ابتهالات فاطمة الزهراء بنيس في: ( بين ذراعي قمر )
مَنْ لي بشجاعتِكَ يا سيزيفُلأرفعَ هذا الحِمْلَ الثقيلَ ؟
( شارل بود لير )
استشهادٌ تفضلّهُ (فاطمةُ الزهراء بنيس ) ليكونَ مقدمةَ ( بينَ ذراعيْ قمر ) : مجموعتها الشعريّة الثانية التي شذّبتْ ما كانَ مختبئا و صريحا في ( لوعة الهروب ) . أقصدُ أنّ الصوتَ الشعريّ الثاني يقولُ كلمتَه واثقاً من جماليّة الشعر فيه , الشعرُ هنا يرفضُ الإبقاء في داخله العقليِّ , بل ينطلقُ لمعانقة العالم ِمن خلال ثقافة ( بنيس) , هذه الثقافة التي تمتصُّ الشعرَ العربيَّ , والفرنسيّ ليكونَ ( بينَ ذراعيْ قمر ) طلقاً يحدُّه عُمْقٌ صوَريٌّ منهالٌ على حالات فاطمة التي تحتفي بالطفولة و الذكريات و الجمال .
الشعرُ هنا يتشكّلُ من خاماتِ حياة بنيس الصوفيّة هادفةً إلى ما لا يقولُه العالمُ الخارجيُّ , إنه الصوتُ الغوريُّ , لا يشبهُ الصوتَ الصوفيَّ, بل هو نفسُه , هل دَرَسَ أحدٌ المجموعة من هذه الناحية الصوفية ؟ للدارس خياراتٌ في تناولِ النصّ( نص بنيس) من حيثُ يشاء , وقد يكونُ تناوله من حيث ( الشكلُ و الخطابُ) أجدى الخيارات , وذلك ما تقوله المجموعة التي تبتهجُ بشكل الكلام على الصفحة , حيث تكونُ حرية الكلماتِ و الشاعرة و القارئ أكثرَ استمتاعاً ولذة , ما أقصدُه بالشكل و الخطاب , هذه العلاقة الملتحمة بينهما . و القليلة الحضور في النصوص العربية , إذ كيف تكتبُ ( بنيس ) كلمة ( تطايرتْ) التي تدلُّ على هذا الفعل دون أنْ تهجّيَها بطريقة توحي , بل تُشَاهدُ و تُرَى كفعل الطيران العمليّ . الكلمة مهجّاة و متقطعة :(تَ ... طا ... يَ ... ر ... تْ ) . بنيس تحسُّ أنّ الكلمة لنْ توحيَ إلا بتهجئتها بطريق الشكل الذي كتبته به . أتيتُ بمثال لأُعلمَ أنّ ثمة الكثيرَ مِنَ الكلمات لها نفسُ التوتر و التقطيع . من هنا يأتي ( الشكلُ و الخطابُ ) فعالاً في هذه المجموعة .
لا يأتي الشكلُ و الخطابُ في أيِّ نصٍّ ما لم يمتهنْ كاتبُه سبلَ و معاناة الكتابة , فيصلَ الأمرُ بالنص إلى أقصى حالات التجريب الذي لم يعدْ شعراً , بل يتجاوزه ليصلَ إلى ( الابتهالات).
فاطمة تبتهل : وفي الابتهال تزدحمرُ الصورُ حتى يُخيّلَ لمتابع ( بين ذراعي قمر ) بأنه هو المقصودُ , أو بأنه هو المبتهلُ لا الكاتبة التي تجتهدُ لجلب القارئ .
عند (فاطمة ) , كما عند المتصوفة , تتوالدُ الصورُ و الاستعاراتُ , حتى أنّ القارئ يضيعُ في ( غابة الصور و الرموز) .
alanabda9@gmail.com