هل يعقل أن البعض منا لم يتعظ بما جرى في كنيسة سيدة النجاة في بغداد؟
جامعة يونشوبنك – السويدleon.barkho@ihh.hj.se
في أخر إتصال لي مع كاهن في بغداد قال إنه الأن منشغل طوال اليوم بمنح شهادات العماذ. وقال منذ المذبحة الرهيبة التي حلت بنا في كنيسة سيدة النجاة، بدأت موجة نزوح كبيرة للمسيحيين من بغداد ومعظمهم واجهتهم خارج العراق – إما سوريا أو تركيا. وقال أن حوالي عشرين عائلة تغادر منطقته – خورنته – يوميا.
وفي الأسابيع التي تلت هذه المذبحة الرهيبة، قرأنا عشرات وعشرات المقالات معظمها إن لم يكن كلها تدعو إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الفئات المختلفة التي يتكون منها الطيف المسيحي في العراق من ضمنها الأحزاب والنوادي والكنائس وغيرها.
وموقف كهذا يمثل أقل ما يمكن أن نقدمه للدماء الطاهرة التي إنسابت كالأنهار في إحدى كنائسنا. وبناءا عليه لم نتوقع أن تعود حليمتنا إلى عادتها القديمة سيما وأن هذه الدماء لم تجف بعد لأنها سقيت ولا زالت تسقى بدماء جديدة كل يوم إن كان في الموصل أو بغداد أو كركوك أو أماكن أخرى في عراقنا الجريح.
وموجة النزوح للمكون المسيحي في العراق لا تنحصر ببغداد والموصل والبصرة وكركوك. صارت هذه الموجة سمة المكون المسيحي على طول وعرض العراق ومنه إقليم كردستان حيث ينعم حاليا بقدر لا بأس به من الأمن.
كل هذه الأحداث المريرة لو ألقيت على مسامع صخرة لبكت من هولها.
بيد أن البعض من أبناء شعبنا الكلداني الأشوري السرياني الواحد يبدو أنها لا تكترث على الإطلاق. وبدلا من أن تغير نهجها السلبي تزداد فيه تشبثا.
وهكذا أعادنا هذا البعض إلى المربع الأول ودماؤنا لا زالت تنزف ووجودنا على أرض الأجداد على كف عفريت.
وكفانا الله شر الشخصنة، إلا ان عودة البعض إلى مسألة التعداد السكاني في العراق (رابط 1) تثير الكثير من الشكوك إن كانت الدماء الزكية التي جرت والتي تجري الأن والتي ستستمر في الجريان قد حركت فيهم ساكنا.
ما الحكمة من العودة إلى هذا الموضوع ونحن على شفا الإنقراض. ومتى كان التعداد من الناحية العلمية مسألة عددية فقط.
الأمم والشعوب المتطورة تأخذ التعداد السكاني كمعيار لتبيان مدى تطورها الحضاري والثقافي والصناعي والعلمي ومنه تنطلق صوب نهضة حضارية وثقافية وصناعية وعلمية أخرى. أي التعداد وسيلة للتطور والحضارة والرقي وليس لتبيان عدد النفوس.
الأمم المتطورة تعرف عدد نفوسها وتضيف إليه كل مولود جديد في اللحظة التي يولد فيها وتطرح منه كل وفاة في اللحظة التي يتوفى الشخص فيها.
أما بالنسبة إلى هؤلاء فالتعداد مسألة عددية – واحد، إثنين، ثلاثة وهكذا دواليك. لا خطة لهم ولا هم يحزنون ولا هم لهم غير السطحية التي ينظرون فيها للأمور.
لم يخرج هؤلاء علينا بكلام منطقي وعقلاني كي ننظر إليهم كقادة همهم الوحيد إنقاذ شعبنا من محنته إن كان ما يخص الوجود او الحضارة او التراث او اللغة او العلم او التربية او بناء المدارس أو الجامعات او المعاهد لإعلاء شأن ثقافتنا وحضارتنا ولغتنا.
بدلا من هذه الأمور خرجوا علينا مرة أخرى من أجل مسألة عددية لأن لهم فيها غاية. أما ما يخص مستقبلنا ولغتنا وحضارتنا ووجودنا وتراثنا ومدارسنا وليتورجيتنا، فهذه أمور لا شأن لهم فيها.
وكفانا الله شر الطارئين على حضارة ولغة وتراث وعلم كنا نبز الدنيا فيه قبل عدة قرون. كل ما يبتغيه هؤلاء وغيرهم هو كم من الناس يكسبون وكم من المقاعد يحصلون وكم من الكعكة يأكلون.
ودماؤنا تفور وتفور.
رابط 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,458874.0.html