اربيل آخر عاصمة آشورية
مقاطعة حذياب والتي كانت عاصمتها مدينة اربيل القديمة. سماها العرب حزّة ولعلها اختزال وتحريف من حذياب. وقبل العرب أطلق الفرثيون والماديون عليها أديابين الاسم المشتق من حذياب. وسموها آتوريا (Aturia) ايضاً. وهو اسم مشتق من آشور والاشورية دون شك. وقد ذكر اسم اتوريا المؤرخ سترابون عندما تكلم عن آشور كبلاد حيث قال: ".... نينوس الذي بنى نينوى في سهل اتوريا" وجاء على لسانه كذلك: ".... وان حدود آتوريا تمتد الى المناطق المحيطة باربيلا..." .
هذه المقاطعة وحسب الاشورية المسمارية kalamma (اقليم) تشكل مثلثاً محصوراً بين الضفة الشرقية لدجلة من الغرب والزاب الاسفل (zabu šaplu باللغة الاشورية المسمارية) من الشرق، أما قاعدته فتقع شمالاً عند جبال زاكروس وطوروز والعقدة الجبلية في المنطقة الحكارية.
• اربيل قبل سقوط الدولة الاشورية
هذا الاقليم الخصب والعامر، سكنه الانسان منذ العصر الحجري القديم ومع زيادة عدد البشر وتدجين الحيوان واستنباط اسلوب الزراعة، صار فيما بعد مركز بلاد آشور القديمة (الام) وبعدها المثلث الاشوري الذي تقع فيه العواصم الاشورية الاربعة، نينوى، كلاخو، دور شاروكين واربائيلا أي مدينة الالهة الاربع. بالاضافة الى مدينة آشور القديمة والمركز القومي الاشوري الاول والتي تقع على الضفة الغربية لدجلة. والتي بنى الملك توكلتي ننورتا الاول (1260ـ 1230) ق.م وفي السهل الفسيح الممتد مقابلها وعلى الضفة الشرقية للنهر، عاصمته الشهيرة كار ـ توكلتي ـ ننورتا. ومازالت آثارها شاخصة للعيان. هذا الاقليم الاشوري القديم يقسمه الزاب الاعلى والذي سمي بالزاب الكبير (zabu rabu) الى شطرين متساويين تقريباً.
ان اسم اربيل قديم جداً وقد جاء بصيغ عدة مع مرور الزمن. اذ ورد في كتابات الملك السومري شولكي (2000) ق.م بصيغة ( urbilum) وفي النصوص الاشورية والبابلية ورد بصيغ اربيلا واربيلو واربل...الخ. هذه المدينة الواقعة وسط المسافة بين الزابين، تتميز طبيعة الاراضي المحيطة بها بالمتموجة وذات امطار تكفي لنمو الحبوب البرية والمدجنة في أغلب السنين. ومن هنا كان وجود الانسان القديم فيها مستمراً منذ العصور الحجرية، وهناك كوّن أو أسس القرى الزراعية الاولى في العراق. ودجن الحيوان وتعلم زراعة الحبوب علماً بأن حبوب هذا الالقليم تعتبر من الانواع الجيدة وذات نسبة غذائية عالية.
وفي اربيل العاصمة الاشورية الدينية والمركز الرئيسي لعبادة عشتار اربيل، بنى الاشوريون هيكلاً فخماً رائعاً لهذه الالهة. وبالنظر لكون هذه المدينة مقدسة للاشوريين بمثابة اورشليم للمسيحية والاسلام واليهودية لذلك لم يهجرها سكانها عند الحروب والحصار، وحتى الغرباء المهاجمون على بلاد آشور لم يعاملوها بقساوة أسوة بباقي المدن الاشورية بسبب مكانتها المقدسة هذه. وهذا دليل لدعم الرأي القائل: " ستبقى قدسية المكان الفلاني مصانة، مادامت الاصول ونواميس تلك الديانة باقية. ولكن عندما تنقطع تلك الاصول وتزول تلك العقيدة ومحتوياتها من عقول الناس فمن الطبيعي ان تزول تلك القدسية ايضاً". وهذا الذي جرى لمدينة اربيل الاشورية تماماً، اذ بمجرد زوال هذه الهالة الدينية عنها بسبب قدوم المسيحية ومن ثم الاسلام اليها كثرت مصائبها واهوالها.
