أقف مع المالكي في هذا وأدعو لإنتخابه إن صمد
قبل كل شيء، أريد أن أوضح موقفي ورأيي بالمالكي لكي لا تفهم هذه المقالة خطأً. أنا لست من مؤيدي المالكي وهو لا يحظى مني بالثقة لأسباب عديدة لم أفصلها بعد في مقالة ليأسي منه ومن حكومته، فقد اعطاني الإنطباع منذ مدة طويلة بأنه يدير الدولة بشكل مبهم تماماً لا يعلم بحقائقه إلا هو، وأن ما يظهره ليس سوى مسرحيات بعضها محبوك بشكل جيد والآخر مكشوف ومضحك. وهو براغماتي يبحث أولاً وأخيراً عما يضمن بقاءه في السلطة وإلى الأبد إن أمكن، وبأي ثمن. لم أشعر يوماً أن لديه أي إحساس بالمسؤولية عن أموال البلاد ومستقبل البلاد ولم يهتم لحظة بمصير شعبه. أسعد لحظات حياته حين يتبختر في أروقة مؤتمر دولي يكون هو رئيسه فينثر يميناً وشمالاً، المليارات من أموال الشعب الذي ائتمنه، والذي يمزقه الفقر والحاجة لكل شيء. عصره (ويسميه محبيه "مختار العصر") امتداد طبيعي لما أسسه أياد علاوي والإحتلال من فساد فضيع متعمد، عصر انتشار الأكاذيب والضحك على الدقون وحرب الملفات والسرقات الكبرى والتهم الجاهزة والتسقيط المخجل من جميع الأطراف والضياع الإعلامي التام. عصر الكتل التي تدافع عن لصوصها وتهاجم لصوص الآخرين بدعوى الشرف، وبضمنها كتلته، عصر التنازلات والمذلة والتراجعات بلا حدود، عصر لا تتخذ فيه المواقف “الصلبة” إلا كمشهد من مسرحية مشهدها التالي هو والتنازلات. عصر السياسة التي تترك أبوابها مفتوحة دائماً للتراجعات. عصر ليس الموقف المبدئي فيه إلا ورقة ضغط تسحب حين تنتهي اللعبة. فمن يفخر بأن يرتبط إسمه بمثل هذا "العصر" ويكون مختاراً له؟
هذا هو انطباعي عن الرجل وأتمنى أن تغير موقفي الوقائع، مثلما أسسته الوقائع المثبة بالمصادر والأرقام والتواريخ والتي استطيع تعدادها واحدة واحدة إن كان هناك من يستمع. ليس ما يوجهني أي تحيز مسبق ضده أو معه، كما تبين سلسلة مقالاتي ومواقفي السابقة التي دافعت عنه حيناً بقوة عندما كان على حق، وانتقدته بقوة عندما رأيت أنه ينحرف. والآن ورغم كل ما كتبت اعلاه، أقول: قفوا معه في هذه القضية أمام كردستان، وإنتخبوه إن صمد فيها! وسأشرح في هذه المقالة موقفي الذي يبدو شديد التناقض.
موقف كردستان المدمر
فاليوم، وبغض النظر عن موقفي العام وشكوكي، أرى أن المالكي وكتلته يقفان الموقف الصحيح الوحيد (وإن كان ناقصاً بشدة) من العلاقة مع كردستان والتي أراها عبارة عن سلسلة لا نهاية لها من الإبتزاز واللصوصية المنظمة وسياسة التدمير المتعمد للعراق. فإضافة إلى المليارات التي تنهب كل عام من الجزء العربي من العراق، فأن كردستان بإعجابها الشديد بأميركا وإسرائيل واتباعها لتوجيهاتهما والتنسيق مع أميركا في سياستها المؤسسة على العداء تجاه العرب (كما يعترف كالبريث في كتابه) والسعي لتمرير الأجندة الإسرائيلية في العراق، ولعبها دور النواة المنظمة والداعمة لأي موقف لتفتيت البلاد واستقلالية المحافظات وتحطيم سلطة المركز بشكل عام، وليست سلطة المالكي وحدها، في الوقت الذي ترفض بشدة أي تفتيت لسلطة مركز كردستان، صارت واحدة من الهراوات الكبرى بيد الإحتلال، كما كانت في عام 1963، والتي دمرت البلاد وكانت وبالاً عليه أسوة بالكوارث الكبرى الأخرى كالإحتلال والفساد والطائفية والأرهاب والجهل الشديد للحكام والنواب وانخفاض الرادع الأخلاقي في البلاد عموماً.
