وطن في مهب الريح
اوشكت الدورة البرلمانية والحكومية الحالية ان تبلغ منتصفها ولا زال صراع الكتل السياسية محتدما مصحوبا بفقدان الثقة الواضح في علا قاتها ببعضها مع تراجع كلي عن البرامج والاهداف والوعود التي قطعتها القوائم الانتخابية والكيانات السياسية لناخبيها قبيل الانتخابات النيابية الاخيرة في اذار عام 2010والذي لو تحقق منها عشرها لكان المواطن بخير ولأحدثت نقله نوعية في حياته وانهت فصول احزانه والامه ووضعت حدا لماساته المتواصلة منذ عقود لكن الذي حصل ان احلام هذا المواطن ذهبت ادراج الرياح بعد ان تنصل اصحاب الوعود عن وعودهم منذ اليوم التالي لاعلان النتائج الانتخابية نظرا لانشغالهم في صراع الاستحواذ على مغانم السلطة الى الحد الذي اعجزهم عن اتمام الكابينة االوزارية وابق الوزارات الامنية شاغرة حتى الان وانعكاس كل ذلك سلبا على الواقع الامني والخدمي اليومي للمواطن العراقي اضافة الى انعكاسه السئ على مجمل علاقات العراق الخارجية والذي تجسد بعجز الحكومة العراقية عن النهوض بالاستحقاقات الوطنية ورسم معالم واضحة للسياسة الخارجية وفشلها وتخبطها في ادارة ملفات الصراع مع أغلب دول الجوار المتكالبة على العراق من خلال تجاوزاتها المستمرة على سيادته بشتى الصور والذرائع ابتداء من احتضانها للفصائل الارهابية وفرق الموت واتخاذ الارهاب من هذه الدول قواعد خلفية له ينطلق منها الى العراق ومرورا بحرمان العراق من حصته المائية العادلة التي كفلتها له المعاهدات والمواثيق الدولية التي تنظم حصص الدول المتشاطئة من مياه الانهر وصولا الى خنق اطلالته البحرية الخجولة.بشروع دولة الكويت ببناء ميناء مبارك وليس انتهاء بالصمت المطبق للحكومة العراقية ازاء الاعتداءات العسكرية اليومية المتكررة على حدوده وعجزها عن الرد عليها او ايقافها بالوسائل الدبلوماسية، هذا كله على الصعيد الخارجي.اما على الصعيد الداخلي فلا زالت ملفات كل الازمات موضوعة على الرف تراوح مكانهاوتصلح مادة وموضوعا لمسلسلات كوميدية وتراجيدية في ان واحد وفي مقدمتها ملف الكهرباء اذ اصبحت هذه الازمة كابوسا كبيرا مؤرقا للمواطن العراقي ولغزا حير الوزارات العراقية المتعاقبة بعد العام 2003 ورغم الوعود الكثيرة التي سيقت في هذا الشأن فلم يتقدم هذا الملف قيد انملة حتى الان باتجاه تحسين هذه الخدمة ولا زالت المليارات المرصودة لهذا القطاع تتبخر وتتلاشى امام سطوة مافيات الفساد المالي و الاداري المستشري في هذه الوزارة كغيرها من الوزارات العراقية اما الملف الامني فهو الاخر يراوح مكانه مدا وجزرا ولا زال الموت المجاني بالمفخخات والعبوات وكواتم الصوت هو حصاد المواطن العراقي اليومي الذي فوض امره الى الله بعد ان يئس من قدرة السلطات والاجهزة الامنية في ضمان الحياة الامنة له . أما الفساد الاداري والمالي فلم يدع حلقة او مفصلا من مفاصل الدولة الا وتوغل فيه وهو مازال ينخر في جسد الدولة العراقية ويستنزف مواردها وتخصيصاتها ولا زال المفسدين طلقاء بعيدين عن المساءلة والعقاب متحصنين باحزابهم وكتلهم السياسية المستميتة في حمايتهم والدفاع عنهم الى الحد الذي اصاب هيئة النزاهة وعموم القضاء العراقي بالاحباط وجعله عاجزاعن اداء دوره في الامساك بالفساد والمفسدين ودفع بقضاته مرغمين الى التخلي عن مسؤولياتهم او الانكفاء والانزواء حفاظا على ارواحهم الامر الذي وضع موارد البلد واموال الشعب في مهب الريح وبدد المليارات المخصصة للمشاريع التي كان يمكنها النهوض بواقع المواطن المعيشي والخدمي لو تم استغلالها على الوجه الصحيح بعيدا عن الايدي العابثة وسراق المال العام .
