أنا أنتخب إذن أنا موجود
علي حسين عبيد/هذا العنوان ينطوي على أهمية قصوى تتعلق بقضية وجود الانسان، وتذكرنا جميعا بالقول الفلسفي ذائع الصيت (أنا أفكر.. إذن أنا موجود)، فهل يمكن أن تصل عملية الانتخاب الى هذا المستوى من الأهمية؟.
إننا نتحدث هنا عن الانتخابات النيابية القادمة في العراق والتي لم يبق على موعد إجرائها سوى عشرة أيام أو أقل، حيث ستُجرى في السابع من شهر آذار القادم في عموم محافظات العراق وفي المراكز الانتخابية التي فُتحت في عدد من الدول الخارجية للجاليات العراقية المقيمة فيها، ولعل القول بأن أهمية هذه الانتخابات قد تضاهي أهمية وجود الانسان العراقي نفسه، ولانرى مغالاة ولا مبالغة في هذا القول، فالوجود الفردي والجمعي لعموم العراقيين يبدو أنه مرتبط بالمشاركة في هذه الانتخابات بصورة كبيرة مباشرة.
حيث يمكن الجزم بأن المسؤولية التي أصبحت ملقاة على عاتق الناخب أكبر بكثير من المسؤولية الملقاة على المرشّح، وهي تكاد تضاهي وجود الانساني العراقي كون أن نتائج هذه الدورة الانتخابية من الاهمية بمكان بحيث تحدد مستقبل العراقيين السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي، وإذا كان تأثير هذه الانتخابات يصل الى هذه المستويات العالية من التدخل في الحياة العراقية، فإننا سنتفق على أهميتها القصوى، وهذا ما يتطلب اندفاعا واضحا وكبيرا للمشاركة فيها.
وقد لاحظ المراقب للشارع العراقي جملة تتردد بكثرة على ألسنة الناخبين مفادها (إننا لم نحصل على شيء من الدورة البرلمانية السابقة، فلماذا نشترك في انتخابات الدورة النيابية المقبلة) وكان تركيز المواطنين جميعا على ضعف الخدمات والقوة الشرائية والفساد الاداري وما شابه، ومع صحة ما ذهب إليه المواطنون أو صحة قسم من ملاحظاتهم وشكاواهم، إلا أن ذلك لا يعني عدم الاشتراك في الانتخابات القادمة، ولا يبرر العزوف عنها تحت أية حجة كانت، لأن التحجج بأخطاء البرلمان الماضي وعدم صلاحية بعض أعضائه في عدم الاشتراك بالانتخابات القادمة هو مبرر او حجة غير صحيحة ولا مقبولة بل وتصب في الاتجاه الخاطئ تماما، وهي تعني أن من دخل قبة البرلمان في الدورة النيابية الماضية سوف يدخلها في الدورة اللاحقة، وهذا يعني تكرارا للأخطاء الماضية وضعفا في الخدمات وانتشارا للفساد الاداري وغيره، في وقت يجب على الناخب أن يشترك في هذه الدورة الجديدة بقوة لكي يفرض رؤيته وينتخب أعضاءه الذين يرى فيهم القدرة على العطاء والتطور والنزاهة لنقل البلد من خانة النكوص والفوضى الى خانة الثبات والاستقرار الامني والتقدم الخدماتي وما شابه.
إن الناخب العراقي يخوض الآن مخاض إثبات الوجود حيث ينبغي عليه أن يعي بقوة أهمية دوره في هذا المجال، وعليه أن يفهم بأنه في حال تخلى عن الانتخاب في هذه الدورة، فإنه كمن يتخلى عن وجوده او عن جزء مهم من هذا الوجود، ولا نخطأ إذا قلنا أن امتناع الناخب عن الذهاب الى صناديق الاقتراع هو عمل يشبه من يشترك في تهديم بناء بيته ووجوده أيضا، لأنه بهذه الخطوة يسمح للمرشحين غير الكفوئين بالقفز مرة أخرى الى قبة البرلمان في وقت يبقى المرشحون المناسبون والقادرون على تطوير البلد بعيدا عن هذا الدور التشريعي والرقابي الذي نحن بأمس الحاجة إليه الآن لكي نثبت وجودنا.
وهكذا سنلاحظ نوعا واضحا من التقارب بين أهمية المشاركة الجماعية في الانتخابات النيابية التي شارفت على البدء، وبين أن يدعم المواطن والمجتمع العراقي وجوده على نحو أفضل، ولعلنا جميعا نقر بأن معالجة الاخطاء لا تتم قط بتجاهلها او الابتعاد عنها او عزل الذات عن المشاركة في صنع الحاضر والمستقبل، بل العكس صحيح تماما، فمواجهة الاخطاء والعثرات في هذا المجال او ذاك هو العلاج الأفضل والأصح للقضاء عليها او الحد من تناميها في أضعف الايمان.
لذا يتطلب الأمر وعيا فرديا وجماعيا للناخبين العراقيين في عموم العراق وخارجه (الجاليات العراقية) كي نضع الامر في نصابها الصحيح، ويتم طرد الاعضاء غير المناسبين وإبدالهم بمن يستحق أن يمثلنا ويقودنا نحو أهدافنا سواء في الجوانب المادية او المعنوية.
وعلينا جميعا أن نعي أيضا بأن عملية الاشتراك في هذه الانتخابات واختيار الأفضل لاتقل أهمية قط عن إثبات وجود الانسان، وأن شعار (أنا أنتخب إذن أنا موجود) ليس مبالغا فيه، ولا مجافيا لواقع الحال، بل نرى أن الناخبين جميعا معنيون به، كوننا نسعى من خلال الاشتراك في هذه الدورة النيابية الى اختيار النواب القادرين على تحقيق تطلعاتنا وأحلامنا في بناء العراق الجديد، عراق الحرية والسلام والتعايش والازدهار المتواصل.
وقد قال الحكماء: الشعوب الذكية هي التي تستطيع أن تتعلم من كبواتها السابقة...فهل نحن فاعلون؟!.
* مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام
http://annabaa.org