إيران محمود احمدي نژاد الديمقراطية الكسيحة !!
مثل الفوز المبرمج سلطويا للرئيس الايراني المتشدد محمود احمدي نژاد ضربة قاصمة لقوى الإصلاح السياسي الإيراني والقوى الديمقراطية في المنطقة التي تحاول الخروج من حالة الخوف المقلق لحرب إعلامية وسياسية يقوم بها الطاقم المحافظ المحيط بالرئيس الإيراني الذي يجهل بكل بساطة ألف باء السياسة وكيفية إدارة الأزمات .وفوز الرئيس الإيراني كان أمرا محتوما وقدرا لابد منه في ظل وجود نظام شمولي قائم منذ 30 عاما في إيران التي تعاني من هيمنة رجال الدين على السلطة في بلد تتناوشه أزمات اقتصادية وسياسية ، وصعود لنبرات قومية لبعض الاثنيات الإيرانية الثمان التي تشكل المجتمع الإيراني المتعدد القوميات .
ولا جدال في فوز محمود احمدي نژاد لعوامل عدة تشكل القاعدة الرئيسية لأي نظام شمولي مثل النظام الثيوقراطي الإيراني . فقد شكل النظام الإيراني قواعد وأطراف سياسية يلجأ إليها دائما في حالة السلم والحرب وفي المناورات السياسية أيضا . حيث يشكل الجيش ( العقائدي ) المبني على الخصوصية الدينية الحارس الرئيسي للنظام بينما يقوم الحرس الثوري ( سپاه پاسداران ) بمهمة الظهير الأول والداعم الأساسي والمراقب الحقيقي للجيش وتحركات كافة ضباطه ومراتبه . ثم يأتي دور قوات التعبئة الشعبية ( پسیج ) التي تتغلغل بين الجماهير ووسطها في المحلات والأماكن العامة والدوائر الرسمية وشبه الرسمية والمعامل والأسواق كونها العين الساهرة دائما لمراقبة أعداء السلطة الشمولية بسبب من عدة مغريات يقدمها النظام لقوات البسيج التي تتألف من خليط غير متجانس من رجال امن ومخابرات وأبناء وآل الشهداء في الحرب الكارثية التي أشعلها النظام البعثي المنهار مع إيران خاصة من الشيوخ ومتوسطي العمر والشباب الذين يتمتعون بمزايا خاصة لا تطال المواطن العادي حيث تنعم عليهم السلطة الشمولية دائما بهباتها التي تكون على شكل كوبونات لمواد غذائية أو سجاد أو ثلاجات وبسعر الكلفة تقريبا . ثم هناك حزب الله ومن يدور في فلكه داخل إيران ومن ينضم داخله والغالبية العظمى فيه من النساء اللاتي يكون دورهن دائما كدور شرطي النظام في الشوارع والمراكز الرسمية والأماكن الحساسة . ولفيلق القدس الذي يتبع في قيادته رأسا للسيد الخامنئي وبأشراف وقيادة العقيد قاسم سليماني الذي لديه مهمتين مزدوجتين حيث تم تشكيل فيلق القدس الإيراني في أواخر زمن المرحوم السيد الخميني بهدف مطاردة الشخصيات والقوى المعارضة داخل إيران وخارجها، وتغيرت وظائفه وحدود مسؤولياته خلال السنوات الأخيرة، بحيث أصبح اليوم مسؤولاً عن شؤون العراق وأفغانستان والبلدان العربية والإسلامية في ما يتعلق بالحرب غير المباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية ، والمهمة الثانية لفيلق القدس هي الدور الكبير في دعم وتشجيع وتمويل العديد من القوى الإرهابية المساهمة في إشاعة الإرهاب والموت المجاني في العراق ومن تلك القوى ( جماعة القاعدة الوهابية ) المعادية فكرا وعقيدة للشيعة بحجة مقاومة الأمريكان ، وذكرت بعض المصادر أن عدداً من المعتقلين السعوديين في العراق المنتمين لما يعرف بـ "القاعدة في بلاد الرافدين" أو "الدولة الإسلامية في العراق" اعترفوا بأنهم تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات يشرف عليها عناصر من فيلق القدس، وهو الذراع الاستخباراتي لحرس الثورة الإيراني.وتعززت تلك المعلومات ( باعترافات سعوديين آخرين منتمين للقاعدة اعتقلوا في بلاد أخرى أكدوا الأمر نفسه وذكروا أن التدريبات كانت على أيدي عناصر من القاعدة في هذه المعسكرات بإشراف عناصر من هذا الفيلق متواجدة على الأراضي العراقية، مضيفة أن الذين يدربونهم من عناصر القاعدة كانوا قد أتموا تدريباتهم في معسكرات على الأراضي الإيرانية).
