أبناء السعدون "يتغربون" في الأنبار ويجمعون على أن تهجيرهم سياسي لا طائفيّ
الشعور بالغربة لم يفارق علي السعدون 43 عاما، رغم تواجده في مدينة الفلوجة وليس في بلد آخر، بعد مضي ثلاثة أسابيع على وصوله اليها، قادما من محافظة ذي قار مع أسرته المؤلفة من سبعة أشخاص ووالده المسن، مؤكدا أن الفلوجة باتت ملاذا لمن لا ملاذ له للفارين من المليشيات التي "تتجسد بشخصيات عراقية فيما تتحرك بعقول خارجية".
ويقول السعدون "تركت منزلي بعد تهديد شفوي من شخص ملثم طرق بابي ليلا، وقال لي (لا مكان لكم بيننا، أنتم إرهابيون)، بعدها جئت الى الفلوجة بشكل مؤقت، فانا اعلم إن الحال لن يستمر"، مضيفاً "تركت مفتاح منزلي مع جار العمر الذي يختلف معي في المذهب، لكنه أعز من أخي الذي ولدته أمي".
وأضاف في حديث لـ"السومرية نيوز" أنه "هجرنا ونحن نعلم أن أهالي ذي قار أطهر وأشرف من أن يطردوا أبناءهم وأصدقاءهم، فموجة التهجير هذه لعشيرة السعدون وغيرهم من السنة في الجنوب، هي سياسية بامتياز وتنفذ من قبل مليشيات تحرك بأجندات خارجية تقبض الثمن على كل عائلة تهجرها".
وأشار إلى أن "سبعة عوائل أخرى وصلت معهم الى الانبار وتفرقوا بين مدنها، لكنهم جميعا يحنون للعودة إلى منازلهم وأهلهم الحقيقيين، فالانتماء للقلب وما يهوى وليس للطائفة والدين".
وبين مسؤول في دائرة الهجرة بالانبار، طلب عد الكشف عن اسمه، أن "المحافظة استقبلت خلال شهر أيلول الجاري، نحو 50 عائلة عراقية من مدن مختلفة في البصرة وذي قار والعمارة والكوت وبغداد وبابل، واستقرت في مناطق مختلفة من الفلوجة وهيت والرمادي وحديثة والقائم، غالبيتهم من عشائر السعدون وشمر".
ويقول صلاح مهدي 49 عاما، أحد المهجرين قسرا من البصرة ويعمل موظف في مكتب خاص بميناء أبو فلوس، أنه "رغم طيبة الترحيب وحسن المعاملة هنا في الانبار، لكن قلبي لا زال يعتصر كلما تذكرت منزلي وشارعي والعشار وليالي البصرة".
ويردد مهدي في حديثه لـ"السومرية نيوز" بيتين للشاعر ابو تمام يقول فيهما "نقل فؤادك كيف شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل"، مبينا أن "هذا حاله الآن فقد هجرنا إرهابيون بدون ذنب اقترفناه، والآن خسرت عملي وكل حياتي والمدارس فتحت أبوابها وأطفالي هنا لا ادري ما افعل لهم".
ويتهم مهدي الحكومة وقوات الأمن بـ"الضعف رغم صرف مليارات الدولارات على الجيش والشرطة، لكنها فشلت في حماية المواطنين داخل منازلهم ومنع حفنة من المتطرفين من اللعب بمصير الناس".
وكشف أن "جميع أفراد المليشيات التي تهدد السنة في الجنوب، لا تتجاوز أعمارهم العشرين عام في الغالب، وتلك فئة رضعت من الاحتلال ومن السياسيين الطائفيين".
ويقول رئيس مجلس محافظة الانبار صباح كرحوت، في حديث لـ"السومرية نيوز" إن "جميع من وصل الى الانبار هم أهل الدار ونحن ضيوف لديهم، بغض النظر عن نسبهم ودينهم، وبيوتنا مفتوحة لهم ونأمل أن لا يتأخروا في طلب أي شيء منا".
وأضاف أن "موجة التهجير على الهوية، هي صناعة خارجية بامتياز والعراقيين جميعا لا يطردون ضيوفهم فكيف بأهلهم"، مؤكدا أن "الحكومة مطالبة بأخذ مكانها الحقيقي وحماية المواطنين الذين لهم الحق في السكن بأي مكان بالعراق وفقا للدستور".
من جهته قال أحد زعماء قبيلة الدليم في الرمادي الشيخ جاسم الدليمي، في حديث لـ"السومرية نيوز" إنه "التقينا ببعض المهجرين الخائفين الذين وصلوا الرمادي، وأكدوا أنهم تركوا متاعهم وكل أملاكهم بيد إخوانهم الشيعة، وهم يتواصلون معهم للاطمئنان على ممتلكاتهم".
وتتولى عدد من المساجد بمحافظة الانبار عملية إغاثة سريعة للعوائل المهجرة من خلال توزيع الملابس والمواد الغذائية والأغطية، فيما تبرع ثلاثة تجار من الانبار بإسكان أربعين عائلة في شقق مفروشة، وفقا لأحد التجار في مدينة الرمادي الذي طلب عدم ذكر اسمه.
وبعصبية وانفعال طفولي، يأمل الفتى عمار عودة السعدون 15 عاما، بالعودة إلى منزله في البصرة حيث ولد ونشأ فيها قبل شهر محرم للمشاركة في طقوسه المقدسة، مبينا أن "الانبار كلشي ما بيهه، لا زيارة ولا تسياره ولا قيمة وهريسة، أنا بصري وما عدا ذلك لا يهم، ومن هجرنا من منزلنا غير عراقي حتى لو امتلك الجنسية".