اما الدرجات الوظيفية التي وعد بها العراقيون منذ مايقرب السنتين فلم تسلك طريقها حتى الان الى عوائل وبيوت المحتاجين ولم يحصل عليها الا الذي استطاع ارتقاء سلم الرشوة والمحسوبية وركوب الموجة الحزبية والطائفية.
اما الحديث عن برلماننا العتيد فهو حديث ذو شجون ويدمي القلوب اذ لم يرتق نواب الشعب الميامين حتى الان الى مستوى المسؤولية المناطة بهم في ممارسة دورهم التشريعي والرقابي فلا زال الكثير من مشاريع القوانين والتشريعات حبيس الرفوف و المكاتب بانتظار المناقشة والاقرار ولا زالت التعديلات الدستورية التي طال انتظارها مؤجلة حتى اشعار اخر ولازال الدستور في الكثير من مواده ونصوصه المبهمة والمطاطة وغير القاطعة في دلالاتها يشكل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في اية لحظة كلما اثيرت قضية او استجد امر مثلما يحدث اليوم في مسألة الاقاليم المطروحة بقوة وما احدثته من شرخ واسع وانقسام واضح في صفوف الجماهير وفي اوساط السياسيين ورجال السلطة على حد سواء بين داعم بقوة ومعارض باستماتة لهذا الطرح نجم عنه معضلة كبرى وتعقيد اخر جديد يضاف الى المشهد العراقي المرتبك والمعقد والمتفاقم اصلا والذي لا يتحمل المزيد وخاصة ما تعلق منه بموضوع شكل وطبيعة العلاقة وكيفية توزيع الصلاحيات بين المركز والاقاليم او المحافظات وعوض ان يكون هذا الدستور عقدا وطنيا واجتماعيا جامعا لكل العراقيين اصبح سببا لفرقتهم واختلافهم ومدعاة لتجدد صراعاتهم وثوراتهم على بعضهم ، اما نوابنا الاكارم فلهم كل العذر في تقصيرهم وتقاعسهم ولا مبالاتهم بسبب استغراقهم وانشغالهم في جولات الايفاد والسفر والمؤتمرات والتصريحات والحوارات الغير مجدية وجلسات التسامروالمجاملة. الدورة الانتخابية قطعت نصف الطريق ولا زالت لغة المزايدات والمساومات السياسية والتهديد بالمقاطعة والانسحاب من العملية السياسية لتحقيق المكاسب والامتيازات على حساب هذا الطرف او ذاك هي السائدة في علاقة الاطراف السياسية ببعضها ولا زال الجميع سعيدا بالرقص على اشلاء المواطن العراقي ومعاناته اليومية بلا ادنى رادع او احساس بالمسؤولية الاخلاقية والانسانية تجاه هذا المواطن الذي كان لصوته الفضل الاول والاوحد في ايصال هذه العناوين والقيادات الى مواقعها وكراسيها لتتربع على عروش اتضح انها شيدت من دماء العراقيين ودموعهم ومن جراحاتهم والامهم .بل العكس هو الصحيح فالكل يدعي ويزعم ان هاجسه ومنطلقه في صمته وصراخه اناء ليله واطراف نهاره هو خدمة الوطن واسعاد المواطن و{عيش وشوف يا مواطن}.
