Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

إبراهيم لم يعد موجودا

 

 

 

يتحدثون عن الشعوب الحية القادرة على التأثير وتغيير مجرى الأحداث وصناعة التاريخ،وهل إن العراق صانع المجد الحضاري التليد واحد من تلك الشعوب، ولديه القدرة والرغبة على تحقيق منجز حضاري متقدم كلما واجهه إمتحان ما كالذي يمكن أن يواجهه كل شعب ،يتسلط عليه سلطان أو تأخذه عصابة من السياسيين الفاشلين الى هاوية لاقرار لها ؟

 

يظل أثر الحضارة المادي شاخصا،وقد يذهب مع الريح ،وربما يرمم في عهد لاحق تبعا لظروف سياسية وتحولات سلطانية كما كان يفعل بعض الزعماء من الدكتاتوريين حين يعمدون الى الأماكن الأثرية المتهاوية بفعل عوامل الزمن ويغيرون من شكلها ويقللون من قيمتها المعنوية والمادية ويدخلون عليها تصاميم وتشكيلات ليست منها  تخرجها في الغالب من دائرة الإهتمام العالمي كما حصل لحضارة وادي الرافدين التي شوهت بالكامل نتيجة تغييرات مبهمة في عهد النظام السابق، وكما في آثار مدينة بابل العظيمة حيث لم يتم التعاون مع اليونسكو في هذا المجال وكانت عمليات الترميم والتأهيل للمعابد والمدارج والحدائق والبوابات والطرق وسواها من بقايا الحضارة تتم على أيدي مايمكن وصفهم بالمقاولين أو كالذين رست عليهم مناقصات تأهيل شبكات الصرف الصحي بعد الإحتلال الأمريكي الذي جعل من بابل معسكرا لقواته حتى رحيله.

 

 قد نجد أثر الحضارة في العمران وفي البوادي والحفر العميقة وفي بقايا معابد ومسارح وبيوت ولقى أثرية كالأختام والأوان والمصوغات الذهبية والتوابيت الملكية والمقابر الخاصة ،لكن هذا لاينعكس بالضرورة على الناس الذين قد يكونوا من أخلاف حضارة لم تنشأ على هذه الأرض فلايمكن تصور نوع من التأثير الحضاري على مواطن جاء من اليمن قبل خمسمائة عام ،بينما معظم حضارات العراق إنما إزدهرت قبل ثمانية آلاف عام ،وبعضها في فترات زمنية متفاوتة بعد هذا التاريخ وهي بذلك لاتؤثر في هذا المواطن الذي بنى أسلافه سد مأرب مثلا ،وحين جاء أجداده الى العراق تأثروا بالحضارة الجديدة ،فلاهم نقلوا تجارب حضارتهم القديمة، ولاهم تأثروا أو إستفادوا من طبائع وصنائع الحضارة الجديدة، فيصير المثل الشهير( بين حانة ومانة ضاعت لحانا) منطبقا بالفعل على حالهم المنكود.

 

ولأنهم أخلاف حضارات من شتى الأنحاء فهم غير قادرين على وضع خارطة طريق تقيهم التيه الذي هم عليه الآن، وأقصد العراقيين الذين سألني مصور في قناة فضائية عن سبب غياب الموقف الموحد لديهم تجاه القضايا العامة؟ وعدا عن ذلك فهم بالإضافة لحالهم الماضي وماورثوه وجدوا إنهم الآن في خضم إنتماءات مذهبية وقومية لاتتيح لهم حرية الإختيار دون ضغوط عاطفية أو سياسية أو  ترهيبية من هذا الطرف أو ذاك بل إنهم توزعوا داخل القومية الواحدة وداخل الطائفة الواحدة وإختلفوا على قضايا عديدة لاحصر لها أخذتهم وبلادهم الى طريق غير واضح المعالم ،وربما أدى بهم الى تهلكة ما.

 

ملاحظة أخيرة.العراقيون توزعوا كطيور إبراهيم، لكن الفرق إن تلك الطيور وجدت من يعيد الحياة إليها ويصرها إليه ،ولكن من يصر العراقيين ويجمعهم ؟فليس من إبراهيم.

 

Opinions