كان الاشوريون ومنذ زمن الملك شمشي ـ ادد الاول ابن ايلو ـ كبكابو والذي حكم في آشور منذ (1813) ق.م قد وحدوا رسمياً المدن الثلاث الرئيسية، أي نينوى وآشور واربيل تحت سيطرة التاج الاشوري. وكما هو معروف ان الملك لدى الاشوريين كان الكاهن الاعظم أو رئيس الكهنة في الوقت نفسه. ومن هنا ايضاً كان يبرز دور ومكانة اربيل لديهم ومن خلال ادائهم فروضهم الحبرية فيها. والكثير من الملوك اعتنوا بها عناية مميزة لقدسيتها، فهناك من قوّى وصان اسوارها وآخر أنشأ له قصراً فيها وغيره بنى أو جدد معابد عشتار وشربل وهكذا دواليك.
هناك كتابة مسمارية تؤكد بأن الملك آشور ناصربال (884 ـ 859) ق.م يسمي اربيل بـ (مدينتي) كأشارة واضحة للحب والاحترام. وكان يزورها العديد من الملوك الاشوريين قبل اقدامهم الى شن الحملات العسكرية الكبيرة ضد الاعداء. وعلى سبيل المثال فأن الملك سنحاريب بن سرجون ذهب الى اربيل عام (692) ق.م وقدم الفروض وصلى امام الربة عشتار في معبدها وطلب منها العون والمشورة قبل ان يشن حربه الكبيرة المدمرة على بابل والقبائل المارقة في الجنوب (بلاد البحر).
كما نجد من بعده باربعة وعشرين سنة ابنه أسرخدون يصلي في هيكل عشتار اربيل ويطلب منها العون في مشروعه الرامي الى الانتقام من قتلة ابيه سنحاريب. وحسب النصوص المسمارية الخاصة بهذا الحدث، أنه تلقى الجواب الطيب لدعائه واستطاع الانتقام لدم ابيه من القتلة والخارجين على القانون الوراثي الاشوري.
وكذلك كان الامر مع آشور بانيبال اذ ركع وصلى امام معبد عشتار اربيل (650) ق.م عندما كان يتهيأ لهجومه الكبيرعلى عيلام جنوب ايران الحالي .
بالاضافة الى مركزها ومقامها المقدس كانت اربيل معسكراً متقدماً ومهماً، فهناك أكثر من اشارة تؤكد عسكرة القوات الاشورية فيها وفي موقع او مدينة أخرى يرد اسمها في النصوص المسمارية بصيغة (kalazi) والتي تقع الى الجنوب الغربي من العاصمة اربيل.
ان تل او قلعة اربيل الحالية تظم اطواراً سكنية وعمرانية متعاقبة منذ العصور الحجرية والى الساعة حيث مازالت القلعة الاربيلية الشهيرة مسكونة وبكثافة عالية. وهنا لابد من ذكر تصور او تحليل معظم المؤرخين والاثاريين حول كيفية تكون هذه التلول الاثارية في بلاد الرافدين عموماً ومنها قلعة اربيل وكركوك: " بسبب الحروب والحرائق والفياضانات... كانت تهجر المدن بأكملها فتتهاوى السقوف والجدران فتقبر الاشياء والمواد المتروكة من قبل السكان... وفي الغالب تأتي اقوام جديدة لتستوطن نفس المكان... ولما كان يتعذر لهذه الاقوام ازالة كل تلك الكميات الهائلة من الانقاض... فكانوا يشرعون بتسوية الارض والجدران المهدمة ويستخدمونها اسساً لبناياتهم الجديدة وبتكرار هذه العملية مرات عديدة.. تتعاقب الطبقات السكنية الواحدة فوق الاخرى فترتفع تدريجياً فوق مستوى السهل المحيط بها. كانت بعض المدن تترك مرة الى الابد بينما استمر بهذه الدرجة أو تلك استيطان مدن أخرى ـ اربيل وكركوك مثلاً...".