ان الشعب العراقي الذي رزح تحت نير دكتاتورية الحزب الواحد والقائد الاوحد لسنوات وعقود يرزح اليوم ويئن من تفرد واستبداد الكتل الكبيرة وصراعاتها المريرة على الكعكعة العراقية التي يسيل لها لعابهم . اما هامش الحرية التي اتيحت للعراقيين بعد التغيير فيبدو متواضعا وفاقدا لقيمته ومحتواه الرائع اذا ماقورن بالحال البائسة التي تردى اليها المواطن العراقي من نواح كثيرة وبالتاكيد لم يكن هذا ماكان يرجوه وينتظره هذا المواطن ممن تولى امره ولم يكن هذا ما كان ينشده من التغيير ونهاية الطغيان ولم يدر بخلده ان يكون ثمن هذا التغييرفادحا وباهضا الى هذا الحد..
ايها الساسة الاجلاء ممن خبرتهم سوح السياسة وعركتهم ميادينها الشائكة وقارعوا الدكتاتورية المبادة بلا هوادة او من ولج حقلها في غفلة من الزمن مرتزقا وانتهازيا ومتطفلا.. لقد سئم العراقيون من خطبكم وتصريحاتكم ونقاشاتكم ومداولاتكم في الغرف المفتوحة والمغلقة وتحت الطاولة وفوقها وخلف الكواليس وعلى الملأ لأن ايديهم لم تقبض الا على الريح ولأن أعينهم لم تشهد الا البؤس اليومي المتصاعد الذي احال حياتهم الى جحيم ..فهل من استفاقة وصحوة ضمير تعيدكم الى رشدكم لتنظروا بعين الرحمة والمسؤولية الى شعبكم ؟ الا تكفي ثمان سنوات من التناحر والشقاق والاختلاف ؟اما حان الوقت لتنطلقوا الى الفضاء الرحب فضاء البحث عن المصالح الوطنية والمشتركات المصيرية لتجعلوا منها السقف الذي تستظلون به؟ ايعقل ان يهدأ لكم بال وان يهنأ لكم عيش وانتم تعيشون حياة الاباطرة والقياصرة والاكاسرة وعلى مرمى حجر من قصوركم الباذخة الحصينة يقبع شعب في زوايا الهوان والنسيان والفاقة معتاشا بعضه على التسول او لائذا بمواقع القمامة وما اكثرها في وطني ؟
لقد سئم الشعب حتى وجوهكم واسماءكم ايها السادة مثلما سئم اقوالكم ووعودكم التي لم تصدق يوما ولم تكن الا جسرا للخديعة والنفاق تعبرون من خلاله بمركب انانيتكم وساديتكم الى رحاب السلطة التي اغشت مغرياتها قلوبكم وابصاركم .
لقد عجز الصبر عن صبر العراقيين وضاق ذرعا بصبرهم وطول بالهم عليكم وعلى شقائهم فهل من وقفة لكم مع انفسكم لاعادة النظر في ما الت اليه احوال الشعب واحوالكم معه ام ان شهوة السلطة وشيطانها وروح الاثرة فيكم خنقت بذرة الخير وقضت على نوازع الفضيلة في انفسكم فانستكم هول المصاب وفداحة الخطب الذي حل بشعبكم ؟ عجيب امركم ايها السادة فانتم مختلفين متقاطعين فيما بينكم غير متفقين الا على تعذيب العراقيين وايلامهم وافقارهم واذلالهم ،فلا يألو احدكم جهدا ولا يدخر وسعا للايقاع بصاحبه وتسقيطه والنيل منه ثم فجاة نراكم مبتسمين متصافحين متوددين لبعضكم تجمعكم مائدة واحدة او مجلس واحد ، تصريحاتكم تتناقض بين عشية وضحاها ومواقفكم لاحدود لها للتقلب والتلون والتغيير والمناورة والتضليل فهل مرد الامر ان بعضكم لازال يعيش مرحلة المراهقة السياسية بل مرحلة الصبينة السياسية بحيث لايدرك ابعاد واخطار مواقفه المتناقضة والملتوية على الشارع العراقي وانعكاسها على مجمل حياة العراقيين ؟ ام هو الاسفاف والاستخفاف بعقول العراقيين ومشاعرهم والتلاعب باعصابهم والضحك على ذقونهم ؟.. أيعقل ان يفشل من يسمون انفسهم قادة العراق الجديد وحماة اهله ومصالحه عن الاتفاق على خطاب سياسي جامع تجاه ازمة واخطار خارجية تحيق بالعراق واهله كأزمة ميناء مبارك مثلا ؟او موضوع قيام دول الجوار بقطع المياه عن الانهر والروافد العراقية وتجفيفها ؟ أيعقل ان تعجزوا عن بلورة موقف وطني مسؤول وموحد يترفع عن الصغائر والاختلافات ويرتقي الى مستوى المسؤولية ليضع الجميع نصب اعينهم مصالح العراق العليا وحقوق اجياله القادمة؟ هل انتم في غيبوبة؟ الا تخافون من لعنة التاريخ وغضب الشعب؟؟؟؟؟ هل تدركون ان العراق في طريقه الى الضياع وان هيبته الى التلاشي والزوال وانتم المسؤولون بشكل مباشر عن تردي الوطن وانحدار الشعب الى هذه الهاوية بسبب منهجكم العقيم وخطابكم البائس الهزيل والمنقسم والعاجز عن تلبية الحد الادنى من حقوق الوطن والمواطن عليكم ..؟ لقد هان عليكم العراق واهله الى الحد الذي اصبح فيه العراق فريسة لاطماع دول الجوارومرتعا لكل عابث وأفٌاق وزعزع ثقة المواطن العراقي بكم و بهويته الوطنية تملؤه الحيرة ويغمره الذهول من هول ما يشهد ويشاهد من تمزق الوطن وانزلاقه الى المجهول وانتم معرضين عن كل ذلك ومنشغلين في صراعاتكم التي لا طائل منها والمغلوب الوحيد فيها هو الشعب العراقي وحقه في الحياة الكريمة بعد ان احلتموه يا دعاة الحرية والديمقراطية الى وطن للبؤس والياس مثلما احاله الطاغية من قبلكم الى وطن لايطاق للحزن والالم.ان اسوأ فترات التاريخ السياسي الحديث للعراق لم نقرأ عنها انقسام رموزه وقادته على انفسهم تجاه قضايا مصيرية كالتي نحن بصددها اليوم وهذا يعني اننا امام سابقة خطيرة قل نظيرها في تاريخ الامم والشعوب والانظمة السياسية قديمها وحديثها فالمعروف ان الجميع يتوحد امام الاخطار الخارجية رغم تقاطع المصالح والرؤى ويسمو فوق الخلافات لمواجهة الخطر الخارجي ولم يشذ عن هذه القاعدة الا قادة العراق الجديد. ان قادتنا وسياسيينا لم يكتفوا بهذا الانقسام بل وصل الامر ببعضهم الى حد التراشق الاعلامي وكيل الاتهامات والتعرية المتبادلة غير مدركين مالهذا الامر من اضعاف لموقف المفاوض العراقي في القضايا موضوعة الخلاف مع دول الجوار ومجمل الموقف السياسي للعراق. ان ادعياء الوطنية ورسل الديمقراطية احالوا العراق الجديد الى جحيم مثلما احاله الدكتاتور من قبلهم الى سجن كبير ومأتم دائم بسبب سياساته الرعناء وحروبه العبثية المدمرة التي اهلكت البشر وبددت الموارد والثروات وأضاعت على العراقيين فرصتهم الحضارية في التقدم واللحاق بركب الامم .. فهل ان البؤس الابدي هو قدر العراقيين ونصيبهم في هذه الدنيا ام ان للمستقبل كلام اخر سيقوله في قادم الايام ؟ لقد طفح الكيل ايها السادة فثمان عجاف راعفات من الاسى والظلم والحرمان والهوان كافية لاستثارة الغيرة وبث الحمية في النفوس الخدرة وايقاظ الضمائرالمسترخية...لقد ثمل الشعب باحزانه وصراخه يشق عنان السماء فهل من مصغ وهل من مجيب؟