Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

إيضاح حول ما ورد في كتاب "آمالي السيد طالب الرفاعي" لمؤلفه الأستاذ رشيد الخيون

 

 

 

 

 

دار مدارك للنشر – مارس (آذار) 2012

 

د. كاظم جواد شُبّر/ لندن

يذكر المؤلف في الصفحة 185 أنني كنت مُسايراً للشيوعيين، وذلك نقلاً عن السيد طالب الرفاعي. ويضيف الكاتب نقلاً عن الرفاعي أنني كنت "منساقاً مع التيار، إلا أنه أنقلب فيما بعد".

قبل كل شئ، يجب أن نتذكر الفترة موضع الحديث، فهي الأعوام 58 الى 60 من القرن الفائت، أي غداة الإطاحة بالحكم الملكي ولحين سفري الى بريطانيا لغرض الدراسة أواخر العام 1960. تلك الفترة وُصفت من قبل البعض بحقبة "المّد الأحمر" نظراً لبروز الحزب الشيوعي كقوة كبرى في الشارع العراقي.

والحقيقة هي إن تصاعد نشاط الفصيل اليساري (الحزب الشيوعي، الحزب الوطني الديمقراطي، حزب البعث وغيرهم) سبق حركة 14 تموز للعام 1958، إذ كانت هناك عوامل مؤثرة تولدت عنها تلك الظاهرة، أبرزها إستشراء الإعتقاد بأن الحكم الملكي كان متأثراً بقوة بتوجيهات الغرب (خصوصاً بريطانيا) وأن مصالح البلد العليا لم تكن تراعى من قبل الفئة الحاكمه. يُضاف الى ذلك الغياب النسبي للفكر الإسلامي النشيط والمعاصر لمقارعة التيارين الرئيسيين أبان تلك الفترة، وهما الفكر الماركسي والفكر القومي العروبي.

ثم هناك النشاط الدوؤب لتيار اليسار في تنظيم الشباب والتأثير عليهم عن طريق المدارس والفعاليات الرياضية واللقاءات الإجتماعية والشخصية. ولكل هذا تأثرت أنا شخصياً بذلك التيار وصرت موالياً له إنطلاقاً من شعور وطني طافح يروم الإصلاح ويهدف لإيجاد حلول ناجزة لمشكلات الأمة، خصوصاً خنق الحريات الأساسية ومظاهر الفقر والتخلف وإستغلال السلطة من قبل بعض السياسيين. ونحن نتحدث هنا عن شاب  في العقد الثاني من العمر (الإعوام 12، 13، 14، 15، 16).فحينما بلغت السادسة عشرة (العام 1960) تركت العراق الى بريطانيا بهدف الدراسة، وهناك شاهدت عالماً آخراً وتصارعاً عجيباً للآراء والأفكار والتيارات، الأمر الذي دفعني لتعديل آرائي السابقة والتخلي عن الأفكار الماركسية.

ولم يكن سفري الى بريطانيا العام 1960 يهدف للتخلص مني جراء الآراء التي كنت أحملها آنذاك. فمنذ الصغر، كان الوالد الشهيد يُعرب عن رغبته بأن أذهب الى خارج العراق لغرض الدراسة. فمن حيث الأساس، كان الوالد الشهيد حنوناً أشد الحنان على أفراد أسرته وساهراً على أحوالهم وعافيتم وتقدمهم في الحياة.

وكما هو معروف، كانت مواقف وأراء الوالد الشهيد مناهضة للفكر الماركسي، إستناداً على أساس مبدئي وعقائدي، لاسيما وأنه كان خطيباً بارزاً يُشار اليه بالبنان. فقد كان المعروف أن الفكر الماركسي – الليني يُنكر وجود الخالق، ولهذا فلم يكن سهلاً على الوالد الشهيد أن يرضى بأنتشار الماركسية لما تحويه من تعارض مع الثقافة القائمة خصوصاً الإيمان بالله الواحد الأحد والرسالة المحمدية والقرآن الكريم وسيرة الأئمة الأطهار. ولم يعتد الوالد الشهيد على كتم آرائه أو محاباة السلطة، حتى أنه كان ينتقد بعض المظاهر السياسية والإجتماعية قبل انقلاب 14 تموز، ليس فقط أثناء أحاديثه الخاصة ولكن من على المنبر الحسيني أيضاً.

ولذلك فأن إهتمامه الخاص إزاء فتوى حرمة الشيوعية التي أصدرها الإمام السيد محسن الحكيم (قدس سره) وبقية المراجع آنذاك كان أمراً طبيعياً. غير أننا نعلم الآن وبكل جلاء أن حزب البعث (الذي كان ضعيفاً وصغيراً في حينه) ربما كان أول المستفيدين من تلك الفتاوى. وليس من شك في أن الفتاوى تلك جاءت تحت ضغوط معينة ولتحقيق أغراض محددة، وهي عبرت عن موقف سلبي للتيار الإسلامي الضعيف آنذاك عوضاً عن نهوض هذا التيار بدور إيجابي رائد في توجيه الحركة السياسية للمجتمع ومناقشة التيارات الفكرية المنافسة من موقع القوة والريادة.

فحينما نستعرض مجرى الأحداث طوال العقود الأربعة التي تلت صدور التفاوي نجد أن الحزب الذي أنتزع السلطة في العام 1963 وثانية في العام 1968 كان هو المنتفع في المقام الأول، رغم أنه سجل أرقاماً قياسية من حيث الظلم والإستبداد وإستغلال السلطة على نحو لايقبل المقارنة مع ماقام به الشيوعيون خلال الفترة 58-63.

ولهذا فأنها واحدة من مفارقات الزمن أن يتعرض الوالد الشهيد الى السجن والتعذيب ومن ثم القتل المروع من قبل من أستفادوا من عدائه للشيوعيين. فعلى الرغم من الحرب الكلامية بين الطرفين (الوالد الشهيد والشيوعيون) أبان "المد الاحمر" لم يصل الأمر الى الإعتداء الجسدي أو الإعتقال أو التعذيب، بينما بلغ الأمر الى هذا وأكثر حينما لم يوافق الوالد الشهيد على محاباة سلطة البعث أو السكوت عن الجرائم الوحشية واللانسانية التي شهدها إبتداءاً من قيام حركة 17 تموز 1968.

ولنا هنا أيضاً درساً بلغياً في سيرة الصدر الأول (الشهيد السيد محمد باقر الصدر) الذي آثر عدم إصدار أية فتوى من هذا اللون. إلا أنه أنبرى لشرح تفاصيل المذهب الماركسي والمذهب الرأسمالي، مع مقارنتهما مع البديل الإسلامي. فقد طرح الشهيد الصدر الأول كل ذلك في مؤلفاته القيمة التي ستبقى نوراً ناصعاً يستضيئ بها المؤمنون حتى قيام الساعة.

 

كاظم جواد شُبّر

أيلول (سبتمبر) 2012 - لندن

Opinions