Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

وما ادراك ما الحكم الذاتي..

الحكم الذاتي..فرصة اخيرة، ضرورة ملحة..ومن لا يتفق فهو في صخب..وقد يكون ناقما..حاقدا على الامة..او قد يكون جاهلا بمتطلبات الامة..وللرفض اسباب..واللعنة على تلك الاسباب..ومن يطلقها..فهو محتال..ولا يفقه من السياسة شئ.. وهو ايضا مصاب بعمى الالوان السياسية..الحكم الذاتي لشعبنا هو الخلاص الوحيد..والتاريخ لن يعيد نفسه..وسيرمي بكل من رفض الفكرة في مزبلته..الملأة بأحداث الامس المأساوية الجاثمة امام اعيننا..
هذا غيض من فيض من زبدة مقالات كتابنا في الاونة الاخيرة. فالموضة اليوم هي موضة الحكم الذاتي..والاستقلال..الذي قد يكون مرادفا اخر للتفتت والانقسام !! فمن ايد الحكم الذاتي فهو مبارك ومصون، ومن لم يفعل..فـ (مقالات) الذم والقدح والهجوم العشوائي متراصفة تنتظر دورها للنشر في خضم ضجيج الاقلام الحالي..

حالنا اليوم..
اليوم..انت اما مع الحكم الذاتي او ضده..وهذا هو مقياس التمييز بالانتماء (الحزبي) و (السياسي)..ولا (خيار) ثالث بينهما ولا (طماطة).. فأنت لا تملك حق الاختيار..كحبيبة نزار قباني..فإن تقبل به، تقبله كما هو..."ولا تقل له (اف) ولا تنهره"..اي ان تقبله دون قيد او شرط..اوان ترفضه..رفضا قاطعا..دون مناقشة..فلا تستخدم حروفا للعطف كـ (لكن)..فقد ينقلب سحرها في مقالات الاخرين ضدك وتتحول الى حروفا (للنصب)..
بالامس حينما كنا نتحدث عن (الحكم الذاتي)..وعن (اهدافنا)..كنا نحاول التشبه باليهود..اما اليوم فبالاكراد..مثالين نعتمدهما في (مطاليبنا) من ذوات السقف الواطئ..حكما ذاتيا..وادارة ذاتية !! ومن لا يود الاستقلال حين يتمتع بذاك الحق..وبتلك القوة!!
استمع صباحا وانا في طريقي الى عملي الى الاذاعة الاكثر شهرة في ملبورن (101.9 the fox) وهي احدى القنوات الاعلامية التي يملكها الامبراطور (روبرت مردوخ) (بالمناسبة فهو ليس من اصل بابلي!!) (هناك فقط تشابه في الاسماء!!)، والحديث كان حول استقلالية الشاب، والعمر المحددة لذلك، وطلبوا من المستمعين ممن اجتاز الواحدة والعشرين من العمر ولا يزال يسكن مع والديه ان يتصل بالاذاعة للنقاش حول الموضوع..وبالفعل اتصل البعض، من (الاتكاليين) كما يعتقدهم الانسان الغربي، 27 سنة، 31 سنة، 35 سنة..وردوا على اسئلة المذيعين..( المحرجة ) وقد تميزت تلك المناقشات القصيرة، بالاستهزاء حينا، وبالسخرية حينا اخر..الا انها كانت دائما تنتهي بالمودة..فحساسية الغربي ليست كحساسيتنا تجاه هكذا مناقشات.. ونظرتهم للقضية تختلف عن نظرتنا (فالعيب والواجب والنخوة والمسؤولية) تختلف تعريفاتها بين الثقافتين..
هكذا يعتقد الغرب ان الشاب ما ان يصل الى مرحلة النضوج اي سن الواحدة والعشرون، حتى يكون مطالبا من قبل العائلة بالاستقلالية، والاعتماد على الذات، وذلك بترك البيت، والعيش منفصلا، ويكون ذلك اما بأن يشتري الوالدين له شقة او بيت، ويوفرون له مطاليب البدء بالحياة الفردية، او ان يعتمد على ذاته في التمويل بإستئجار شقة بسيطة، يحاول بها تطوير نفسه ماليا واجتماعيا..

