Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

إختراع برلماني عراقي لزيادة ثروة الأمم


10 تشرين الأول 2012

"انشاء مجمع سكني للنواب يوفر للحكومة نحو 12 مليار دينار سنويا"!(1) شلون؟ فركت عيني غير مصدق، وأنا أقرأ عنوان الخبر مرة ثانية! أكملت: "من خلال تخصيص مئة مليار دينار لإنشاء مجمع سكني للنواب"!! عجيب! أنا أعرف أن المنشآت السكنية تكلف أموالاً لإنشائها وتكلف مبالغ سنوية إضافية كبيرة لصيانتها، فكيف ينتج هذا 12 مليار دينار سنوياً للحكومة؟ لا ليست نكتة، عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار عبد العباس الشياع يشرح لنا الفكرة الإقتصادية العظيمة والتي جعلت من بناء "مجمع سكني من كتلتين سكنيتين وثالثة ترفيهية" بمساحة 140 الف م2 في مطار المثنى، مشروعاً إنتاجياً من الدرجة الأولى! يشرح لنا النائب الشياع تلك الأعجوبة:
"بدلا من ان تدفع الدولة 3 ملايين دينار شهريا كبدل اجار لكل نائب، سيتم تهيئة مجمع يبقى ملكا للدولة، ويتم اخلاء المبنى واسكان نواب جدد في كل دورة انتخابية"، مؤكدا ان في ذلك "جدوى اقتصادية".!!
ولإقناعنا أكثر، اضاف:"أن برلمانات العالم تضم امكانات تمكن النائب من الوصول الى جمهوره"!!
إذن كل ما في القضية أن النائب المسكين يريد "الوصول إلى جمهوره" ولا يستطيع بسبب عدم لياقة سكنه! صحيح إن بعض الظن إثم! تصورناهم يريدوها لحياتهم الخاصة بينما الجماعة واحدهم حاير كيف يوفر المليارات للحكومة، و"يصل إلى جمهوره"! والدليل على رغبتهم الشديدة لـ "الوصول إلى الجمهور"، حماسهم الشديد للتصويت السري، واتفاقات الكتل، وعدم نشر قوائم تصويت النواب على القوانين، بحيث أنه لشدة حرص النائب على "الوصول إلى جمهوره" لا أحد في العراق يعلم حتى اليوم، ماذا صوت أي نائب على أي قانون! من الآن فصاعداً أكيد سيخصص كل نائب غرفة خطاره في مسكنه الجديد اللائق، لـ "الوصول إلى جمهوره".

وللتحذير من سوء الظن الذي قد يقع فيه بعض "ذوي النفوس الضعيفة" من أمثالنا، يقول عبد العباس أن رفاقه النواب يأملون من الشعب أن يفهم دوافعهم (بصراحة نحن لم نفهمها، ونعتذر بشدة)، وأن " لا يتحول الحديث عن المشروع الى سخط شعبي من قبل المواطنين، الذين يعانون ازمة سكن" حسب قوله، مؤكداً أن المجمع سيكون ملكا للدولة.
يعني بالضبط مثلما بقيت "للدولة" الفنادق التي صرف عليها نصف مليار دولار في القمة العربية، أي للشعب، كما قال رئيس الحكومة، وحالياً الشعب يتمتع يومياً بمسابح تلك الفنادق وقاعاتها الرياضية!

ولكي لا توغل الغيرة والحسد في نفوس الناس من نوابهم المضحين، يقول الشياع "اود ان اطلع الجمهور على ان مجلس النواب والحكومة، لا يقفون مكتوفي الايدي ازاء ازمة السكن" مو بالحيف!  "فهم يولون جهدا كبيرا لتشريع القوانين ذات الصلة" (ولو تشوف شلون العرك يزخ منهم من "الجهد الكبير"!)

ويبدو أن هذه الفكرة، كالعديد من غيرها من الأفكار "الإقتصادية الإستثمارية" النيرة، جاءت من كردستان، فقد اكد النائب عن لجنة الاقتصاد والاستثمار محما خليل، ان لجنته "اقترحت الفكرة ليكون على غرار برلمان اقليم كردستان، الذي انشأ مجمعا سكنيا لاعضائه الذين يقومون بتسليم المجمع فور انتهاء الدورة التشريعية، ولذلك نحن طالبنا بهذا الاستحقاق لان من حق النائب ان يكون في مجمع سكني يليق به".
فالمساكين النواب في كردستان والعراق كانوا يعيشون في صرائف وأكواخ صفيح "لا تليق بهم" قبل ان يطالبوا "بالإستحقاق"(!) ويقروا بأنفسهم "استحقاقهم" لهذا المجمع الذي يوفر الأموال للخزينة والسكن "اللائق" للنواب.
هذا المشروع غير الإعتيادي كله أرباح من كل الجهات، ولشرح الأعجوبة قال خليل، ان "هذا المجمع سيكون بديلا عن المصارف التي تكلف الحكومة الكثير، لان الحكومة تدفع اكثر من 3 ملايين شهريا لكل نائب كبدل اجار". وبين أن بدل الاجار لجميع النواب خلال الدورة التشريعية الواحدة يكلف الحكومة نحو 47 مليار دينار. واعتبر خليل المشروع "خطوة اقتصادية وامنية جيدة تليق بسمعة ومكانة النائب باعتباره ممثلا للشعب".
والله هي سمعة النائب كممثل للشعب، ما شاء الله! ويقولون البرلمان مو زين ويه الحكومة! تراهم دايخين شلون يشيلون الكلفة عنها بأي طريقة!