علاقة ابتزاز مريضة
الخلاف بين بغداد وكردستان ليس "خلافاً سياسياً"، بل نتيجة حتمية لعلاقة مريضة بين مبتز وخانع، تماماً كما هي علاقات العراق مع الأردن والكويت. ولقد برهنا مرض تلك العلاقة مراراً وتكراراً، وجئنا بالأدلة بالأرقام الموثقة وبعضها من برلمان كردستان نفسه وأخرى من شركات النفط الغربية التي تتآمر كردستان معها على تحطيم البلاد، وبعضها عن لسان قادة كردستان ونوابهم، ونشير إلى بعض تلك الأدلة في هذه السطور ادناه. السؤال إذن :هل أن الموقف الذي تتخذه جميع الكتل المعارضة بلا استثناء، موقف الضغط على الخانع الذي لا نعرف سرّ خنوعه، ومطالبته بأن “يجد حلاً” للمشكلة، (أي أن يستسلم) أو حتى بلوم "الطرفين"، هو موقف أخلاقي مقبول، أم هو بالوقوف ضد المعتدي على الأقل باللسان والقلب، وحث ذلك الخانع على الوقوف بوجه من يبتزه ودعمه في ذلك؟ أتركوا التهريج والإبتزاز عن حلبجة والأنفال وصدام، وانسوا كراهيتكم للمالكي للحظة وانظروا إلى الوقائع والأرقام فستجدون ذلك الإبتزاز أوضح من الشمس نفسها، وأنه يتطلب درجة قصوى من النفاق المتعمد لكي لا يراه من لا يريد أن يراه!
إعلام متآمر
لعل البعض يدهش لحدة موقفي من هذا الخلاف، وسبب الدهشة ليس هوان القضية بل تهوينها وتمويهها إعلامياً وسيساسياً. إن متابعة المناقشات التي تدور حول اليوم حول الخلاف بين أربيل وبغداد تصيب المرء بالدهشة، مثلما تصيبه نتائجها، ومواقف الكتل والجهات السياسية المختلفة الأخرى منها. فلا أحد في تلك المناقشات وتلك الكتل يعود إلى حقيقة الخلاف ليتخذ منه موقفاً مبدئياً، إلا بضعة كتاب متناثرين هنا وهناك، لا يصل صوتهم إلى فضائية أو صحيفة ولا يسمعه أحد لا في العراق، وبالتأكيد - ولا في كردستان. أما الآخرين من ساسة وكتاب ، فكل ما يعرفونه وكل ما يكلفون أنفسهم للإطلاع عليه قبل اتخاذ موقف والكتابة عنه، هو أن بغداد على خلاف مع أربيل، وأن الموضوع له علاقة بنفط كردستان وأمواله وحقوق تصديره! وكل موقفهم بالتالي هو في أحسن الأحوال هو الموقف الكسول اللامسؤول بـ "لوم الأطراف جميعاً"، وحثها على "حل المشاكل" فيما بينها! وهم طبعاً لا يقترحون أي حل لأنهم لم يكلفوا أنفسهم ببحث المشكلة أصلاً، أو أنهم يعلمون ويراوغون بأمل فرض حل سيء يناسبهم، دون أن يورطوا أنفسهم بدعمه بشكل صريح قد يحاسبهم عليه أحد يوماً، أو يطالبهم بتبيان أسبابه ويحاججهم بتفاصيل حقيقته.
خصوم المالكي
من الواضح أعلاه أني لست من المعجين بالمالكي، لكن الكارثة أن من يهاجمه اليوم، إنما يفعل ذلك من أجل أن يدفع به إلى المزيد من الإندفاع في هذا الطريق المدمر. من ينتقده من اليسار والليبراليين والتيار المدني والصدريين وكتل السنة المنافقة والمجلس الأعلى وغيرهم، لا ينتقده على انبطاحه، ولم يفعلوا ذلك ولا مرة واحدة في السنين العشرة الكارثية على العراق من حياتهم السياسية، بل العكس تماماً، ينتقدونه على بعض محاولاته النادرة في الوقوف! فأين يريد هؤلاء بالبلاد إذن؟ وأي شيء ينتظر هذه البلاد إن استلموا سلطتها؟
تاريخ خلاف الميزانية
موسم إقرار الميزانية هو موسم "الصيد" والإبتزاز ضد الحكومة، ولا تقتنع كردستان إلا بعودة صياديها بصيد دسم في كل عام. خلاف الميزانية اليوم ليس سوى صورة لما حدث في الظلام في السنتين الماضيتين والذي مر دون الكثير من الضوضاء. فبعد تلاعب أربيل بكميات النفط المسلم من قبلها عام 2011 واكتشاف بغداد عدم وجود طريقة للإتفاق معها وعدم وجود أية حدود للأطماع في طلباتها التي صارت محرجة بشدة للحكومة أمام ناخبيها، فإنها اشترطت في ميزانية 2012 ان تتضمن الميزانية نصاً بتحديد كمية النفط التي يجب على كردستان أن تسلمها لبغداد لتصديرها وحساب النسبة (اللصوصية بحد ذاتها) 17% من المجموع لتسليمها لكردستان. وفي حالة فشل كردستان بتسليم تلك الكمية التي اتفقت عليها مع الحكومة، وهي كمية اقل من طاقة انتاج كردستان المحسوبة، فإن نسبة من ميزانيتها سوف تقطع بما يقابل قيمة النقص. ليس في هذا الشرط أي شيء غير عادل، وليس فيه ما يغضب أحداً أو يختلف عليه أحد إلا إذا كان مبيت النية على السرقة وعدم تنفيذ الإتفاق. كردستان بقدراتها الفائقة على الرشوة (وليس هناك تفسير آخر لذلك) تمكنت في الساعات الأخيرة قبل التصويت على الميزانية ، من حذف ذلك الشرط منها! وطبيعي أن كردستان لم تفعل ذلك دون أن تنوي الإستفادة منه. وبالفعل فإنها لم تسلم إلا جزءاً من النفط المتفق عليه مع بغداد، ولم يستقطع شيء من ميزانيتها. إننا لا نعرف على وجه التحديد من هم النواب المرتشون الذين صوتوا على القرار بهذا الشكل، او تم خداعهم، لأن الشعب العراقي تخلى عن أن يعرف شيئاً بسماحه لرئاسة البرلمان الوضيعة بكل المقاييس، بأن تضع حجاباً بينه وبين معرفة قوائم التصويت.
