Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هل نحن المسيحيين بحاجة الى صحوة ؟

يتفق معظم المحللين السياسيين على أن التحسن الملموس الذي طرأ على الحالة الأمنية في العراق يرجع الى ما أصطلح عليه مؤخرا من مصطلح (صحوة العشائر)الذي ظهرت في محافظة الأنبار عندما تم تنظيفها من الأرهابيين من عناصر القاعدة , سواء المتسللين منهم أو الحاضنين لهم من قبل بعض جماعات الداخل , والصحوة حصلت بعدما تأكد للعشائر العراقية الوطنية ذي التاريخ الوطني المشرف بأن ما يهدف اليه الأرهاب بجناحيه , القاعدة الأصولي وعناصر الأرهاب الفارسي الأيراني هو تقسيم العراق الى دويلات طائفية , ومن الغريب أن تتفق أجندة هذين العدوّين اللدودين على حلم طالما تمنته الصهيونية العالمية والصفوية الفارسية وهو تجزأة وتفتيت دول المنطقة ولا سيما دولة العراق عدو الصهيونية التاريخي والثأر الذي تطلبه الدولة الفارسية نتيجة خسارتها في ساحات المعارك والثورة التي بقي العراق سدّا منيعا في وجه تصديرها .

والعشائر العراقية ذي الماضي العريق في الدفاع عن العراق والذي تجسد جليّا في ثورة العشرين أبت غيرتها
الوطنية أن تبقى متفرجة على ما يجري من عملية ذبح العراق وتفتيته الى دويلات طائفية وتنتشر فيه الجريمة المتمثلة في القتل والسلب والنهب والأختطاف والأغتصاب كل ذلك يحدث عن طريق المليشيات الأرهابية التي شكلتها ودعمتها نفس الجهات المسيطرة على مقاليد الحكم وبلامبالاة غريبة من القوات المحتلة بعد أن ألغت وحلت الجيش العراقي بقرار غبي لم يفد معه الندم بعدئذ . فكان أن تحركت العشائر لتعيد بعض الأمور الى نصابها .

والمسيحيون العراقيين الذين كانوا عاملا رئيسيا في تأسيس الدولة العراقية الحديثة متمثلا في موقف البطريرك
المثلث الرحمات مار يوسف عمانوئيل توما بطريرك بابل على الكلدان وموقفه الوطني في قضية الموصل المعروفة ودوره المشرف في بقاء لواء الموصل ضمن حدود الدولة العراقية الفتية , وألا كان مصيرها كمصير لواء الأسكندرونة السوري وكانت غايته هي أعادة تأسيس الدولة العراقية بالحدود التي أقرتها عصبة الأمم ولم يقصد الحفاظ على حقوق المسيحيين فقط بل على حقوق كافة المواطنين في لواء الموصل الذي كان يشمل محافظة نينوى الحالية ومحافظة دهوك وقسم من محافظة اربيل , اي من الحدود التركية الى قضاء شرقاط داخل وهكذا كانت نتيجة الأستفتاء لصالح بقاء لواء الموصل ضمن الدولة العراقية والذي كان لأصوات مسيحيي
لواء الموصل الدور الرئيسي في نتيجة الأستفتاء

وتميز المسيحيين العراقيين بحسهم الوطني فكانوا السباقين في خدمة العراق وفي الدفاع عنه كلما تطلب منهم ذلك ولم ينجرفوا نحو مغامرات خيالية في الأدعاء بأقامة الدولة الكلدانية على أرضهم التاريخية بل عملوا مع أخوتهم المسلمين في بناء العراق بالعمل المثابر المخلص وتفوقوا في كافة المجالات العلمية والثقافية والتجارية وحتى العسكرية وبرز بينهم أطباء متميزين ومهندسين أكفاء واساتذة اجلاء ورجال ثقافة وعلم واكتسبوا احترام مواطنيهم المسلمين وعاشوا معهم عقود وعقود في ود واحترام كأخوة اعزاء وكانوا في جميع مراحل الدفاع عن العراق تجاه أطماع الطامعين جنبا الى جنب مع اخوتهم المسلمين وامتزجت دمائهم ببعضها على تراب العراق

وبعد دخول القوات الأمريكية واسقاط النظام السابق وجلبه معه حكام فصلهم على قياسه مستندا بغباوة على معلومات خاطئة عن العراق وشعبه , ظهرت مفاهيم عكسية على الساحة العراقية , فأصبح المدافع عن العراق ضد الأطماع الخارجية خائنا والهارب الى جانب العدو في الحرب مناضلا , واصبح المنادي بكون العراق بأجمعه هو موطن المسيحي العراقي منتقدا (بفتح التاء)والمنادي بعزل المسيحيين في منطقة معينة من العراق
ليكون جزءا من جزء بدلا من جزء من الكل هوالحريص على مسيحيي العراق وحتى مفهوم الأستشهاد استخدم كيلين في التعبير عنه , لا أحد يذكر شهداء قرية فيشخابور الذين يقارب عددهم المائة (في رقم متواضع)ذبحوا غدرا والمذكورة قصة استشهادهم في كتاب(( فيشخابور)) للأب العلامة البير أبونا والشبان الستة الذين قتلوا ظلما في عام 1965

