هكذا تبنى دبي
لم يكن زايد سياسيا أو قائدا عسكريا بل كان يتمتع بروحية شيخ القبيلة المحب لقومه الذي ينظر بعين الى الاطفال كيف ومتى تكبر لتصبح رجالا تخدم بلادها وبالأخرى يرعى بها الشباب وافراد شعبه ، لقد كتب امنيته الكبيرة بأحرف من عبقرية الفطرة وشفافية الذات ، أمنيته بان يرى الإمارات تسابق لندن وتضاهي أمريكا بحيوية الأعمار والتمدد الافقي والعمودي والتمدن ... لم يكن همه إن يستورد من الغرب صاروخا يطلقه على شعبه أو شعوبه العربية مفتخرا بحصاد بائس من الاطفال والنساء والضحايا ، لم يرد من عمره إن يطيح باعمار مثل الزهور يراها تينع بعناء الآباء والأمهات ، زايد أضاف على بساطته من صفة اسمه مدلولا اخر الى بلاده فأصبحت في زيادة فائقة على معظم شعوب الشرق الأوسط في ما تعنيه إن زايد لم يكن أميرا على دولة ثرية بل كان أميرا على فيافي قاحلة كان شيخا لقبيلة تسمى الإمارات أحبها وهي صحراء وأكرم اهلها وهم حفاة لا مال ولاجاه لهم وماذاك الاّ لأنهم ربعه وعشيرته ومعدنه، يذكر احد المقربين منه عندما كانت الإمارات عبارة عن قطعة من الصحراء عندما تفجرت المياه ينبوعا من باطن الأرض بمدينة العين، يومها كان سعيدا جدا بهذا الحدث في بلد يعاني من شح المياه، قلت له: هل نتوقع بعد تفجر المياه بهذه الكمية والكيفية أن نشاهد هذا الجبل متنزها سياحيا؟.. قال بكل ثقة: سيكون بإذن الله، وسيفد إليه الناس من كل مكان. وما هي إلا سنوات قليلة حتى كان سفح الجبل الأصم الصلد قد تحول إلى اللون الأخضر، والوادي تحت سفحه إلى متنزه عالمي .. أرضه مفروشة بالبساط الأخضر، أشجاره يانعة، طرقه مرصوفة، الخيام المكيفة تنتشر بأعداد كبيرة لتقضي فيها الأسر أوقاتا سعيدة وبدون مقابل، الكافيتريات في كل مكان، المنافع العامة منتشرة وعمال النظافة يتحركون بين الناس على مدار الساعة، المسابح الواسعة للرجال وأخرى للنساء ليغتسلوا بالمياه الكبريتيه التي تفجرت من باطن الأرض.. لقد بنيت دبي مفخرة العمران والتقدم باخلاص القائد البدوي الذي يرى المال حلالا مادام في بناء العمارة أو سد قوت الشعب أو لهذه الشركة اوتلك مما يحقق الحلم الذهبي في غد يحول الصحراء الى خضراء ثم الى ناصحات السحاب وباهرات الفؤاد ، ما يعوزنا اليوم في العراق إن نجد القائد الذي لايبكي لمكاسب سياسية ولايصافح الناس ليكسب الشعبية أو يعطي أو يهب للمنصب القادم ...نريد قائدا مع شعبه ينسى السياسة ويكون بدويا كزايد يتحدث معهم بلغة القبيلة الواحدة والبيت الكبير ثم ليرجع للسياسة اذا سافر الى مؤتمر أو اجتماع خارج شعبه هناك تكون السياسة يا ساسة العراق ..وتذكروا جيدا طالبة المدرسة التي لم تستطع شوقا وهي ترى سيارة زايد بجوار باصي مدرستين من مدارس البنات الإعدادية كانا في طريقهما من المدارس إلى بيوت الطالبات في بني ياس.. وعندما لمحت الطالبات سيارته أخذن يلوحن بأيديهن لتحيته.. توقف بسيارته لرد التحية.. وخوفا من الزحام أغلق سائقا الباصين أبوابهما .. وفوجئ زايد بإحدى الطالبات عمرها حوالي 12 عاما تقفز من نافذة الباص وتتجه صوبه.. فمنعها الحرس.. فقال: دعوها.. وسألها بحنان الأب: لماذا قفزتي من نافذة الباص؟.. فقالت بانبهار: "أشوف بابا زايد بالعين ولا أسلم عليه باليد؟.. مستحيل.. أنا لم أكن أحلم بذلك في منامي ولن أضيع الفرصة في يقظتي.. سلم عليها بحنان.. وشرح لها خطورة ما فعلته.. وطلب منها ألا تخاطر بنفسها مرة أخرى.. ثم أعطاني حقيبة بها مبلغ كبير من المال وطلب مني توزيعه على من هن في الباصين.. وقمت بتوزيعه فعلا على من كن في الباصين من الطالبات ومدرساتهن.. وبذلت مجهودا كبيرا في التعرف على منازل الطالبات اللاتي كن في الباص ونزلن إلى بيوتهن.. وأعطيتهن نصيبهن تنفيذا لتعليماته.ويذكر احد افراد الحرس الشخصي له أن إنسانية الشيخ زايد كانت تتجلى عندما نجتمع على مائدة الطعام.. كان حريصا على أن يجلس معنا ومن تواضعه كان يتناول بيده الكريمة ويقدم لنا.. يعطينا من اللحم.. من العسل.. يقول لنا: خذ من هذه فطعمها جيد.. وهذه مفيدة للقلب ومريحة للمعدة.. وكنا نتعجب: فنحن كنا حوله لنخدمه وليس ليقدم لنا هو الطعام.. لكنه كان إنسانا لشعبه بمعنى الكلمة ....
اثير الخاقاني
باحث ومحلل
atheertaher@yahoo.com