إننا ندفع الثمن
منذ خروج ادم وحواء من الجنة أصبح قانون الأرض ( لكل شيء ثمن ) فلا شيء يقوم به الإنسان وليس له ثمن يدفعه , وقد تختلف الأثمان حسب نوعية الشيء أو العمل الذي نقوم به فمنها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي , وقد تتفاوت قيمة الأثمان حسب المادة المقابلة فللسعادة ثمن وللحزن ثمن وللروح ثمن وللحياة ثمن كما للسيارة ثمن وللبيت ثمن وللعمل ثمن فلكل شيء من حولنا ثمن, ولعل أغلى الأشياء التي يسعى الإنسان لدفع ثمنها روحه وحياته إن تطلب الأمر هي ( الحرية ) . هذه الكلمة الصغيرة بحروفها والكبيرة بمعناها , فالحرية هي أجنحة الطائر عندما تفتح للسماء وهيوثبة جدي صغير نحو السهول والبراري وهي غيمة ماطرة تروي الحقول والبساتين , هي نور الشمس الذي يملئ الفضاء اللامتناهي وهي روح الله الذي وضعها فينا من خلال كتبه السماوية, وهي الكنز الثمين الذي أضاعه ادم بطمعه فخرج من الجنة واضعا سلاسل العبودية على رقبتنا فأعادها لنا المسيح بقيامته وفتح لنا أبواب الجنة كاسرا قيود العبودية كي نسير نحو الخلاص, وهي الأمانة الثمينة التي اؤتمنا عليها كبشر حراس الأرض فلم نصنها ونحافظ عليها بسبب جهلنا وطمعنا وأنانيتنا متجاهلين عظمة المسيح متشبثين بغرور ادم فعوض أن نكون في كل يوم مسيحا حيا منتصرا على
الموت أصبحنا في كل يوم نقف مع يهوذا نبيع الحق والحياة وعلى الصليب نعلق الحرية .
لعل كل ما يحدث في عراقنا من مصائب وويلات هو ثمن ممارسات بعض ملوكنا وقادتنا على مر العصور وهو الثمن الذي تدفعه هذه الأرض المعطاء لما تحتويه من خيرات , كما إننا ندفع ثمن عدم قبولنا للآخر فدخلنا في صراعات على الأرض وصراعات على الماء وصراعات على الدين وصراعات على الكراسي فمنذ أكد وسومر وبابل وآشور مرورا ببدايات الكنيسة وفجر الإسلام وحتى يومنا هذا وهذه الأرض تدفع ثمن خيراتها , فبعد كل تغيرات الأزمنة وتطور الفكر البشري فما زلنا نخوض نفس الصراعات والحروب لكن بأساليب عصرية حديثة ومسميات جديدة فالفكر هو نفس الفكر البدائي القديم مع
تغير في الأسلوب والمسميات ففي الماضي كان هناك اجتياح وقتل وإبادة واليوم هناك إقصاء وتهجير وتهميش فممارسات الماضي كانت تنجح في السيطرة على الأرض وإخضاع البشر كما تنجح ممارسات الوقت الحاضر لتحقيق نفس الأهداف والغايات المرجوة فلكل شيء ثمنه وها نحن ألان كأمة عريقة كانت مهدا للحضارة البشرية ندفع الثمن , وندفعه غاليا جدا فأصبحنا مهمشين لا صوتا لنا يسمع ولا صراخا لحريتنا يلقى أذنا صاغية, فاخذ منا وبكل سهولة ما اجتهد البعض للحصول عليه لنا جميعا , وسحبت منا مقاعدنا في مجالس المحافظات التي كان من المفروض أنها ستحمي وجودنا كشعب عريق
