إختطاف لبنان
لم يعد هناك أى شك لدى أى متابع مدقق بأن حزب الله ،المصنف عالميا كمنظمة إرهابية ،ينفذ أجندة غير لبنانية ولا يعنيه هو ومنظمته الخراب والدمار فى الأرواح والممتلكات اللبنانية طالما هو وأفراد مليشياته يتخندقون ويختبئون فى الملأجى المحصنة، فالمقاومة "بالف خير" حسب لقاءه الأخير مع الجزيرة ولا يهم الباقى، فالسيد حسن نصرالله ضحى بالأم والجنين من آجل نجاح العملية.من خلال متابعتى لم أجد دولة وأحدة خارج نطاق ما يسمى بالعالم الإسلامى تعاطفت أو ساندت عملية حسن نصر الله الأخيرة، والجديد أن دولا وشخصيات عربية دخلت على الخط بوضوح لإدانة حسن نصر الله، وعلى حد علمى هذه أول مرة منذ بدء الصراع مع إسرائيل تدين دول عربية إعتداءا على اسرائيل بهذا الوضوح والقوة محدثة إنقلابا على تفكير عقيم كان يبرر كل أعتداء على إسرائيل فى الحق والباطل. لأول مرة تخرج اصوات شجاعة، تمثل الشرعية اللبنانية والطوائف اللبنانية الكبرى، تدين حزب الله بوضوح وتتبرأ من أفعاله أمام المجتمع الدولى.
فى حديثه مع صحيفة "كورييرى ديلا سيرا" الإيطالية قال رئيس الوزراء اللبنانى فؤاد السنيورة إن حزب الله " أصبح يشكل دولة داخل دولة" وأن على المجتمع الدولى أن يساعد الحكومة اللبنانية على نزع سلاحه. وقال السنيورة صراحة " لم يعد خافيا على أحد أن حزب الله يخدم أجندة طهران ودمشق" متابعا " أهم ما فى الأمرأن يستعيد لبنان سيادته الكاملة ويقوم بنزع سلاح أى مليشيات موازية للجيش".
وقال الزعيم الدرزى وليد جنبلاط لمحطة ال بى سى ونقلته وكالة الأنباء الفرنسية " بكل تأكيد طلبت إيران من حزب الله خطف الجنديين الإسرائيليين لتخفيف الضغوط الغربية عليها بشأن ملفها النووى" مواصلا " أن عملية الخطف جاءت بعد فشل محادثات إيران مع الأتحاد الأوروبى وبعد زيارة على لاريحانى، المسئول عن الملف النووى الإيرانى ، لدمشق" واتهم جنبلاط سوريا بتدمير لبنان بالوساطة قائلا "الأسد يدمر لبنان بالوساطة وينتظر العروض للدخول فى تسوية معينة ليقول أنا هنا قدرتى على التخريب هائلة تعالوا حاورونى" . وقال جنبلاط إن أعداء لبنان هم إسرائيل وسوريا وإيران وهى أول مرة على ما أعتقد يساوى زعيم لبنانى معروف بين سوريا وإسرائيل. ويقول زعيم الأغلبية سعد الحريرى "أن المغامرين وضعونا فى موقف محرج بسبب مغامراتهم غير المسئولة ".
لقد فاض الكيل بعد أن فرض حزب الله " اسطورة المقاومة" على الجميع بالإرهاب تارة وبالبروبا جندا تارة اخرى حتى أن مجرد نقد المقاومة كان خطا احمر لا يجرؤ أحد على الأقتراب منه حتى ولو فى برنامج تليفزيونى ساخر أستلزم ذلك عقابا إرهابيا رادعا. تخيلوا حزبا مصنفا عالميا كمنظمة إرهابية ويخدم بعمالة وأضحة دولا لا تريد الخير للبنان وإحداها وهى سوريا أحتلته لعقود ومع هذا من ينطق بكلمة ضد هذه المليشيا يدفع ثمنا غاليا.
يقول حسن نصر الله فى خطابه فى 30 مارس 2006 "من يريد أن ينزع سلاح المقاومة بالقوة سنقطع يده ونقطع رأسه وننزع روحه". وفى خطاب آخر فى 16 فبراير 2006 يساوى منظمته بالوطن " إذا كان الوطن مقدس فإن المقاومة مقدسة". ويوسع السيد نصر الله أجندته بقوله " نقول بصراحة ونجاهر بتأييدنا للمقاومة الفلسطينية والعراقية".
