Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أزمة المناصب والشخصيات في العراق

احمد جويد/
شهد العراق بعد العام 2003م أزمة حقيقية في من يتولى شؤون السلطة والحكم فيه، وكيف يكون شكل ومضمون الدولة الجديد، وما هي طبيعة المؤسسات الدستورية، ومن هي الشخصيات المؤهلة للحكم؟
وبينما كانت الصورة غير واضحة لدى أغلب فئات الشعب وأكثر السياسيين، توصلت شخصيات سياسية ومن ورائها قوى التحالف الذي أسقط نظام البعث في العراق إلى إيجاد صيغة يمكن من خلالها إشراك الجميع في إدارة مؤسسات الدولة، حينها تم تشكيل "مجلس الحكم الانتقالي"، ومع بداية تشكيله بدأت أزمة المناصب والشخصيات السياسية، وأول أزمة تمثلت فيمن يكون على رأس المجلس، عندها تم التوصل إلى حل وسط يقضي بوجود حاكم للعراق كل شهر!! من أجل أن يتمتع الجميع بفرصة ممارسة السلطة والحكم (الشكلي طبعاً).

وبرغم إن الشخصيات المشتركة في المجلس المذكور تم اختيارها وفق معايير مختلفة لغرض تجاوز مرحلة معينة، أي أن اختيار قسم منها كان مرحلي وليس استراتيجي، أصبح أفراد ذلك المجلس يرسمون لأنفسهم خارطة طريق للبقاء ضمن الطبقة الحاكمة لأطول فترة ممكنة، فقد أجمع بعض أعضاء مجلس الحكم ممن لم تسند إليهم أية مناصب في الحكومة العراقية المؤقتة على أنهم يتمتعون بفترة استراحة استعدادا لاجتماعات الهيئة التحضيرية لتشكيل المجلس الوطني المؤقت التي ستعقد فيما بعد، مشيرين إلى إن مهام المرحلة المقبلة ستتطلب المزيد من العمل، كما نفى بعضهم أن يكون موضوع إشراكهم في المجلس الوطني المؤقت جاء من باب الترضية لعدم إشراكهم في الحكومة المؤقتة.

بعد الفترة التي أعقبت مجلس الحكم الانتقالي يمكن أن نستعرض بعض التصريحات التي تم نقلها عن بعض أعضائه "للشرق الاوسط"، والتي تشير إلى نية استمرار شخوص العملية السياسية ضمن دائرة الحكم، فقد نُقِل عن سكرتير احد الاحزاب العراقية بالقول إن "أعضاء مجلس الحكم المنحل هم شخصيات سياسية بارزة يقودون أحزابا وفعاليات سياسية مهمة، كما أنهم شخصيات اجتماعية لها ثقلها في الشعب العراقي"، وقال عضو المجلس السابق محمد بحر العلوم، إن "أعضاء المجلس انتقلوا الآن وبصورة طبيعية إلى المجلس الوطني العراقي المؤقت والذي سيتمتع بصلاحيات الرقابة على الحكومة المؤقتة وإعطاء المشورة لها والعمل على تهيئة مقدمة الانتخابات العامة وإعداد ميزانية 2005"، وأفادت شخصيات أخرى إن"كل أعضاء المجلس الذين لم ينالوا مناصب في الحكومة سيكونون أعضاء في هذه اللجنة ومن ثم في المجلس الوطني"، كما نقلت نفس الصحيفة عن المتحدث الرسمي باسم المجلس السابق إن "كل أعضاء المجلس السابق هم حاليا أعضاء الهيئة العليا للإعداد للمؤتمر الوطني العام وسينبثق عنه مجلس وطني يراقب الحكومة ويعمل كبرلمان مؤقت".

وبنظر هؤلاء إن شخصيات مجلس الحكم لم يأتوا من اجل مناصب وإنما لتسيير أمور البلد في وقت انعدمت فيه السلطة على البلاد، وبنظرهم إن هذه الشخصيات قدمت الكثير للعراق وما زالت تقدم الجهد والتضحيات.

هذه التصريحات والمشاريع التي كانت لدى بقية أعضاء المجلس، تعطي انطباعاً عن الدور الكبير الذي لعبته شخصيات مجلس الحكم ومعها شخصيات "المصالحة الوطنية" بوضع آليات تجعلهم يستمرون ضمن الطبقة الحاكمة والتمتع بالنفوذ والسلطة والامتيازات أطول فترة ممكنة، وكانت نتيجة تلك الممارسات ترسيخ المحاصصة وخصوصاً بعد دخول شخصيات أخرى كانت رافضة للتغير في العراق ولا تعترف بالعلمية السياسية.

