Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

إستراتيجيتة الرئيس أوباما الجديدة للأمن القومي‏

29/05/2010

شبكة أخبار نركال/NNN/
فيما يلي رسالة الرئيس أوباما يعرض فيها إستراتيجيتة الجديدة للأمن القومي ، يليها موجز للإستراتيجية التي صدرت يوم أمس:

مرة أخرى في تاريخ أمتنا، يهب الأميركيون لمواجهة –وصوغ- لحظات التحول. وهذه لا بد أن تكون واحدة من تلك اللحظات. إننا نعيش في وقت من التغيير الشامل. وقد عجل نجاح الأمم الحرة، والأسواق المفتوحة، والتقدم الاجتماعي خلال العقود الأخيرة في ظهور العولمة بصورة لم يسبق لها نظير. وفتح ذلك الباب أمام الفرص في جميع أرجاء العالم، ووسع انتشار الديمقراطية إلى مئات الملايين من الأشخاص، وجعل السلام ممكنا بين القوى الكبرى. لكن العولمة كثفت أيضا الأخطار التي نواجهها – من الإرهاب العالمي وانتشار التقنيات الفتاكة، إلى الاضطرابات الاقتصادية وتغير المناخ.

ولمدة تقارب العقد، تخوض بلادنا حربا مع شبكة مترامية الأطراف من العنف والكراهية. وحتى ونحن ننهي حربا في العراق، فإن جيشنا قد دُعي إلى تجديد التركيز على أفغانستان كجزء من التزامنا وتعهدنا بتعويق وتفكيك ودحر القاعدة والجماعات المرتبطة بها. وهذا جزء من جهد واسع النطاق تشارك فيه عدة دول وهو جهد عادل وصائب، وسوف نظل على التزامنا دون تردد بأمن شعبنا وحلفائنا وشركائنا. وعلاوة على ذلك، فإننا ونحن نواجه تهديدات متعددة – من دول، وكيانات أخرى ليست دولا، ودول فاشلة – سنحافظ على تفوقنا العسكري الذي أمّن بلادنا، والذي عزز الأمن العالمي لمدة عقود.
ورغم ذلك فإننا ونحن نخوض الحروب التي تواجهنا يجب علينا أن نرى الأفق الكامن وراءها – العالم الذي تكون فيه أميركا أكثر قوة، وأكثر أمنا، وقادرة على التغلب على التحديات، وتكون في الوقت نفسه جذابة بالنسبة لطموحات الشعوب في العالم كله. ولكي نحقق ذلك يجب علينا أن نتبع استراتيجية من التجدد القومي والقيادة في العالم- استراتيجية تعيد بناء الأساس لقوة ونفوذ أميركا.

واستراتيجيتنا تبدأ بإدراك أن قوتنا ونفوذنا في الخارج يبدآن بالخطوات التي نتخذها في وطننا. يجب أن ننمي اقتصادنا وأن نخفض عجزنا. يجب أن نعلّم أبناءنا التنافس في عالم تكون فيه المعرفة هي رأس المال، ويكون السوق عالميا. يجب أن نطور الطاقة النظيفة التي يمكن أن تمد الصناعة الجديدة بالطاقة، وتحلّنا من الارتباط بالبترول الخارجي وتصون كوكبنا. ينبغي علينا أن نطلب العلم والأبحاث التي تمكن من الاكتشافات وتطلق العنان لعجائب غير متوقعة الآن مثلما كان سطح القمر والشريحة الإلكترونية المتناهية الصغر يبدوان لنا قبل قرن مضى. وببساطة نقول، إننا يجب أن ننظر إلى الابتكارات الأميركية كأساس لقوة أميركا.

ويجب أيضا أن نبني ونجمّع القدرات التي يمكن أن تعزز مصالحنا والمصالح المشتركة مع الدول والشعوب الأخرى. وقواتنا المسلحة ستظل دائما حجر الزاوية في أمننا، ولكن يجب أيضا أن يكون هناك ما يكملها. إن أمننا يعتمد أيضا على الدبلوماسيين الذين يستطيعون العمل في كل ركن من أركان العالم، من العواصم العظيمة إلى الأماكن البعيدة الخطرة، ويعتمد على خبراء التنمية الذين يستطيعون تعزيز الحكم الرشيد ومناصرة الكرامة الإنسانية؛ وعلى استخبارات وآلية لتطبيق القانون تستطيع كشف المؤامرات وتعزيز النظام القضائي والعمل بسلاسة مع الدول الأخرى.

