إلى مَن يَدّعي الحِرص على الحقيقة والموضوعية من الإعلاميين العرب
من المؤسف أن بعض الأجهزة الإعلامية، من باب الحرص على إشاعة مناخات الحرية والديموقراطية، قد أفسحت المجال، لأن يعمد الإعلاميون لديها من صحفيين ومذيعين ومقدمي برامج على أن يستضيفوا في برامجهم الحوارية أنصاف مثقفين وأميي سياسة أو مغرضين. يتكلمون فيها بمختلف المواضيع، دون مسؤولية وكيف شاؤوا، ومنها الأمور السياسية والإجتماعية، يتناولون فيها الرموز الوطنية التاريخية أو المعاصرة. فيقيمونها ويمنحونها الألقاب والأوصاف، ويطلقون عليها الأحكام، فيثيرون بذلك حمية أهل المذاهب السياسية والطائفية ويشعلون الفتن بتأليب الطوائف على الطوائف والأحزاب على الأحزاب والقوميات على القوميات. وبما أن مثل هذه الأمور هي على قدر كبير من الدقة والحساسية، فمن باب الأمانة نأمل بأن لا يتناولها إلا من هم على دراية من أصحاب الإختصاص، أو من هم في مواقع المسؤولية الوطنية القومية والسياسية.وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نشير الى أن صدام حسين كان الرئيس الشرعي لجمهورية العراق. وقد عمدت معظم الدول الآخذة بالنظام الجمهوري إلى تحديد موقع رئيس الجمهورية وصلاحياته في نصوصها الدستورية، وإلى اعتباره رمز وحدة الوطن، يسهرعلى احترام الدستور والمحافظة على استقلال البلاد ووحدة وسلامة أراضيها وفقا لأحكام الدستور، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا تبعة عليه إلا عند خرقه الدستور وفي حالة الخيانة العظمى.
فإذا كان يتوجب على رئيس الجمهورية تطبيق أحكام الدستور، فإن الإخلال والتلاعب بنصوصه والتقاعص عن تطبيق مضمونها، يُعَد خرقاً له, ويُعرّض مرتكبه وهو الرئيس إلى المحاكمة والإدانة بتهمة خرقه الدستور والخيانة العظمى.
وتأسيسا على ما سبق وفي دراسة موضوعية متفحصة، يُلاحظ بأن العراق دولة أنشئت ورُسمت حدودُها بقرار ساهم في إصداره دولا، وهيئات دولية تابعة أنشأتها الدول العظمى آنذاك. وأن العراق يمتلك ثروات ولموقعه أهمية استراتيجية كبرى، لذا أحاطت به الأطماع الدولية والإقليمية. إذن فهو بالمعيار السياسي مشروع دولة على أبنائها أن يسعوا إلى استكمال بنائها.
وقد تعرض العراق عمليا منذ بداية وجوده الحديث إلى سلسلة من المؤامرات تنوعت أساليبها، فمن الضغوطات والتهديدات عليه إلى الاختراقات العملانية لزعزعة كيانه وإخضاعه. كما لم تنفك القوى الخارجية ذات المصلحة، عن التغرير ببعض أبنائه لتجنيدهم كعملاء لها في الداخل العراقي، ومن ثم إلى دفعهم للقيام بأعمال التخريب والتحريض والإرهاب ضد وطنهم. كان منها المحاولات الدائبة لإضعاف الشعور الوطني وشق صف الشعب، لصالح مشاريع أخرى، ما كان من شأن ذلك إشعال نار الفتن وإخراج البلاد على البلاد، لانتزاع أراض منها وهدر وتدمير ثرواتها والتسبب بقتل أبنائها.
ومن الواضح فإن جميع هذه الأعمال العدوانية المُحَرََّض عليها خارجيا ومن في حكمها، إنما تندرج ضمن جرائم الخيانة، لما كان من فعلها التعرض لاستقلال البلاد ووحدة وسلامة أراضيه، التي كان من واجب رئيس الجمهورية بموقعه وطبقا لصلاحياته الدستورية التصدي لها وإحباطها وتقديم القائمين عليها إلى العدالة لنيل جزائهم.
