Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هل نتوقف عن الكتابة في الشأن القومي ؟

هموم كثيرة تحيط بالأنسان العراقي اليوم ، بعد ان تمزق وطنه وتحول الى ساحة مفتوحة للقتلة واللصوص وتجار المخدرات وخطف البشر .. وربما لم يعد مكان للتفكير في الحقوق القومية والوطنية والأنسانية والحرية الشخصية . ولكن في هذه الفوضى العارمة وبين هذا الركام ، يصادفك من يجد فسحة للكتابة وللتعبير ، ولكن هذا الشخص بدلاً من الساهمة في ضماد الجروح والعمل على التئامها وشفائها ، يعمل على نبش الماضي ويستنبط النظريات العتيقة التي عفا عليها الدهر ، فيحدد الكلدانية ، ويرجع ( ويفسر الماء بالماء ) ، فيقول أن الكلدانية مذهب كنسي والى آخره من الكلام المكرر والذي من العبث مناقشته وصرف الوقت دون جدوى .
إن مفهومية إلغاء الآخر وصهره في بوتقة المتعصبين ، امر يجري في كل القوميات ويسلكه القومويون منهم . نحن الكلدانيين قد عانينا من تبعية هذه الأفكار الشوفينية ، فألغي تاريخنا وثقافتنا وتراثنا ، ونكرت شخصيتنا وذاتيتنا وهويتنا، وقدمت لنا النصائح لنكون وحدويين ، وأحيان اخرى الصقت بنا تهمة الخيانة لأننا ندافع عن هويتنا كبقية البشر ، وكانت تهمتنا اننا نعمل على تمزيق وحدة الأمة .
تحضرني هنا مقابلة بين المرحوم ملا مصطفى البارزاني زعيم الثورة الكردية والمرحوم طاهر يحي رئيس الأركان في حكومة بغداد بعد انقلاب 8 شباط الدموي . وقال طاهر يحي للبرزاني بأن الشعبان الكردي والعربي أخوان ولا ينبغي ان يكون بينهما اقتتال .. الخ ، وقال البارزاني :
أنا لا أفرق بين مكونات الشعب العراقي وإننا جميعاً ننتمي الى الجنس البشري ، لكن ، أسمكم طاهر ، وأسمي مصطفى ولكان من العبث نفي أننا أثنان وليس أنساناً واحداً ، فلكل واحد منا شخصيته الخاصة . وإذا أردتم تثبيت العكس فإن ذلك سيؤدي سريعاً الى مواجهة دائمة .
أجل هذا هو جوهر إلغاء الآخر مهما تشعبت الأسباب والذرائع والمبررات التي يطلقها الرادكاليون في محاولاتهم لصهر الآخر وتذويبه في بوتقتهم .
نحن الكلدانيون لا نريد ان نتباهى بتاريخنا ، لكن هناك من المؤرخين والكتاب والرحالة من الأجانب يذكرون الكلدان وعلومهم ومآثرهم . والقائمة تطول لو سردنا اسماء المؤرخين وما يدونوه ، ونكتفي باليسير منهم ، بأن الأمة الكلدانية هي الأساس في شعوب المنطقة ومنهم الآشوريين بالذات :
هذا قاضي صاعد الأندلسي ( المتوفي 1070 م ) في التعريف بطبقات الأمم 133 يقول :
والأمة الثانية الكلدانيون ، وهم السريانيون والبابليون وكانوا شعوباً منهم : الكربانيون والآثوريون والأرمنيون والجرامقة وهم أهل الموصل والنبط وهم اهل سواد العراق ..
وهذا هو المسعودي يكتب في التبيه والأشراف المطبوع عام 1893 يقول :
.. أعني الكلدانيين وكانت دار مملكتهم العظمى مدينة كلواذي من أرض العراق وأليها أضيفوا وكانوا شعوباً وقبائل منهم : النونيون والآثوريون والأرمان والأردوان والجرامقة ونبط العراق وأهل السواد ..
في شأن آخر طالعت بعض الرحلات التي مرّ رحالوها الى ديارنا في القوش والموصل وتلسقف وتلكيف وغيرها من مدننا وقرانا ، وقرأت عن رحلة متنكر الى بلاد ما بين التهرين وكردستان . تأليف سون (
) ترجمة فؤواد جميل وفي هذا الكتاب يشير الكاتب باستمرار الى لفظة الكلدان فيقول 87Soane
وكان الرومان الكاثوليك ، من بين الطوائف الأخرى في شغل شاغل وأخص منها : الأرمن والكلدان ، وكثير منهم يدين بالولاءالى البابا ...
وفي ص90 يقول : وفي كردستان الجنوبية والفارسية ، حيث يتشابه لباس الأكراد والكلدان تماماً ، من المفرح ان نقول انه على وفاق مع جيرانه القساة ، وحيث يحسن الكلداني التكلم بالكردية ...
ويستمر الكاتب في سرد الأمور مستخدما لفظة الكلداني للتعبير عن أشوريي اليوم والكلدان على حد سواء ففي ص201 يقول :
وكانت البطريركية في القرن الخامس عشر في ( القوش ) ، غير بعيدة عن الموصل ، لكن الأضطهاد كان يزداد حدة وعناداً ، وكثير اضطروا الى الأنضمام الى صفوف الكثلكة . وأغفل الكلدان الأرثوذكس شأن البطريرك القائم : مار الياس ، وانتخب مار شمعون في ( جولمرك ) ودأب الذين نسلوا منه على اتخاذ اسم ( شمعون ) ، وهم اليوم قادة الكنيسة الكلدانية القديمة ، الزائلة عن الوجود تقريباً .
