هل للعراق أن يتخلص من مشاكله بثورة تونسية؟
9 شباط 2011على أثر تظاهرات الثورتين الباسلتين، التونسية والمصرية تكاثرت الدعوات لتكرارها في كل دولة في ا لمنطقة، فقد بدت كحل سحري يفكر به كل من لم يعجبه نظام الحكم في بلده.
ورغم أنه لا توجد حكومة عربية مرضية لشعبها، ولا يتمنى إستبدالها، إلا أن الثورة ليست الطريقة السليمة لإستبدال الحكومة، إلا إذا كانت تلك الحكومة ترفض الزوال بطريقة ديمقراطية.
لذلك فأن الدعوة إلى التظاهر لإزالة الحكومة على الطريقة التونسية – المصرية في العراق دعوة غير سليمة، وهي أما تنطلق من نوايا سليمة خاطئة التفكير أو قد تكون إحدى المؤامرات الكثيرة التي مرت وتمر بهذا البلد.
ليس هذا دفاعاً عن الحكومة العراقية، فحتى رئيس الحكومة ليس متحمساً لها، بل المقصود من هذه المقالة هو تنبيه لخطأ خطير في اللجوء إلى الأدوات غير الصحيحة لحالة لا تشبه الحالة التونسية أو المصرية. فصاحب تونس قضى ثلاثة وعشرون عاماً في الحكم المطلق، وصاحب مصر زاد عن ثلاثين عاماً، فكم بقي المالكي في الحكم؟ إنها فترة حكمه الثانية في نظام برلماني لا يحدد أصلاً عدد فترات الحكم لرئيس الوزراء، وليس ذلك غريباً، فتاتشر حكمت أكثر من فترتين مثلاً، والأمر مختلف عن النظام الذي ينتخب فيه الرئيس مباشرة ويكون له صلاحيات كبيرة، كما في النظام الامريكي أو الفرنسي، حيث يشترط عدم انتخابه أكثر من مرتين عادة في الدستور. لذلك فأن من حق المالكي دستورياً أن يتم انتخابه من قبل حزبه، أي عدد من المرات، فلا توجد شروط للترشيحات الحزبية لرئيس الوزراء. ومع ذلك فقد صرح المالكي بأنه لا ينوي ترشيح نفسه للمرة الثالثة. وهي نقطة صحية من ناحية وغير صحية من ناحية أخرى.
هي صحية لأنه من الأفضل أن يتم استبدال صاحب أكبر سلطة بشكل منتظم، ومن المعقول أن ندعو إلى أن يبدل الدستور ليضمن ذلك مستقبلاً. وهي نقطة غير صحية، لأنها لم تأت من خلال الدستور، وإنما جاءت على ما يبدو من الضغط السياسي والإعلامي على رئيس الحكومة المنتخب، وأجبرته على التصريح بما صرح به رغم حقه الدستوري. هذا الضغط خطر، والإنصياع له خطر أيضاً، ففي النظام الصحي السليم، يكون لأصوات الناخبين القرار الحاسم الذي لا ينافسه عليه أحد في القرار بانتخاب الحاكم، أما في هذه الحالة العراقية فعلى الحق الدستوري الإنتخابي أن ينافس ذلك الضغط ويعاركه. أي أن المسيطر والمسير لذلك الضغط، وهو غالباً سلطة إعلامية قوية أو سلطة عسكرية أو سياسية أو أمنية قوية تكون أقوى من الإرادة الديمقراطية وتفرض أجندتها عليها في لحظة من الزمن، وتجبر من تنتخبه تلك الديمقراطية على الخروج من اللعبة، أو تمنعه من الإستمرار بالترشح الذي يضمنه حقه الدستوري.
التظاهرات التي تسقط حكومة ترفض الخروج في نهاية فترتها الدستورية، تخدم الديمقراطية، اما تلك التي تريد إسقاط حكومة تم انتخابها في انتخابات لم تزورها تلك الحكومة بشكل مؤثر لتصل إلى السلطة، ولم تحتفظ بالكرسي بعد انتهاء فترة الحكم الدستوري، فهي ركلة للدستور وتدمير للديمقراطية. وكان من الواضح أن حكومة المالكي لم تحصل على السلطة بتزوير الإنتخابات، بل أن الإنتخابات زورت ضدها وضد كل الجهات والأحزاب الأخرى عدا العراقية، التي تم التزوير لصالحها، كما افترض من قبل الإحتلال ومن تمت رشوته من أجل الأمر.
