إعدام بلا قضاء..كم يساوي التحضّر في العراق؟....
..دردشة..بأمكاني تخيل ما كان يرتديه جحا...
نسيج الفطنة بالدعابة ،والحكمة بالمزحة، والمثول بالموعظة بقالب من النوادر يستأنسها الآخر..
أمّا ما كان يرتدية تيمورلنك فذلك ليس بعويص او عسير!
قيل....
سأل يوما تيمورلنك صحابنا جحا: كم أساوى فى نظرك يا جحا ؟
رد جحا وكعادته بفطنة وبعد أن نظر إليه مليا : ألف دينار يامولاى ..
فبهت تيمورلنك مندهشا وسأل: كيف هذا وما أرتديه فقط من ثياب ومجوهرات يساوى ألف دينار !؟
رد صاحبنا: إذن.. إذن فقد صدق حدسى يا مولاى !
... لنقترب مما يرتديه العراق اليوم...لا داعي للإستغراب.. الدول والشعوب ايضا ترتدي ما قد يسترها او يفضحها سلبا وايجابا! ...
القانون كحد السيف..هذا ما يؤمن به كل واع ٍ ...أن لا تُسلب روح او تكبّل إلا به..
.. المتهم بريء حتى تثبت ادانته ، وإن اتفق شعب كامل على تجريمه .. هذا ما تعلمناه مذ كنا صغار..
لم يعدم صدام ولم يعلق في ميدان عام ولم يسحل كي نتشفى به، منذ خلعه ثم اعتقاله ذليلا رثا صاغرا كعبد خسيس..
... اعتقل صدام.. .. وما من سوط فوق ظهره...بل جاء ظهوره برعاية وكشف صحيّ...
متهم.. يقف في المحكمة بورقة وقلم،القرآن بين يديه كما يشتهي وكما طلب،وكلنا يعلم كم من الضحايا رحلّهم للموت بلا هوية،وكم من الجرائم ارتكب،وكم من الأعراض انتهك،وكم من الأموال اهدر، رجل لقيط الإنسانية والضمير اضاع الوطن وسحق من فيه...
للقضاء نفس طويل او هكذا يبدو احيانا..،ولابد للشعب أن يمتثل لحكمه، ان يرتضي ،ان يترقب تعاقب الجلسات بطول بال وأمل، القضاء سيأخذ مجراه والقصاص قادم لا محالة، وسيُنصَف المظلوم.....
اعدام صدام بحكم قضائي عادل (وارجو ان يكون هذا)، تحضّر وعنفوان،فقد اتيحت وستتاح له فرص الدفاع وفرص المثول الحر امام القضاء لإفراغ ما في جعبته..الشعب على يقين بأنه سفاح وعلى دراية بما ارتكب فهو الضحية، ولكن هذا لا يكفي لسلب روح المتهم..نريد ان نكون دولة قانون اذن لنمسك الصبر....
كم جميل إن يكون هذا هو الإتجاه في القصاص.. فلا اجتهادات فردية،ولا ايماءات عقائدية، لا سخط ولا غضب، لا عجالة ولا إندفاع لإطلاق حكم يفصل الروح عن الجسد...
ولكن...كيف تتفق تلك الصورة،صورة القضاء العادل، مع صورة الإنفلات التجريمي للشخوص والإقتصاص منهم بنزعات ورغبات فردية.. كيف تتفق صورة القضاء الحر الذي لا يرى الجريمة إلا بعد ان تثبت قانونا ، واللا قضاء الذي يرى الجريمة وقبل ان تثبت...؟
.. الإستهتار البشع من قبل المليشيات والتيارات الحاملة لراية الله اكبر سنتسلط بالدين ونكبر...
جموع وافراد، نصبوا مشانقهم لجز رؤوس لم تدل بدلوها في سوح القضاء..
مهما كانت بشاعة تلك الرؤوس..مهما كان جرمها..مهما كان ما سببته من وجع في الأزقة، ومن رعب بين الإحياء..مهما كان ما اهدرته من دماء الأبرياء...مهما كان اليقين بالحجة والشهود.. لابد ان يمر كل متهم عبر القضاء ويقف كما وقف صدام وإلا لماذا يقف الأخير!..
لا يمكن ان ننصب المشانق لهم بعشوائية ونشد حبالها بالغضب والعاطفة وبهمة النزف والجرح...
مشانق خارجة عن القانون،عن كل ما يشير الى وجود دولة ذات دستور وقضاء..
دولة.. وليست غابة يتشابك فيها الإنفلات والتسيب بأصابع الغجر.. يستثمرالدين فيها ويستنفذ بعقول بهلوانية من حجر...
.. دولة.. وليست قبيلة بعرف الهيجان الصحراوي ودفوف الثأر..الظالم ليس بغينمة للمظلوم بشكل فردي..انه غنيمة القضاء والقانون ،غنيمة الحق العام والخاص وفي سلة واحدة....
من يقتل ويفخخ ويفجر..ووووو.. ويلحق الأذى بالأبرياء... خارج عن الأخلاق والقانون، وساقط في قبو المهانة والبلاهة والخسة والشذوذ،
هل سيقودنا مثل هؤلاء للخروج من جلدتنا فنخرج عن القانون بخروجهم..ونرتكب الجريمة مجرورين بجرائمهم.. نتعفر بالجهالة مثلما هم فاعلون..هل سنلقي بالحق حيث القوا به، وبالخلق حيث سحقوا وامتهنوا.. هل سنجتر انسانيتا ونبتلع القانون وكأننا لا ننتمي إلا الى حظيرة بهائم او جحر ذئاب جائعة تلك التي اليها الأوغاد ينتسبون...