إن أعباء قرن جديد لا يمكن أن تقع كلها على كاهل الشعب الأميركي وحده—والواقع أن خصومنا يودون أن يروا أميركا تستنزف قواها بنشر قوتنا إلى أبعد مما يجب. في الماضي، كان لدينا بعد النظر لكي نتصرف بحصافة ونتفادى التصرف منفردين. كنا جزءا من أقوى تحالف في زمن الحرب في تاريخ الإنسانية طيلة الحرب العالمية الثانية، وقد جمعنا سوية أسرة من الأمم والمؤسسات الحرة لتحمل حرب باردة. ونحن متنبهون للتحدي الماثل في حشد العمل الجماعي وعيوب نظامنا الدولي. غير أن أميركا لم تفلح عن طريق تجاوزها تيارات التعاون الدولي. لقد أفلحنا بتوجيه هذه التيارات في اتجاه الحرية والعدالة—حتى يتسنى للدول أن تزدهر بالوفاء بمسؤولياتها ومواجهة العواقب إذا لم تفعل ذلك.

ومن أجل فعل ذلك، سنواظب على تعزيز هذه التحالفات العريقة التي أبلت بلاء حسنا لمصلحتنا جميعا، ولكن مع تحديث هذه التحالفات لمواجهة تحديات قرن جديد. وفيما يمتد النفوذ إلى المزيد من الدول والعواصم، سنبني شراكات جديدة أعمق في كل منطقة ونقوي المعايير والمؤسسات الدولية. هذا الإنخراط ليس غاية في حد ذاته. فالنظام الدولي الذي نسعى إليه هو النظام القادر على التصدي لتحديات عصرنا—مجابهة التطرف والتمرد العنيفين، وقف انتشار الأسلحة النووية، تأمين المواد النووية، التصدي لتغير المناخ، مواصلة التنمية العالمية، مساعدة الشعوب على إطعام نفسها والعناية بمرضاها، وأخيرا تسوية النزاعات ومنع ظهورها، فضلا عن تضميد جراحها أيضا.

وفي كل ما نفعل، سننادي وندفع بعجلة الحقوق الأساسية التي تأسست عليها بلادنا، والتي اعتنقتها الشعوب من كل عرق ومن كل منطقة. إننا نروج لهذه القيم بأن نعيشها، بما في ذلك التزامنا بحكم القانون. سوف نعزز المعايير الدولية ونصون هذه الحقوق وننشئ الحيز والدعم لمن يقاومون القمع. والتزامنا بكرامة الإنسان يتضمن دعم التنمية؛ ولهذا السبب نحن نكافح الفقر والفساد. ونحن نرفض فكرة أن ديمومة الأمن والرخاء تتحقق بالتخلي عن الحقوق العالمية—فالديمقراطية لا تمثل أنبل ما فينا فحسب بل تقف أيضا سدا في وجه العدوان والظلم، ومساندتنا للحقوق العالمية جوهرية للقيادة الأميركية ومصدر لقوتنا في أرجاء العالم.

وكدولة تتألف من أناس من كل عرق ودين وثقافة ومنطقة، ستواظب أميركا على دفع عجلة السلام بين شتى الأمم فيما تظل على إيمانها بأنه لا داعي لأن تكون الديموقراطية والتمكين الفردي على حساب الهويات التي يعتز بها بنو البشر. والواقع أنه ما من دولة مهيأة للزعامة في عصر العولمة أكثر من أميركا- الدولة التي أوجدت العولمة والتي صُممت مؤسساتها لتهيئة الفرد للنجاح في عالم يسوده التنافس، والأمة التي يضرب شعبها بجذوره عميقا في كل بلد على وجه الأرض.

إنني كمواطن وعضو [سابق] في مجلس الشيوخ ورئيس أؤمن على الدوام بأن أعظم ذخر لأميركا هو شعبها-وينبع إيماني هذا من مشاعر الرهبة والذهول التي هزتني عندما شاهدت كطفل كبسولة فضائية يتم انتشالها من مياه المحيط الهادي، ومن القوة التي أستمدها من عمال يعيدون بناء حياتهم في ولاية إلينوي ومن الاحترام الذي أكنه لجيل الأميركيين الذين يخدمون وطننا اليوم. ولهذا السبب أعتقد أيضا بأن علينا أن نشجع قيام روابط أعمق بين الشعب الأميركي وشعوب أخرى في سائر أنحاء العالم.