هذه التلول في العراق بعد ان تركها أهلها. تحولت الى تلول صماء جرداء يغطيها الغبار المتجمع بمرور الزمن دافناً البناء داخله. والبعض الاخر منها مازال مسكوناً الى الان ومازال مستمراً في عملية الارتفاع كقلعة اربيل وكركوك...الخ.
من مشاكل مدينة اربيل ومنذ القدم شحة الماء فيها وذلك لبعدها عن أي مصدر ثابت للمياه والينابيع. وكانت تتفاقم هذه المشكلة مع زيادة سكان المدينة المستمر، ولهذا السبب نجد المهندس الزراعي الكبير سنحاريب ملك آشور قد مسح الاراضي والمناطق المحيطة بها بحثاً عن مصادر للمياه لحل مشكلة عطش اربيل العاصمة الدينية المحبوبة والمقدسة. وقام بتنفيذ مشروعه الخالد (مشورع ماء اربيل) لايصال الماء من وادي باستورا الى مدينة اربيل لمسافة تزيد عن (20) كم من منطقة المأخذ على هذا النهر الى الشرق من قلعة مورتكا (mortka) القديمة والى داخل قلعة اربيل، ولما كان مستوى سطح الماء الجاري عند المأخذ أقل او أعمق بخمسة وعشرين متراً عن مستوى سطح الارض التي يفترض ان تسير خلالها القناة الى اربيل. لذلك ظهر الابداع والهندسة المتطورة في عملية تنفيذ هذا المشروع عندما التجأ المهندس الاشوري الى حفر قناة او نفق يسير تحت الارض لكي ينقل الماء انسيابياً او سيحاً (دون استخدام معدات لرفع الماء من منسوب الى آخر اعلى منه). ولاجل اخراج كميات التراب الهائلة والناتجة عن الحفر ولضمان التهوية وعمليات التنظيف والصيانة للقناة باستمرار وبالتالي ضمان الجريان الانسيابي للماء وبالكم المطلوب. حفر المهندسون اباراً عمودية من مستوى سطح الارض الى ان تصل الى القناة المنفذة تحت الارض. والمسافة بين بئر وآخر لا تقل عن (42) م وسميت هذه الابار العمودية بالكهاريز ومفردها كهريز.
لقد ثبت اثارياً بأن هذا الاسلوب الهندسي لنقل المياه من مكان الى آخر خلال انفاق أو قنوات تحت الارض والكهاريز العمودية، هو من الابداع الاشوري ولاول مرة في العالم خلال حكم سنحاريب في نينوى (705ـ681) ق.م وبعدها نفذت اعمال مشابهة لهذا المشروع الاربيلي ولكن بعد قرون غير قليلة في ايران والبحرين في الخليج العربي.
في عام 1947 قامت مديرية الاثار العراقية العامة باجراء مسح اثاري للمنطقة واكتشفت بعض بقايا واثار هذه القناة. ومنها مأخذ القناة على نهر باستورا حيث يوجد جدار مبني بالحجارة المهندمة وفيه ظهر اللوح أو الحجر التعريفي بالمشورع. وتنص الكتابة المسمارية الاشورية المكتوبة عليه: " أنا سنحاريب ملك العالم، ملك آشور. حفرت ثلاثة انهار في جبال خاني الى الشمال من مدينة اربيلا ـ مسكن الربة المبجلة الإلهة عشتار وجعلت مساراتها مستقيمة".
اما جبال خاني فهي حتماً تلك الجبال المحيطة بوادي باستورا الحالي. والتي تفصل بين سلسلة صلاح الدين وخان زاد. ولعل جبال خانزاد الحالية هي نفسها جبال خاني الاشورية.