ويضيف :
وعلى حين استمرت طائفة الكلدان الكاثوليك ، بفضل جهود المرسلين ، على تسجيل مجندين أكثر من كلدان السهول ... وكان الحزب الأرثوذكسي في الجبال يزداد أيداً وثقةً ، لقد عدّ أتباعه بين ظهراني الأكراد ... ولم يستطع موظفو الحكومة التركية حتى سنة 1839 أن يشجعوا روح الثأر لدى نور الله بك وهو كردي حكاري ، كان له مع بعض الكلدان ثأر دموي ... ويضيف الكاتب ص203 فيتكلم عن مذبحة الكـلــدان فيقول :
وفي كانون الثاني سنة 1909 حدثت مذبحة جديدة ضحيتها الكلدان القدانى ، وكان معظمها قرب سعرد القريبة من بتليس ، وهي صقع هوى فيه الكلدان الى الحضيض الأوهد مادياً ومعنوياً ... الخ
وفي هذا المقام أيضاً تأتينا العبارة الصريحة من صاحب رحلة ( المنشئ البغدادي ) ، وهو السيد محمد ابن السيد أحمد الحسيني المعروف بالمنشئ البغدادي وكتبها عام 1237 هجرية الموافقة 1822 م . وما يهمنا من هذه الرحلة في هذا المقال المقتضب ما يكتبه عن مدننا فيقول لدى مروره في القوش من دير الربان هرمز : ص85
ومن هناك الى القو ش فرسخ واحد وهذه قرية نفوسها نحو ألفي بيت كلهم من الكلــدان ، وجبلهم هذا في حكم باشوات العمادية ، وأن القوش نصف منها يعد من الموصل والنصف الآخر يعتبر من العمادية .
وص86 يقول :
ومن القوش الى تل أسقف أربعة فراسخ ، وأن الطريق سهل ، وبيوتها نحو ألف ، كلهم كلـــــدان ، وفيها معبدان قديمان ..
ومن تل أسقف الى ( تلكيف ) فرسخان ، وهذه تبلغ الفي بيت كلهم كلـــــدان وفيها ثلاثة معابد كبيرة . ويضيف ان أهل هذه القرى كلهم بندقيون ( تفنكجية ) أي يحملون البنادق ، ومن تلكيف الى الموصل فرسخان ..
أقول : أن السيد محمد أبن السيد أحمد الحسيني المعروف بالمنشئ البغدادي ، ليس كلدانيــاً وليس من مؤيدي الحزب الديمقراطي الكلـــداني او المجلس القومي الكلـــداني وليس عضواً في جمعية الثقافة الكلدانيـــــة ، إنما كتب عن واقع هذه المدن كما رآها ، وإن ما يجري اليوم من تزييف التاريخ والحقائق في هذه الأيام من أجل المكاسب الشخصية او الحزبية الضيقة لأمر محزن حقاً .
لقد انبرت نخبة من المثقفين من ابناء شعبنا بغية توحيد الصفوف وجمعوا تسميات شعبنا في مصطلح ، الكلـــدان السـريان الآشـورين ، ومن ثم السـورايي . وعقد مؤتمر في عنكاوا من اجل ذلك ، نحن نبارك لهم هذه الجهود الخيرة ، إن كل ما يصب في مصلحة شعبنا علينا ان نؤازره مع احتفاظنا بتسمياتنا التاريخية ، إذ ليس من حق هذا الجيل او غيره من الأجيال التجني على التاريخ ، بألغاء الموروث والثقافة والأسم .
نحن مع الخطوات التوحيدية المبنية على التفاهم والندية بعيداً عن نظريات الصهر والألغاء والأحتواء ، إذ ان هذه النظريات قد ولى عهدها مع نظام هتلر وصدام وغيرهم من العتاة .
نحن نتطلع بعد المناقشات المستفيضة في هذا الشأن ان نستريح على ضفاف التفاهم والتعاون بعد وعثاء أحابيل السياسة ونكد الأخبار ومزادات الكلام الذي لا طائل من ورائه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ البارزاني وشهادة التاريخ ن نأليف نخبة من الكتاب الروس ، ترجمة د . باقي نازي : د . عبدي حاجي ، الدار العربية للموسوعات 2006 بيروت
ــ التنبيه والأشراف : تأليف المسعودي : دار صادر بيروت ، طبع بمطبعة بريل سنة 1893
ــ التعريف بطبقات الأمم : تأليف قاضي صاعد الأندلسي ، طهران .
ــ رحلة متنكر الى بلاد ما بين النهرين وكردستان : ناليف سون (( ميرزا غلام حسين الشيرازي )) ، ترجمة فؤاد جميل ، بغداد سنة 1970
ــ رحلة المنشئ البغدادي ، كتبها سنة 1822 م نقلها عن الفارسية عباس عزاوي المحامي ، بغداد 1948

حبيب تومي / اوسلو
tomihabib@hotmail.com Opinions