والسؤال لصالح من يعمل السيد نصر الله؟ إذا كان أصحاب الشأن فى لبنان على مستوى الشرعية وعلى مستوى الشارع، بأستثناء جماهيرك فى الجنوب ، يرون غير ما تراه؟.
بل وبعض الشيعة أيضا يشككون فى ولاءك للبنان ففى حديث لقناة العربية بتاريخ 4 مايو 2006 قال الشيخ صبحى الطفيلى " حزب الله ملتزم بالسياسة الإيرانية... وقيادة حزب الله هى ولاية الفقيه أى السيد خامنئى... حزب الله جعل الشيعة فى لبنان مزرعة لإيران وجير المقاومة لامور غير المقاومة".
بكل وضوح لبنان بأكمله مختطف من قبل حزب الله ، فهو يشن الحروب ويحقق مع مواطنيين لبنانيين بتهمة التجسس لصالح اسرائيل ويعترض صراحة على قرارات الدولة اللبنانية والشرعية اللبنانية ويرسل رسائله إلى المجتمع الدولى مباشرة كما قال نصر الله " لو جاء الكون كله لن يستطيع أن يستعيد الجنديين إلا بتفاوض غير مباشر وتبادل الأسرى". بل ولنا أن نتسائل عن علاقة حزب الله كوكيل سورى بإغتيالات رفيق الحريرى وسمير قصير وجبران توينى وجورج حاوى وغيرهم من الوطنيين الأبرياء،اوليس هناك خطورة حقيقية على حياة وليد جنبلاط وفؤاد السنيورة وغيرهم ممن أدانوا بوضوح حزب الله إذا عاد هذا الحزب كما كان؟ . هذا الحزب الذى خرج بمظاهرة ضخمة لدعم سوريا فى مقابل ا نتفاضة الأستقلال!!. ولماذا لا يدان هذا الحزب بالعمالة كما حدث لانطوان لحد أم أن العمالة لدولة عربية أو إسلامية مقبولة ومشرعة؟.
دعونا نتكلم بصراحة الراديكالية العربية والأسلامية التى تسعى طوال الوقت لتفجير الموقف مع إسرائيل تحت وهم إزالتها من الوجود، هذه الراديكالية المتطرفة حوصرت فى كل الأماكن ولم يبقى لها جبهة مواجهة إلا لبنان الضعيف المقسم بين طوائف عدة ويتصدر مشهده السياسى طبقة سياسية فى معظمها فاسد ة ومنافقة ومخترقة من القوى الإ قليمية. لقد اغلقت الجبهة المصرية بمعاهدة كامب ديفيد1979 والجبهة الأردنية بأتفاقية وادى عربة 1994 والجبهة السورية بأتفاقية فض الأشتباك عام 1972 والتى لم تخرقه الحكومة السورية ولا مرة وأحدة رغم تدمير مواقعها العسكرية فى لبنان عام 1982 من قبل الجيش الإسرائلى، وتعلم سوريا أن أى أعتداء على إسرائيل معناه رد قاسى يسقط نظامها الهش المستبد الفاسد. لم يتبقى أمامهم إلا لبنان والذى عانى من الأختطاف والأستباحة من العرب .وللأسف أستوجب الأمر تدخل إسرائيل، حفاظا على امنها ،ودفع لبنان ثمن هذه التدخلات على الأراضى اللبنانية مرتين ، الأولى عام 1982 بطرد ياسر عرفات وعصابته إلى تونس والذى خلق دولة داخل لبنان بإلارهاب والبلطجة وأستباح سيادة لبنان وساهم فى إشعال الحرب الأهلية وشارك فيها وخرج غير مأسوفا عليه، والمرة الثانية الآن لتقليص سلاح حزب الله والقضاء على نفوذه وإرهابه وعودة لبنان المختطف إلى اهله وناسه، ونامل الا تنتهى هذه الجولة إلا ببسط نفوذ الدولة اللبنانية والشرعية اللبنانية على الحدود والقرار السياسى.