لقد مدّ المهندسون قناة سنحاريب تحت الارض كما مرّ، الى ان اوصلوها تحت القلعة نفسها (المدينة القديمة). لكي يصل الماء مباشرة الى سكانها المقيمين داخل القلعة. ومازال مكان سحب الماء منها في القلعة باقياً لحد الان في الموضع المسمى بالحمامات. اما سكان اربيل والمقيمينٍ داخل القلعة خصوصاً فهم قد سحبوا الماء من هذا البئر او الكهريز الاخير للقناة للاستعمال اليومي طوال هذه القرون.
بسبب عدم اجراء تنقيبات آثارية علمية ومنتظمة في اربيل لحد الان. ومن ثم تعذر الوقوف على معالمها الحضارية والعمرانية، نكتفي بهذا المقتضب القليل عن هذه المدينة الاشورية الموغلة في القدم. والتي لم تسقط او تتعرض الى النهب والحرق على يد الميديين عندما تآمر نبوبلاسر الكلدي على اسياده في نينوى وتسبب في اسقاط الدولة الاشورية اثر هذه الخيانة الشنيعة. اذ لا وجود لاثر مكتوب أو دليل مادي يدل على عكس ما ذهبنا اليه ويوحي الى تدمير هذه المدينة المقدسة.
• اربيل ايام الفرثيين (126ق.م ـ 224م)
خضعت مدينة اربيل ومملكة حذياب الى تسعة ملوك فرثيين الذين حكموا بالتعاقب منذ القرن الاول للميلاد ولغاية عام (224)م عندما اسقط اردشير الاول الفارسي هذه المملكة. وكانت اربيل في هذه الفترة مدينة حية عامرة بسكانها الاشوريين سواء قبل الميلاد أو بعده. اذ حفظ لنا التاريخ اسماء حكام وملوك آشوريين اربيليين كانوا يحكمون مملكة حذياب طوال العهد الفرثي. ومنهم على سبيل المثال الملك الاشوري ايزاط الذي حكم لغاية (60) ميلادية وكان قد اعتنق المسيحية. وحكم ملك آخر من بعده يدعى سين ـ طروق بين (91 ـ 109) م. وقد ثبت ان هذا الملك لم يكن مسيحياً . ومن بين الملوك الاشوريين المسحيين خلال هذا العهد يرد اسم الملك رَقبختْ الذي مات في الحرب ضد البرابرة سنة (149) م .
أما نرساي فهو ملك اربيل الاشوري المسيحي الذي طلب معلومات عن المسيحية والمسيح من زميله ابگار ملك اورهاي، عندما سمع عن مار أداي الرسول واعماله التبشيرية في الديار الاشورية. وذلك حسب ما ورد في تعاليم اداي: "الاشوريون في بلادهم كانوا يعلمون بني قومهم، وكانوا يقيمون بيوتاً للصلاة خفية خوفاً من عبدة النار والمؤمنين بها. ولكن نرساي ملك الاشوريين عندما سمع عن اعمال اداي التبشيرية ارسل الى الملك ابگار طالباً اياه: ابعث لي ذلك الرجل الذي يصنع تلك الايات عندكم لاراه واسمع الى اقواله، او ابعث لي كل ما يصنع في بلادك" .
الا ان اولكاش ملك الفرثيين قتل الملك نرساي الاربيلي هذا، لعدم مشاركته اياه في حربه ضد الفرس. وكان آخر ملك آشوري في اربيل في زمن الفرثيين هو شاهراق او شاهراط الذي انظم الى حلف الفارسي ضد الفرثيين.
اما عن عراقة المسيحية وقدمها في هذه المقاطعة، فأنه ليس مدحاً او مفاخرة اذا قلنا، ان اربيل هي من اوائل المدن في الشرق التي تلقت التعاليم المسيحية وتبنتها. ويصح القول بأنها تأتي في هذا المجال قبل اورهاي وطيسفون العاصمة المدنية ومركز البطريركية الاول. وذلك لاننا نجد الاسقف فيقيذا بين (104 ـ 114) م. في اربيل على رأس تلك السلسلة غير القليلة من الاساقفة الاربيليين الاشوريين والتي امتدت الى عهد مار خنانا الحذيابي سنة (511....) م بينما في طيسفون تم بناء أو تأسيس كنيسة الاكواخ (كوخي) في حوالي (79 ـ 116) م. وقد وصلنا في كتاب سيرة شهداء المشرق عن ذهاب مار ماري الى طيسفون لزرع البشارة الانجيلية فيها مايلي: " لعدم عثورهم فيها على مسيحيي لينزلون عنده اضطروا الى تأجير بيت للاقامة".