مراهقون ام ماذا؟؟
فسؤالنا لانفسنا هو: هل نحن مراهقون سياسيون، لا نزال في طور المراهقة، ولم نصل مرحلة النضوج؟؟ ام اننا نريد العيش في حضن الوطن الذي تربينا فيه..العراق..كما عرفناه؟؟
حقيقة..نحن مراهقون سياسيون، (من وجهة نظري على الاقل)..فمن منا له باع طويل في السياسة ؟؟ من منا خاض السباقات السياسية ؟؟ ودخل دهاليز هذا الفن ؟؟ لنكن واقعيين..ولنواجه حقيقتنا..فليس عيبا ان لم تنبت بعد شواربنا (السياسية) (التي يفضلها البعض متدلية) .. وليس عيبا ان كان الكثير منا لا يزال يقف في طابور الباصات التي تقلنا الى عالم السياسة.. فتاريخنا المعاصر يثبت هذا الكلام..حركات قومية قادتها شخصيات سريانية معروفة في نهايات القرن التاسع عشر، اثوريون شكلوا جيشا، في بدايات القرن العشرين بقيادة قائد شجاع..ثم شكلوا احزابا ومؤسسات سياسية في الثلث الاخير من القرن العشرين، لم يتجاوز عددها اصابع اليدين.. بإنتماءات غير معلنة، وخوف من الحكومات المتتالية..واعداد قليلة رسميا!! حتى بعد انفصال الاكراد بإدارة ذاتية منذ بداية التسعينات، كانت الحركة الديمقراطية الاشورية هي الفصيل السياسي الوحيد لشعبنا بثقل كبير، وانجازات كبيرة تحسب لها، الى ان تأسس حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، فكان اول البوادر لنشر الفكر القومي (الكلداني) (الاحادي)، لدى (الكلدان) ممن لم ينتموا لاحزاب (اشورية) (هنا لا اقصد التفريق بين مكونات شعبنا انما اود تسمية الاشياء بمسمياتها كما كانت)..وبعد السقوط ظهرت احزاب اخرى ومؤسسات كثيرة، استمر البعض منها، واضمحل البعض الاخر..
هذا العمر القصير للعديد من هذه المؤسسات كان سببا في العثرات الكثيرة التي بدرت منها، والتي تجلت في الانتخابات.. وهذا ايضا ليس معيبا، فالوالدين لا يتوقعان ان يمشي طفلهم منذ اول خطوة، فالسقوط قليلا، يخلق توازنا لدى الطفل.. وهذا ما يحدث..فلماذا نريد لطفلنا نحن ان يركض ويكبر وتنبت شواربه ويستقل منذ سني عمره الاولى؟؟
الكثير منا لا يزال في مراحله الاولى في السياسة..قبل 5 سنوات قال لي احد الاصدقاء ان جل اهتمامه ينصب في الكنيسة، ولا علاقة له بالقومية، ومشاكلها..واليوم صديقي ذاك اصبح من القوميين المتحمسين..جدا !! فامامه..كما امامي..الكثير لنتعرف عليه في السياسة.. وفنها.. واصولها..

اليهود والاكراد من جديد..
ظل اليهود دون دولة لالاف السنين، ودون ادارة ذاتية..الا يستحق تأسيس دولة قوية..الكثير من السنين والتضحيات..والتطوير للفكر القومي؟؟ ألم ينتظر اولئك اليهود الذين نحاول التشبه بهم (دوما) الفرصة المناسبة وان كانت بعد مئات من السنين ؟؟ ألم يكن هناك ضوءا اخضر من اميركا والاتحاد السوفييتي في 1948 لتأسيس تلك الدولة ؟؟ يصاحبها استملاك اراضي كثيرة في المنطقة، واقتصاد متين، ودعم غير متناهي من الجاليات اليهودية في الخارج ؟ بإعلام قوي ومركز؟؟ ألم يقدم اليهود تضحيات كبيرة في سبيل تحقيق هدفهم في الرجوع الى ارض الميعاد ؟؟
حدثني احد الاصدقاء الاعزاء عن انه وبعد وصوله الى اميركا بزمن قصير، قبل عشرات السنين، وبينما كان يتجول مع احد اصدقائه في احدى المناطق، رأى truck او ما نسميه بالعراقي (لوري) موقف في احد الشوارع الرئيسية، بلافتة مكتوب عليها تبرع بعشرون سنتا من اجل اليهود في اسرائيل..وامام عيني محدثي العزيز، الذي اكن له جزيل الاحترام، الذي انتظر ليرى ردة فعل الشارع الاميركي، امتلأت سيارة الشحن تلك بالاف الدولارات، فذاك الذي يرمي رزم من الدولارات، واخر سنتات..واخر مئات..يقول محدثي انه ما كانت تمتلى سيارة شحن حتى تأتي الاخرى.. وهكذا..

