Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

إفهمونا.. يا ساسة العراق

في برنامج (بالعراقي) على قناة الحرة عراق قبل بضعة أيام، وكان موضوع الحلقة (استحداث محافظة في سهل نينوى)، أثار انتباهي واستغرابي معا مداخلات الضيفين (تحسين الشيخلي مستشار وزارة الدولة، والأب مخلص ششا راعي كنيسة سيدة النجاة في بغداد).

حيث كان الأول يركز على أن استحداث هكذا محافظة في سهل نينوى للأثنيات والمكونات الموجودة في هذه المنطقة هو مطلب ذو أبعاد سياسية مرتبطة بأجندات خارجية لا علاقة لها بتلك المكونات. كما ويهدف هذا المشروع، حسب السيد الشيخلي، إلى تمزيق وتجزئة النسيج الوطني العراقي. وأخيرا فإن الكلدوآشوريين أنفسهم غير متفقين، حسب إدعائه، مع هذا الطرح إنما البعض اليسير منهم هم الذين يروجون لهكذا توجه!!، علما أنهم أبناء أصلاء للعراق وهم مكون أصيل و.. و.. و.. إلى آخره من هذا الكلام المعسول.

أما الثاني، وأقصد به الكاهن مخلص ششا فإن أقل ما يقال عن مداخلاته أنه كان ملكيا أكثر من الملك في تعاطيه السلبي مع المشروع المقترح.



إزاء ما تقدم.. أود أن أعلق على هذه المداخلات من خلال تثبيت بعض الحقائق وتوضيح الرؤى التي يستند عليها المشروع.



أولا: أنا أستغرب جدا من شخص كتحسين الشيخلي يمثل الحكومة والدولة التي تأسست للمرة الثانية في 2003 وفق معادلة من ثلاثة أرقام كبيرة (شيعي ـ سني ـ كردي) وكسور صغيرة من المكونات الأخرى "الكلدوآشوريون ـ التركمان ـ الإيزيديين ـ الشبك ـ الصابئة ـ الأرمن... إلخ).

ليأتي ويزايد على الآخرين تحت عباءة الوطنية وإظهار الحرص غير المبرر على عدم تمزيقها وتجزأتها، وليوحي بأن هذا المطلب (استحداث المحافظة) يهدد وحدة البلد والنسيج الوطني العراقي.

بالله عليكم.. هل هذا معقول!!.. هل نسيت يا سيدي الشيخلي كيف كُتب الدستور الذي تدار البلاد اليوم على أساسه؟.. ألم يُفصّل وفق مقاسات مكون على حساب مكون (الشيعة والكرد) ولاحقا جاءت المادة 142 لتعدل وتضمن مكانة (السنة)!!.. ألم نحطم الرقم القياسي في العالم بتأخير تشكيل الحكومة بسبب حتمية تسنم الشيعة لرئاسة الوزراء، وتكون رئاسة الجمهورية للكرد، ورئاسة البرلمان للسنة. وعشرات الأمثلة على الواقع التعددي الجديد بعد 2003.

فهل أن كل ذلك لا يعتبر تجزئة للنسيج الوطني العراقي ولا ضرر منه على الوحدة الوطنية بل العكس هو توافق وطني؟؟؟!!!. أما عندما يصل الأمر إلى المكونات الأخرى فإن ذلك خط أحمر؟؟ !!.

يا سيدي.. إن الديمقراطية هي ضمان حقوق المكونات الصغيرة قبل الكبيرة وليس التطبيل والتزمير بحرية الرأي والإعلام، وإجراء الانتخابات والاستفتاء على الدستور، علما أننا نعرف حق المعرفة كيف سارت تلك الأمور وكيف جرت تلك الانتخابات وذلك الاستفتاء من جهة الشفافية والنزاهة.



ثانيا: إن مطلب استحداث محافظة في سهل نينوى لا يتعلق بأي شكل من الأشكال بمجزرة كنيسة سيدة النجاة مثلما يود البعض ربطه بهذا الحدث الأليم، لإظهاره كرد فعل سياسي عاطفي يفتقر إلى النضج، بل هو طرح ومشروع سياسي واعي نابع عن استحقاق قومي يهدف إلى حماية وجود الأثنيات والقوميات الصغيرة من الانقراض بسبب توجهات وسياسات المكونات الكبيرة.

ثم وللمرة الألف نقول: إن هذا الموضوع لا يقتصر على المسيحيين فقط، بمعنى أنها ليست محافظة مسيحية.. بل محافظة تشمل كل المكونات الأخرى كالشبك والإيزيديين والعرب والكرد والتركمان.. إلخ، والذين ينتمون إلى جغرافية واحدة ضمن هذه المنطقة.



ثالثا: إن مشروع محافظة سهل نينوى كحق.. فقد كفله وضمنه الدستور في مادته (125) التي تنص على أن هذا الدستور يضمن الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان والكلدان والآشوريين وسائر المكونات الأخرى وينظم ذلك بقانون (مع تحفظي على تسمية شعبنا في هذا الص).

وبذلك فقد أصبح من حق الكلدوآشوريين المسيحيين أن يفكروا بحقهم الإداري وأن يرتأوا الصيغة الملائمة لانتمائهم الإداري ضمن هيكلية تنسجم مع القانون والدستور، والتي تضمن لهم العيش الحر الكريم كمواطنين من الدرجة الأولى.. لا الثانية.



أما بالنسبة إلى خطاب الأب ششا الذي كان وكما عودنا بعض رجال الدين في مناسبات مختلفة أن يطرح قضايانا وهمومنا ضمن الإطار العام وبشكل يوحي بأقصى درجات اللاحول واللاقوة لشعبنا، وبالتالي الوقوف إلى جانب الطرف السلطوي الأقوى في المعادلة، وعدم الخوض في صراعات مع الحاكم حتى لو كانت في سبيل الحقوق المشروعة لشعبنا ودفاعا عن وجوده.

ولكن الشيء الأكثر غرابة الذي رأيته هو عندما قال: أنني لم أسمع بمنطقة سهل نينوى قبل 2003 حيث أن هذه التسمية جاءت بعد هذا التاريخ!!.. أقول لك با أبتي: هل سمعت قبل 2003 بالمالكي وعلاوي والهاشمي وغيرهم، ممن هم اليوم رموزا للنظام السياسي الجديد في العراق؟!.. هكذا هي متغيرات الحياة وهكذا علينا أن نتعايش مع تطور قضايا شعبنا وبلدنا وليس أن نتطبع ونتأقلم بانتقائية مع طرف دون آخر.



أخيرا: إن مشروع استحداث محافظة في سهل نينوى هو مطلب وطني وقومي، وكما قلنا.. للحفاظ على المكونات الأصيلة كما تقولون!!!. مبنيا على أسس قانونية ودستورية يهدف إلى بناء وتطوير سهل نينوى.. ولا يرتبط بأية أجندات خارجية كما حاول تسويقها الشيخلي، وإنما ترتبط بطموحات وآمال أبناء سهل نينوى فقط.. للارتقاء بواقعهم المتردي المأساوي إلى واقع أفضل يسوده الأمن والأمان الحقيقيين والبناء والإعمار.. والله من وراء القصد.
Opinions