وفي عام 2013 وفي موسم "صيد" ابتزازات الميزانية ايضاً، لم تجد كردستان طريقة لتكرار تلك الرشوة، لكنها لم تثر الكثير من الضجة حولها، وتركتها تمر، لسبب لم يكن مفهوماً حينها. ثم تبين أن كردستان لم تسلم برميلاً واحداً لبغداد، وأنها استلمت مخصصاتها بدون أن تنقص دولاراً واحداً! بدأها مدعي الدفاع عن مصالح السنة وهو يتآمر لتمرير سرقة ميزانيتهم لكردستان مثلما صمت عن استيلائها على أراضيهم. الدكتور العيساوي حين كان وزيراً للمالية، قام بتسليم كردستان دفعتها الأولى قبل أن يسلم أي من المحافظات حصتهم بما فيها المحافظات السنية. وحين ترك المنصب استمر بديله في التسليم بدون أية ضجة في مجلس الوزراء، ولم نسمع أحداً في ذلك المجلس الآخر المأبون يقول كلمة احتجاج واحدة على تلك السرقة الهائلة التي بلغت في أقل التقديرات الرسمية تسعة ونصف مليار دولار، وفي أقل التقديرات غير الرسمية 12 مليار دولار! إن هذه الكمية المهولة وحدها دون سرقة الـ 17% وبقية السرقات من الكمارك وغيرها، كما لو أن كل فرد كردي جاء إلى بغداد واختار عائلة من "أخوته" العرب، ليسلب منها عنوة ثلاثة آلاف دولار، بمباركة المالكي وساسة السنة والصدريين والمجلس والفضيلة واليسار والليبراليين والصحافة وكل الساسة والمثقفين المنحطين أخلاقياً الذين ابتلت بهم هذه الأرض!
إن صحافتنا “الحرة” لم تحرج يوماً رئيس الحكومة الذي كثيراً ما تباهى بأنه لم يخالف الدستور والقانون يوماً، وتقول له أن هذه سرقة وهي مخالفة صريحة لقانون الميزانية الذي وافق عليه مجلس النواب، فلماذا قمت بها؟
صيد الأمس وصيد اليوم
ما يهدف إليه قادة كردستان إن عام 2014 يجب أن لا يقل في حجم صيده عن عام 2013 ، بل يجب أن تنمو الفضيحة، فتشمل رواتب البيشمركه، الجيش الوحيد في المنطقة المعادي للجيش العراقي واصطدم به، ومخصصات شركات نفط دون تقديم وصولات، ثم الشرط الغريب في أن يتم التصدير مباشرة (لكي لا يعلم أحد حجمه) وأخيراً أعجوبة أن تودع المبالغ في حساب أجنبي!
لا جهة تناقش التفاصيل ، وحتى انصاف الحقائق تهاجم
قضيتا الفساد الأكبر في تاريخ العراق، تعامل الحكومة مع كردستان ومع الأردن، تتميزان بتواطؤ عجيب مثير للدهشة يشمل جميع الكتل السياسية وكل الصحافة في العراق! الكل متفق على خذلان العراق في هاتين القضيتين بالذات، وما يثار من نقاش هو أقرب ألى المجاملات والمسرحيات رغم الصراخ أحياناً. لقد لاحظت أن من يرفض سياسة كردستان قلما يبين الأسباب الأقوى لرفضه، بل يكتفي بكلام عام تغلب عليه المجاملة والملاطفة والأدب الشديد والحقائق المخففة بقسمتها على أثنين. فحتى الشهرستاني الذي تعتبره كردستان ألد أعدائها، فأنه في اعتراضه على نسبة كردستان الـ 17%، لم يقل صراحة بأن الصحيح هو 11% الذي تبينه الإحصاءات الوحيدة التي نملكها، إنما يقول أنها 13%، وهذا الرقم مثل الـ 17% تماماً ، لا يستند على أي إحصاء، وهو أكثر حتى مما اعلنه برلمان كردستان عن إحصاءاته الخاصة. الشهرستاني، خلف الله عليه كما يقولون، ليس ملاماً في هذا الموقف النصفي في عصر التخاذلات الكاملة، فتسونامي الأكاذيب التي واجهها لوحده حتى في الدفاع عن نصف حقيقة، لم يكن سهلاً أبداً، وكثراً ما وصل الهجوم إلى قلة الأدب بحقه، دون أن يجد من يدافع عنه بكلمة ولا حتى رئيس حكومته الذي يلزم الصمت عادة، (ويشارك في الهجوم عليه أحياناً أخرى، كما حدث مؤخراً في موضوع الكهرباء). إن طريقة المناقشة لا توحي للشعب بأن بلاده تسير إلى كارثة، فلا توجد جهة في الجدل الدائر حول الخلاف بين كردستان وبغداد تناقش الوقائع والتفاصيل بكل حجمها ليعرف الشعب خللها المهول، ولا حتى المدافعين عن موقفهم من كتلة المالكي نفسها.