اسئلة
ماذا نملك نحن من مقومات الحكم الذاتي؟؟ احزابنا ومؤسساتنا لم تتفق على صيغة موحدة للتسمية، ولا حتى على نظام عمل سياسي مشترك ؟؟ ولا على خطاب موحد.. ليس لنا شرطة، او جيش..ليس لنا بنى تحتية..لا مصانع في (مناطقنا) لا مشاريع استثمارية..لا خدمات..لا عمل.؟؟وهل بإمكاننا تأسيس اتحادات ونقابات بتلك السرعة؟؟ كان لنا اتحاد واحد للادباء والكتاب..قسمه البعض بناءا على مطامع شخصية..وهذا للادباء والكتاب، فما بالكم بالمحاميين، والاطباء والمهندسين، وبالوظائف عالية الاجور.. هل لنا مستشفيات وجامعات خاصة بنا ؟؟ هل لنا اعلام قوي،و(متعدد النظرة)، ومتمكن لتعزيز هذه الفكرة ؟؟ ؟؟ ثم والاهم هل لنا اقتصاد قوي؟؟
الخطوة الاولى لا تكون بان ندير حكما ذاتيا ثم نفكر بكيفية توفير كل هذه الموارد والخدمات والبنى التحيتة..الخطوة يجب ان تكون معكوسة..فلنوفر كل هذه القضايا ولنوفر فرص العمل ولننشئ المصانع، ونؤسس نقابات، ونوحد خطابنا السياسي، ثم نطالب بالحكم الذاتي (ان كنا "نحن"حقا من هو بحاجة اليه)..فما الفائدة من ان تجلب الالاف الى المنطقة..ولا توفر لهم فرصا للعمل؟؟ ام اننا سنبقى ننتظر صدقات الغير؟؟ وما الفائدة من الفوضى والعشوائية (هو احنا ناقصين فوضى ) !!
لست متشائما، لكنني احاول ان ارى بمنظار واقعنا، ولست ضد الحصول على الحقوق الخاصة بنا، لكن بما يتناسب وقابلياتنا.. واهدافنا.. ووضعنا العام..
ثم لماذا علينا ان (نطلّق)(بتشديد اللام) شعبنا في بغداد والبصرة ؟؟ ماذا سيكون مصيرهم بعد (الحكم الذاتي) ؟؟ هل سينتقلون الى مناطق الحكم الذاتي؟؟ وان كان كذلك، فما الذي سيحدث لكنائسنا وتاريخنا في العراق؟؟ هل سيندثر بعد عشرات السنين، كما حدث لتاريخنا في الخليج العربي..وتتحول ( قطرا ) الى ( قطر)..وتلبس ثوبا غير ثوبها ؟؟ ماذا سيحدث لتاريخ كنيسة ساليق وقطيسفون، ولتاريخ ال بختيشوع، ولتاريخ برصباعي، ولتاريخ الدير اللاهوتي..ولمقر البطريركية..ولنادي بابل الاجتماعي، ولدير الراهبات، ولجمعية اشور؟؟ وللبتاويين وكراج امانة؟؟ هل سنترك كل هذا لنعيش في منطقة جغرافية واحدة، ونترك وراءنا ارث الاف السنين، وتاريخا عريقا، ونقطع جذورنا في كل العراق؟؟ ويتحول كل ذلك الى قصص وذكريات؟؟ هل سنترك كل هذا من اجل ادارة ذاتية، لا تعرف معالمها، ويكتنف الغموض مستقبلها!!

نحن لسنا كاليهود والاكراد..نحن شعب لنا خصائصنا وظروفنا..وواقعنا.. لنعطي انفسنا، ومؤسساتنا، وقضيتنا فرصة ووقت..التاريخ لن ينسى شعبا يعمل على تحقيق اهدافه، لنعطي انفسنا فرصة للنضوج السياسي، ولقبول الاخر..وللبناء الاقتصادي القوي والمتين..وان كنا مؤهلين لقيادة وطن بأكمله حينها ستفتح لنا الابواب.. ويرفع علمنا بين الشعوب..


سيزار هوزايا
ملبورن - استراليا
ايار 2008
Opinions