فحكومة علاوي جاءت بشخصيات أقرب للمهنية لكنها في نفس الوقت مهدت للعديد من البعثيين ورجال المخابرات السابقين في التسلل إلى هرم السلطة وكانت لها أخطائها الفادحة على جميع المستويات، أعقبتها حكومة الجعفري التي لم تكن بأفضل حالاً منها، أما حكومة "الوحدة الوطنية " برئاسة المالكي، فكانت تعاني من آفة "المحاصصة" التي تأصلت في جميع مفاصل الدولة، والتي خضعت لنظام التوافقات بين الكتل والشخصيات السياسية، ورأت تلك الحكومة بان التخلص من هذه الآفة في المرحلة اللاحقة يتم عبر:

أولاً: تشكيل الحكومة وفق الاستحقاق الانتخابي

ثانياً: تقليص عدد الحقائب الوزارية

ثالثاً: إطلاق يد رئيس الوزراء في اختياره للكابينة الوزارية

وحينما لم تحصل أي من الكتل السياسية في الانتخابات الأخيرة على النصاب الكافي لتشكيل حكومة استحقاق انتخابي، تم طرح صيغة "الشراكة الوطنية" كمفهوم جديد لإدارة الدولة، فالتشكيلة الحكومية السابقة وتحت ضغط المحاصصة مددت الوزارات إلى (38) وزارة لتشمل اكبر عدد ممكن من الشخصيات السياسية، فمن لم يحصل على وزارة حصل على منصب وكيل أو وكيل أقدم أو مستشار....الخ، كي يتاح لتلك الشخصيات التمتع بالامتيازات المالية والسلطوية التي يتمتع بها أقرانهم من أصحاب المناصب الأخرى.

كل تلك الأمور دفعت برئيس الوزراء الحالي بالتصريح، أنه "كان في نيتنا أن لا يتجاوز عدد الوزارات في الحكومة الجديدة (21) وزارة لكن يبدو أن هذا التوجه بحاجة إلى مزيد من الاستقرار، ولأن جميع الكتل تريد المشاركة"، مبينا أن "عملية تقليص عدد الوزارات لن تتم وستزيد وزارة واحدة على عددها الحالي كما قد يزيد نائب لرئيس مجلس الوزراء ليصبحوا ثلاثة".

وهذا التوجه الجديد أفصح عنه الناطق باسم الحكومة، بقوله إن" تقليص عدد الوزارات طموح نأمل أن يتحقق فعدد الوزارات كثير "وهناك وزراء ليس لديهم عمل لذلك من الضروري أن يتم تقليص الوزارات وذلك تخفيضاً للمصاريف وحتى لا تترهل التشكيلة الوزارية وبكل الأحوال يحتاج مجلس الوزراء إلى الكثير من الوقت لإعادة تقييمه للوزراء بطريقة أفضل.

ولم يقف الامر عند هذا الحد، بل تعداه الى إنشاء مؤسسات غير دستورية تستطيع استيعاب كافة الشخصيات التي لم تحصل على مناصب وامتيازات في الحكومة، وآخرها مجلس السياسيات الاستراتيجية الذي لم تتضح لحد الآن صلاحياته وماهيته وطبعة وحدود عمله، وكل ذلك لغرض شغله بأحد رؤوس السلطة.

ومن جميع ما تقدم يتضح إن شخصيات الطبقة الحاكمة، يجب أن تتوفر لهم مناصب عليا في الدولة وامتيازات خاصة بهم حتى وإن لم يحصلوا على الأصوات التي تؤهلهم أن يكونوا أعضاء في البرلمان في حال ترشيحهم، الأمر الذي انعكس على التشكيلة الوزارية والمناصب العليا في الرئاسات الثلاثة وجعل القضية تدور ضمن مفهوم التدوير الوظيفي وعدم الاكتراث بالشخصيات ذات الكفاءة والنزاهة القادرة على تقديم الخدمة للدولة والمجتمع وعدم إيلاء أي أهمية إلى جانب المعارضة.

وبذلك يمكن أن نتوقع إن الدورة الحالية للحكم في العراق تمر بنفس الأزمات التي مرت بها سابقتها لأن الفساد الإداري والمالي يمكن ان يجد نفس الظروف ونفس المناخات التي نما وتطور من خلالها في السنوات الماضية في جميع مفاصل الدولة بدون استثناء.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com






Opinions