في ارض الآباء والأجداد , لكن هنا نحن لا ندفع ثمن كوننا امة عريقة بعراقة دجلة والفرات ولا ندفع ثمن عظمتنا و حكمنا لهذه الأرض من شرقها لحد غربها وبالتأكيد فنحن لا ندفع الثمن لكوننا سرنا في طريق المسيحية واتخذناه مخلصا لروحنا ولا لأننا نتكلم السريانية ولا لأننا نسكن في سهل نينوى بل نحن الآن ندفع ثمن ما اقترفت أيدينا ونجني ثمرة البذر الفاسد المزروع في نفوس الكثير من أبنائنا فاخترنا الجزء على الكل وفضلنا الجار الحديث على الجار القديم فقبضنا أثمان ما بعناه من ضمير وكرامة وارض واليوم ندفع ثمن ما خسرناه من ضمير وكرامة وارض نعم هذا
هو حالنا وهذه هي حقيقة ما جرى لنا فلا ظلم وقع علينا أكثر من الظلم الذي أوقعناه على أنفسنا فقد ظلمنا أنفسنا عندما تركنا بعضنا وسرنا خلف الغريب , وقد ظلمنا أنفسنا عندما ملئنا كنائسنا بأموال جاءت لتشتري ما نبكي عليه ألان, وقد ظلمنا أنفسنا عندما سرنا خلف من صور نفسه قائدا لنا فنثر لنا الأموال ورفع لنا شعارات براقة رنانة فكبل بها حريتنا جاعلا منا كرة تتدحرج بين أقدام الكتل السياسية الكبيرة والتي يحاول كل طرف أن يرمينا في شباك الآخر فيكسب بنا النقاط ليربح الجميع ونخسر نحن .
إننا نقول ألان بان العرب ظلمونا لأنهم صوتوا على قانون مجالس المحافظات الذي يعطينا الحق بمقعد واحد عوض عن ثلاث مقاعد التي أوصت بها الأمم المتحدة لكن الحقيقة فان العرب أنصفوا الواقع او أنصفوا ما راؤه منا او حكموا وفق المعطيات والحقائق التي قدمناها نحن لهم فاتخذوا الإجراء الذي رأوه ضروريا لحماية خرائطهم فعملوا على تقويض فرص تنفيذ خرائط الغير فاتخذت جميع الأطراف المتصارعة على الأرض منا نحن المسيحيين من أبناء امة آشور أداة لتنفيذ تلك الخرائط . فبسبب تصرفات بعض من الجهات المحسوبة ظلما على القومية الآشورية والدين المسيحي نحن
ندفع الآن الثمن غاليا , وبالعودة للأحداث التي جرت في السنوات القليلة الماضية وما حدث في الشهور الأخيرة تحديدا من أحداث جرت كالمسيرات التي أقامها بعض الأطراف الدخيلة والمفروضة على امتنا كالمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري والشعارات الانفصالية التي نادى بها والتي اجبروا أبناء شعبنا على ترديدها واستنادا إلى تصريحات الكثير من كهنتنا وكبار كنائسنا لضمنا لمموليهم والكثير الكثير من الممارسات التي تحدث في مجتمعنا المسيحي لجمع التواقيع والأصوات لمصلحة جهات غير آشورية فإننا سنرى ان الكتل العربية تدرك تماما ماهية الأمور ,
وكيف تسير الأحداث؟, ولمصلحة من تصب ؟. وهم يدركون بان المسيحيين او الكلدان السريان الآشوريين ( قادة وشعبا ) هم الآن مسيرين من قبل هذا الطرف او ذاك وهم ليسوا أصحاب القرار سياسيا كان أم كنسيا بل هم منفذي القرارات التي تمليها عليهم بعض الأطراف العربية او الكردية والتي تدعي بأنها تعمل لكي يحصلوا على حقوقهم وحريتهم وتسعى لنيلهم الحكم الذاتي في مناطقهم التاريخية أي في سهل نينوى التابع إداريا لمحافظة نينوى وهي بالحقيقة لا تعمل إلا لتحصل على تلك المناطق التي يسكنها المسيحيين منذ الآلاف السنين والتي سيحصلون عليها لمجرد حصولهم على حكم