وحول قدم وصول المسيحية الى اربيل وما حولها يقول ماري بن سليمان في كتابه الشهير (المجدل): " ذهب اداي الى المشرق وباشر بالكرازة والتبشير في مناطق حزّة (اربيل) والموصل وبيت كرماي ومن ثم عاد الى اورهاي ومات هناك". وجاء من بعده ماري الذي هو تلميذ أداي.
على الرغم من عدم خراب اربيل وحرقها ايام سقوط الدولة الاشورية. وعلى الرغم من مثابرة اهلها الاشوريين وحبهم للحياة والحضارة التي جعلتهم يديرون شؤون مدينتهم اربيل ومقاطعتها حذياب. هناك سبب مهم آخر وراء استمرار اربيل الاشورية في الحياة والسلطة بعد زوال دولة آشور، وتحولها الى مركز شامخ بل اول مركز للمسيحية الاشورية. ان هذا السبب يتعلق مباشرة وببساطة بسياسة الملوك الفرثيين انفسهم، هؤلاء الملوك الذين بادروا الى تقسيم البلاد الواقعة تحت سيطرتهم الى ممالك وامارات ومدن. ومنحوا اداراتها الى مواطنيها الاصليين. ولم يطلبوا منهم سوى بعض الضريبة السنوية: " حتى ان بعض المدن كانت مستقلة استقلالاً ادارياً وسياسياً. ولم يكن للفرثيين عليها الا الخراج يتقاضونه منها" .
وفي هذه الفترة، أي فترة مملكة حذياب الاشورية ابان سيطرة الفرثيين على بلاد الرافدين بالاضافة الى الملوك والاساقفة ظهر مؤلفون ومعلمون كبار لمعت اسماؤهم في مجال الدراسة والتأليف وتعاليم العقيدة المسيحية. كما ظهر في هذه الفترة ايضاً الانحراف عن تعاليم الانجيل، وكان منشأه شرقياً وتحديداً من مدينة اربا ايلو!
وعلى سبيل المثال نذكر برديصان الحذيابي الذي ولد في منطقة اروهاي في تموز عام (154) م. هذا الرجل الاشوري الحذيابي كان فيلسوفاً معروفاً في زمانه وقد اشتهر ببلاغته وفصاحته المتميزة، بالاضافة الى شدة ذكائه، لقد وصلنا من تآليفه الكثيرة كتابه القيم والمسمى (شرائع البلدان) .
• اربيل في عهد الفرس الساسانيين
لاحظنا كيف أن الملك الفارسي ارداشير الاول وضع حداً أو نهاية للفرثيين في العراق عام (224) بمساعدة واسناد الملك الاشوري الاربيلي شاهرقاط. في هذه الاثناء كانت المسيحية قد انتشرت انتشاراً واسعاً بين الاشوريين وتبلورت بل نضجت تعاليمها بين ابناء مملكة حذياب بشكل خاص، وكانت الزرادشتية هي الديانة الرسمية لبني ساسان ورغم انها لم تصطدم مع المسيحية الاشورية في العراق خلال حكم الملوك الفارسيين الاربعة الاوائل، الا ان القتل والتنكيل الجماعي بحق الاشوريين بدأ ايام حكم شابور الثاني الساساني وتحديداً مع دخول الملك الروماني قسطنطين الكبير المسيحية واعلانه لها عقيدة الدولة الرسمية في كافة ارجاء امبراطوريته.