وتكالبت اقلام الحاقدين على رمز المسيحيين العراقيين غبطة البطريرك الكاردينال مار عمانوئيل الثالث دلي لأنه مارس رسالته الوطنية كعراقي بالدفاع عن المواطن العراقي سواء كان مسيحيا أم مسلما تجاه الظلم الذي وقع عليه في السنوات الخمس الأخيرة وكذلك لأنه مارس واجب رسالته السماوية في طلب الصفح والغفران للسيد طارق عزيز الذي لم توجه له تهمة طيلة الخمسة سنوات من حجزه , وحاجزيه حيارى في كيفية خلق تهمة له

أن المسيحي العراقي لا يعرف الا أن يكون مخلصا لوطنه , يدافع عنه مخلصا في عمله وينجزه بكفاءة وأخلاص مخلص في تعامله سواء في الطب أو التدريس أو التجارة وهذا ليس غريبا عليه لأنه يطبق ما يؤمن به وما علمته له ديانته السماوية فأن لم يكن هكذا فلا يدعى مسيحي

وهنا تحضرني قصة شخصية مسيحية قد لا أتذكر تفاصيلها حرفيا لمرور سنين طويلة عليها الا أن فحواها العام لا يختلف كثيرا .
كان المرحوم العميد أفرام هندو وهو من المسيحيين السريان الكاثوليك مثالا لكل مسيحي عراقي ,وكان معروفا بتدينه , سيما وأنه كان من عائلة مسيحية متدينة , حيث كان شقيق المثلث الرحمات (أثناسيوس بولس هندو )مطران طائفة السريان الكاثوليك في بغداد . رأيته لأول مرة في نهاية أربعينيات القرن الماضي وكان حينئذ برتبة رئيس(نقيب)بالرتبة حاليا .عندما كان يأتي الى قريتنا فيشخابور لزيارة بيت عم زوجة أخيه.المرحوم روفائيل هندو كان المرحوم حين يحضر الى الكنيسة لحضور القداس الألهي يبقى راكعا على ركبتيه طيلة فترة القداس .تدرج المرحوم في الرتب العسكرية الى أن وصل الى رتبة زعيم (عميد)في عام 1958 عام ثورة 14 تموز وكان ضمن هيئة ركن اللواء 19 الذي كان آمره عبد الكريم قاسم , وأثناء التخطيط للثورة طلب منه عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف أن يقوم بتنفيذ احدى المهام المتعلقة بالثورة , فما كان منه الا أن رفض الأشتراك بالثورة مستندا الى أنه سبق وأن أقسم بأن يكون مخلصا للوطن وللملك أثناء صدور المرسوم الملكي بمنحه رتبة ملازم في الجيش العراقي وأنه ليس مستعدا للنكوث بقسمه وخيانة الملك . فتركاه دون أي اجراء عقابي بأعتقادهم بأنهم لو عوقب فمن المحتمل أن يشي بسر الثورة .
وبعد نجاح الثورة أودع السجن للنظر في أمره وبعد فترة زاره عبد الكريم قاسم في السجن وقال له مازحا يلزمك محام شاطر لينقذك من تهمتك فأجابه المرحوم. المحامي الذي وكلته للدفاع عني لا يوجد بالكون من هو أشطر منه , فأستغرب عبد الكريم قاسم من هذا الجواب وسأله ومن هو هذا المحامي ؟ فأخرج مسبحة الوردية الذي كان يصلي بها يوميا وأراها لعبد الكريم قاسم قائلا هذا هو محاميّ العظيم . الذي يخلص جميع المؤمنين متى ما طلبوا منه ذلك . وفعلا لم تمض فترة طويلة حتى خرج من السجن وكان آخر منصب شغله قبل أحالة نفسه على التقاعد هو منصب مدير التجنيد العام

ألسنا اليوم بحاجة الى صحوة مسيحية تتماشى مع صحوة العشائر العراقية للحفاظ على المفاهيم الحريصة على الوطنية ويتكاتف جميع العراقيين مسيحيين ومسلمين لأعادة الهيبة لهذا الوطن الذي صار مسرحا لكل عدو طامع .فالأمل بأبناءه المخلصين عظيم لأنهم احفاد أشخاص عظماء شهد ويشهد التاريخ لهم

بطرس شمعون آدم
تورونتو - كندا Opinions