سياسة ترك الباب مفتوحا للتراجع
السبب في ضعف الدفاع عن الموقف هو سياسة متعمدة تنطلق من هدف سياسي ستراتيجي للحكومة، والمتمثل بترك الطريق مفتوحة للتراجعات والتنازلات إن تطلب بقائها في الحكم ذلك، حتى إن كان ذلك على حساب تسليم القوى المؤثرة، أموال الشعب ومقدرات البلاد. إننا نسمع اعتراضات مؤقتة بين الحين والآخر، كما يحدث اليوم بعد سنة كاملة من الإبتزاز التام الصمت سرقت كردستان فيها ما يقدر بين 9,5 إلى أكثر من 12 مليار دولار من الناس في قضية واحدة فقط من عدة قضايا، ولا نعلم إن كانت هذه الهمسات صوت ضمير مستتر في مكان ما داخل الكتلة، أو أن موسم الإنتخابات يجبر الحكومة على موقف سيزول مع مبرراته بعد شهر ونصف من الآن.
سيناريو من مرحلتين
يتميز تاريخ صراع الحكومة مع كردستان على مدى السنين الماضية بسيناريو مكرر يتمثل بمرحلتين: الصراخ ثم الإستسلام. هذا السيناريو يتطلب أن لا تصل مرحلة "الصراخ" إلى كشف الحقائق الكبيرة أمام الشعب، فتعرقل مرحلة الإستسلام. إن رئيس الحكومة لا يقول بصراحة أن ما تقوم به كردستان هو "إبتزاز مكلف ومهين لكل مواطن عربي في العراق"، ولا قدم في حديثه الأسبوعي أرقاماً عن الخسائر الفادحة التي يتكبدها كل مواطن في العراق خارج كردستان جراء ذلك الإبتزاز، ولا قال لمجالس المحافظات كم تخسر كل منها في العام إن قبلت الحكومة أن تتراجع أمام كردستان. إنه لا يقول ذلك لأن إقناع المواطنين بقوة وشرح الأمر لهم بوضوح، سيحرجه حين سيعلن تراجعه بعد أيام أو أسابيع كما هو مخطط. وحتى إن لم تكن هناك خطة مبيتة مسبقاً للتراجع، فإن السياسي بحسه المراوغ، يترك الباب مفتوحاً لذلك التراجع إن اضطر له، وسيدفعه مبتزوه إلى أن "يضطر له". هذا هو التاريخ حتى الآن، فهل تغير الأمر اليوم؟ إن تجاربه وتجاربنا معه مقلقة، وتقول أنه “سيضطر للتنازل” في كل مرة، والأمثلة كثيرة لا تعد.
لقد بدأت من سرقات أشتي هورامي لآبار النفط العراقية المكتشفة وتقديمها للشركات كمناطق استكشافية رخيصة دون أن تعلن الحكومة ذلك أو تطالب بمحاكمته بتهمة الفساد، إلى توقيع عقود النفط غصباً عن الحكومة وبصيغ لصوصية تعطي الشركات 4 أضعاف ما تعطيها لها بقية الدول، إلى إغراء الشركات علنا بترك بغداد واللجوء إلى كردستان، إلى دناءة تصريحات البرزاني المهددة والمهينة مثل أن شركة أكسون موبيل تعادل عشرة فرق عسكرية (ضد من؟) إلى تكرار احتلال البيشمركه لاراضي المحافظات المجاورة، إلى طرد البيشمركه بفوهات البنادق لفريق النفط الحكومي في كركوك واستبداله بشركة غربية، إلى رفض كردستان تقديم حصتها من النفط في هذه الشراكة العجيبة، إلى رفضها تقديم الوصولات عن مستحقات الشركات التي تطالب بها، ثم رفضها تقديم الوصولات حتى عن تلك التي حصلت على مبالغها من الحكومة مقدماً، هذا عدا حالات النهب التي تشرعنت وتثبتت وصارت "حقاً مكتسباً" لكردستان وتوقفت الحكومة عن المطالبة بها مثل اموال الكمارك الحدودية ونسبة الـ 17% التي صمدت حتى بعد اعتراف برلمان كردستان بأن نسبتها هي 12.6%. كل هذه وغيرها حقائق صلبة وموثقة بالأرقام والمصادر. إنها أثار أقدام بارزة تخط الطريق المؤلم والمحزن والمخجل الذي سارت به العلاقة بين كردستان والعراق خلال السنين الأحد عشر العسيرة الماضية.
امثلة على تجنب المحاججة المفحمة
بسبب هذه السياسة العامة المبنية على التراجعات، لم نسمع أي مسؤول من دولة القانون يستعمل في جداله الحقيقة المفحمة مثلاً بأن البرلمان الكردستاني نفسه قد أعلن رقماً لنسبة سكان كردستان هو 12.6%.
