أقف إجلالاً لوزيرة الشهداء والمؤنفلين في كردستان
كم كانت محنة الشعب الكردي حينما يشمل تكوينها الحكومي وزارة باسم وزارة الشهداء والمؤنفلين ، وهذا يدل على جلل الحوادث والحروب التي عصفت بهذا الشعب طيلة العقود المنصرمة ، والمؤنفلين هم شهداء عمليات الأنفال التي كان يرتكبها النظام السابق تحت شعار ( عمليات الأنفال البطولية ) .ومصدر الأنفال من نفل : جعل له ما غنمه " نفل القائد جنده " والطبري في تاريخه ص347 يقول عن معركة بدر : .. ثم ان أبا سفيان أقبل بعد ذلك ومن معه من ركبان قريش مقبلين من الشام ، فسلكوا طريق الساحل فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب أصحابه وحدثهم بما معهم من الأموال ، وبقلة عددهم ، فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان والركب معه ، لا يرونها إلا غنيمة لهم .. لقد كانت هذه قافلة تجارية مسالمة لكن يبدو ان الأسلام كان بحاجة الى اموال فأجهز على القافلة واستولى على اموالها ، ونزلت سورة الأنفال ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم واطيعوا الله ورسوله إذا كنتم مؤمنين . إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنّي ممدكم بألف من الملائكة مردفين .. إذ يوحي ربك الى الملائكة أني معكم فثبّتوا الذين آمنوا سألقي في نفوس الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان .. واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .. ( الأنفال 8 : 1 ، 9 ، 12 ، 41 ) .
جنار سعد عبدالله وزيرة الشهداء والمؤنفلين في حكومة اقليم كردستان
لقد كانت هذه معركة بدر الكبرى وكان هدفها الأستيلاء على الأموال من القافلة التجارية القادمة من دمشق ، أي ان الأنفال هي غنائم الحرب . لكن الأنفال في كردستان لم تكن تستهدف الأموال ، إنما كانت تستهدف أرواح الناس الأبرياء ، وترمي الى اجتثاث شعب بكامله من الوجود . كانت البلاغات العسكرية في حكومة البعث تعلن في عام 1988 عن عمليات الأنفال البطولية : الأولى والثانية والثالثة .
بدأت هذه العمليات في شباط 1988 وانتهت في بداية ايلول من نفس السنة وقادها الفيلقان العسكريان الأول والخامس وبمساعدة مئات الآلاف من القوات المرتزقة الكردية التي كانت تعمل لحساب الحكومة .
بلغ مجموع القرى الكردية التي أزيلت منذ عام 1968 وفي خلال حملة الأنفال 3500 قرية أي بمعدل 80% من المجموع الكلي للقرى الكردية ، ومن أجل المقارنة فإن القرى الفلسطينية التي أزالتها أسرائيل داخل حدودها كان عددها 369 قرية .. ( كنعان مكية : القسوة والصمت 159 ) .
أما بالنسبة للسكان فكان يجري دفنهم أحياء في مجاهل الصحراء الغربية ، إن الرقم الذي يعطيه الأكراد لضحايا الأنفال هو 182 ألف قتيلاً . لكن في اعقاب حرب الخليج كان في ربيع 1991 اجتماع بين زعماء أكراد منهم الدكتور محمود عثمان ومسؤولين حكوميين منهم القيادي العراقي علي حسن المجيد الملقب بعلي الكيمياوي ، وبحسب ما ذكره الدكتور محمود عثمان عن الأجتماع ، ان علي المجيد اعلن عن استيائه لدى طرح موضوع محاصرة الأكراد خلال حملة الأنفال فهو " استشاط غضباً ، وأغلق الملف أمامه بعنف وكأنما ليندفع خارجاً من الغرفة " ثم وكأنما يهدف الى وضع الحد لكل كلام بشأن الحملة ، صرخ المجيد :
ما هذه المبالغة في القول ان الرقم يبلغ 182 ألفاً ؟ العدد لا يتعدى الـ 100 ألف . ( كنعان مكية ، المصدر نفسه 161 ) .
نعم بعد تلك الأرقام المخيفة ، نقرأ اليوم عن جنار سعد عبدالله وزيرة الشهداء والمؤنفلين في حكومة اقليم كردستان أنها ترفض الحضور وممثلين عن ذوي الضحايا في حلبجة مراسيم تنفيذ حكم الأعدام بحق علي حسن المجيد حاضراً ، وقالت الوزيرة : انها لا تريد ان يتحول الحكم القضائي الى مجرد عملية ثأر وانتقام فنحن نريد ان يأخذ القضاء مجراه ، وصرحت لجريدة خبات ان من يفترض حضورهم هم رجال الدين والقانون والمنفذون . ودعت الوزيرة الى تنفيذ حكم الأعدام بصورة سرية بعيداً عن الأضواء .
إن الوزيرة جنار سعد عبدالله تعكس الرؤية الأنسانية والمؤسساتية بعيداً عن ردود الفعل الآنية والأنفعال والعاطفة وهي تشير الى قوة القانون ومكانته في اقليم كردستان ، وهذا الموقف يذكرنا بالمسرحية التي اعدت لأعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ، والتي كانت عبارة عن حفلة انتقام وتشفي والبعيدة عن البروتوكول المتبع في مثل هذه المواقف .
تحية إكبار وإجلال للوزيرة جنار سعد عبد الله وهي تجسد عملها وواجبها بمهنية وحرفية رغم كل ما لحق بشعبها من قسوة وظلم ومآسي أنسانية ، إن الوزيرة الكردية تسعى الى استحضار النور من رحم العتمة ، وتزرع الأمل في صحراء اليأس ، إنها تسعى الى عراق جديد يتوّج سمائه الوان قوس قزح فيها المحبة والتسامح والأمل والأخوة والسلام والوئام .
habeebtomi@yahoo.com