Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أن تكون لنا قضية، أو لا تكون

الشخوص تتبدل والازمان تتحول والمشاكل تأخذ أشكال عصورها ومع كل ما تأخذه بيدها عجلة التغيير يكون الحديث والخطابات الموجهة واحدة مما عليها التغيير أولاً وقبل كل شيء، والأهم من كل هذا انها هي التي تغيّر كل ما حولنا وتحدد نوعاً ما مصيرنا، هذا بغض النظر عمّا سبقها من تحليل وتفسير وتفكير وتعديل في العقل.

أما الذي نرومه هو أن لا تكون كلماتنا ناتجة عن تأثّر ظاهر وتحفّز خارجي أشبه ما يكون أنه جرّ جرّاً لأن ينطق بعدما حلّ ما حلّ من تغيير كنّا وقتها في حال سبات مثل أهل الكهف.

وفي هذا السياق علينا مراجعة ذواتنا، فنحن غالباً ما يزدحم جوابنا، أو حديثنا حول موضوع ما، مما يخفي بطبيعة الحال الصواب الموجود فيه، وهذه هي الحال عندما تجتر الأفكار وتبلى، ولا يصبح للمفردة معنى إلا بعد مصاحبتها بمئات مثلها لتعنيها نفسها، وكل هذا يحدونا إلى القول بأن زماننا قد انتقل، بالرغم من تخصصيته، من البساطة إلى الكلفة والتعقيد رغماً عن تسهيله الكثير من الأمور وجعله للعالم قرية صغيرة، إلا انه اخضعه لنظام معقد بعيد كل البعد عن الطبيعة وأنظمتها التي يستطيع الجميع التوافق معها بسهولة كبيرة.

وهذا ما يدعو بليز باسكال لأن يقول: " تراه يكتب كتاباً ضخماً لأنه لا يجد الوقت لكي يكتب كتاباً صغيراً "، كل هذا ينصبّ في المقدرة على تحديد الهدف وانتقاء الوسائل ضمن دلالات اللغة، فالكلام الكثير دليل على الفقر، أما البساطة فتستلزم مجهوداً طويلاً مثلما يلزمنا من وقت لاستخراج غرامات من الذهب موجودة في أكمات من التراب. إن الكتابة تتطلب من الناس الدخول إلى مكامن ذواتهم ليصلوا إلى النقطة المركزية التي نلتقي ونتفاهم فيها جميعاً.

أن تكون لنا قضية، أو لا تكون هنا تكمن مصداقية الدوافع الأساسية للكتابة، فجلّ ما نخشاه أن تكون كتاباتنا لمجرد الكتابة وابداء الديمومة واظهار المواصلة، ولكن الأهم هو إيماننا بوجود المحفّز والدافع وهو -كما لو كانت الحال دائمة- الإنسان وما له علينا وما لنا عنده.

فأن تكون كلماتنا حيّةً تتدفق لحينها وفي وقتها لتنصبّ في جداول تروي أراضٍ عطشى هو بدٌ لا بدَّ منه أفضل من أن تكون مياه رائحة إلى بحر طويل عريض لا فرق ان دخلته أو لم تدخله، فهو بحر بها ومن دونها بلا أدنى تغيير.

فتحديثُ حديثنا واجب إنساني ننشد فيه أهدافاً سامية ونبلغ به رسالتنا على أتم وجه. وهكذا نكتفي بهذا القدر من الحديث لأن الكلام الذي لا نقوله هو ملح المحادثة، والسلام.


الراهب آشور ياقو البازي
Opinions