وأمننا على المدى الطويل لن يتأتى من قدرتنا على زرع الخوف في قلوب الآخرين، بل من خلال قدرتنا على أن نخاطب آمالهم. ولعل الطريقة الأفضل لعمل ذلك هي عبر قوة شرف واستقامة الشعب الأميركي – شرف واستقامة قواتنا المسلحة ودبلوماسيينا، وكذلك شرف واستقامة قطاعنا الخاص، منظماتنا غير الحكومية، ومواطنينا العاديين. إن لكل منا دورا يلعبه في هذا.

ومنذ ولادة وجودنا وأميركا تؤمن بالمستقبل – إيمان بأن ما سنصل إليه هو أفضل من حيث كنا، حتى عندما يكون الطريق أمامنا غير مؤكد. ولتحقيق هذا الوعد، فإن أجيالا من الأميركيين بنت على الأساس الذي وضعه أجدادنا -- إيجاد الفرص، ومحاربة الظلم، وإقامة اتحاد أكثر كمالا. وقد أقمنا أيضا شبكات من التجارة، ودعمنا هيكلية دولية من القوانين والمؤسسات، وسالت دماء أميركية في أراض أجنبية – لا لبناء امبراطورية، بل لصوغ عالم يمكن فيه لمزيد من الأفراد والدول تقرير أمنهم، والعيش بسلام وكرامة هم جديرون بهما.

في العام 2010، تجد أميركا نفسها وقد زادت صلابتها بفضل الحروب، وتجد إلهامها في رجال ونساء القوات المسلحة الذين يخوضون هذه الحروب. إننا نُعاني الآن من أزمة اقتصادية مدمرة، ونحن مصممون على أن تكون تركتها أساسا جديدا للازدهار؛ ونحن ملتزمون بعقيدة كانت نبراسنا في الوطن، ومنارة يهتدي بها العالم كله. إن عظمة أميركا ليست أمرا أكيدا ومسلما به – فدور كل جيل منا في التاريخ هو بمثابة سؤال لا جواب له. ولكن، وحتى فيما تختبرنا التحديات الجديدة، فإن السؤال الخاص بمستقبلنا ليس سؤالا يجيب عنه الآخرون باسمنا، بل هو سؤال سنجيب عنه نحن بأنفسنا. وفي قرن جديد لم يتم تحديد طبيعة مساره بعد، فإن أميركا جاهزة لتولي زمام القيادة من جديد.



مراجعة إستراتيجية الأمن القومي

في مطلع القرن الحادي والعشرين، تواجه الولايات المتحدة الأميركية مجموعة واسعة ومعقدة من التحديات لأمننا القومي. وكما أن أميركا ساعدت على تحديد مسار القرن العشرين، علينا أن نبني الآن مصادر قوة أميركا ونفوذها، وأن نصوغ نظاما دوليا قادرا على التغلب على تحديات القرن 21.

العالم كما هو، واستراتيجية للعالم الذي ننشده

لكي ننجح، يجب علينا أن نواجه العالم كما هو. لقد اتسم العقدان الماضيان منذ نهاية الحرب الباردة بالوعد والأمل ومخاطر التغيير معا. فقد اتسعت دائرة الدول الديمقراطية المسالمة، ورُفع شبح الحرب النووية، وقد أصبحت القوى الكبرى تعيش في حال سلام الآن، وقد نما الاقتصاد العالمي؛ وجمعت التجارة مصير الدول معا، وأصبح بوسع المزيد من الأفراد تقرير مصائرهم بأنفسهم. ومع ذلك، فقد رافقت هذه التطورات مشاكل مستمرة. فقد انسحبت الحروب على الإيديولوجية لتفسح في المجال أمام الحروب على الهوية الدينية والعرقية والقبلية؛ وقد تكاثرت الأخطار النووية، وازدادت حدة انعدام المساواة والاستقرار الاقتصادي؛ وقد أصبحت الأضرار التي لحقت ببيئتنا وانعدام الأمن الغذائي والمخاطر على الصحة العامة تعتبر أضرارا يتم تشاطرها على نطاق واسع وبصورة متزايدة، وباتت الأدوات ذاتها التي تمكّن الأفراد من البناء تمكنهم كذلك من التدمير.

