أهكذا تكافئون سكان العراق الأصليين يا برلمان العراق ؟
ليس من المعقول ان يكلل عرس الأتفاق بين المكونات البرلمانية الكبيرة " السنة والشيعة والأكراد " الى فرصة مواتية للقضاء على آمال المسيحيين في التمثيل الثابت ، حصة مقررة ( كووتا = Quota) في مجالس المحافظات عبر إلغائهم للمادة 50 من قانون انتخابات مجالس المحافظات . إذ بعد جدل استمر عدة اشهر وافق مجلس النواب على قانون الأنتخابات لمجالس المحافظات المثير للجدل وتوصف هذه الخطوة بأنها خطوة في الأتجاه الصحيح لتحقيق المصالحة الوطنية ، ومع ان هذه الخطوة كانت مباركة للأكثريات لكنها ليست كذلك بالنسبة للأقليات الدينية بعد ان أجمعت هذه الأكثريات على إلغاء المادة 50 من قانون انتخاب مجالس المحافظات .في هذه الخطوة يكون قرار البرلمان العراقي ينطوي على فرصة منح قوى الأرهاب جرعة من القوة في القضاء على الأقليات الدينية في العراق وتفريغه من مكوناته الأصيلة ، وهو ايضاً بمثابة إبراز شهادة حسن السلوك لقوى الأرهاب التي تحارب الأقليات دون هوادة ، والغاية في كلتا الحالتين هو خلق ظروف عسيرة امام المسيحيين ( من كلدانيين وسريان وآشوريين ) للعيش الكريم في وطنهم فيحصل إفراغ الأرض العراقية من السكان الأصليين في هذه البلاد .
وإذا تخطينا نطاق حدود الوطن ، فنلاحظ البون الشاسع بين اوضاع السكان الأصليين في امريكا واستراليا وبين السكان الأصليين في العراق والذي يدعي الديمقراطية ايضاً . في بلادنا اليوم تتارجح الأقليات غير المسلمة بين مطرقة الأرهاب المسلط على رقابهم ، وسندان سكوت الحكومة وعجزها عن حمايتهم ، واخيراً تحالف الأكثريات البرلمانية في محاربتهم وسلب ابسط حقوقهم .
كان مفيداً ورائعاً ان يتم إجماع الكتل البرلمانية على مقارعة الأرهاب ومكافحة الفساد وإعادة بناء البنية التحتية وتوفير الخدمات من كهرباء وماء وخدمات صحية للعراقيين ، وأهم من هذا وذاك ، ان تفكر هذه الأكثريات كيف يمكن ان تمنح الأقليات غير المسلمة حقوقها المشروعة في وطنها بعقلية متفتحة بمنأى عن التعامل معهم بمفهوم اهل الذمة .
لقد تعرض شعبنا الكلداني عبر تاريخه الى شتى صنوف الظلم عبر قرون خلت ، وينبغي اليوم ان تتعامل حكومتنا مع المكونات غير المسلمة بمنطق العصر وبالمفهوم الحضاري ، وبعيداً عن منطق التعامل مع اصحاب الكتاب او اهل الذمة ، والذي قد مضى عليها الزمن وهي لا تتلائم مع روح العصر وغير لائقة بكرامة الأنسان في العصر الراهن حيث تسود وتزدهر مبادئ المساواة بين البشر وتشرع مبادئ ولوائح وقوانين حقوق الأنسان وحقوق الأقليات الدينية واللغوية والأثنية ...
الغريب ان نقرأ تصريح رئيس لجنة الأقاليم في مجلس النواب العراقي، النائب عن جبهة التوافق هاشم الطائي ، قال يوم الأربعاء إن "مجلس النواب العراقي حذف بأغلبية أصواته المادة التي تنص على وجود حصة مقررة للأقليات في مقاعد مجالس المحافظات" فيقول :
لـ"نيوزماتيك" إن بعض الأقليات ليست ضمن مستوى الأقليات وأعدادها تتراوح بين 400 ألف و600 ألف نسمة، لذا لا يمكن حسبانها على الأقليات التي لا تتمكن من حشد الأصوات اللازمة للحصول على مقاعد لها، كالصابئة".