كذلك لم اسمع مسؤولاً في بغداد يفضح الإحتيال الواضح الذي كرره معظم برلمانيي كردستان والمتمثل بالتلاعب بأرقام نسب الميزانية بحذف الكلفة السيادية كما يتلاعب غشاشوا القمار بالأوراق، ليبرهنوا لمستمعيهم من كرد وعرب بأن ما يصل لكردستان ليس سوى أقل من 11%. لم نسمع أحداً يصفع من يقول هذا في وجهه بأن يقول له بأنه مخادع في أرقامه.
الحجة الأخرى المستعملة لتبرير الزيادة الكبيرة في نسبة السكان إلى 17%، والقائلة بأنه "من غير المعقول أن لم يزدد عدد سكان الإقليم خلال كل تلك السنوات"، ليست سوى حيلة غش أرقام أخرى، فلماذا لم يكشفها أحد سوى مرة واحدة حين ردت النائب حنان الفتلاوي ببساطة، بأننا نتحدث عن زيادة نسبة وليس زيادة عدد السكان؟
كذلك لم أسمع أحداً يرد على الحجة الكردستانية بأن الإحصاءات التي تبين أن نسبة كردستان هي 11% "قديمة" بالقول بأن تقديرها بـ 17% أسوأ منها لأنه لا يستند على اية إحصاءات من أي نوع، لا قديمة ولا حديثة، وهو رقم اعتباطي وقعه علاوي وبريمر في الغرف المغلقة ولا أحد يعرف كيف تم التوصل اليه ولماذا.
كذلك لم أسمع أحداً يواجه محادثه بالسؤال: لو كان لنا في بغداد سياسي رشا لصوص كردستان وجعلهم يوافقون على أعتبار نسبة الكرد 10 أو حتى 8%، فهل كان الكرد سيسكتون ويقبلون الحجج التافهة بأن ذلك هو الإتفاق، أو ان النسبة السابقة "قديمة"، أو أن "سكان بغداد لا بد أن يكونوا قد تكاثروا"؟
ومن الحجج المنتشرة التي يتبادلها الناس لإقناع أنفسهم بقبول السطو على أموالهم هي "أن من يحكم بغداد لصوص، ولا فرق أن تذهب الأموال إلى لصوص كرد أو لصوص عرب، على الأقل لصوص الكرد يبنون ببعض الغنيمة بلادهم أما في بغداد فيأخذونها كلها".
هذه الحجة تبين مدى الإستسلام وانهيار الإرادة التي وصل إليها الشعب ومدى يأسه من هذا "العصر"، وهي منطق خاطئ بكل المقاييس. ليس فقط لروحه الإستسلامية المنهارة وإنما لما يعنيه في المستقبل. صحيح أنه لا فرق بين لصوص الكرد والعرب، بل أني أفضل إن كان لابد للمال أن يسرق، ان تسرقه جهة أبعد ما تكون عني، لأنه لا يورث في النهاية إلا عصابات متغولة في البلد لن يسهل إزاحتها مستقبلاً. لكن المشكلة أنه يعني من الجهة الأخرى أن كتلة كردستان سوف تكون حريصة جداً على أن يستمر هذا الفساد المفيد لها وسوف تستبسل في الدفاع عنه بكل شكل وتمنع مع أسيادها، أية محاولة لتغيير الوضع الفاسد الذي يبيض لها ذهباً. وهكذا يخلق الشعب قوة إضافية كبيرة للدفاع عن الفساد في بلاده، إضافة إلى قوة الفساد نفسه.
لا أحد يرد على تلك الحجج بشكل واضح يفضحها للناس، لذلك تراها تنتشر بين الناس في العراق وفي كردستان، ويتداولوها في أحاديثهم كأسباب مقبولة تبرر موقف كردستان. إن الخطة تتطلب أن يفهم الناس من خلال الحجج الضعيفة، بأن الموضوع فيه وجهات نظر، وليس ابتزازاً صريحاً مخيفاً ينمو ويتغول يوماً بعد يوم. فليس غريباً بعد ذلك أن يطالب الجميع الحكومة بـ "حل خلافاتها مع كردستان"، وليس غريباً أن تجد الحكومة والمعارضة وكل الجهات في العراق، الطريق معبداً في كل مرة لتراجع جديد وتنازل جديد والإستعداد لإبتزاز جديد قادم.
هكذا صار ينظر إلى أي محاولة لوقف الإبتزاز أو نموه، بأنها استلاب لحق من حقوق كردستان لا يسمح للحكومة بالتوقف عن دفعه! وإن همس أحد أية كلمة، فسيثار في وجهه كل تاريخ الأنفال وصدام وحلبجة وشوفينية البعث، إتباعاً لتوجيهات إسرائيل وخبرتها في استخدام الهولوكوست للعدوان على الأبرياء وإسكات أية جهة تعترض! إن السعي لتحويل حلبجة إلى محافظة ليس سوى أحد الجهود الموجهة لتضخيم هذا السلاح الثمين الذي يزيت ماكنة إبتزاز العرب ويخجلهم من الدفاع عن حقوقهم وتهديدهم بالويل والثبور الدولي إن فتحوا فمهم، وهم الذين وقف أكثرهم بقلوبهم أو بسلاحهم مع كردستان في صراعها المرير.
