اختزال الديمقراطية
يحاول المتنفذون في العراق تشويه الديمقراطية عبر اختزالها الى بعض الحقوق السياسية فقط، وأصبحت حدودها في مفهوم اغلب المواطنين لا تخرج عن العملية الانتخابية وحسب، يمارسون دورهم من خلالها، في اختيار من يمثلهم، بدوافع وتأثيرات مختلفة، فيما يستمد منها المتنفذ شرعية بقائه في الحكم أربع سنوات، يمارس فيها سلطاته بالطريقة التي تروق له ولحلقته الصغيرة من المقربين. وبالمقابل لا يلتفت الى الوعود البراقة التي أطلقها إبان حملته الانتخابية، والتي غدت كأنها هواء في شبك، ما أسفر ذلك عن ندم المواطنين على مشاركتهم فيها، وسرعان ما عبروا عن خيبة أمل كبيرة، من أداء الذين انتخبوهم، ووضعوا ثقتهم فيهم، من خلال الاحتجاجات المتنوعة التي شملت اغلب محافظات العراق، التي شاركت فيها شرائح متنوعة من الشعب العراقي وبزخم جماهيري كبير.لقد التف المتنفذون، على متطلبات الديمقراطية وحقوق المواطن السياسية، فلم تكن النقابات وحدها التي عانت من تدخلات السلطة، وليست هي المؤسسات المستقلة فقط، كانت بمنأى عن تأثيراتها، بل غدت موضوعة تأمين الحق في طلب إجازات تسيير الظاهرات، وتنظيم الاعتصامات تواجه معوقات كثيرة لا مبرر لها، في مخالفة صريحة للدستور، الذي ضمن حرية المواطن في التعبير عن أرائه بالإشكال والطرائق السلمية.
ويبدو ان هناك استعارة من تراث أنظمة " العالم الثالث " حيث أحكام الطوارئ، فضلا عن التبريرات الجاهزة التي اعتادت تلك الأنظمة من إطلاقها، مثل " المصلحة العامة "، و "العدو الخارجي "، و "الحذر من ان تستغل من قبل قوى الإرهاب "، و " تقوية الجبهة الداخلية " .... الخ، هذه الحجج التي تهدف الى إخفاء الرفض الشعبي للأنظمة التي لا تستجيب الى مصالح المواطنين، فهي وان شكلت متراسا لحماية للأنظمة الى حين، فإنها في نفس الوقت عملت على تقويض أي فرصة لتأمين الحريات السياسية.
لا يمكن إنكار الحقوق السياسية وأهميتها للإنسان وانعكاس ذلك على تنمية سلوك وطني ديمقراطي مشارك في القضايا العامة، حيث تعد هذه الحقوق، الى جانب قضايا أخرى، من الحاجات الأساسية للإنسان، وحريته. لكن المواطن يحتاج، الى جانب ذلك، تأمين الخدمات الأساسية المتعلقة بمعيشته وحياته، من توفير الكهرباء والماء الصالح للشرب، وفرص العمل، والتعليم المجاني لكافة المستويات، والطبابة والعلاج المجاني.
وإذ تمكن مكر السياسيين، من التفريق بين أبناء الشعب العراقي عبر انتهاج الطائفية، وترسيخ المحاصصة، فان حاجات المواطنين للخدمات وأهمية توفيرها قد وحدتهم، في حركة مطلبيه واعدة، متنوعة الأساليب ومتعددة الوسائل. وحدت العراقيين في تأبين شهيد الحركة المطلبية، الشهيد المظلوم "حيدر داود سلمان" الذي غدر به دون ذنب سوى ممارسة حقه بإرادة وعزم وشجاعة بالاحتجاج على نقص الخدمات، وكأنه يقول: سبع سنوات مضت، ونحن ننتظر وعود التنمية والإعمار والبناء، لم تقدموا الممكن وما نستحق، لقد أسكرتكم نشوة السلطة، وأغرتكم امتيازاتها، وأبعدكم النفوذ عن ناخبيكم، ان ديمقراطيتكم ناقصة دون تأمين حاجات المواطن المعيشية والحياتية، لا ديمقراطية بدون حرية المواطن وكرامته الإنسانية.