ثم إن هناك دور رئيسي لمخابرات آيات الله العظام التي تتمركز قيادتها في مدينة قم وتحت قيادة إمام جمعة قم آية الله احمد جنتي ، وهي قوى عنكبوتية ضارية ومتشعبة ومتداخلة مع معظم أجهزة الاستخبارات الإيرانية المتعددة ، لأن لكل طرف أو جهة ذكرناها أنفا مخابراتها الخاصة علاوة على أجهزة الأمن المركزية التابعة لكل من وزارة الداخلية ووزارة الأمن ، وكافة رجال الدين الحوزويين وتوابعهم من طلبة العلم الديني . والعدد التقريبي لرجال الدين من لابسي العمامة في إيران يقارب المليونين شخص منهم 250 بمرتبة آية الله عدا عن طلبتهم من الجنسين ، وعدد غير معروف من الدعاة الإناث ممن يحملن درجات علمية دينية ومراكز رسمية حساسة خاصة داخل المؤسسة الرسمية العسكرية الحرس الثوري وتوابعها من إدارات اجتماعية ومؤسسات صناعية وصحية .
من كل هذا نخرج بحصيلة تامة هي ما يقوم به أي نظام شمولي في تامين الحماية الخاصة للنظام أولا وبالتالي تنفيذ كل الأغراض السياسية أيضا من خلال هذه الأجهزة الأمنية والاستخبارية وتوابعها ، وتأتي الانتخابات الرئاسية على رأس تلك المهام فالملايين المنتمية لهذه التنظيمات الرسمية تصوت بدون شك للجانب الذي يشكل مصلحة رئيسية لها ولأنها تعرف بان وجود النظام الحالي هو الوسيلة الوحيدة لديمومة تسلطها هي والحصول على المنافع الشخصية لها .
ورغم وجود ملايين أخرى تقف متأهبة في الشارع الإيراني لرفع صوتها محتجة على الدور الحكومي الذي قادتة مخابرات كل الأجهزة السابقة التي ذكرناها في اعادة انتخاب الرئيس الايراني محمود احمدي نژاد التي تسيطر على الشارع الإيراني وتتحكم بمجرياته والتي تقع بيد حفنة من الرجال المسيطرين على مقاليد السلطة في إيران من قيادات الحرس الثوري والپسیج وفيلق القدس وقائد القوات المشتركة ويقف على رأسها آية الله الخامنئي ، لكن الدور الرئيسي في عملية التغيير أو الإصلاح السياسي يبقى دائما بيد جماعة المدرسين في المدرسة الفيضية في مدينة قم والتي تأسست في العهد الصوفي ، والمؤسس لحوزة قم العلمية آية اللَّـه الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي (1276-1355هـ) الذي نزح من مدينة يزد إلى مدينة أراك في عام 1316هـ وأقام في هذه المدينة عدة سنوات. انتقل بعدها إلى مدينة قم التي وضع فيها حجر أساس الحائري انتقلوا معه من أراك، وكان الخميني من بين هؤلاء التلاميذ وكذلك آية الله محمد رضا الگلپایکانی وكذلك آية الله العظمى الشيخ محمد علي الآراكي . لكن حتى هذه المدرسة أي الفيضية تقع الآن قيادتها والمدارس الدينية الأخرى في إيران بيد رجال الدين الموالين للسلطة الحالية في إيران .