وفي هذه المؤامرة على العراقيين تلعب الصحافة التي تركها لنا الأمريكان دور العاهرة التي تنام مع من يدفع، وتسهم في دفع الشعب إلى الضياع، فلا هي تكشف حجم الحقائق بمقالات ولا هي تطرح في المقابلات أية أسئلة من شأنها أن تنبه الناس وتزعزع أركان سيناريو “الصراخ ثم الإستسلام”. إننا نلاحظ أن الصحفي في "العراق الجديد"، جريء بل "وقح" في مقابلاته مع المسؤول. لكنها وقاحة أسلوب فقط هدفها التغطية، أما المحتوى فهو في غاية الأدب والخضوع. فإن أراد إحراج المسؤول حقاً فإنه يختار أسئلة تمثل الأجندة الأمريكية مثل السؤال عما أنجزه المسؤول من أجل الخصخصة، وإلا فإنه يختار أسئلة تتيح للمسؤول أن يتحدث عن إنجازاته وبطولاته أو يأتينا بقصة أطفال عن بطولات أولاده الخرافية. وهكذا تمرر الأبتزازات المهولة في العراق وتسلب أموال البلاد ويدمر مستقبله، والناس تتصور أن هناك "خلافات" و "وجهات نظر"!
إن الشعب الذي يهتم بشراء سيارات مدرعة للنواب أو جوازات سفرهم الدبلوماسية، ويضج عليها أكثر مما يهتم بحقيقة مروعة مثل التصويت السري في مجلس ا لنواب، والذي يعميه عما يقومون به، أو يخجل من انزعاج ركاب طائرة لشركة أجنبية أكثر مما يهتم بسرقة تحطم مستقبل بلاده تماماً وتهددها بالإنهيار، شعب ضائع فاقد للمقاييس تماماً. صحيح أن لتلك الحوادث أهميتها ومعانيها، لكن مقارنتها بفضيحة تكلف كل عائلة عراقية ثلاثة ألاف دولار بضربة واحدة، مؤشر خطير لحال هذا الشعب ومؤسساته ومثقفيه، ومؤشر ناصع على ما يتعرض له من تشويه إعلامي.
تطبيع الإبتزاز ومهاجمة من يعترض
هذه هي قصة هذا الطريق الطريق "المؤلم والمحزن والمخجل الذي سارت به العلاقة بين كردستان والعراق"، لكنه "مؤلم ومحزن ومخجل" لنا فقط، شعب العراق، أما من استفاد منه، أو من تمت رشوته، فلا يراه كذلك. من الطبيعي أنه عندما ينظر اللص إلى هذا التاريخ فإنه يراه تاريخ "مجيد" ويرى علاماته المميزة كـ "انتصارات" يفخر بها، ويأمل باستمرار تحقيق المزيد منها وزيادته. ففي التصويت الأول لتمديد الـ 17% حين فشل الصدريون في إسقاطها (عندما كانوا صدريين حقاً)، فأن أحد النواب الكرد صرخ بأنه "انتصار عظيم للشعب الكردي"! (إنتصار على من؟ ممن يسرق هذا الإنتصار الأموال؟) لا فرق بين السرقة والإنتصار، ماداما يقدمان نفس النتائج. نتائج تتثبت وتقوى مع الزمن ويتطبع الناس عليها ولا يعودون يرون فيها خطأً. فالكذب والإبتزاز من الضعيف المتخاذل تصبح مع الزمن "حقوق" و "مكاسب"، والإعتراض عليها والمطالبة بإعادتها أو حتى مجرد التهديد بوقفها أو حتى منعها من النمو ، "إعتداء" سافر عليهم، ومن يتجرأ على هذا الفعل شخص يستحق الكراهية والغضب! النمر الجائع يرى فريسته التي اصطادها من حقه، والويل لمن يقترب منها. أما الإنسان فيفعل ذلك حتى عندما يكون متخماً!
تدمير العلاقة بين الشعبين العربي والكردي
ما يحدث اليوم دنيء ومخجل وحقير بكل معاني تلك الكلمات ولا يقتصر على نهب أموال شعب العراق وتفويت فرصته في بناء بلده. لقد دمر المالكي وحكومتهم بتخاذلهم، العلاقة بين الشعبين العربي والكردي في العراق مثلما دمرها علاوي ورهط الساسة المرتشين برخصهم ودونية أخلاقهم، وكل الذين أسسوا هذا الإبتزاز والذين يساهمون في الدفاع عنه عن قصد أو حماقة من خلال الضغط على الحكومة في هذا الأمر. لقد أدخلو العلاقة بين العرب والكرد في دهاليز مظلمة وسيكون تصحيحها أصعب وأصعب في كل عام، وسيجد من قد يسعى إلى ذلك مصاعب لا يمكن عبورها، تردعه عن محاولته، إن سمحوا لمثل هذا الرجل أن يأتي يوماً. فالشعب الكردي سيعتبر ما اعتاد عليه "حقه الطبيعي" ولن يقبل تراجعاً في موارد كردستان، ولا الشعب العربي سيستطيع أن يتحمل هذا الإبتزاز إلى الأبد أو ينساه، لأن الأرقام صريحة وواضحة ولا تتقادم مع الزمن.
