إليكِ وإلى عبد الرحمن*.
- 1 -خلف باب بلا كوة
كان عبد الرحمن يسترق السمع
الباب يئن بتثاقل كريه
الجميع في هذا العالم أموات
صرير الباب يجمع بين الفرقاء
وينبؤ عن علامات الزمن
ويزعج صمت السكون.
إنها اللعبة القديمة
أنت خلف الباب
الخفير يجس معصمك
أنت ما زلت تتنفس
أنت حي،إذن انت خائن
:- الله اكبر،الله أكبر
أيُ دم نجس هذا؟
رائحتك نتنة مثل روحك.
صدى الباب يصر
تخال الخفير عراب بائس
الماضي يسابق الحاضر
انت تتنفس يا ابن العاهرة
انت ....
أنت خائن
انت تتنفس كرة اخرى
إذن انت خائن.
يا لبؤس خطو الجلاد
خارطة الوطن تكبر
أفواج الايتام تكبر
أحزان المومسات تكبر.
- 2 -
كنت سكرانا
الساعات في ازقة البتاويين صامتة2
الشوارع كانت ربما تدور
في خاطري أو تركض
ما نفع عقارب الساعة الان؟
قوائم مائدة الارق سقطت
كل ما حولي يشبه السكون
جرذ أسود يطارد كلب الخفير
إصطادوني عند الفجر.
كنا سوية، ليل وخمس رجال
نتحاور بصمت العيون
قال ذوالشنب الطويل:-
جاهزين سيدي.نحن في إتجاهكم.
أذكر أن الارض مادت
واوصال الاوتاد تناثرت
فرحلت هناك.
- 3 -
لم ألتقيه ألبتة
كان يومها هناك
التقيته هناك، يوم كان هناك
شكله كما ظلال تشابكت
كان يقول شيئا أعرفه
يردد آي القرآن بلا ملل
يلفه جلد ملاك عاري
يا للعار، هناك ليس للعورات حرمة
لبس ثوب امي الفضفاض
يتشنج،ويتشنج، ثم يتشنج
يشتهي ان يشتم الله
:يستغفر الله ويتوب اليه.
يبكي،الدمع يبلل راحة كفه الايمن
ألنزف يدور
الدماء تسيل من حيث لا يدري
يغسل جراحاتي وبعض جرحه
النزف يرطب دموعه
الدم في كل مكان
اجنحة الصراصر تصطبغ بالدم
يهمس عبد الرحمن خلسة:-
متى اتوا بك؟
ماذا قلت؟
مضى دون موعد
يا ويحي يا عبد الرحمن
نسيت ان اقول لك:لا ادري.
- 4 -
اذكر عبد الرحمن يبكي
كان ما زال يبكي
توادعت بيننا الساعات
تعافت جراحاتي بسذاجته
ممسوس بذكر الله
يهمس في صمته
:-(استغفرك واتوب اليك)
يتقافز الفرح على اديم خده
يمسك خطو عوف1
:-إنه شيطان عنيد لا يركن
اخشى عليه لئلا يسقط
قد تنكسر ساقه ،ربما رقبته.
نتصالح في ناموس الانسانية
عبد الرحمن يخشى غضب الله
نتخاصم في كنه الله
وشبق الرجال في الجنة
:-إن الهك صورة سريالية معقدة
تسرني صورة الوطن البسيطة.
كانت ليال لاتفصلها نهارات
وكان في سالف الازمان
نادوا على عبد الرحمن
الموعد سابق لاوانه
عبد الرحمن لم يكمل الحكاية
رحل دون ان اراه
بصقة السجان كفت بصري
اغلق الباب يتمتم:
كلاكما يتنفس
إذن كلاكما خائن.
