Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هل انتهى دور القاعدة والبعث ألصدَّامي في العراق؟

أدعى الكثيرون بأن دور منظمة القاعدة وبقايا البعث ألصدَّامي, وأن المليشيات الطائفية المسلحة السنية منها والشيعية, قد انتهت بسبب بعض النجاحات المهمة التي تحققت في مجال الأمن وإشاعة بعض الاستقرار في العراق, كما حاول الكثيرون تصوير وكأن الطائفية السياسية المقيتة قد تركت مكانها للمواطنة العراقية في ظل سيادة أحزاب طائفية على الحكم في العراق. وأكثر من ادعى ذلك هم رئيس الوزراء ووزير داخليته ومستشار الأمن القومي, الذي عينه الحاكم بأمره باول بريمر وابتلى به الشعب العراقي بلوة مريعة حتى الآن. ولكن من تابع نشاط قوى الإرهاب الإسلامية السياسية والمليشيات الطائفية المسلحة ومن تعرف على حقيقة أهدافها ومن اطلع على أساليب عملها وأدواتها من جهة, ومن تابع تطور الوضع السياسي والصراعات السياسية بين القوى والأحزاب السياسية العراقية, سواء أكانت في ما بين تلك القوى العاملة في إطار الحكومة أم المنخرطة في العملية السياسية دون أن تكون مشاركة في الحكم, أم من تعرف على الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيش فيه نسبة عالية من الأوساط الشعبية والكادحة واستمرار بؤس حالها المعيشي, أو تلمس الفساد المالي والإداري السائدين في البلاد وانتهاك مستمر لحقوق الإنسان بالنسبة للمعتقلين والسجناء السياسيين وندرة ما تحقق حتى الآن من تطور إيجابي في الأوضاع بعد مرور سبع سنوات على إسقاط الدكتاتورية, من جهة ثانية, يدرك بأن قوى الإرهاب والمليشيات الطائفية الإرهابية لم تكن قد نفقت, رغم الضربات القاسية التي تلقتها خلال فترة حكم رئيس الوزراء الراهن السيد نوري المالكي, بل هي لا تزال تمتلك قدرات فعلية على الفعل الشرير وتستند إلى أرضية الواقع القائم. إذ أن قوى الإرهاب بكل أصنافها تعجز عن العمل عندما تغيب القاعدة الاجتماعية والشعبية التي تؤيدها, في حين تنتعش وتزداد نشاطاتها حين تجد تلك القاعدة الاجتماعية والشعبية التي تقدم لها الحماية والدعم إلى حد مدها بالقوى الإضافية.

لقد أوضح الموقف من قانون الانتخابات والصراعات التي دارت حوله خمس مسائل جوهرية يفترض أن ينتبه إليها كل متابع للعملية السياسية الجارية في العراق, وهي:

1 . أن الطائفية السياسية قد تعمقت جذورها في الأرض العراقية بدلاً من اقتلاعها وعجز حكومة المالكي من إزالة الأعشاب الضارة من طريق الحياة السياسية في العراق.

2 . وأن العجز عن إيجاد حلول للمشكلات المعلقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم تؤكد بأن الطرفين لم يدركا حتى الآن مضار التشدد في المواقف رغم التجارب الكثيرة والمأساوية التي مر بها الشعب العراقي خلال العقود الثمانية المنصرمة من تاريخ العراق الحديث. فالجرّ والعرّ من الجانبين سيقطع حبل العلاقة بين الطرفين, كما حصل في فترة حكم الشهيد عبد الكريم قاسم بشكل خاص, وما بعدها أيضاً, والذي لا يتمناه الإنسان بأي حال.

3 . وأن الأحزاب السياسية الحاكمة بشكل خاص لم تع حتى الآن بأن إبقاء الشعب دون خدمات أساسية وبطالة واسعة وحياة غير كريمة وغير سعيدة وتنامي الفساد والتفكير بمصالح الذات دون مصالح الشعب, تُقلب الشعب على هؤلاء الحكام وتدفع بالأمور إلى الوجهة التي تؤسس لأرضية يتواصل فيها الإرهاب, ولم ينفع أحداً القول بأن قرب الانتخابات هو السبب في ذلك, إذ أن السبب هو في الأرضية الصالحة لتواصل العمليات الإرهابية, وما قرب الانتخابات إلا مناسبة مفيدة للإرهابيين بكل أصنافهم.