لقد تنبأت وحذرت من هذه النتيجة قبل ست سنوات (عام 2008) عندما كتبت رداً على تمديد البرلمان لنسبة الـ 17%: "لا تدعوا جريمة البرلمان العراقي العنصرية تغور في ذاكرة العرب عن الكرد" (1)، واختتمتها بعد شرح ملابسات الجريمة وأدوار المشاركين فيها، بالقول: "هل من فرصة لإصلاح ما دمره اللصوص؟ ليس الأمر مستحيلاً ان توفرت الإرادة واستبدلت حركات علاوي وتلونات عادل عبد المهدي وعنتريات محمود باليات ادارية محددة واضحه يشعر فيها المواطن مهما كان اصله بالثقة، وقد ساق بالفعل صديقي شيروان محمود (مثقف كردي) اقتراحاً في مقالته الرائعة يقول: "علينا بالتالي الدعوة الى آلية تعيد للطرف المغبون ما حرم منه اذا اثبتت احصائية قادمة صحة ادعاءاته, او تجبره على اعادة ما اخذه دون استحقاق اذا ما ثبت العكس."
وأكملت:"اكتبوا قانوناً إذن يعيد الحق بعد الإحصاء، ليس لهذه السنة وحدها بل للسنوات السابقة ايضاً. إفعلوا شيئاً من هذا ولا تدعوا هذا الخطأ يثبت، لاتدعوا هذا الإغتصاب يغور في الذاكرة."
وها قد مرت السينين العجاف وثبت الإغتصاب وغار في الذاكرة كما تتمنى إسرائيل وعملاؤها وصار الحديث عن إعادة سرقات الماضي ترفاً كبيراً حين نجد من الصعب حتى أن نوقف ابتزازات المستقبل أو نوقف نموها المهول. لقد نجح اللصوص فيما أرادوه وفيما كلفوا به، وكما قال الشاعر: "نصبوا مناراً (من الإذلال) يوحي إلى جيل الغد البغضاءا". وقال آخر: "والظلم لو دام دمر، يحرك اليابس والأخضر". وهاهي المحافظات تتململ من هذا الظلم وهي ترى كردستان تحظى بكل ذلك التمييز وتطالب أن تكون مثلها. والويل للعراق إن صارت فيه كردستان واحدة أخرى! إنها نهايته الحتمية التي لا نشك ان قادة كردستان يسعون إليها تعمداً كهدف أساسي كلفوا به من أسيادهم في الخندق الأمريكي الإسرائيلي وما هذه السرقات الهائلة إلا الثمن المذهل إلذي يقبضونه جراء خدمتهم هذه لتلك السياسة.
لقد وقع الفاس بالراس وصار مواطني العراق العرب أكثر مطالبة باستقلال الإقليم من الأكراد انفسهم، وليس الأمر سوى نتيجة طبيعة للسياسة الرعناء الأنانية لساسة كردستان و العراق في هذا الموضوع كما في غيره.
ليس فقط قام بالجريمة أو أسهم في استمرارها، بل إن أي مسؤول عراقي وأي صحفي وأي مثقف، لن يفخر بنفسه أنه عاش هذه المرحلة وتركها تمر دون أن يملأ الدنيا صراخاً واحتجاجاً على نحر وطنه! ولا بد من القول أن اليسار، من عرب وكرد على السواء، قد أسهم في تعميق هذا الشرخ وتركه هذا الظلم الواضح يصل إلى حتميته، بمواقفه التي بقيت تدعم حكام كردستان في كل ما يفعلونه، وترددهم أن يقولوا كلمة واحدة في انتقادها في هذا الشأن بالذات، والوقوف معها دائماً ظالمة أو مظلومة. إن التاريخ لن ينسى لهم هذا الموقف الخاطئ والمؤسف وغير المبدئي.
هذه هي القصة الحزينة التي لم تبلغ وعي المواطن العراقي بعد ولم يتخيل حجمها وعمقها، وكل الطيف السياسي والثقافي مذنب فيها، فإلى من نتوجه ونحن مقبلون على انتخابات جديدة؟ ليس لنا سوى ان نقول أن للمالكي أو كتلته، رغم مسؤولية الماضي الكبيرة، ميزة الموقف الحاضر. وهو موقف على بعده عن الطموح ، فإنه أفضل بكثير من كل الكتل التي تصر صراحة على الإستمرار بالفضيحة وتبررها وتدافع عنها وتريد دفع هذه المؤامرة إلى نهايتها المخيفة.
من الجهة الأخرى فإننا نطالب دولة القانون بدفاع حقيقي عن موقفهم لا يترك الباب للتراجع ككل مرة. موقف يعيد لنا بعض الثقة بأن هناك بقية صوت حق يمكننا أن نأمل به. نريد كذلك أن نعرف موقفهم من العشرة مليارات أو أكثر، الزائدة التي سلمت لكردستان العام الماضي. نريد أن نعرف هل يعتبرونها نوع من قرض، أم هي منحة طائية على حساب الشعب أم ماذا؟ نريد كلاماً واضحاً والتزاماً واضحاً بعيداً عن اية مراوغات ومجاملات. موقف يبقى ثابتاً وليس من ألاعيب أوراق الضغط السياسي المعتادة التي تتبخر فور انتهاء الحاجة إلى إليها.
