Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

"ابراهيم اليوسف ليس ابراهيم اليوسف"

هذا العنوان الفوضوي ما تترجمه الحياة ( الصاخبة العنيفة و الفوضوية ) التي لا يعانيها اليوسف فقط , بل المنطقة برمتها , واليوسف جزء من عينة ثقافية , أقل ما يقال عن هذه العينة أنها أنارت و تنير دروبا مظلمة لا يهتدي فيها أحد . و هل بقي أحدٌ عندنا حتى يهتدي ؟ سأجعل من سفر اليوسف مناسبة للحديث . السفر يعني الابتعاد عن الأهل . وتركهم للذئاب .
-1- لا أعني بالسفر أنّ شخصا ما أراد السفر بكل أريحية. و دون سؤال أو جواب. بل السفر ( الهروب ) من الحياة التي باتت أشد سوادا من أية مفردة لا تتسعها قواميس الأرض . أقراُ هذا السفر بكثير من الدقة : إبراهيم اليوسف شاعر سليط اللسان و ذربه يقض مضجعا مريحا .. ناعما. و مرتزقا . فكيف السبيل إلى إبعاده ؟. ثمة طرق للإبعاد . إما أن نخطفه. و أصبحت للخطف عادة . أو أن نضيّعه . و أصبحت للتضييع عادات . الطريقة الأسهل لإبعاده هي: أن يسافر إلى أرض الله الضيقة. الواسعة . دون سؤال أو جواب . في هذه الحالة الأخيرة لن يسأل أحد عنه . لأن اليوسف بكامل قواه العقلية و الجسدية و بملء إرادته أراد السفر . فسافر . فلن تكتب عنه الصحافة البائسة . و المواقع الأكثر بؤسا منها . ماذا كان يفعل اليوسف في القامشلي . وهذه إحدى إسراره البيتية , يعرفها المقربون منه. بالتدقيق : هاتفه المنزلي مقطوع منذ شهور عدة . خط هاتفه الجوال ليس له . هاتفه ليس له . قميصه الصيفي القديم الذي يلبسه شتاء جزراويا قاتلا . هذا القميص استعاره من أحد ما . كل أدوات منزله لا يملكها هو . حاسوبه مستعار , خط ( النت ) البطئ ( بل الميت ) و السيئ الصيت عندنا تم وصله بسلك رفيع من بيت أخيه إلى بيته بالسرقة . و لن أتحدث عن تراكم فواتير الماء و الكهرباء . و لا يستطيع خمسون شخصا أن يسددها. بقي شيء وحيد يجب التصريح به : أن اليوسف لا يمتلك نفسه . هذه حقائق . إن صدقها الآخرون أو لم يصدقوها . قبل أيام من سفره جاء إلى عامودا ( الميتة ) ليودع بعض الأصدقاء. وكنتُ منهم . طوال جلسته الساعية لم يتكلم إلا سؤالا واحدا عن ( حمدو ) . لم أجاوبه . كنت أقرأ الجنازات ( لا الأحزان فقط ) في حركات و سكناته . و هدوئه القلق .
-2- الذئاب التي تركها اليوسف وراءه ذئاب ليست كالذئاب . لا لأنها لا أمان لها فقط اليوم . بل لا أمان لها في الغد و بعد الغد . إن سمعت أن بيوتا تم ابتلاعها. لن أتفاجأ أبدا . فالبيوت بُنيت لا للراحة و الاستمتاع والقراءة و التأمل . بل ليقف شخص غامض لا وجه له في الزاوية الشمالية للمنزل . و ذئب آخر أكثر شراسة من الأول يتربص بفريسته ( و هنا الفريسة لحم ودم مر كمرارة سنوات الحرمان ) كيف سيعيش اليوسف وحالته هذه .
لن أتفاجأ إن سمعت أن أولاده سيتركون منزلهم ليعيشوا في العراء نتيجة ضغوط ما .
-3- هذه عينة لمثقف مهاجر. و هو آخر المهاجرين حتى الآن. لكن من بقي عندنا ؟ من بقي لنا الكثيرون . من يرتزق بشعار . ومن يرتزق بفكر . ومن يرتزق بمقال يكتبه عن شخص ثري . من يرتزق بحوار سخيف . ومن يرتزق بقصيدة أسخف . ومن يرتزق بكتابة قصة أكثر سخافة . ومن يرتزق بمنشور . إبراهيم اليوسف لم يمارس هذه المنكرات . قلتُ في رسالة لمحمد عفيف أن إبراهيم اليوسف سافر , قال لي : ( كان يجب أن يسافر منذ زمن ) . قبح الله زمنا لا يُعتمد عليه . ولا على أهله. بتنا نكره المثل الذي تعلمناه مدرسيا: (ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ). عن أي أمل رذيل يتحدث هذا البيت. .
لا أريد سيوفكم . alanabda9@gmail.com




Opinions