وقد دفع هذا الجانب المظلم من هذا العالم المعولم بنفسه إلى الواجهة بالنسبة للشعب الأميركي يوم 11 أيلول/سبتمبر، 2001. ذلك التهديد المباشر الذي مثلته تلك الهجمات الأكثر فتكا على الإطلاق التي وقعت على التراب الأميركي تتطلب نهجا قويا ودائما للدفاع عن وطننا. وفي السنوات التي تلت ذلك، قمنا بشن حرب على تنظيم القاعدة والجماعات التابعة لها، وقررنا خوض حرب في العراق، وواجهنا أزمة اقتصادية كاسحة. وعلى نطاق أوسع مع ذلك، فقد صارعنا كيفية الدفع قدما بعجلة المصالح الأميركية في عالم قد تغير – عالم يئن فيه الهيكل الدولي للقرن الـ20 تحت وطأة التهديدات الجديدة، وسرّع فيه الاقتصاد العالمي المنافسة التي يواجهها مواطنونا وشركاتنا، ويواجه التطلع الشامل من أجل الحرية والكرامة عقبات جديدة.

إن بلدنا يمتلك سمات القيادة التي دعمت قيادتنا منذ عقود – التحالفات المتينة القوية، القوة العسكرية التي لا مثيل لها، الاقتصاد الأكبر في العالم، الديمقراطية القوية المتطورة، والمواطنون المفعمون بالحيوية والنشاط. ينبغي ألا يكون هناك شك، إذ نسير قدما، في أن الولايات المتحدة سوف تواصل تحمل كلفة الأمن العالمي - من خلال التزاماتنا تجاه حلفائنا وشركائنا، والمؤسسات، وتركيزنا على هزيمة القاعدة والجماعات التابعة لها في أفغانستان وباكستان، وفي جميع أنحاء العالم، وعزمنا على ردع العدوان ومنع انتشار أسلحة العالم الأشد خطورة. وفيما نقوم بذلك، فإن علينا أن ندرك أنه ليست هناك دولة واحدة – بغض النظر عن قوتها – تستطيع التصدي لكل التحديات العالمية بمفردها. وكما فعلنا بعد الحرب العالمية الثانية، فإن على أميركا أن تستعد للمستقبل، فيما تقوم بصوغ المقاربات التعاونية القادرة على توليد النتائج.

وعليه، فإن استراتيجيتنا للأمن القومي، مركزة على تجديد القيادة الأميركية حتى نتمكن من الدفع قدما وعلى نحو أكثر فعالية بمصالحنا في القرن الحادي والعشرين. وسنفعل ذلك عن طريق البناء على مصادر قوتنا في الداخل، في حين نعمل على صوغ نظام دولي يمكنه مواجهة تحديات عصرنا. هذه الاستراتيجية تعترف بالرابط الأساسي بين أمننا القومي، وقدرتنا التنافسية الوطنية، وصلابتنا، وقدوتنا الأخلاقية. وهي كذلك تؤكد من جديد التزام الولايات المتحدة بمواصلة العمل على تحقيق مصالحنا من خلال نظام دولي تكون فيه لجميع الدول حقوق ومسؤوليات معينة.

وهذا سيسمح لأميركا باستعمال تعاطيها مع الخارج نيابة عن عالم يتمتع فيه الأفراد بمزيد من الحرية والفرص، عالم تكون فيه هنالك حوافز للدول كي تتصرف بمسؤولية، في الوقت الذي ستواجه فيه العواقب حين لا تفعل ذلك.

تجديد القيادة الأميركية—البناء في الداخل والتشكيل في الخارج

يبدأ النهج الذي نتبعه بالتزامٍ ببناء أساس أقوى للقيادة الأميركية لأن ما يحدث داخل حدودنا سيقرر حجم قوتنا ونفوذنا وراء هذه الحدود. هذه الحقيقة لا تصبح جلية ناصعة إلا في عالم يزداد ترابطا وتشابكا— عالم يرتبط فيه رخاؤنا بصورة لا فكاك منها بالرخاء العالمي، وقد يتعرض أمننا لتحديات مباشرة من تطورات تتفاعل عبر المحيط كما تتعرض تصرفاتنا للتدقيق والتمحيص أكثر من أي وقت مضى.

وفي صميم جهودنا يطالعنا التزام بتجديد اقتصادنا الذي هو بمثابة منبع القوة الأميركية. إن الشعب الأميركي يخرج الآن من أعتى ركود اقتصادي شهدناه منذ الكساد الكبير. وفيما نواصل العمل لكي نتيقن من أن الانتعاش الاقتصادي واسع ومستديم فإننا نضع أيضا الدعامة لنمو اقتصادنا وقدرة مواطنينا على المنافسة على المدى الطويل.والاستثمارات التي قدمناها في عملية الإنعاش هي جزء من مجهود أوسع سيسهم في توطيد قوتنا: بتوفير تعليم ذي نوعية جيدة لأبنائنا وبناتنا وتحسين مستوى العلوم والابتكار وتحويل اقتصاد الطاقة في بلدنا لتشغيل صناعات ووظائف جديدة؛ تخفيض تكاليف العناية الصحية لمواطنينا وشركاتنا وتقليص العجز الفدرالي.