ونريد أيضاً أن يرد على تهديدات كردستان بالإنفصال، بإدراج استفتاء في المناطق العربية، في الإنتخابات القادمة، حول انفصال بقية العراق عن كردستان، أسوة بما قامت به كردستان في انتخابات سابقة، أو على الأقل طرحه كخيار على طاولة المناقشات. فلا يعقل أن يحق للكردي أن يختار أن ينفصل ولا يحق ذلك للعربي. اليوم هو 11 آذار الذي احتفل به الكرد يوماً بحكم ذاتي، وهو يمر اليوم في وضع يأمل فيه العرب في العراق بالحصول على"حكم ذاتي"! فأنا صراحة لا أرى أملاً في حل عادل مع كردستان رغم طيبة أهلها الشديدة، فالشعب الأمريكي شديد الطيبة ايضاً، لكن حكوماته كارثة على البشرية تهدد اليوم وجودها.
إنني في حالة قيام الحكومة بتلك الطلبات التي هي أقل من الحق بكثير، ورغم اعتراضاتي الكثيرة ومقالقي وشكوكي، أدعو إلى إعادة انتخابها، فمهما كانت مساوئها فأن الآخرين من قدماء وجدد، يبدون أكثر سوءاً. القدماء لا يختلفون عن الحكومة سوى بأنهم يفتقدون إلى الشكل الحزبي الذي قد يضع المسؤول أمام محاسبة يوماً ما أو يضغط عليه بشكل ما مهما يكون متواضعاً، وبالتالي فأن طريق الفساد والعمالة أسهل له بكثير. وأما الجدد، فينوون مشاركة الحكومة، ولا يتورعون عن امتداح كردستان وحتى إسرائيل احياناً التي يزورها العديد منهم وبمباركة الباقين كما يبدو. ويبدو أنه لا يشغل بالهم شيء أكثر من إقناعنا بأن إسرائيل ليست سوى مجموعة عراقيين مثقفة مظلومة، تغني الأغاني العراقية القديمة شوقاً لوطنها الذي هجرت منه، وأنه من أجل رفع الظلم عن هؤلاء، فأن أيقونتهم مثال الآلوسي البطل “ضحى بالكثير” لكي يبات عند الجنرال يعالون ويستمع لنصائحه، ثم عاد هائجاً مهووساً بضرورة الحرب على إيران وصداقة إسرائيل وتسليم النفط للشركات الأمريكية لكي لا تأخذه إيران!
هذا إذن هو الحال الذي وصلنا إليه، وهؤلاء هم من يقدم نفسه كبديل. وإن كان في دولة القانون من يفتح فمه بين الحين والآخر بوجه ظلم العلاقة المشبوهة مع كردستان أو الأردن والتخاذل المذل أمامهما، فأن الصمت الشديد والتواطؤ التام يسيطر تماماً على بقية الكتل المنافقة الجديدة منها والقديمة، ومن المنطقي جداً أن نتوقع أنهم لو وصلوا إلى السلطة لصار الإنبطاح تاماً وكاملاً، فمن هو الأحمق الذي يتصور أن علاوي أو عادل عبد المهدي يمكن أن يقول أي "لا" في اي شيء لأميركا أو كردستان أو إسرائيل، حتى لو كلفوا بإشعال حرب جديدة ضد إيران إن تطلب الأمر؟
إنني أؤمن تماماً أن الشعب يحتاج حكومة أفضل بكثير من حكومة المالكي، لكن عليه أولاً أن يستحقها وأن يبدي وابتداءاً من الدورة التشريعية القادمة، مسؤولية أكبر، وأن يزيح أولاً وقبل كل شيء، وباء التصويت السري في البرلمان ليعرف "اوادمه" كما يقولون، وأن يزيح عن رأسه تماماً وهم الصداقة الأمريكية وإلا فسيبقى محاصرا بساسة محتالين ومثقفين محتالين ولن يجد أمامه إلا التراجعات والتنازلات، ورؤية المخطط الإسرائيلي لتحطيم العراق ينفذ خطوة خطوة.
وحتى ذلك الحين فعلى هذا الشعب أن يقبل ما جنته يداه من ضياع. فمن يعرف شخصياً نائباً شريفاً وغير مخدوع في مواقفه من إسرائيل وأميركا، وله موقف رافض مشرف ولو بالحد الأدنى من علاقات كردستان والأردن والسعودية أيضاً، فليصوت له. أما من لا يعرف أحد بشكل شخصي، فليصوت لهذه الحكومة، إن لم تتراجع عن موقفها مع كردستان، وإن أبلغتنا برد مقنع حول المليارات العشرة لعام 2013.
أما إن تراجعت وتبين أن موقفها الحالي ليس سوى أوراق ضغط وإعلانات أنتخابية، فلدي جهة أخرى سأقترح عليكم انتخابها في حينها، ولكل حادث حديث.
(1) صائب خليل: "لا تدعوا جريمة البرلمان العراقي العنصرية تغور في ذاكرة العرب عن الكرد"
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/18prl.htm
11 آذار 2014