ذاتي والسبب يعود لكون أن الكثير من السياسيين المسيحيين انتمائهم للقومية الآشورية هو بالاسم فقط , وان كل أعمالهم ومشاريعهم هي لضم هذه المنطقة لإقليم كردستان وهذا هو الأمر الذي فهمه العرب والذي ابدوا تخوفا كبيرا منه فكانت النتيجة بأنهم لم يعطونا حقنا بما يمثلنا بصورة عادلة فأعطونا ما لا يؤهلنا بان نكون ورقة رابحة بأيدي أي طرف من أطراف الصراع سواء كان عربيا ام كرديا أي ان صوتنا لن يشكل فارقا كبيرا في القرارات التي سيتخذونها بخصوص المنطقة وهنا كنا ضحية ممارسات سياسية وصراع كبير بين العرب والكرد , واختيارنا طرف على آخر من الممكن ان
يكون الخطأ الأكبر الذي نرتكبه والذي سيدخلنا في صراع في أفضل الأحوال سنكون نحن الخاسر الوحيد فيه , فالكل يسعى لتحقيق مصالحه إلا نحن نسعى لان نكون أداة لتحقيق مصالح الغير والكل يختار قضيته ويعمل لتحقيقها إلا نحن نختار قضايا غيرنا ونعمل على تحقيقها له , لهذا فليس هناك من طرف يهتم لحقوقنا فهم يتحدثون عنها إعلاميا بفمهم وينكروها واقعيا بأعمالهم وليس هناك من سيمد لنا يد العون في تحقيق ذاتنا طالما كنا نلهث خلف كل من يرمي لنا بالأموال لتحقيق ذاته وعلى حساب حقوقنا وحريتنا ووجودنا العريق في ارض أبائنا وأجدادنا.... في ارض العراق .
لقد أصبحنا ضحية صراع الكتل السياسية الكبيرة وسحقنا بين مطرقة الكرد وسندان العرب لكن المذنب الوحيد هو نحن ومن أوصلنا لما نحن عليه هو بعض المنافقين المتملقين والمستنفعين من الذين يعتبرون أنفسهم مسيحيين او كلدان سريان آشوريين لقد كنا ضحية الكثير من السياسيين المسيسين الذين استبدلوا حقوقنا بمناصب ومكاتب فخمة لأحزابهم المدعومة بأموال الغرباء كما أصبحنا لعبة بأيدي رجال الدين الأنانيين الذين لا يحسبونا الا مجرد رقم يجمعوه لمصلحة الغير فيحمون كراسيهم على حساب حريتنا ومصالحنا كأبناء العراق الكبير وكأبناء أصلاء فيه لنا ما للجميع
من حقوق وعلينا ما على الجميع من واجبات .
لقد كانت هذه جولة من الصراع الدامي وقد كنا نحن كأبناء امة آشور اكبر الخاسرين فيها وقد حصلنا على خسارتنا بامتياز وبجدارة , لكن الصراعات لم تنتهي والجولات القادمة هي أكثر بكثير من الذي مضى وعلينا أن نتعلم من دروس هذه الحياة القاسية. وأن كنت اشك كثيرا بان نتعلم شيئا من خسارتنا طالما هناك فينا من لا يود الاعتبار من دروس الماضي وطالما هناك فينا من يستبدل الأرض بالمال ويرمي بحقوقنا مقابل منصب معين أو كرسي كنسي مدعوم بسلطة سياسية ليتربع عليه محولين أبناء امتنا الأحرار إلى توابع مذلولين مسيرين فمصيرنا سيكون كما الأمس وكما اليوم نقدم
غيرنا خطوة ونتأخر نحن عشرة . إذا لما الحزن والغضب من جميع الأطراف الخارجية طالما المرض فينا والداء ينبت في عقر دارنا وعلة التملق والتبعية والعبودية تسير بدم الكثير من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري , صدقوني نحن لا ندفع إلا ثمن تبعيتنا للغريب وتكبيلنا لحريتنا ....... وليس أكثر من هذا
جوني خوشابا الريكاني
9 / 11 /2008
تلكيف