اشتعل نار هذه المذابح والابادة بعد استشهاد الجاثاليق المشرقي الشهيد مار شمعون بار صباعي ورفاقه، ووصل فوراً الى حذياب وعاصمتها اربيل. وكان باكورة الشهداء هناك كوشتازاد مدير البيت الملكي في اربيل سنة (341) وتلاه الشهيد مار يوخنا اسقف اربيل سنة (344). ومن بعده خليفته الاسقف مار اوراهام سنة (345)....الخ. ومن بعدهم بفترة استشهد حاكم اربيل العسكري مار قرداخ الاشوري سنة (358) ومن ثم الشريفة الاربيلية يزدان ـ دوخت والاف من الرهبان والقساوسة والكهنة ومعلمي الكنيسة المشرقية الكبار، امثال القس يوسف والشماس ايث ـ الاها الذي استشهد سنة (380). ومن بعدهم مار عبديشوع اسقف حذياب، بالاضافة الى عامة المؤمنين من رجال ونساء واطفال الذين سقطوا ضحية الحقد الانساني في طول البلاد وعرضها.
لقد دام هذا الاضطهاد اربعين عاماً ومن هنا سمي في الكنيسة بالاضطهاد الاربعيني. و استمر بعد موت شابور الذي تنعته الكنيسة المشرقية بالآثم ايام ابنه ارداشير الثاني اذ نهَجَ هو الاخر نهْجَ ابيه في اضطهاد وقتل الاشوريين المسيحيين. ولكن ايام يزدجرد الاول (399ـ420) الذي وصفه الاباء الروحانيين " بالملك العادل والمسيحي المبارك". تنعمت الكنيسة المشرقية بالسلام والهدوء في ايامه وعقدت الكنيسة مجمعاً عاماً لها سنة (410) وكان ترتيب كرسي اربيل الرابع في هذا المجمع. واطلق سراح الاسرى الاشوريين وعمرت الكنائس ثانية. وانعقد مجمع كنسي آخر عام (424) والذي حضره ستة وثلاثون مطراناً واسقفاً من الآباء ورعاة الكنيسة المشرقية الاشورية. وفي هذه الاثناء كان ترتيب كرسي اربيل الثالث بعد كنيسة بيت لافاط ونصيبين وكان لها خمسة اساقفة وقد وصل عددهم الى تسعة عشرة اسقفاً احياناً.
• اربيل ايام الدولة العربية الاسلامية
قبيل تسلط العرب على العراق، دارت حروب مدمرة وهجمات متكررة بين الدولتين الفارسية والرومانية دامت اكثر من عشرين سنة. الى ان جمع الامبراطور هرقليوس جميع القوات الرومانية تقريباً واحتل اربيل وبيت كرماي سنة (625) م. هكذا كانت هذه الحروب المدمرة والفوضى العارمة قد اضعفت كلتا الامبراطوريتين وجعلت شعبيهما يفقدان الثقة بالبلاط. ومن هنا كانت الفرصة مواتية للعرب ليضربوا ويقلعوا الشاهنشاهية من اساسها ويهزموا ويطردوا الرومانية من ديار الشرق بالكامل والى الابد.
يعتقد ان اربيل الاشورية المسيحية كانت قد دفعت الجزية للعرب اثناء هذه الفوضى وسلمت المدينة اليهم بسلام. فبالنسبة اليهم لم يكن هناك فرق لمن تذهب الضريبة للرومان او العرب. وكانوا قد تعلموا درس حماية الذات والممتلكات من نقمة القوات الكبيرة الغازية.
مع بدايات هذه المملكة الجديدة كان الاشوريون سعداء ومرتاحين لما لمسوه من العدل والاحترام الذي اظهره قادة العرب للكنيسة ورؤسائها وللشعب الاشوري عموماً السكان الاصليين للبلد، بالمقارنة بما لاقوه من الرومان المسيحيين والزرادشتية الفرس. وعن هذه الوقفة العربية في باديء الامر وصلتنا الكثير من الشهادات من كتّاب ورجال الكنيسة، وعلى سبيل المثال نورد ماقاله البطريرك مار ايشوعياب الثاني الجذالي: "العرب الذين سلطهم الله على العالم... انهم ليسوا ضد المسيحية، بل يمتدحون ديانتنا ويحترمون قديسينا وقساوستنا، ويدعمون كنيستنا واديرتنا..." وبهذا الصدد كتب بر بنكاي من القرن الثامن: " لقد ازدهرت العدالة ايام معاوية وعمّ السلام في كل البلاد الخاضعة له" .