- 5 -
حطني نسر الزمان هناك
عاصفة ثلجية مرت صدفة
كانت الارامل تنوح ازواجهن
إنه صوت مريم او خيرية
كلا هذه نغمة زهراء
موال الحزن يسافر بلا هوية
الناس تموت في وطني
صباحا او عصرا
ربما عند قبل قيلولة العشاء
وهنا في وهران
إقتعد ملاك الموت عتبة بيت عتيق
صارت الناس يخنقها الغبار
ربما،لا ادري،قالوا
أعرف أن الارض مادت
صبي تلمساني يقرأ سفر الاسماء
الريح تتصفح سجل أموات
الشعبة الرابعة فوق
زنزانة رقم 16 تحت،
لماذا رحل بسرعة؟
كان يجب ان يقول كلمته
ويحك يا عبد الرحمن
أترتحل الى الله دون وصية؟
خطوات عوف الخمس في خاطرك
حبلا يشد البقاء الى البقاء.
أتذكر يا عبد الرحمن
ذاك الحائط المزركش بالندوب؟
:كان شكل خارطة العراق.
كنتَ تبكي خشية غضب الله
لأُحدثك يا صديقي:-
إنهم يشظون خارطة العراق
في وطن الائمة والصالحين
الشيطان يجتاز ظل الله
يا ويح قلبي يا عبد الرحمن
أظنك ما زلت تذكر بسمتك
قلت لي:-
هم كافر وجمالة شيوعي،كُبَلْ للجهنم**.
- 6 -
في بلاد البربر الامازيق
جنية شقراء كجدتي
رَسَمَت شكل عذاباتك يا عبد الرحمن
ألم اقل لك يا صديقي
الذكريات تسافر دون إستذان
يا لبؤس قدر طالعك
اللوحة ضاعت في الزحام
كان عمال البريد مضربون
والحمام الزاجل في إجازة
وريح الشمال لا تمر بديارنا
إن روحانا ما برحت مقيدة
والباب الحديدي يا عبد الرحمن
ما زال يعزلنا عن الاحياء
خطو السجان صار يكبر ويكبر
أتذكر يا عبد الرحمن
بالحب طاوعنا مشاعر الغربة
كلهم يهتفون،كلهم يصفقون
أنصار الله والشيطان.
بعد التحرير وشيوع الديمقراطية
قطعوا عن الوطن سبل الحب
عبد الرحمن....
المسافات تهيج الجروح
والذكريات لا تطويها الايام.
ياقو بلو
yakoballo@yahoo.co.uk
*هو عبد الرحمن محمود حسين الذي اعتقل واعدم بتهمة الانتماء الى حزب الدعوة،دون ان يسمحوا له أن يثبت لهم انه رجل ينتمي الى الطائفة السنية وليس للشيعية،فحزب الدعوة كما هو معروف منذ تأسيسه حتى الساعة هو حصر على الشيعة فقط، وكانت كل جريمة الرجل هو تقليده للحسن البصري في عباداته والمرأة المعنية هنا هي سيدة من بلاد الامازيق رويت لها القصة كما رويت لي.
1- عوف هو اسم ابن الشهيد عبد الرحمن.
2- البتاويين هو اسم احد احياء بغداد المحصورة بين شارعي السعدون والنضال،أمتدادا من باب الشرقي حتى شارع الزعيم،اغلب سكنته من ابناء الطبقة المسحوقة.
**كان الموسم مزدحما جدا في الاستخبارات العسكرية في الشعبة الرابعة فأضطروا الى جعل اكثر من معتقل في زنزانة واحدة،ولكنهم حرصوا ان يجمعوا في الزنزات المزدوجة بين الاسلاميين والشيوعيين او المعتقلين بتهمة الشيوعية
وكان ان جعلوا صاحبي الذي روى لي الحكاية مع عبد الرحمن ذاك المخلوق البسيط جدا،الذي انخدع كماالملايين امثاله بقصص غضب الله وانتقامه المنافية لقدسية الله،لفظة "جمالة "لفظة عراقية تدل على الزيادة او الاضافة، هنا تشير الى التضخيم في شناعة الفعل،اي انه يقول:الا يكفي ان تكون كافر لتذهب الجهنم حتى تصير شيوعي أيضا.