ولكي لا ندخل في أفتراضات غير مثبتة قانونياً، نذكر أن من طلب إعادة العد هو كتلة المالكي، ولا يطلب الإعادة من يزور الأوراق. ونذكر أيضاً أن المحكمة الإتحادية اشترطت أن يتم العد دون السماح بمقارنة حسابات العد اليدوي مع جداول صناديق الإقتراع، أي بطريقة لا تكشف التزوير!
هذا ما يراه مناصري المالكي والإئتلاف الوطني، اصحاب الحكومة،على الأقل، وقد يرفضه مناصري أياد علاوي، وينكرون تزوير الإنتخابات، لكنهم لا يدّعون بأن حزب المالكي زور الإنتخابات بأية درجة مؤثرة، فهم لم يطلبوا إعادة العد على أية حال. إذن، اليس من الغريب أن ترفض نتيجة الإنتخابات عن طريق التظاهرات التي تنادي بإسقاط الحكومة، دون أن تكون قد اعترضت على تلك النتائج بالشكل القانوني الدستوري أولاً؟ وهل لو كان للشعب التونسي أن يغير النظام عن طريق الدستور، كان سيقوم بالتظاهرات، وللشعب المصري أن يتحمل كل وحشية نظامه في تحطيم التظاهرات؟
في حالة تونس، لم يستطع النظام أن يخرج تظاهرات مضادة يقول أنها تمثل مؤيديه، فلم يكن له مؤيدون يذكرون. وأما النظام المصري، فلم يستطع ان يخرج سوى الف وخمسمائة بلطجي قال أنهم من يؤيده، فهل هذا هو الحال في العراق؟ ألا يستطيع المالكي أن يخرج تظاهرات لمؤيديه قد يزيدون على التظاهرات التي يدعو إليها خصومه؟ فهل مثل هذه ثورة شعبية أم صراع أهلي؟ حين خرجت التظاهرات في إيران، والتي بدأت بنفس طريقة مصر، خرج لها بعد أيام تظاهرات تفوقها عدداً بشكل كبير للغاية، تؤيد أحمدي نجاد، وهو ما ينتظر أن يكون الحال في العراق، فأي انتضار يرتجى في مثل هذه الحالات؟
لكن دعونا ننظر إلى نقطة أخرى في حالة العراق، اكثر مما في حالة إيران. ففي العراق هناك "حكومة وحدة وطنية" إن صدقنا ما يقوله السياسيون. أي أن الكتلتين الكبيرتين تشتركان في الحكومة، حتى هذه اللحظة على الأقل، فلم يبلغ الخلاف بعد الإفتراق الرسمي الذي يجعل من إحدى الكتلتين معارضة. فإذن من الذي يتظاهر؟ ومن الذي يمثله؟ وما هو وزنه الإنتخابي إن كان خارج الكتلتين الأكبر؟ وأي انتصار للديمقراطية ينتظر حين يسقط أقلية صغيرة، حكومة شكلتها أكبر كتلتين في العراق، وتمثلان أكثرية كبيرة في المقاعد البرلمانية؟
وإن اعتبرنا أن الكتلتين اللتان تتفاوضان اليوم، مازالتا غير متفقتين، وأن أحداهما هي التي تقود التظاهرات ضد الأخرى، ألا يعني هذا أنه استعمال التظاهرات للضغط من إحدى الكتلتين لإجبار الثانية على تقديم تنازلات تفاوضية بالقوة؟
وكإحتمال أخير، قد يقول قائل أن التظاهرات لا تهدف إلى إسقاط الحكومة بل للضغط عليها من أجل أهداف محددة، مثل توفير الكهرباء والخدمات المختلفة. وسيكون مثل هذا الهدف معقولاً ومنطقياً وديمقراطياً، لولا أن الحكومة لم تأتلف بعد، فعلى ماذا يتم حسابها؟ لو قامت تلك التظاهرات في وسط فترة الحكم السابقة لفهمنا أن الشعب أعطى الحكومة فترة كافية، ولا يريد أن يستمر في ا لمعانات، أما أن تقوم التظاهرات قبل أن تقوم الحكومة، أو يكتمل إئتلافها فأمر ليس من المنطق في شيء. فقد تم انتخاب هذه الحكومة تواً، ولم يتح لها أن تبرهن جودتها أو سوئها، فعلى أي أساس يتم طردها؟ وإن تم ذلك وصارت انتخابات جديدة، فهل ينتظر إلا أن تفوز نفس الحكومة؟ هل اعطيت الفرصة للحكومة حتى لكي تقوم بعمل يغير رأي ناخبيها بها؟
إذن، ليس هناك أي منطق سليم في مثل هذا التظاهر سواء كان هدفه أسقاط الحكومة، لأن الحكومة تمثل أكبر الكتل البرلمانية إن لم تكن تمثل اللكتلتين الأكبر. ولا إن كان هدف التظاهرات مطالبة الحكومة بالخدمات أو تغيير سياستها في أي شيء، فهي لم تقم بشيء بعد، يمكن الحكم عليها من خلاله.