مرحى لمن يقبض بيديه على مثل هؤلاء متلبسين بالجرم والإفساد، لسوقهم الى القضاء، وليس الى اعواد المشانق ، والى حبالها المتدلية من عمامة او قبعة او فئة او تيار او سمسار...الصرامة لا تعني ان اقتل قاتل أخي،والرغبة بسرعة انزال العقاب لا يعني نصب مشنقة بظهر داري...
الإقتصاص بفردية جهل وتهور، إلا فيما اذا كان من اجل الدفاع عن النفس وحين الوقوف وجها لوجه مع المجرم في حالة دفاع مباشر..هذا هو القانون فيما لو اردنا ان نطل برؤوسنا كشعب متحضر، يندفع نحو الأفضل بإتزان، يحترم القانون ويترك له كامل السياده ..
هل ذهبنا الى صناديق الإقتراع وانتخبنا وفي ظروف عصيبة كي نطل على الغد كبدو رحل..وشتات قبائل تحتكم لشيوخها وتثأر بغزوة او سبية....
.. اللوم لا يقع على من نصب تلك المشانق ومن نفذ الحكم ومن تغنى به، فقط، بل على من اتاح هذا ..الحكومة ومؤسساتها المعنية...وإن كانت الحكومة هي من فعلت هذا خروجا عن القضاء، فالطامة اكبر واكبر..
... أين الدولة واين اهل الدين ورافعي راياته؟ ام ترانا نفعل هذا بأسم الدين والعدالة وحرية نصب المشانق!!..
.. اين العراق الذي نسمع عن برلمانه ودستوره وقياداته وعمائمه ومنابره!!
قد يقال.. الحكومة واجهزتها غير متفرغة حاليا!، وغير مقتدرة على اداء واجباتها بشكل متكامل..وإيفاء مسؤولياتها لحماية المواطنين وتوفيرالأمن لهم.. هذا صحيح تماما والحكومة تدان لهذا.. فهي مصابة بالهزال،تنقصها الكفاءات والحس الوطني،تعتريها نوبات صرع وهلع باتجاه المستقبل ..لا تفرق احيانا بين البشر والخراف- او قل الخرفان!-.. ولا لوم عليها في مثل هذا الإلتباس!..فالخرفان تساق- محشوة مشوية- الى موائدها، والبشر يساقون برائحة الشواء الى القبور والمستشفيات.. وهذا يتعب البصر فتترخي الرؤية ويحصل اللبس...!..
..ولكن.. هل يعد هذا سببا كافيا بحق السماء؟
هل سنفعل ما فعلة صدام وزمرته بنا فنعدم ونسحل ونقبر باحكام فردية ، ثم نردح ونهزج ونصلي لبشرى القتل وكأننا خرجنا توا من جحور الغاب او كهوف البرية...؟
سفاح مجرم بملايين الشهود والأدلة والقرائن، يقف بتجبر وحسن مظهر امام القضاء ولم يحسم امره بعد ولم يحكم،واخر يُعدم بشطحة ارتجالية متصحرة تدفع بالقانون الى خزانات الصرف الصحي ..
اين التحضّر في الصورتين وهما على طرفي نقيض وتلتهم احداهما الأخرى!؟.. اين القضاء امام كل هذا الوجع والجرب،وهل هو قادر على الإدانة وتجريم مثل هذا الفعل، او حتى رفع سبابة خجلة كما يرفعها تلميذ !؟..
أوليس قوة القضاء المستقل وعدالة ميزانه من صلب ابجديات التحضّر..
ام أن القضاء العادل المستقل غيرالمكترث للزمن مهما امتد، مع الطاغية الأكبر فقط.. وللمجرمين من المرتزقة والذيول التابعة لهذا او لذاك، لهم الشوارع والحواري والميادين كقاعات محاكم،والعمائم كميزان للتنفيذ الفوري...؟
ليتنا نعلن الجهاد المسلح ضد الإرهاب والقتلة بفتوى ونستريح عله يأتي بثمر.....! ...
ما رأيك يا جحا .....كم يساوي تحضّرنا ونحن نرتدي كل هذا وما تحته اعظم....؟ ..
ترى ماذا لو كان جحا بيننا الآن وسألناه اختيار اسم جديد مركب للعراق، يتناسب مع وجهه الجديد الذي منح المواطن حرية الحكم بالإعدام، وكرمه برخصة التنفيذ..بماذا كان سيدلي او يشير....
قيل... كان جحا جالسا مع تيمورلنك ذات يوم ... فقال تيمورلنك : الألقاب التي فيها اسم الله كالواثق بالله ،المنتصر بالله، تعجبني .. فهلا اخترت لي اسما مثل ذلك ايها الأناضولي ؟..
قال صاحبنا وأبتسامة ساخرة على وجهه: اخترت لك اسم .. العياذ بالله ...
اقول.. العياذ بالله من كل يد جاهلة عوجاء امتدت لتحضّر وتبني هذا البلد العريق تحت رايات من ورق!!!..