أسأل السيد هاشم الطائي هذا السؤال :
من جعل هذه الأقليات تتعرض الى الخلل الديموغرافي الخطير ؟
اليست القوانين الجائرة بحق هذه المكونات ؟
أليست التفرقة الدينية والعنف الأجتماعي هي التي افرزت هذا الواقع المأسوي لهذه الأقليات ؟ فباتت أقليات مهمشة عددياً ، واخيراً وهذا هو المهم :
اليست يد الأرهاب الطويلة هي التي خطفت وقتلت وشردت ابناء هذه المكونات الأصيلة من أراضيها واغتصبت أملاكها وبيوتها ؟
وبدلاً من منح هذه المكونات القومية والدينية حقوق متميزة ، أخذت النية تتجه نحو استلابهم وتجريدهم مما حققوه من مكاسب متواضعة .
لقد كان العهد الملكي يعطي لشعبنا الكلداني مقاعد ثابتة في البرلمان منذ إنشاء البرلمان العراقي الى يوم 14 تموز 1958 ، وكان لشعبنا ايضاً مقعد ثابت في مجلس الأعيان الذي كان يعينه الملك مباشرة ، فما نريده من هذا العهد ان يعطينا نفس الحقوق التي كان العهد الملكي يمنحها لنا .
في عهد صدام حسين كانت المساعي الحميمة تعمل على تعريب مناطق شعبنا الكلداني ، إنها قرى وبلدات بسيطة تشكل جزر ناتئة في بحر المدن والبلدات والقرى العراقية العربية ، ومع هذا ( استكثر ) الحكم تلك البلدات على شعبنا فاتجه نحو تعريب هذه البلدات بتوزيع اراضيها على الجنود والموظفين العرب بقصد تعريبها ، إنها عملية لا اخلاقية تدخل في الفكر القومي العنصري تحت ذريعة خلق التجانس القومي او الديني .
اليوم إن الشرائح القومية والدينية الكبيرة من الشعب العراقي تملك ما شاءالله من مقاعد البرلمان ، وكذلك في مجالس المحافظات واتجهت هذه القوى بكل جبروتها لتلغي تلك المقاعد اليتيمة التي خصصت للأقليات الدينية في بعض المحافظات . وهذه حالة غير معقولة من هذه المكونات خصوصاً من القائمة الكردستانية التي نعول عليها كثيراً لخطابها العلماني المتميز .
لقد لمست توجه وحدوي في خطاب مختلف القوى السياسية التي تمثل شعبنا ، فقد انبرى ألأستاذ أفرام عبد الأحد سكرتير حزب الأتحاد الديمقراطي الكلداني ، وكذلك الدكتور حكمت حكيم المستشار في المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ، وكذلك الأستاذ يونادم كنا السكرتيرالعام للحركة الدمقراطية الآشورية ، والأستاذ ضياء بطرس سكرتير المجلي القومي الكلداني ، وفي نفس الأتجاه شاهدت على قناة عشتار الأستاذ نمرود بيتو يوخنا رئيس الحزب الوطني الآشوري ، وقرأت عن استنكار للمنبر الديمقراطي الكلداني ...
إجمالاً ، كان خطاباً موحداً ، وفي الحقيقة نحن بأمس الحاجة الى إرادة موحدة فاعلة في الساحة بعيداً عن الصراعات الداخلية المذهبية والعشائرية واللهجوية ، ولنا صراع فريد من نوعه وهو صراع التسميات ـ لكن عموماً كانت وقفة مشرفة من هؤلاء المسؤولين وينبغي ان نعاضدهم ولا نتركهم وحدهم .
إن هذه القضية امام البرلمان العراقي وهي تمثل ابسط انواع التعامل مع الأقليات غير المسلمة ، لاول وهلة تبدو وكأنها مسألة بضع مقاعد يتيمة في مجالس المحافظات ، لكنها في الحقيقة تمثل حالة مبدأية لتعامل الأكثريات العراقية مع المكونات القومية والدينية الصغيرة من الشعب العراقي . وهي مسألة وطنية . لكنها أخلاقية قبل ذلك .
حبيب تومي / اوسلو