كل هذه الخطوات ستصون قدرة أميركا على القيادة في عالم تتوسع وتتباعد فيه القوة الاقتصادية وفرص الأفراد. كما أن هذه الجهود مرتبطة بالتزامنا بتأمين أمة تكون أكثر مرونة وصمودا. وتتضمن عملية الإنعاش إعادة تشييد بنية تحتية تتميز بقدر أكبر من الأمن والثقة في مواجهة تهديدات الإرهابيين والكوارث الطبيعية. ومن شأن تركيزنا على التعليم والعلوم أن يضمن بأن فتوحات الغد واختراقاته ستحدث في الولايات المتحدة. وتطويرنا لمصادر جديدية للطاقة سيقلل اعتمادنا على البترول الأجنبي. والتزامنا بتخفيض العجز سيعلمنا اتخاذ الخيارات الصعبة وتفادي التمادي في الأمور. وتجيء هذه الخطوات تكملة لجهودنا الرامية إلى دمج دوائر الأمن الوطني مع الأمن القومي، بما في ذلك التنسيق السلس بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات والحكومات المحلية للوقاية من التهديدات والكوارث الطبيعية والرد عليها.

أخيرا، إننا ندرك بعملنا على بناء أساس أقوى لقيادتنا داخل حدودنا أن أنجع وسيلة للولايات المتحدة للترويج لقيمنا هي أن نعيش هذه القيم. ولذلك فإن التزام أميركا بالديموقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون مصادر ضرورية لقوتنا ونفوذنا حول العالم. وينبغي تعزيز ذلك برفضنا لتصرفات مثل التعذيب الذي لا ينسجم مع قيمنا وبتمسكنا بالاستحقاق القضائي وفقا لدستور البلاد وبتصميمنا الثابت على أن ننشر وعد أميركا ليصل إلى جميع المواطنين. لقد ظلت أميركا على الدوام نبراسا هاديا لشعوب العالم وسوف تظل كذلك إذا تيقنا من أن شعلة القدوة الأميركية ستبقى نيرة متوهجة.

إن إرساء هذه الأساس الأقوى سيؤازر الجهود الأميركية لصياغة نظام دولي يستطيع مواجهة تحديات عصرنا. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة هي التي تولت القيادة في بناء منظومة دولية جديدة لاستتباب السلام ودفع عجلة الرخاء—من إنشاء حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة إلى توقيع معاهدات تنظم تطبيق القوانين وأسلحة الحرب؛ ومن إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصولا إلى شبكة يزداد نطاقها اتساعا من الاتفاقيات التجارية. هذه المنظومة، رغم عيوبها، مكنتنا من تجنب حرب عالمية وأتاحت تحقيق النمو الاقتصادي وعززت حقوق الإنسان. وفي الوقت ذاته سهلت تقاسم الأعباء بصورة فعالة بين الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا.

اليوم، نريد أن نميّز بوضوح مواطن القوة والضعف في ما طورته المؤسسات الدولية للتعامل مع تحديات زمن سابق وعجز الإرادة السياسية الذي أعاق في بعض الأحيان فرض الأعراف الدولية. ولكن سيكون من المدمر لكل من الأمن القومي الأميركي والأمن العالمي، إن استخدمت الولايات المتحدة ظهور تحديات جديدة وعيوب النظام الدولي كذريعة للانسحاب منه. ولكن عوضا عن ذلك، فإننا يجب أن نركز التواصل الأميركي على تقوية وتعزيز المؤسسات الدولية، وتنشيط العمل الجماعي الذي يمكن أن يخدم المصالح المشتركة مثل القضاء على التطرف العنيف؛ ووقف انتشار الأسلحة النووية؛ وضمان تأمين المواد النووية؛ وتحقيق النمو الاقتصادي المتوازن والمستدام؛ والتوصل إلى صياغة حلول تعاونية لخطر تغير المناخ، والنزاع المسلح، والأمراض الوبائية.

