أحبّائي الشيعة .. الأسلام السياسي الشيعي فشل في حكم العراق
في البداية احدد موقفي كعراقي مسيحي كلداني مستقل ، وبأنني لا أفرق بين سني وشيعي وعربي وكردي وأحيي رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء إن كان سنياً او شيعياً ، كردياً او عربياً او تركمانياً ، طبعاً لا يمكن ان يكون مسيحي كلداني او سرياني ، أو آشوري او يزيدي او مندائي او أرمني او شبكي او يهودي ، ولهذا لا داعي أن أذكر الأقليات العراقية .قبل فترة كتبت مقالاً تساءلت فيه : هل الشيعة مؤهلين لحكم العراق ؟ ويبدو ان السؤال كان عاماً فمن المؤكد ان الشيعة مؤهلون ، لكن اليوم استطيع القول ان الأسلام السياسي الشيعي أخفق في حكم العراق .
لا أحبذ استخدام المصطلحات الدينية والمذهبية بديلاً للأنتماء العراقي الأصيل والهوية العراقية الخالدة ، لكن الواقع المرير الراهن يفرض علينا استخدام هذه الأنتماءات والوشائج لكي نسير مع السائرين في مستنقع الفصل الطائفي المقيت .
لقد كان لنا روابط اجتماعية وتجارية وثقافية تفرضها الحياة اليومية في عراق الأمس ، وسأذكر في هذا المقال العراقيين الطيبين من الشيعة . كان السائد لدى هذه الطبقة من العراقيين ان الظلم يطالهم في مفاصل كثيرة من الحياة ومنها ما يؤشر الى جهة التهميش السياسي .
في 9 نيسان أُسقط نظام صدام تحت الضربات الأمريكية والقوات المتحالفة معها ، ونتيجة للعملية الديمقراطية التي استنبتتها الولايات المتحدة فاز التحالف السياسي الشيعي في اغلبية تؤهله لتشكيل الحكومة . واصبح نفوذ الأحزاب السياسية الدينية الشيعية هو الفاعل في الساحة السياسية العراقية ، وسجل الخطاب السياسي الليبرالي الديمقراطي العلماني تراجعاً كارثياً امام التيار السياسي الديني إن كان سنياً او شيعياً .
أجل بلغ الأسلام السياسي الشيعي ذروة الهرم السياسي العراقي ، لكنهم مع الأسف فشلوا في تشكيل طبقة سياسية عقلانية ناضجة لأدارة دفة الحكم ، حينما أوصلهم الناخب العراقي الى مبنى البرلمان ليحكموا العراق .
كيف تصرف الأسلام الشيعي السياسي ؟
من نافلة القول أن الشيعة في العراق فيهم الطبيب والمهندس والعالم والخبير في السياسة ، والفيلسوف والكاتب والشاعر والأديب والفنان .. مع القدرات البشرية الهائلة والخبرات والكوادر بكافة الأختصاصات ، مع هذه الأمكانات الكبيرة كان ينبغي على الشيعة أن يسلكوا مسلكاً براغماتياً عقلانياً في حكم العراق .
ـ كان ينبغي على الأسلام الشيعي السياسي حينما وصل الى سدة الحكم ان يباشر بتعزيز دور الدولة العراقية وإرساء مبدأ تطبيق النظام والقانون على رقاب الجميع دون استثناء ، مع إعادة تشييد ما هدم من كيان هذه الدولة .
كان عليه ان يبني جيشاً عراقياً قوياً يصون وحدة العراق ويذود عن حدوده . لكن بدلاً من ذلك لجأت الأحزاب الشيعية التي يغلب عليها الطابع الديني ، الى تكوين ميليشيات مسلحة موالية لها وتفرض اجندتها على المواطن العراقي المسكين ، ويكون ولائها للممول وليس للدولة العراقية ، وطفقت هذه الميليشيات تزرع التهديد والرعب بين الناس بدلاً من ان يكون منتسبيها جنود في الجيش او الشرطة العراقية وتفرض هيبة الدولة وتدعو الجميع الى الرضوخ للقانون .