فوق كل هذا، أقر هذا النائب (المسكين) وهو يسكب العبرات، بـ "وجود قصور ازاء المواطن نتيجة عدم ولادة مشاريع عملاقة على الساحة لاستيعاب ازمة السكن المتنامية"، وقال ان "مشروع المليون وحدة سكنية لم يسر بخطوات واثقة نتيجة الخلافات السياسية والاشكالات الامنية، فضلا عن المعوقات التي تقف امام المستثمر الاقليمي والاجنبي"!
النائب خليل حزين كثير على المستثمر الإقليمي والأجنبي، لكثرة المعوقات اللي تمنعه أن ينجز المشاريع "العملاقة" اللي خططوها الجماعة، وطبعاً بدون "المستثمر" ماكو شي يصير بالعراق! حتى أن هواية سياسيين وبرلمانيين صاروا مستثمرين، مو من أجل الفلوس، لا ابد، من اجل أن يخدمون البلد!

وحزن النائب خليل لا يقتصر على المستثمرين المساكين، بل يشمل الشعب العراقي كله، فيقول وقلبه يتفطر: "نحن غير راضين عن انفسنا امام الشعب العراقي"...."ولكن نحاول ان نتغلب على هذه الازمات"، أما كيف يتغلب، فيريد خليل مجموعة قوانين اختتمها بـ "قانون الإستثمار المعدل" وكذلك
قانون التعرفة الكمركية" ليش؟ ليس لأنه يدخل فلوس لخزينة العراق، وإنما لأنه "يسهم في إدخال العراق الى منظمة التجارة العالمية".! وطبعاً كاكه خليل كعضو في لجنة "الإستثمار"، وليس بعيد أنه هو مستثمر أيضاً، يعلم أفضل من غيره أن منظمة التجارة العالمية تمطر ذهباً على شعوب دول أعضائها، خاصة الدول المتخلفة في الصناعة والتجارة، وهاهو شعب الأردن مثلا، يتظاهر انزعاجاً من كثرة الأرباح والأموال التي غرق بها بعد انظمامهم إليها. وخليل لا يريد أن يبقى الشعب العراقي بعيداً عن ذلك الخير العميم!

هذه الأفكار "الإستثمارية" العظيمة عن "التوفير" عن طريق "الشراء"، جعلتني أتأمل سعيداً ومتفائلاً كم لدينا "شرفاء" حريصين على البلد وثرواته في البرلمان في لجان مثل "لجنة الإستثمار" و "لجنة النفط والطاقة"، "المغلقتين" على تعبير البعث – بالشرفاء. هذا عدا "الشرفاء" الموزعين هنا وهناك! 

وأنا في نشوتي تلك، تذكرت مرة كنت في سوبرماركت مع أبني وكان عمره سبع سنوات تقريباً، فقال لي: "بابا...شوف هذا الإعلان .. تكدر "توفر" 200 يورو إذا تشتري تلفزيون جديد كبير...مسويله تنزيلات"، فقلت له "آه معك حق! فكرة ممتازة! ليش تلفزيون بس؟ شوف هذي الثلاجة بيها "توفير" 50 يورو، و...المكنسة الكهربائية هناك.. يمكن إذا اشترينا كل الأشياء اللي بيها تنزيلات بالمحل نصير مليونيريه"! فهم "انليل" إبتسامتي، وابتسم بدوره بخبث، واشتركنا في دايلوك كوميدي، وتحدثنا عن "الأذكياء" الذين سيوفرون ، وايضاً عن الفقراء "المبذرين" الذين "لا يوفرون" لأنهم لا يشترون شيئاً، فيتركون فرص "الإثراء" تفوتهم. ثم قال غامزاً: "بابا...يمكن هم صاروا فقراء لأنهم ما يشترون"! وهكذا اكتشفنا ليس فقط سبب الفقر في العالم بل أيضاً الطريق إلى حله!