ونقطة البداية في هذا العمل الجماعي ستكون تواصلنا مع الدول الأخرى. وحجر الزاوية في هذا التواصل سيكون العلاقات بين الولايات المتحدة وأقرب أصدقائنا وحلفائنا في أوروبا وآسيا والأميركتين والشرق الأوسط- وهي علاقات تتأصل جذورها في المصالح المشتركة والقيم المشتركة، والتي تخدم أمننا المتبادل والأمن والازدهار الأوسع نطاقا للعالم كله. إننا نعمل من أجل بناء علاقات شراكة تكون أكثر عمقا وفاعلية مع مراكز التأثير والنفوذ الرئيسية الأخرى- بما فيها الصين والهند وروسيا، بالإضافة إلى الدول التي يتزايد تأثيرها ونفوذها مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وإندونيسيا- لكي نستطيع التعاون بشأن المواضيع والقضايا ذات الاهتمام الثنائي والعالمي، مع إدراك أن القوة، في عالم متداخل ومتشابك، لم تعد لعبة يكون فيه فوز طرف خسارة للآخرين. إننا نوسع نطاق تواصلنا مع الدول الناشئة، وخاصة تلك التي يمكن أن تكون نموذجا للنجاح والاستقرار الإقليمي، من الأميركتين إلى أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا. وسنواصل السعي للتواصل مع الدول المعادية لكي نختبر نواياها، ونمنح حكوماتها فرصة تغيير نهجها، وللتواصل مع شعوبها، وحشد التحالف الدولي.

وهذا التواصل سيعزز ويدعم تعهدنا بأن يكون النظام الدولي قائما على الحقوق والمسؤوليات. ويجب أن تكون المؤسسات الدولية أكثر فاعلية في تمثيلها للعالم في القرن الـ21، بأن يكون فيها صوت أكبر- ومسؤوليات أكبر – للقوى الناشئة، ويجب تحديثها بحيث تصبح أكثر فاعلية في تحقيق نتائج تتعلق بالقضايا ذات الاهتمام العالمي. وينبغي تقديم حوافز لما يُتّخذ من خطوات بناءة على المستوى القومي بشأن القضايا التي تتنوع بين الأمن النووي وتغير المناخ، لكي ترى الدول التي تقرر أداء ما عليها، مزايا التصرفات المسؤولة. ويجب اتباع المعايير والقواعد المرعية، وينبغي أن تترتب عواقب بالنسبة لتلك الدول التي تخالف القواعد – سواء كانت التزامات بمنع الانتشار النووي، أو الاتفاقيات التجارية، أو الالتزام بحقوق الإنسان.

وهذا التحديث للمؤسسات، وتعزيز الأعراف الدولية، وفرض تطبيق القانون الدولي، ليس مهمة الولايات المتحدة بمفردها- ولكنه مسؤوليتها مع الدول التي تتلاقى معها في الفكر، إنها مهمة نستطيع قيادتها. وكان الحرص المستنير على مصالحنا الذاتية من المصادر الرئيسية للدور القيادي للولايات المتحدة على امتداد تاريخنا. إننا نريد مستقبلا أفضل لأبنائنا وأحفادنا، وإننا نعتقد أن حياتهم ستكون أفضل، إذا استطاع أبناء وأحفاد الشعوب الأخرى العيش في حرية وازدهار. وإن إيماننا بأن مصالحنا الخاصة مرتبطة بمصالح أولئك الموجودين خارج حدودنا سيظل هو المرشد لتواصلنا مع الدول والشعوب.

تعزيز الأولويات القصوى للأمن القومي

تماما كما تتمحور استراتيجيتنا للأمن القومي على تجديد دورنا القيادي في المدى البعيد، فإنها تسهل كذلك اتخاذ إجراء فوري بالنسبة للأولويات القصوى. ولا تقع على عاتق هذه الحكومة مسؤولية أكبر من مسؤولية المحافظة على سلامة وأمن الشعب الاميركي ولا يوجد تهديد للشعب الأميركي أخطر من أسلحة الدمار الشامل، لا سيما الخطر الماثل في سعي متطرفيين عنفيين لحيازة أسلحة نووية وانتشارها لدى دول أخرى.

ولهذا السبب فإننا نسعى لتنفيذ برامج شاملة لمنع الانتشار والأمن النووي مبنية على أسس حقوق ومسؤوليات الدول. وسنقوم بتقليص ترسانتنا النووية واعتمادنا على الأسلحة النووية وفي الوقت ذاته ضمان أن وسائل الردع لدينا فعالة ويمكن الوثوق بها. كما سنقوم بتعزيز معاهدة منع الانتشار النووي، لكونها الدعامة الأساسية لمنع الانتشار، وفي الوقت ذاته العمل من خلال هذه المعاهدة لمحاسبة دول مثل إيران وكوريا الشمالية لإحجامها عن الوفاء بالالتزامات الدولية. وإننا نقود مجهودا دوليا لتأمين المواد النووية المعرضة للأخطار من قبل إرهابيين. وسنسعى لانتهاج استراتيجيات جديدة تتوخى الحماية من الهجمات بأسلحة بيولوجية وضد التحديات التي تهدد الشبكات الإلكترونية التي نعتمد عليها.