وقد أدرك الرئيس الإيراني محمود احمدي نژاد الدور المهم والخطير للحوزات العلمية في إيران فعين مستشارًا لشئون علماء الدين والحوزة العلمية وهو حجة الإسلام والمسلمين مصلحي حيث انطلقت الثورة الإيرانية بقيادة المرحوم الخميني من المدرسة الفيضية ذاتها وتوسعت من بعد ذلك . وقد أدرك رضا شاه بهلوي مؤسس العائلة البهلوية في إيران الدور الخطير للمدارس الدينية فاهتم بتوسيع الجامعة والمدارس الرسمية بالضد من الحوزات الدينية .
لذلك تم اختيار أقوى وأشرس شخصية دينية لإمامة جمعة قم وهو آية الله الشيخ احمد جنتي ووضع كافة الإمكانيات الأمنية بيده للحفاظ على المؤسسة الدينية وإدارة دفتها مخابراتيا من على البعد .
فهناك العديد من المؤسسات والمدارس العلمية يزيد عددها على 60 مؤسسة ومدرسة في مدينة قم منها: المدرسة الفيضية : وتعتبر مركز إدارة الحوزة العلمية في قم ويعود تأسيسها إلى العهد الصفوي ، وجامعة دار الشفاء : تأسست في العهد القاجاري واتسعت في عهد الإمام الخميني وأصبحت جامعة كبيرة ، ثم المدرسة الحجتية : أسسها الفقيه الراحل السيد محمد حجت وهي مخصصة حالياً لدارسة قسم من الطلبة غير الإيرانيين وتعتبر المركز العالمي للدراسات الإسلامية ، فالجامعة المعصومية : وهي من المشاريع الحديثة الضخمة التي تم البدء في بنائها سنة ( 1983 م) ، ومدرسة آية الله الگلپایکانی : وهي من المشاريع الحديثة وتضم معهداً لعلوم القرآن ، فمدينة العلم : وهي من أضخم المشاريع العلمية ـ السكنية في قم ، وجامعة الزهراء : وهي مدينة جامعية حديثة خاصة بالنساء تأسست تحت إشراف الإمام الخميني ، فجامعة الصدوق : وهي اكبر مدينة جامعية حديثة في قم تحتوي على 6 مؤسسات جامعية ، وأخيرا جامعة المفيد : وهي مشروع جامعي حديث وكبير أيضا ، وهنالك معاهد ومؤسسات ومنتديات ومجامع علمية أخرى تابعة للحوزة وهي متخصصة في مجالات عديدة كالتبليغ والبحث... الخ .
ومع كل تلكم المؤسسات التي يخيف فقط اسمها المواطن الإيراني العادي وخاصة المؤسسات الأمنية التابعة لـلحرس الثوري ( سپاه پاسداران ) ، واخص بالذكر مركز مكافحة مشوهي الثقافة * ( پاسکاه ضد تهاجمی فرهنگی ) التي تزرع الهلع في النفوس عند ذكر اسمها فقط للسامعين ، فقد تحرك الشارع الايراني وبقوة وزخم هائل نتيجة عوامل عدة فجرها حادث التزوير للانتخابات الرئاسية وخاصة الوضع الاقتصادي المزري الذي تعيشه دولة تمثل شبه قارة مثل إيران لديها امكانيات اقتصادية هائلة كتوفر الاراضي الصالحة للزراعة في مناخ يوفر للزراع الاستفادة من اربع فصول في وقت واحد حيث تتمتع اقاليم ايران بمناخات متعددة حيث يتميز المناخ في إيران بأنه جاف أو شبه جاف، ويمكن تقسيم المناخ بها تبعاً للمناطق الجغرافية إلي ثلاثة مناطق رئيسية: منطقة الساحل الجنوبي وهي شديدة الحرارة وذلك عبر الخليج العربي وخليج عمان، ومنطقة المرتفعات الوسطى والمناخ بها معتدل جاف، بينما في المنطقة الشمالية عند جبال إلبرز فالطقس شديد البرودة، أما ساحل بحر قزوين فهو معتدل الحرارة وغزير الأمطار. وتبلغ نسبة الأمطار السنوية في الدولة حوالي 12 بوصة، وفي المناطق الصحراوية تكون فقط حوالي 5 بوصة، في حين تكون حوالي 50 بوصة في سهل بحر قزوين. هذا اضافة للثروات الطبيعية المتوفرة فيها مثل النفط والغاز الطبيعي وعدد من المعادن مثل الفحم، الكروميت، النحاس، الحديد، الرصاص وغيرها الكثير من المعادن الأخرى .