وليس من الغريب أن يكون لجميع هؤلاء الخونة، من جواسيس وعملاء وتجار حروب وسماسرة وسُرّاق وقتلة ومتلاعبين بأقدار البلاد والعباد، مصلحة كبرى في تخريب دولة العراق، وأن يكونوا المتضررين الفعليين من بقاء وحدة البلاد، ومن التطبيق الأمين لأحكام الدستور، وبالتالي أن يكونوا المتضررين الوحيدين من بقاء صدام حسين رئيسا لجمهورية العراق.
لذا لملم هؤلاء، ومن يتبع سلالتهم، تاريخَهم الإجرامي المخزي المليء بأجساد الضحايا العراقيين الشهداء، من معارك الجيش العراقي البطل في الحربين الإيرانيتين المفتعلتين دفاعا عن حدود الوطن، ومن شهداء الجنوب في مؤامرة الفرس الكبرى لتقسيم العراق، ومن الشهداء العراقيين الأبرار في الدجيل وحلبجة والأنفال، ومن شهداء الحصار، وشهداء قصف المدن من الأطفال والشيوخ والنساء. فعمدوا من مواقعهم التآمرية الطامحة بالتعاون مع محترفين من أسيادهم طيلة سنوات، إلى تلفيق وتأليف وتوليف قصص وأساطير كاذبة من وحي محارق بني إسرائيل التوراتية، زيفت فيها الحقائق وقلبت بها الوقائع والأدوار والقيم، لتسويق أنفسهم كأبطال، باكتساب شرعية البطل صاحب الحق المضطهَد. وهذا كله لا صحة فيه، كما أفادت بذلك وأكدته الدراسات الأكاديمية المحايدة التي تناولت هذه الإدعاءات. ولم يزل هؤلاء يواظبون على عرضها في العالم على مسارح النفاق، ولم يزل يصفق لها ولهم الأغبياء.
وما هو جدير بالملاحظة، أن دول الحلف الأمريكي التي أقدمت على غزو العراق كرسولة سلام للإنسانية، بمزاعم حرصها على السلام والأمن العالميين ووقف خطر الإرهاب، وبمزاعم تحرير شعب العراق وسلامة شعبه و جعله نموذجا بإقامة الديمقراطية فيه. وبرغم ذلك، لم تستطع هذه الدول بكل قدراتها، على امتلاك حيثيات وأدلة يمكن أن تؤدي إلى إدانة الرئيس صدام حسين. أكان بالتوصيفات الكاذبة التي أطلقتها عليه من كل منابرها، أو بالإتهامات الباطلة التي ساقتها وادعتها بحقه، لتبرير خطفه بعد غزوها العراق. وإلا لما توَرَطت هذه بإقامة محكمة صورية هزلية في العراق، تتلاعب في حيثياتها وأشخاصها وأحكامها، وتُعَرِّّض من خلالها سمعتَها ومصداقيتها أمام شعوبها والعالم إلى الإدانة. ولسَعَت هذه إلى إنشاء محكمة دولية، أو شبه دولية، أو ذات طابع دولي، في العراق أو في دولة محايدة، تتوافر فيها شروط المحاكمة العادلة. ولوضعت أمام قضاتها، وهي الآمرة الناهية بغير تفويض، الرئيس صدام حسين المجيد رئيس جمهورية العراق الشرعي، لمحاكمته وإصدار حكم بإدانته، تنفي من خلاله ما تُتهم به وتُدان، وتؤكد في إدانة الرئيس، إن حصلت، صدقَ مقولاتها وادعاءاتها عن العدالة والديمقراطية، أمام الله التي تتبجح بالإيمان فيه، وأمام شعوب العالم.
13/ كانون الثاني/ 2007