أبحث عن نفسك في نفسك وليس في ذكرى الأسلاف
لطالما ردد أساتذتنا الأفاضل في مختلف المراحل الدراسية بعض الأبيات الشعرية التي لها وقع كبير في نفوس الطلبة من حيث تشجيعهم على النجاح والاستمرار وعدم التفاخر بالماضي وأمجاده لأن كل يوم قادم هو بمثابة ساحة مفتوحة لمن يرغب في أثبات جدارته وتحدي كافة الصعوبات التي تعرقل مسيرته نحو المستقبل والتي يجب أن تكون بخطى واثقة .وفي هذا السياق كثيرا ما سمعناهم وهم يرددون أبيات شعرية مثل (( ليس الفتى من قال كان أبي بل ها أنا ذا )) وكذلك (( لا تقل أصلي وفصلي أصل الفتى ما قد حصل )) وغيرها الكثير من العبارات والكلمات التشجيعية التي تحث على المستقبل بدل البحث في صفحات الماضي وتعليقها على جدران المخيلة البشرية بانتظار تكرار ما قد حدث وكأن الإنسان ليس هو نفسه القادر على الخروج من جميع التحديات حتى باختلاف الأزمنة والمكان . لماذا نصر دائما على المشي خلف خيوط الماضي وكأننا أسراب من العميان . ألم يكن الأسلاف بشر أيضا مثلنا يعتنقون مبادئ ويجتهدون في الآراء. هم بالفعل سهلوا علينا الكثير من الأمور وقدموا لنا الكثير من الحلول الجاهزة ولكن الحياة مستمرة والعالم متطور وبوثبات سريعة وهذا يتطلب من كل إنسان أن يكون له قاعدة يرتكز عليها في تفسير الظواهر وتبرير الأمور. وأحيانا قد يتطلب الأمر أن يكون كل فرد عالما ورجل دين وعلمانيا في ذات الوقت ليجتهد هو أيضا في أرائه بما يتناسب وحالة التطور في المجتمع فمن غير المعقول أن نتشبث بما قيل وفسر وحلل وصيغ كقوانين قبل ألف سنة لأننا أبناء اليوم وسنعيش للغد وليس لنطبق ما جاء في الأمس بحذافيره.
الماضي مهم جدا في بعض تجاربه ليس للإقتداء به فحسب بل لتكوين خزين هائل من المعلومات التي تساعد الإنسان على تجاوز شتى الصعوبات وتفادي تكرار الوقوع في نفس الأخطاء التاريخية ولكن اعتماده كأساس خيالي لا يمكن تقليده أو تكراره يجرد الإنسان من الثقة بالنفس ويحول القدرات البشرية التي تمثل مصدر الإبداع الإنساني إلى مجرد أطلال أو طاقة هامدة لا يفكر صاحبها بمجرد تحريكها لأنه يعتبر الحاضر غير مؤاتيا بشخوصه ولا مناسبا بمناخه ليصنع بعض المعجزات كتلك التي أجاد فيها أسلافه.
يجب أن لا ننظر إلى الماضي في كل خطوة نتحرك فيها بل إلى المستقبل ونحاول في كل لحظة قدر الإمكان اكتساب كل ما هو جديد وكل ما يمكننا من التكيف مع واقعنا المتسارع في متغيراته. يجب أن نسمح لعبقريتنا بأن تقود كل شيء وتفسر كل تعليم وتكتشف المضامين تحت أية عناوين كانت فلا يوجد شيء يستحق البقاء ولا قوة قادرة على تحدي الحداثة دون أن تتغير وتتلون بألوان المجتمعات البشرية ومراحل تطورها فإذا فتحنا الكتب المقدسة فسنجدها زاخرة ومليئة بما يمكن أن يفسر ويتماشى مع الزمن حتى تاريخ انقضاء البشرية. أما إذا فتحنا سجل البشرية وتاريخها نفسه فلا يوجد معجزة أو أنجاز أقدم عليه الأسلاف ولا يستطيع أحفادهم اليوم تكراره إذا توفرت الإرادة اللازمة لذلك ولكن أبسط ما نحتاج إليه في ذلك هو شخصنا نفسه وذاتنا وقدراتنا وحنكتنا ومكرنا ودهائنا وكل شيء أخر توفر في أسلافنا ونعتقد خطأ بأنه أنقرض فينا. حان الوقت لنبحث عنه في دواخلنا ونكتشفه داخل أعماقنا بدل أن نبكي على أوراق قديمة أو على ذكرى أسلافنا التي ستزول معنا إذا لم نثبت للبشرية بأننا نستحق أن نذكر وتخلد أعمالنا كما نذكر نحن اليوم من سبقنا .
عصام خبو بوزوة - تلكيف.
عن موقع عنكاوة