إقطع رأسك إنت عراقي
الخبر كما نقلته وسائل إعلام محلية ،وفي جنوب العاصمة بغداد ،إختلف شابان في فريقين لكرة القدم يبعدان بلاعبيهما ومشجعيهما ومدينتيهما عن العراق عدة آلاف من الكيلومترات ،ولايهتمان كثيرا للأوضاع السائدة في هذا البلد سواء كانت أمنية، أو إقتصادية أو سياسية ،ولاشغل لهما بكل تداعيات الصراع القومي والمذهبي ولايعتنيان بمايجري من مصائب في البلدان المحيطة بالعراق ،ومايمكن أن يؤدي إنتقالها إليه من إضطرابات وصدام مسلح على أسس عرقية وطائفية ،ولابالذي يجري فيه أصلا من مماحكات وخلافات عميقة حول قضايا لاتكاد تنتهي مشاكلها حتى تبدأ في دورة تشبه الى حد بعيد دورة المواسم التي تمر على الأرض بين جفاف ومطر وبرد وحر وتقلبات مناخية متواصلة في كل أوقات السنة .
الشابان العراقيان البطران تخاصما في برشلونة وريال مدريد ،ولم يتخاصما لله أوفي يالله ،أو لأجل وطنهما ،ولم يكونا يفكران بشئ عدا أن يكون برشلونة ملكية شخصية لعشيرة أحدهما ،وريال مدريد ملكا لعشيرة الثاني، ولابد من الدفاع عنهما بالغالي والنفيس ،وحتى لو وصل الأمر الى قطع الرؤوس فلابأس في ذلك مادام يحقق رغبة نفسية مريضة لديهما، ولدى الملايين من أمثالهما ( القاتل والمقتول في النار ) هذا إذا إختصم مسلمان في قضية باطلة ،وليست قضية مبادئ وصراع على الحق والباطل، بل على برشلونة وريال مدريد ،وهذا مصداق الحديث الشريف الذي ينهى عن التخاصم في التوافه الدنيوية الزائلة التي لاتبقي للإنسان من كرامة، ولاتقيم له بنيانا أخلاقيا ،وتربويا ومهنيا حتى.
قام الشاب العراقي برفع السكين في وجه صديقه الذي يشاطره الوطن والحياة والألم والفقر والبهدلة والتردي المتواصل في كل تفرعات الحياة العراقية المملة والكئيبة، وطعنه في جسده عدة طعنات، بل تطاول ليضع السكين على رقبته ،ويذبحه كما يذبح الخروف في صباح العيد ،أو كما يمد العجل ،وينحر في باب محل للقصابة في سوق مكتظة بالناس والباعة والدماء وبلارحمة، ولاحاجة للتردد فهو عجل، أو خروف مهيأ لهذا الفعل منذ أوجده الله على هذه الأرض، وجعله للإنسان طعاما ،ومادة للشبع من غائلة الجوع الذي يداهم البشر في كل وقت فإن لم يجدوا خروفا أكلوا بعضهم، أو قد يتحولون الى خرفان تتناطح من أجل متاع زائل والفرق إن الخرفان بلا عقول، بينما البشر بعقول كاملة، وإختارت أن تكون خرفانا لأسباب متعلقة بالأطماع والنوازع الشيطانية المملة والرتيبة والمنقضية في لحظة ما من لحظات الزمن العابر.
في مرات عديدة حصلت منازعات، وقتل الناس بعضهم العض، وربما تنازع بلدان بسبب كرة القدم ،ولنا في حادثة ملعب هيسل في بروكسل عبرة حين قتل مشجعو ليفربول الإنجليزي العشرات من الجمهور الحاضر ثمانينيات القرن الماضي حين كان فريقهما يواجه نادي يوفونتوس الإيطالي في نهائي البطولة الأوربية ذلك العام وأظنه 1985، وحينها وقف العالم متحيرا في عمق المأساة ،وجبروت المصيبة تلك التي جعلته يشعر بالغثيان ،متعجبا من قتل الإنسان لأخيه الإنسان من أجل كرة مصنوعة من جلد حيوان ربما، أو من مادة صناعية سرعان ماستتمزق .واعجبي.