لقد تدهور الوضع فى الشرق الأوسط من أنتفاضة الحجارة إلى أنتفاضة الإنتحاريين العبثية إلى أنتفاضة الصواريخ التى تسعى لتفجير الموقف فى المنطقة، وفى كل مرة يصعد الراديكاليون الصراع و يوهموننا بأنهم على وشك القضاء على إسرائيل وجعلها تعيش فى رعب لانها لا تتحمل الخسائر على حد زعمهم ،وأنه عاجلا أو آجلا سوف يهرب هؤلاء من حيث جاءوا إلى اوروبا. ولكن هذه أوهام للبيع للشارع العربى، فأسرائيل تقاتل بدون أنقطاع منذ عام 1948 ولم يحدث أى شئ من هذا الهراء. كل ما حدث هو مزيد من التدهور فى السمعة العربية ومزيد من الإنكسارات العربية ومزيد من العزلة العربية عن المجتمع الدولى.
ما هو الحل إذن؟
الحل هو رفع اليد عن لبنان بصفة دائمة ومن يريد ان يصفى حساباته مع إسرائيل أو امريكا فبعيدا عن هذا البلد الجميل، أتركوا لبنان للبنانيين مسيحيين وشيعة وسنة ودروز. لبنان بؤرة تحضر ومرفأ للحريات ومصدر رئيسى لتصدير الجمال إلى المنطقة بأكملها ..حرام ما يحدث فيه من تدمير وتخريب بفعل قوى الدمار وأعداء الحياة... كفاكم عقودا طويلة من أستباحة لبنان والعبث بأهله ومقدراته.
الحل فى معا هدة سلام لبنانية إسرائيلية بعيدا عن أ رتهان لبنان للآخرين عبر المسارين تارة وعبر تحميله ضريبة المواجهة مع إسرائيل تارة آخرى. لبنان دولة مستقلة وعضو فى الأمم المتحدة ومن حقه أبرام معاهدة منفصلة مثل مصر والأردن وإجراء تسوية شاملة لوضعها تحت أشراف الأمم المتحدة والدول الكبرى وليكن شعار المرحلة المقبلة
لبنان للبنانيين.. لبنان أولا
على أن تشمل هذه المعاهدة والتسوية على حزمة متوازنة من الأجراءات:
1-ترسيم الحدود بصفة نهائية مع سوريا بشكل ملزم من المجتمع الدولى.
2- تحديد وضع مزارع شبعا ،وإذا جاءت ضمن الحدود اللبنانية عبر أعتراف موثق من الأمم المتحدة ففى هذه الحالة تعيدها أسرائيل إلى اللبنانيين، وهذا ما يقوله الأسرائيليون باستمرار عن أستعدادهم لإ سترجاع مزارع شبعا لو تم ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان وجاءت المزارع ضمن الحدود اللبنانية. وأحدث هذه التصريحات الإسرائيلية ما جاء على لسان نائب رئيس الكينست يوم 21 يوليو 2006 لقناة العربية من أستعداد إسرائيل لإسترجاع المزارع ضمن هذا السياق.
3-تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1559 بنزع تسليح كافة المليشيات اللبنانية بما فيها حزب الله وغيره وبسط نفوذ الجيش اللبنانى على الجنوب.
4-مبادلة الأسرى بين أسرائيل ولبنان على هامش معاهدة السلام الدائمة بحيث تتضمن عودة جميع الأسرى اللبنانيين إلى بلادهم من السجون الإسرائيلية وعودة الأسرى الإسرائيليين أيضا،ويقتصر التبادل فقط على الأسرى اللبنانيين،فالبنان غير معنى بغير اللبنانيين ، فهذا يأتى ضمن تسوية اخرى.
5-على الدول الكبرى والدول العربية تعويض لبنان عن الأضرار عبر مؤتمر دولى لإعادة تعمير لبنان ، وعلى أمريكا تعويض إسرائيل عن الخسائر المادية فى هذه المواجهة.
6- تطبيع العلاقات بشكل تدرييجى بين لبنان وإسرائيل بما فى ذلك تبادل السفراء.
7- نزع سلاح المخيمات الفلسطينية وتوزيع المقيميين فى هذه المخيمات على دول عربية أخرى للحفاظ على الأمن والسلام والتوازن الديموغرافى فى لبنان.
8- نشر قوات فصل دولية بين إسرائيل ولبنان حتى تستقر ثقافة السلام.
9-تعهد دولى بحماية لبنان من أى تدخلات سورية فى شئونه على أن يصدر هذا التعهد وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
عاش لبنان حرا مستقلا سيدا مزدهرا آمنا وكمصدر ثراء وأشعاع حضارى للمنطقة.
عن موقع ايلاف