لقد كان موضوع مكافحة الأرهاب منوطاً بالحكومة ، وكان ينبغي على الأحزاب السياسية الشيعية ، ان تساند الحكومة وتشد من أزرها لتستطيع بسط القانون والنظام ، وتقدم من يمارس الأرهاب بحق الشعب العراقي للعدالة ليأخذ جزاءه . لكن هذه الأحزاب وميليشياتها المسلحة بدأت هي ايضاً تمارس الأرهاب ، وانقلب الأمر الى عمليات ثأرية دموية يومية ، وأخذت صيغة الصراع المذهبي الطائفي ، لقد كان هناك حلول عسكرية وسياسية لوضع الحد للعمليات التي كانت قائمة ، لكن تورط وانجرار الأحزاب السياسية الشيعية لردود الأفعال الآنية ، وسرعان ما وجدت نفسها متورطة في مستنقع العنف ذاته والذي تريد القضاء عليه . وأصبحت الميليشيات طرف اساسي في العنف الدموي اليومي . وباتت مظلة لكل الجرائم والمخالفات التي ترتكب باسمها .
ـ بدلاً من وضع خطة وطنية لاستخراج النفط واستثماره وصرف وارداته لبناء العراق المنكوب ، فقد شكلت هذه الأحزاب شبكات معقدة لسرقة النفط وتهريبه ، ووضع هذه المداخيل لمصلحة فئات محدودة بعيدة عن المصلحة العامة للوطن العراقي .
ـ كان ينبغي وضع خطة وطنية شاملة لعودة المهاجرين والمهجرين لأنهاء معاناتهم والأستفادة من خبراتهم ومن رؤوس اموالهم . فطبقت الأحزاب الشيعية الحاكمة وأذرعها الميليشيات المسلحة ، سياسة الفصل المذهبي فقسمت المناطق والمدن الى مناطق سنة وأخرى للشيعة ، وهكذا طفرت اعداد المهجرين العراقيين سواء الى داخل الوطن او الى خارجه بمئات الآلاف ، وزادت معانات الأنسان العراقي إن كان من السنة او الشيعة او من الأقليات .
ـ كان يجب على الحكومة التي يقودها الأسلام السياسي الشيعي ، ان تبعث في الوطن ثقافة التسامح في الدين والمذهب ، وأن ترفع لواء الهوية العراقية ، لكنها عملت على شحن العواطف الطائفية والدينية ، وهي تذكي المواقف الوجدانية والتي ليس لها علاقة بحقيقة تهدئة الأوضاع في الشارع العراقي وذلك بالدعوات المتكررة للمساهمة الفعالة في المناسبات الدينية ، وهذا الشحن الديني والطائفي الغير مبرر قد سبب في ترهيب أبناء الأقليات الدينية من قبل الميليشيات المسلحة التابعة للأحزاب التي تشكل الحكومة ، وأدى بالمقابل الى توسع مساحة الوجدان الطائفي للسنة ايضاً ، وهكذا كان الأنتقام والتهجير يطال السنة كما الشيعة والأقليات غير المسلمة .
لقد كان السنة معظم القرن الماضي يحكمون العراق ، ولكنهم لم يوصلوا العراق الى تخوم الحرب الأهلية . صحيح ان حكم البعث الذي دام حوالي 35 سنة قد اوقع العراق تحت حكم دكتاتوري ، لكن لم يصل العراق يوماً الى ما وصل اليه اليوم .
نصيحتي لكم في الأحزاب الدينية للسنة والشيعة على حد سواء ، ان تتركوا الحكم السياسي للعلمانيين الديمقراطيين من التكنوقراط ، حيث الجميع متساوون أمام القانون ، ولا يمكن لشيعي ان ينفي السني ، ولا السني ان يهجّر الشيعي .
حبيب تومي / اوسلو