4 . وأن دول الجوار لم تتوقف ولو لحظة واحدة عن تشديد زخم المشكلات القائمة في العراق وعن دعم مباشر أو غير مباشر للنشاطات المعادية لحفظ الأمن والاستقرار. وهي تنطلق في نشاطها من وجود عدم ارتياح وتذمر في أوساط كثيرة, وإلا لما استطاعت أن تساهم في دعم الإرهاب.

5 . عجز المجتمع الدولي عن, أو عدم رغبته في, تقديم الدعم الضروري والمناسب للعراق. بل أن الكثير من الدول لا يزال يرى في الصراعات والنزاعات الدائرة في كل من العراق وأفغانستان والتوتر المستمر في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا مفيداً له ولمصالحه ولشركات إنتاج السلاح في العالم.

الشعب العراقي يعيش واقعاً معقداً ومتداخلاً بسبب تشابك المصالح المحلية والإقليمية والدولية على أرض العراق وفي منطقة الشرق الأوسط. وسيتسبب ذلك في المزيد من الآلام والضحايا في صفوف الشعب العراقي وشعوب المنطقة.

فالإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي لا يمكنهما أن يريا كيف تسير إيران حثيثاً صوب إنتاج السلاح النووي لما في ذلك من مخاطر على إسرائيل وعلى بقية مصالحها في المنطقة, كما أن الحكومات العربية أشد قلقاً من الولايات المتحدة بشأن التسلح النووي الإيراني لأسباب ترتبط برغبات التوسع المذهبي لإيران في منطقة الخليج ومجموعة الدول العربية والإسلامية والتي ليس فيها تهديد للمذهب الذي تدين به حسب, بل ولحكمها ومصالحها الاقتصادية في بلدانها. ومن جانب إيران ترى من مصلحتها إبقاء الوضع في العراق قلقاً ومستنزفاً للنشاط الأمريكي في المنطقة بحيث تعجز عن اتخاذ أي إجراءٍ عسكريٍ مقارب لما جرى في العراق قبل سبع سنوات. ولإيران مصالح مذهبية وطائفية سياسية في العراق, فهي لا تريد أن تنهي قبضتها الراهنة التي تكونت في أعقاب سقوط النظام على القوى الإسلامية السياسية الشيعية وعلى الحكم بشكل عام, وتحاول بسبل شتى إبقاء تأثيرها المباشر أو غير المباشر على القوى الشيعية من جهة, وعلى القوى الكردستانية من جهة أخرى, إذ أن قوى كردستان وحكومة الإقليم تقع بين ثلاث قوى ضاغطة ومعادية, القوى القومية الشوفينية والإسلامية السنية والشيعية المتطرفة الرافضة للحكم الفيدرالي في الإقليم أولاً, والحكومة الإيرانية التي ترفض الفيدرالية من حيث الجوهر ولكنها ساكتة ما دام لا تهديد كردي لها من شعب وقوى كردستان إيران ثانياً, وكذا الحال مع الحكومة التركية إزاء الوضع في كردستان العراق ومشكلة كركوك وفي كردستان تركيا ثالثاً.

ومع ما يبدو من احتمال تعاون إيران بشأن الوضع في أفغانستان, إلا أن ليس من مصلحتها, كما يرى حكامها, أن يسود الاستقرار هناك وتتفرغ الإدارة الأمريكية للوضع في إيران. ثم أن إشكاليات باكستان ليست قليلة بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا بسبب تهديدات الإرهابيين من القاعدة وطالبان في السيطرة على القوة النووية فيها, إذ أن هذه القوى الإرهابية مستعدة لتفجير مناطق بكاملها بأمل السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وإزالة إسرائيل من الوجود. إنها تريد إشعال حرب الأديان على أوسع نطاق ممكن, إذ ترى في ذلك انتصاراً للإسلام الذي تؤمن به!

ولا شك في أن تفاقم التوتر في منطقة الشرق الأوسط يهدد إمدادات النفط منها إلى بقية دول العالم, مما يزيد من الرغبة في تأمين الاستقرار النسبي في المنطقة, في حين تسعى قوى أخرى لتشديد التوتر من أجل تنشيط سباق التسلح في العالم وعلى صعيد المنطقة على نحو خاص.