لماذا إذن تتم الدعوة إلى التظاهرات، ومن الذي يدعو لها؟ في تصوري أن الغالبية الساحقة ممن يدعون الى التظاهر، هم مواطنين غير راضين عن الحكومة ولا يأملون منها بشيء ولم ينتخبوها، ولديهم اعتراضات هامة وحقيقية عليها. لكن في الديمقراطية، حتى المريضة منها، من حق الحكومة أن تحكم حتى إن لم تكن أقلية راضية عنها، وفي كل الأحوال من حقها أن تعطى الفرصة لتبرهن نفسها.
أما الأقلية ممن يدعون إلى التظاهر، فلا أتصورهم إلا من توابع الإحتلال يقوم بتوجيههم في مرحلة ثانية لتزوير إرادة الشعب، بعد أن فشل تزويره للأولى بإيصال جماعته إلى رئاسة الحكومة، والهدف في هذه الحالة هو أما إسقاط الحكومة بالقوة، او الضغط عليها لكي تضطر إلى تسليم المواقع الأمنية لجماعته، وهو ما كانت هذه الجماعة تصر عليه منذ البداية.
فالإحتلال يدير الإرهاب، ويريد أن يسيطر على الأمن لكي يقفل الدائرة. وفي تلك الحالة فقط، بالسيطرة على الإرهاب والأمن، يكون له أن يسيطر على البلاد حتى لو كان فيها هياكل ديمقراطية، فبإمكان الإرهاب أن يغتال أي مرشح غير مناسب، وبإمكان الأمن أن يحمي ذلك الإرهاب. وبإمكان الإرهاب أن يسقط أية حكومة مالم يكن الأمن بيد تلك الحكومة، وبإمكان الإرهاب أن يخيف أي مرشح ، ومعظم الناخبين، ما لم يكن الأمن بيد أمينة. وأخيراً يمكن للأمن نفسه أن يتجسس على أي مرشح غير مناسب للإحتلال وأن يبتزه وأن يدبر له التهم الجاهزة أو الفضائح الكاذبة. فالأمن هو الجهة العصية على الديمقراطية، لأن الديمقراطية تعتمد على الشفافية، والأمن يستطيع التحجج بالسرية الخاصة به، للهرب من أية محاسبة ديمقراطية.
إنني أفهم الدوافع القوية للغضب وعدم الرضا للغالبية الساحقة من العراقيين، لكن التظاهر وإسقاط الحكومة المنتخبة، للأسف، ليست الطريقة المناسبة لحل تلك المشاكل، ولا تزيد الإشكالات إلا إشكالات أكبر، وتسير بالبلاد إلى الهاوية.
لطالما دعوت إلى أن يتعود الشعب التظاهر للإعتراض على ما لا يعجبه، مثل المعاهدة الأمريكية التي جاءت بشكل إجباري، أو ضد قانون نفط سيء، أو من أجل ديمقراطية أكبر، أما في هذه اللحظة الزمنية بالذات، والحكومة لم تبدأ عملها بعد، فمن يدعو للتظاهر، فهو أما شخص متحمس لا يدري ما يفعل أو شخص خطر يحاول خداع الناس. لذلك أدعوكم، ليس فقط إلى عدم المشاركة في هذه العملية التي لا معنى لها، وإنما إلى رفضها والعمل على توعية الناس بخطورتها وعدم صلاحيتها لحل المشكلات المعنية، وبالتالي فمن خطط لها لا يقصد حل تلك المشاكل على الإطلاق!