_ربما كانت فذة وفريدة وخارقة للمألوف في الأدب النسائي _في رسم شخوصها والتهويل من نقائصهم وصغائرهم في مفردات أنيقة ولكنها ساخرة لان الأسلوب الساخر كما نعتقد يكون أكثر اجتذاباً للوعي وأمضى تنبيهاً للخواطر وأعمق توغلاً في أعماق النفس وأقوى تشبثاً بالذهن .وهذا المسلك "الغريب" ونقصد به الأسلوب الساخر , يضيف مجداَ آخر إلى مجد الكاتبة , وهو في الوقت نفسه برهان ساطع وحجة دامغة على نبوغها ورفع أدبها , ولفرط إعجابنا بهذا الأدب نوشك أن نشتط في المديح الإطراء ونزعم أن الكاتبة استطاعت أن تؤسس بآلياتها الفكرية والكتابية مدرسة لسرد القصة القصيرة لم تكن لها سابقة في أدب المرأة لأنها أدخلت مداميك جديدة في بنيان هذا الفن ,وأضفت عليه رونقاً وسمواً. ومما لا ريب فيه أن النقد الساخر سواء كان لاذعاً أو غير لاذع لا يخلو من أن يكون موجعاً ومؤلماً لأنه ليس إلا صنو مبضع الجراح أو نظيرة إلا أنه يحسم الداء ويستأصل شأفته .وهي عندما تطرح أبطال قصتها على القرطاس الورق الأبيض " مع كل نقائصهم وعيوبهم ومثالبهم وأخطائهم وهفواتهم وخطيئاتهم وصغائرهم وجنحهم وجرائرهم ونزواتهم لا تتنكر لهم ولا تضرب عنهم صفحاً ولا تقول لأحدهم شامتة أو متهكمة أو متشفية ((يداك أؤكتا وفوك نفخا )) ولا تخاطبهم بقولها : هذه هي مغبة أعمالكم وسوء تدبيركم وثمرة طمعكم وجشعكم وبطركم فتجرعوا اليوم أيها المرجفون الأفاكون مرارة ما سكبتم في كؤوس الآخرين من صاب وعلقم ولكنها تقول لهم : أيها البائسون القانطون على رسلكم لاتيأسوا كل اليأس فهذه أدواؤكم وعاهاتكم وأسقامكم وها أنذي قد جلبت إليكم العقار الناجع والبلسم الشافي عودوا إلى أرومة إنسانيتكم وتحابوا وافشوا بينكم روح الأخرة والسلام .
وأخيراً فهذا غيض من فيض ما أعرفه عن الكاتبة المبدعة :وزنة حامد عن كثب من خلال قراءتي الجادة لأخر ما نشرته من قصص ممتعة .
الحسكة في 29| نيسان |عام 2011م
Opinions