إن النفط في العراق والاحتياطي الكبير المخزون في الأرض الطيبة يغري الدول الكبرى بالعمل للحصول على عقود مناسبة لها, كما حصلت شركة شيل أخيراً على مثل هذه العقود. ولهذا تسعى إلى إضعاف دور الولايات المتحدة في العراق لكي يتسنى لها منافستها في الحصول على مثل تلك العقود. وعلى المتتبع أن يتذكر الدور الخاص الذي تلعبه روسيا والصين في إشكالية الطاقة النووية في إيران, وهي غير بعيدة عن الصراع على المصالح في إيران والعراق وعموم المنطقة وعلى الصعيد العالمي.

لقد كان وسيبقى العراق يشكل نقطة جذب للدول الكبرى وصراع في ما بينها على ما في العراق من ثروة نفطية هائلة ولمركزه المهم في المنطقة كلها ولدوره في التأثير على الأوضاع في إيران وسوريا ودول الخليج. وفي هذا تكمن محنة العراق الراهنة, إضافة إلى الصراع الطائفي المترسخ في الأرض العراقية منذ قرون رغم محاولات جمهرة من السياسيين والكتاب نفي هذه الحقيقة النسبية. إن إنكار حالة معينة لا يساعد على معالجتها جدياً وجذرياً, وهي الحالة الراهنة في العراق.

من هنا يتبين لنا بأن المشكلة في العراق كثيرة التعقيد وكثيرة الجوانب ومتعددة الأطراف المتنازعة فيه وعليه. ويبدو لي, وأرجو أن أكون مخطئاً, بأن نوري المالكي وأطرافاً في حكومته لم تدرك هذه الحقيقة ولم تتعامل معها بوعي كاف, وبالتالي عجزت حتى الآن عن إيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة الوضع.

إن الاهتمام بالجانب الأمني العسكري ليس سوى أجد العوامل الفاعلة والمسؤولة عن استمرار الموت في العراق, وضعف الاهتمام بالعوامل الأخرى يجعل الجهد الأمني العسكري قليل التأثير وضعيف النتائج, إذ يمكن أن تعود الحلقة المفرغة إلى الدوران حول نفسها ولا يمكن قطعها. فالسياسة علم وفن, وهو الوجه الثاني للاقتصاد وحياة المجتمع متعلقة بهذين الجانبين, وكلاهما لا ينفصل عن الحياة الثقافية وعن مستوى ممارسة الحرية والديمقراطية والحياة الدستورية الصحيحة في البلاد.

والواقع الراهن يؤكد لنا ما يلي: لا سياسة الحكومة الراهنة صائبة, ولا وجود لإستراتيجية اقتصادية تنموية, كما لا إجراءات فاعلة لتقدم البلاد ومكافحة البطالة وزيادة التشغيل الإنتاجي والخدمي وتحسين ظروف حياة وعمل ومستوى دخل الفئات الكادحة, ولا مكافحة جدية للفساد ولا حياة ثقافية متقدمة أو دور فعال للمثقفات والمثقفين في البلاد.. الخ.

كل هذا وغيره يساعد على استمرار الإرهاب والموت والتخريب في العراق, كل هذا لا يساعد على تكريس الأمن والاستقرار, رغم تراجع حجم الضربات وعدد القتلى والجرحى والمعوقين. فالوضع في العراق لا يستند إلى أرضية صلبة, بل هشة كهشاشة الحكومة الراهنة والعملية السياسية الجارية.

فهل يمكن لمجلس نواب ينتخب في ظل هذه الأوضاع أن تكون بنيته غير بنية المجلس الراهن من حيث الجوهر, وليس في وصول بعض النواب الديمقراطيين من خلال دخولهم في قوائم طائفية مبطنة بمعسول الكلام والأفعال الفارغة. سوف يكرس قانون الانتخابات الجديد الحالة الراهنة ولا يدفع بالبلاد خطوة جادة وسليمة صوب انقشاع غيوم الإرهاب رغم كل التفاؤل الذي يسيطر على مشاعر البعض, فهو تعبير عن رغبات أكثر مما هو واقع.

17/12/2009 كاظم حبيب



Opinions