هـمسات خافـتة في صالة صامتة
إضطهـد مار ﭙولس المسيحـيّين ثم تاب و صار من أشـد المبشـِّرين حماسة بالمسيحـية وهـو الذي قال :" إنّ الجـميع أخـطأوا وأعـوَزَهم مجـد الله " لابل تحـمّسَ أكـثر لتقـويم أخـطاء غـيره فـلمْ يتوانَ عـلناً عـن معاتبة الأعـظم منه مار ﭙـطرس وبصوته العالي حـينما عـلِمَ بريائه . ربنا هـوالحـق لا يُحابي أحـداً من بـينـنا ، ولكن أغـلبنا لا يقـتـدي به بل يتجـنب قـول الحـق محاباة ً لغـيرنا ، وإذا جاهـر أحـدنا بالحـق برماحه المدبّبة ومسحاته الحادة فإنه يُـؤلـِمُ مسامع الكـثيرين منا الذين يتحـيَّـنون الفـرص للإصطياد بالماء العكـر في بعض بُـرَكِـنا ، دون أن يراجـعـوا ذواتهم ويسألوا أنـفـسهم : مَن منا يصيد غـزالا ًبرماح مثلومة في البرية ؟ مَن منهم يحـرث أرضاً بمسحاة قـصَبـية ؟ ما نـفـْعُ جـرجـر لم تـُحَـد سكاكينه الفـولاذية ؟ وما العِـبرة من دَويٍّ في بئـر مكـبوتة أمواجه الصوتية ؟ .ما فائدة حـناجـر تـهـمس داخل الخـيَم الصحـراوية ، بـينما الأقـلام الشجاعة تـخـُط حِـكـَماً في ساحات الإحـتـفالات العـلنية ، ما الغاية من قـدَحات خافـتة داخل أكـواخ طينية ، ومصابـيح الغـَيـر منيرة تــُبْهـِرُ العـيون من فـوق أبراجها العاجـية . لقـد غـدا الكـثيرون مَرَضى من فايروسات حـريّة الحـضارة اليومية ، وليسوا يـبحـثـون عـن عـلاج بالأدوية الشعـبـية ولا يكـتـرثـون بالمضادات الحـيـوية ، تـُرى إلى متى يـفـترشون سـفـوح التلال الرملية وهم يحـلمون بإستـنشاق هـواء نقيّ فـوق قـمم الجـبال العالية . أليس الإحـتـفاظ بـتـذكرة الحـجـز والإنـزواء بصمت عـند المقاعـد الخـلفـية ، أفـضل من تـبـذيـر دُرَرهم في أماكن خالية وكأنهم يكـلــّمون ذاتهم الفـردية ؟
أليست حـياتـنا مسرحـية ؟ البعـض منا أبطال أدوارها الثـورية ، يرفـعـون المشاعـل لإنارة الطرق الملـتوية ، وبعـضنا الآخـر يؤدّون أدواراً هامشية بقـناعة راضية مَرْضية ، وغـيرنا كومبارس يأخـذون أجـرتهم ولاعـلاقة لهم بنصوص التمثـيلية ، أما الآخـرون المتميِّزون يتقـوقعـون كمتـفـرّجـين في المواقـع المَنسية لا يـزوّدون نملة بالطاقة الحـركية . وعـنـد بوّابة المسرح تــُبتـذل آراءٌ بتحـليلاتهم المتـرهّـلة الشـفهية في الليالي القـمرية دون أن يُواجـِهوا رشاقة الكتابات الصحـفية تحت أشعة الشمس اليومية ، فـيَحـْرموننا من لـذة الإطلاع عـلى مخـزوناتهم الفكـرية ، كـما يـَحـْرمون أنفـسَهم من فـرصة المساواة المتاحة لعـرض نفائسِهم الأولية ونـتاجاتهم العـصرية في المتــَنـزَّهات الثـقافية . البعض لهم رأيهم ، وغـيرهم لهم رأي حاديهم ، وآخـرون لا أباليّـون لا رأيَ لهم ، وبـينما نحـن نعانق فـرداً فـرداً منهم فـكلنا أحـرار في الإنـتماء إلى أيّ من صفـوفهم . ولكـن الأرضَ نـحـن عِـطرها ، أزهارها ، فـصوصُ وجـيْـدُ عِـقــْدِها ، ويلٌ للحـلقة الضعـيفة منها فهي العَـثـرة ، إذا إنقطعتْ إنفصلتْ باقي لآلـئها ، فـتـفـقـد القـلادة قـيمتها وتخـسرالحـديقة رونـقها ، فهل نبكي عـلى قِـشـِّها ، أدغالها ، ترابها ، أم نـنـدب حـظنا والعلة فـينا وليس فـيها ، إلاّ إذا أعـدنا تـنظيمها بما يُـؤمّـن متانـتها ! بودّنا أنْ نـقـرأ الإجابة عـلى هـذه الصفـحة فـتكـون عِـبرة نستـفـيد منها وليس صدىً نسمعه مُرتـدّاً من عـنـد جـدرانها ، ونـؤكـّد مرة أخـرى " إنّ الجـميع أخـطأوا وأعـوَزَهم مجـد الله ".