وتشكل الصناعات الحديثة كتجميع السيارات ومختلف الاجهزة الكهربائية والصناعية موردا اقتصاديا مهما ، مع صناعة سياحية دينية لوجود مزارات دينية في كل من قم ومشهد وطهران ومدن اخرى .
والحديث الذي يجري بين العديد من مراقبي الوضع السياسي الايراني عن امكانية حدوث تغيير في الوضع السياسي الايراني ، او حلحلة الوضع الحالي لوضع سياسي يتقلص فيه دور المؤسسات الرسمية العسكرية الدينية والسياسية!! . لكن الظاهر ان كل امكانيات وجماهير المعارضة الوطنية التي يقودها السياسيون الاصلاحيون الذين خرجوا من رحم الثورة الاسلامية الايرانية وقسم كبير منهم خرج من تحت عباءة السيد الخميني كمرشح الرئاسة ورمز المعارضة الشعبية الحالي مير حسين موسوي رئيس الوزراء في عهد السيد الخميني واحد المرافقين له في طائرة أيرفرانس التي أقلته يوم 22 بهمن من باريس حيث كان يقيم في ضاحية نوفل لو شاتو الباريسية لمطار مهرآباد في طهران ، واول وزير للخارجية في اول حكومة للدولة الاسلامية التي شكلها المهندس مهدي پزرگان رئيس حزب حرية ايران ، واحد تلاميذ ومرافقي السيد الخميني والذي تم اعتقاله أيضا وهو ابن مدينة رئيس الجمهورية الإصلاحي السابق واحد المساندين للمرشح مير حسين موسوي ابن مدينة يزد إبراهيم يزدي، كل هذه الإمكانيات لا تفي بتغيير الواقع والصبغة الرسمية للسلطة الإيرانية فقد قال في احد المرات صاحب اشهر برنامج في التلفزيون الإيراني آية الله قراءتي عند سؤاله من قبل احد الحضور : متى يترك الآخوندية ( الملالي ) السلطة ؟ ، قال : في السابق كان الآخوند يركب المتوفر لديه كوسيلة للنقل وهو الحمار وليس باستطاعة أي كان ان ينزل الآخوند من على حماره ، فكيف به الآن وهو يركب مرسيدس ؟!!! .
وسوف تحاول السلطة الحالية تصدير مشاكلها للخارج وفق نظرية ( حرب على الخارج حرب على الداخل ) لتستطيع تغطية بعض من فشلها في ايجاد حلول لمشاكلها الاقتصادية والسياسية ، وإقلاق راحة الامريكان في المنطقة وخاصة العراق لايجاد موقع تفاوضي تتم التسوية من خلاله لمشاكل التسلح النووي الايراني .
• مركز مكافحة مشوهي الثقافة : يعتبر من أشرس واهم المراكز الأمنية التابعة للحرس الثوري ، وهي توازي عمل
( مرسوم مكافحة الأفكار الهدامة ) التي كان مهمتها قمع الفكر الماركسي زمن الملكية في العراق . وقد تم اعتقال كاتب السطور من قبل أفرادها بعد مداهمة مسكنه في مدينة قم العام 1994 وظلت أجهزتها الأمنية تطارده حتى بعد أطلاق سراحه بجهود مكثفه من بيت آية الله الگلپایکانی وشاركتها أجهزة الأمن العامة حتى خروجه هاربا من إيران .
* فيينا - النمسا
www.alsaymar.org