وفي الوقت الذي نؤمّن فيه أشد أسلحة العالم خطرا نخوض حربا ضد شبكة مترامية الأطراف من الأحقاد والعنف. وسنعطل وسنفكك وسنلحق الهزيمة بالقاعدة وأتباعها من خلال استراتيجية شاملة تحرمهم من الملاذ الآمن وتقوي شركاءنا في الخطوط الأمامية وتؤمن وطننا، وتنفذ العدالة بانتهاج أساليب قضائية متينة وتتصدى للأجندة المفلسة للتطرف والقتل بأجندة من الرجاء والفرص. وستكون الخطوط الأمامية لهذه المعركة في أفغانستان وباكستان حيث نمارس ضغطا لا هوادة فيه على القاعدة ونعطل زخم حركة طالبان ونعزز أمن وقدرات شركائنا. وفي هذا المجهود تكشف قواتنا من جديد عن خدمتها الاستثنائية وتقديمها تضحيات عظيمة في وقت الخطر. وهي تتمتع بكامل دعمنا.

وفي العراق، نحن بصدد الانتقال إلى مرحلة السيادة والمسؤولية العراقية الكاملة – وهي عملية تشمل إجلاء قواتنا وتعزيز قدراتنا المدنية والشراكة مع الحكومة والشعب العراقيين في الأمد البعيد. ولن نتوانى في سعينا لتحقيق سلام شامل بين إسرائيل وجاراتها بما في ذلك حل الدولتين الذي يكفل أمن إسرائيل وفي الوقت نفسه يفي باطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني في دولة قابلة للحياة خاصة به. كما أن تواصلنا الأرحب نطاقا مع الشعوب الإسلامية حول العالم سيدفع التقدم في مسائل سياسية وعسكرية حاسمة، وبنفس الوقت سيعزز الشراكات حول طائفة عريضة من القضايا التي ترتكز على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

وفي الوقت الذي نعيد فيه بناء القوة الاقتصادية التي يعتمد عليها دورنا القيادي نعمل على الدفع نحو تحقيق نمو متوازن ومستدام يعتمد عليه الرخاء والاستقرار في العالم. ويشمل ذلك خطوات داخل الوطن وفي الخارج منعا لنشوب أزمة أخرى. وقد حولنا التركيز نحو مجموعة الدول العشرين كونها المنبر الأساسي للتعاون الاقتصادي الدولي كما نعمل على إعادة التوازن إلى الطلب العالمي كي يكون بمقدور أميركا أن تصدر أكثر وتدخر أكثر، بينما يتزايد الطلب في الدول ذات الاقتصادات الناشئة. كما سنسعى لإبرام اتفاقيات تجارة ثنائية ومتعددة الأطراف تعمل على تشجيع الرخاء المشترك وفي نفس الوقت تسريع وتيرة الاستثمارات في التنمية التي يمكن أن تضيق فجوة عدم المساواة، وتوسع الأسواق، وتدعم الفرص للأفراد، وطاقات الدول في الخارج.

هذه الجهود لدفع تعزيز الأمن والرخاء تتحسن بفضل دعمنا لقيم معينة عالمية النطاق. فالأمم التي تحترم حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية هي شريكات أقوى وأنجح كما أن الأفراد الذين يتمتعون بمثل ذلك الاحترام قادرون على تحقيق كامل إمكاناتهم. والولايات المتحدة ترفض الخيار الزائف بين السعي الضيق لتحقيق مصالحنا وشن حملة لا نهاية لها لفرض قيمنا. بدلا من ذلك فإننا نعتبر دعم السلام العادل في العالم كله ضرورة أساسية لتحقيق مصالحنا الخاصة—سلام يمكن من خلاله منح الأفراد، وليس الدول فحسب، الحقوق الأساسية التي يستحقونها.

