Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أنتخب إذن أنا موجود هنا, وأعترض كي أكون هناك

يشهد الوطن نهاية ك2 إنتخابات مجالس المحافظات, إنها ممارسة شعبية و الأداة التي تحدد مدى نجاحها من عدمه هو الشعب ومعه تشكيلاته السياسية التي ستبذل ما بوسعها من أجل إستثمارها لصالح أجندتها حتى لو زعم أحدهم بأن هذا المرشح او ذاك مستقل , ولا غرابة لو سبقت هذه الفعالية عملية أخذ ورد على كافة المستويات الشعبية بين مندفع للمشاركة رغم الإخفاقات السابقه وبين متحفظ او ممتنع عنها بسبب ما يعتبره خيبة في التي سبقتها وفي عدم إيفاء من إنتخبهم بوعودهم , إذن التحاور بالجذب والنفور أمر طبيعي .

لا بد وأننا سمعنا او قرأنا عن محرر الهند البطل غاندي الملقب بالمهاتما, الإنسان ألذي أدخل إسمه سلمياً في التاريخ كمناضل قارع الظلم و حارب الإحتلال بسلاح كلمته و إستطاع لف المعذبين من حوله وتوجيههم في مقاومة الظلم والإحتلال سلميا .عرف عنه مواقفه النضالية التي إتسمت بصلابتها المبدأية , لكن في ذات الوقت كانت عبقريته ودهائه جليّة في حبكة مناوراته السياسية السلمية (السياتراها) التي غالبا ما دفعت به ظروف نضاله المعقدة إلى خيار التهادن والمرونة حيال خصومه من أعداء شعبه ومحتلي بلاده البريطانيين , كان غاندي صاحب نظرية النضال السلمي واللاعنف ,مما جعله بسبب فلسفته عرضة لتشكيك أصدقائه به ونقدهم له ليصل بهم الأمر حد تخوينه وإتهامه بالعمالة والتنصل عن قضيته, لكنه في قرارة نفسه كان مدركا لجدوى ما يفعله من أجل حقن دماء شعبه عبر ترويض ألعدو الى أن تحقق له أخيرا ما اراده سلميا .

لو إعتمدنا في نظرية غاندي النضالية جانبها الإنساني في اللاعنفيه ,التي يعتبرها البعض حالة من القنوط والعجز في قدرات المظلومين على مواجهة ظالميهم ,كان رد غاندي قوله ان ثورة اللاعنف( الإحتجاج المنظم , الإعتصام الجماعي , الصوم, المسيرات السلمية, الإضراب عن الطعام, مقاطعة المنتوج والخ) يمكنها ان تأتي بنتائج مقبولة نوعا ما في حال لوكانت ردات فعل الظالم والطاغية حيالها فقط في الإعتقال والحرمان , لكن لو كان رد فعل السلطة بالعنف اي بالنار والحديد فالرد عليها بالمثل يكون هو الأخر أمرا طبيعيا ومطلوبا لو إقتضى الأمر.

من الطبيعي جدا أن يخلص بنا الكلدواشوري او الصابئي والشبكي والإيزيدي(بإعتباره ضحية) بحقيقة أن إفتقاده لعوامل العنف (المدمقرط) هي التي ترغمه على الإنزواء جانبا,وهذا يؤكد لنا أن ظاهرة العنف ومعالم ثقافتها ليست بغريبة عن مجتمعنا العراقي , وهذا صحيح الى حد ما , وإلا لرفضتها ونبذتها على الأقل تجربة قادة كتل أحزابنا العراقية ( الوطنية ,القومية , الديمقراطية), لابل يتغنى بها القائد طربا حين يلقى التأييد الشعبي لعنفه (الديمقراطي) كوسيلة لتبرير شرعية الهدف الذي هو اصلا مستهجنا بحسب مرجعيات الفكر الوطني , وإلا بماذا نفسر ركوب البعض صهوة فرسين في آن واحد؟ صهوة المناداة بالديمقراطية التمثيلية التي تنعش حصرا تلك الشريحة العازفة مع الفارس أغنيته وصهوة تعنيف ألياتها على اخيه الإنسان الآخر المقهور؟

نحن في عراق اليوم وفي صخب عقلية تبادل الأدوار بين الضحية والجلاد ,سالت أنهارمن الدماء البريئة , و حصلت مآسي فاقت المعقول, بحيث لم يعد بمقدورنا التمييز بين الضحية والجلاد , وأصبحنا عاجزين عن إيجاد الطريقة المثلى لسن قانون وكتابة دستور لتطويق ظاهرة العنف الملبسّه بثوب الديمقراطية التي تصبح فيها الحرية أغنية تغرد بها كل شريحة على حدى خارج البيت الكبير الذي هو الوطن وإنسانه.

لنقترب قليلا عن واقعنا في الإفصاح عن الحقيقة بقولنا أننا بدانا مؤخرا نتحسس بأمن متأرجح بين تذبذب ديمومته هنا او إستقراره هناك , يضاف الى ذلك الهامش المطروح إعلاميا من الديمقراطية وليكن أقل مما يطمح له بكثير زائدا التعنيف الذي يرتهنه أحيانا ,لننستخلص أن ظاهرة نزول قوات العساكر والأجهزة الأمنية الى الشوارع لقمع المتظاهرين بالرصاص الحي أو الهراوات هوإحتمال ضعيف ولو حصل فإنه يكاد يهدد ليس فقط الحكومة بل ربما يقلب كل موازين المعادلة السياسية القائمة الان.
لذا, إن كان تبرير الإنطواء والإنعزال عن ساحة المشاركة في النضال هو الخوف من العنف المقابل فذلك ليس تبريرا دقيقا , كما منطقيا بالمطلق القول بأن عدم إكتراث ممثلينا الذين سبق وإنتخبهم الشعب ونقضهم لوعودهم لمطالب الجماهيروهو ليس سببا كافيا لإنسحابنا وعدم الإدلاء بأصواتنا , بالعكس, أن ننتخب ونعترض ونعتصم ونقود مسيرات سلمية افضل بكثير من ان نرتكن متذمرين إلى خيار ترك الساحة و خائبين كي نستسلم .

إذن هلّموا ننتخب لنثبت اننا موجودون ونشارك في عملية تصحيح الخطأ الذي إرتكبناه في المرة السابقة , فذلك عمل إنساني وثورة سلمية حقيقية ,ولنمارس عملية الغربلة العنيفة قبل إختيار ممثلنا كي نعري الخديعة ونفضح أزلامها , فذلك حق المخلصين علينا وواجب على كل من ينشد لوطننا وشعبنا العراقي الرقي والتقدم ,وعكس ذلك لا سامح الله نكون مشاركين سلبيا هذه المرة في ترك الحبل على الغارب كي يعبث المتصيدون في مقدرات بلدنا مرة ثانية وثالثة .
Opinions