أوقفت قراءة الخبر ورحت أفكر بحالات أخرى لـ "توفير المال للحكومة" بوحي هذه الطريقة المبتكرة. فكرت: يقول مبتكراها، الشياع وخليل أن كمية التوفير جاءت من الفرق بين كلفة ما تدفعه الدولة للبرلمانيين وكلفة بناء مساكن لهم. وبما أن كلفة بناء مساكن "لائقة" ثابتة نسبياً، فالمنطق الإقتصادي "السليم" يقول، لو أن الدولة كانت تدفع لهم بدلات إيجارات أكبر، لكانت "وفرت" أكثر، وربما أضعاف المبلغ بهذه الطريقة! لكن للأسف ضاعت الفرصة بسبب بخل الدولة التي لم تكن تدفع للبرلماني المسكين سوى 3 ملايين دينار في الشهر عن السكن، ولذا لم يكن لديه "سكن لائق" ولم يكن يستطيع "الوصول إلى جمهوره"، كما يقول عبد العباس الشياع (من أي كتلة هذا "الحباب"؟).
فكرت: لماذا لا تدفع الحكومة للنواب مثلاً أجور سفرة أو سفرتين سياحية كل عام، ولتكن إلى أغلى منطقة في العالم، وبطيران الدرجة الأولى،.... وبعد كم سنة نشتري لهم طائرة خاصة ومنتجعات سياحية "تليق بهم" و "تبقى للدولة بعدهم" ونوفر للخزينة مئات الملايين من الدولارات من أجور الطائرات والفنادق كل عام! وبما أن عدد النواب ينمو مع نمو السكان في هذا البرلمان الفريد من نوعه في العالم، فأن أرباح الحكومة ستزداد وتكبر مع السنين! ولماذا النواب فقط؟ ليأتي معهم الوزراء ونواب الوزراء والمدراء العامين وكبار ضباط الجيش...فكلما كان العدد أكبر كان التوفير للخزانة أكثر!

فتحت الحاسبة فقرأت خبراً على الإنترنت يقول أن مقرر مجلس النواب محمد الخالدي نفى تخصيص مبلغ مليونين و250 الف دينار شهريا لاعضاء مجلس النواب كمخصصات مكتبية!(2) فتألمت للفرصة الضائعة! لماذا ينفيها؟ بل يجب أن يدفع لهم مخصصات مكتبية و.. مخصصات أثاث وأجهزة تبريد ... وتدفئة... ورياضة... ومساج ..، ثم نشتري نبني لهم مراكز رياضة ومساج "تليق بعضو مجلس النواب" وتساعده على "الوصول إلى ناخبيه" و "تبقى للدولة" فتثري الخزينة والدولة، فليس من المعقول أن يصرف النائب من راتبه على هذه القضايا! هل تعطيه الدولة الراتب ليصرفه؟
لكن هذه الفرص ضاعت، والسبب؟  يقول الخالدي: "لانه لا يوجود مسوغ قانوني لتخصيص هذه المبالغ"! أي "مسوغات قانونية"؟ وأي بطيخ؟ لازم الخالدي ما سمع باختراع لجنة الإستثمار وما عرف أن المخصصات للنواب والوزراء تزيد الخزينة ولا تنقصها، ولذا لا تحتاج اي "مسوغات"! ليش هو أكو "مسوغ" قانوني لتخصيص مبالغ بدلات الإيجار؟

قلت لنفسي: يبدو أنك اكتشفت يا صائب مورداً جديداً لوطنك وشعبك، يعوض عن الديون ومشاريع الآجل، ويخفف عن كاهل الإعتماد الريعي على النفط ويؤمن مورداً جديداً للبلاد يقيها العوز عند انهيار أسعار النفط! أكتب مقالة في الموضوع فوراً، ولاشك أن الحكومة ستستجيب لها فوراً (كعادتها) ونصبح "في عداد الدول المتقدمة" و "ننافس السعودية" في الغـ.. اقصد في "الثراء" و "نستعيد مكانتنا العربية" و "يكون لنا ثقل في السوق العالمية" و "نصبح لاعباً دولياً"- "كوول" ان يصبح المرء "لاعباً دولياً" اليس كذلك؟

إذن إلى الكتابة قبل ان يسبقك أحد إليها! فهذا "إختراع" يجب أن ينشر لدى كل الأمم، ويمكن به للبشرية أن تنهي الجوع والفقر والمرض. ربما ستكون مقالة تمثل منعطفاً في علم الإقتصاد مثل كتاب "ثروة الأمم" وتصبح مشهوراً مثل آدم سميث. سأسميها تيمناً:"إختراع عراقي لزيادة ثروة الأمم".
ولأنني اعتدت أن أضيف إلى مقالاتي بعض "الملح" من خلال معلومات عن أهم الكلمات المتعلقة بموضوعي وتاريخها ("الإيتمولوجي")، فإني بدأت بالبحث في كوكل عن معاني وأصول كلمات احتاجها في المقال مثل "سرسرية" و "سيبندية" و "هتلية" و "شلايتيه" و"مستثمرين"، لكني لم أجد شيئاً... هل من أحد يرشدني إلى أصل هذه الكلمات لأكتب موضوعي؟

 
(1)
http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=48537
(2)
http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=23098

 

Opinions