وتمشيا مع التركيز الذي يقوم على أساس ما لدينا من القوة والنفوذ، فإننا نعمل على تعزيز القيم العالمية في الخارج من خلال الاقتداء بها في الداخل، ولن نسعى إلى فرض هذه القيم عنوة. ولكننا بدلا من ذلك سوف نعمل على تعزيز المعايير الدولية لصالح حقوق الإنسان، مع ترحيبنا بجميع الحركات الديمقراطية السلمية. فنحن ندعم تطور المؤسسات داخل الديمقراطيات الهشة، وندمج حقوق الإنسان باعتبارها جزءا من حوارنا مع الحكومات القمعية، وندعم انتشار التكنولوجيات التي تسهل حرية الوصول إلى المعلومات. إننا نعترف بالفرص الاقتصادية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان، ونعمل على تشجيع الكرامة للجميع من رجال ونساء من خلال دعمنا للصحة العالمية، والأمن الغذائي، والاستجابات التعاونية للأزمات الإنسانية.

وأخيرا، فإن جهودنا لرامية إلى صياغة نظام دولي يعزز السلام العادل يجب أن تسهل التعاون القادر على التصدي لمشاكل عصرنا الراهن. وسيدعم هذا النظام الدولي مصالحنا، كما أنه يمثل الغاية التي ننشدها بحد ذاتها. إذ إن التحديات الجديدة تعترض إمكانية تحقيق الفرص، ولكن فقط إذا تمكن المجتمع الدولي من تحطيم العادات القديمة التي تتسم بالريبة والشك والبناء على المصالح المشتركة. كما يجب أن تستفيد الجهود العالمية المبذولة لمكافحة تغير المناخ من الإجراءات الوطنية التي تتخذ للحد من الانبعاثات والالتزام بالتخفيف من أثرها. كما يمكن للجهود المبذولة للحيلولة دون نشوب النزاعات وتثبيت السلام بع انتهائها أن توقف انعدام الأمن من الانتشار. ويمكن للتعاون العالمي الرامي لمنع انتشار الأوبئة أن يعزز الصحة العامة.

إن تنفيذ هذا البرنامج لن يكون أمرا سهلا. فلكي تكلل أعمالنا بالنجاح، يجب أن نوازن بين جميع عناصر القوة الأميركية وندمجها معا ونحدّث قدراتنا الأمنية القومية لتتناسب مع القرن الحادي والعشرين. كما ينبغي أن نحافظ على تفوق قواتنا العسكرية التقليدية، مع تعزيز قدرتها على قهر التهديدات غير المتماثلة. ويجب علينا تحديث قدراتنا الدبلوماسية والتنموية، وتدعيم قدرتنا الاستطلاعية المدنية من أجل دعم المدى الكامل لأولوياتنا. كما ينبغي دمج جهودنا الأمنية الداخلية والاستخباراتية مع سياستنا الأمنية القومية، ومع سياسات حلفائنا وشركائنا. ويجب تعزيز قدرتنا على تنسيق أعمالنا في الوقت الذي نتواصل فيه بشكل فعال مع الشعوب الأجنبية حتى يتسنى الحفاظ على الدعم العالمي.

وعلى أية حال، فإن أعظم ذخر تمتلكه أميركا يظل أبناء شعبها. ففي عصر سيتشكل بفضل القدرة على اغتنام الفرص في عالم بات أكثر ترابطا، فإن الشعب الأميركي هو الذي سيكون له أكبر الأثر - الجنود والمدنيون العاملون ضمن حكومتنا؛ الشركات والمؤسسات، والمؤسسات التعليمية التي تعمل في مختلف أنحاء العالم؛ والمواطنون الذين يتمتعون بنشاط وحيوية، وقوة الدفع والتنوع التي تمكنهم من تحقيق الازدهار والرخاء في عالم بات أصغر. ذلك لأن العولمة، رغم كل المخاطر التي تنطوي عليها، هي جزئيا من نتاج القيادة الأميركية وعبقرية الشعب الأميركي. إننا مؤهلون بصورة متفردة لاغتنام وعدها.

إن قصتنا لا تخلو من العيوب. ورغم ذلك، فإننا في كل مرحلة دعانا فيها التاريخ لأن نرقى إلى مستوى الحدث، عملنا على ترقية أمننا، في الوقت الذي ساهمنا فيه في دفع عجلة التقدم البشري. ولكي نستمر في هذا المنوال، يجب أن تصاغ استراتيجية أمننا القومي من قبل أبناء شعبنا، وتعزز بواسطة المساهمات المقدمة من الكونغرس لدينا، وتدعّم بوحدة الشعب الأميركي. فإذا ما استندنا إلى هذه الروح من جديد، فإننا سوف نتمكن من بناء عالم ينعم بمزيد من السلام والازدهار والكرامة الإنسانية.
Opinions