خلال فترة الهدوء والاستقرار هذه. تقلد الرئاسة الكنسية في اربيل ثلاث مطارنة ذوي شهرة فائقة أولهم ايشوعياب الحذيابي من قرية كوفلانا وخليفته كيواركيس من قرية كوفرا. ومع حلول القرن الثامن الميلادي كان مطران اربيل مار ماري. ولكونهم خيرة رجال المسيحية في زمانهم تم اختيارهم لمنصب رئاسة الكنيسة المشرقية كل في زمانه. أي ان ثلاثتهم تقلدوا كرسي البطريركية ونالوا لقب جاثاليق المشرق في العراق.
وكان مار ايشوعياب الحذيابي شيخ المشاهير وفخر الامة الاشورية وكنيستها والوطن اسقفاً لنينوى. ومن ثم مطراناً لاربيل، وبعدها بين (650 ـ 659) م بطريركاً على الكنيسة المشرقية الجامعة. هذا المطران الاربيلي الذهبي كان قد خلف للبشرية أكثر من خمسة عشرة مؤلفاً قيماً. ويأتي على رأس اعماله الجليلة جمعه وتوحيده الصلوات الطقسية لكنيسة المشرق الاشورية في كتاب ضخم يسميه الاباء (خوذرا). هذا الكتاب المدهش والفريد الذي لا وجود له الا في الكنائس المسيحية الاشورية. بعد ان درسه وحققه جيداً من الناحية اللاهوتية والعقائدية قام بتعميمه من خلال سلطته الكنسية على جميع الاسقفيات التابعة له. واصبح متداولاً ومعتمداً منذ ذلك الوقت ولحد الان.
يعد هذا البطريرك المثابر من اوائل رجال الكنيسة العراقية الذين لاقوا معاملة سيئة من بعض الولاة العرب، اذ نراه وهو في شيخوخة عميقة يتعرض الى اضطهاد كبير من قبل حاكم المدائن عدي بن حارث بن رويم، الذي طلب منه مبلغاً كبيراً من المال كجزية عليه وعلى شعبه. ولما كانت الكنيسة ورئيسها عاجزين عن الدفع، أدخل البطريرك الى السجن عام (656) م. وعلى اثر هذا الحادث المؤلم انزوى البطريرك الى دير بيت عابي في الموصل ليعيش بقية حياته بسلام. وهناك وبمعية الراهب الشهير عمانوئيل برشهاري أخرج لابناء اشور وللعالم والانسانية درته الثمينة أي كتاب الصلاة الطقسية للكنيسة المشرقية الانف الذكر.
• اربيل والاربيليون ايام الاتابكة والمغول
استطاع عماد الدين زنكي مؤسس اتابكية الموصل أن يضم الى امارته امارة اربيل من خلال اتفاق سياسي وليس باللجوء الى القوة. وذلك في حولي (1160) م. ولما كان هؤلاء الامراء والقادة والحكام الاتابكة غرباء عن البلاد وأهلها وقليلي الثقافة والتحضر ولا يثقون بالعرب ليسلموا بايديهم الوظائف المالية والادارية الحساسة في الامارة. فكان اعتمادهم كبيراً على المسيحيين الاشوريين في اربيل وكافة ارجاء مقاطعة حذياب لادارة شؤون اماراتهم وسلطانهم.
كان القرنان الثاني عشر والثالث عشر متميزين بالتغيرات الاجتماعية والديموغرافية الكبيرة حيث اجتمعت اقوام غريبة وسكنت اربيل ومعظم مقاطعة حذياب الخصبة، وعلى الرغم من ذلك كان عدد الاشوريين فيها هو أكثر من نصف السكان. وقد عرف العديد من الذين نالوا السطوة والوظائف البارزة لدى الاتابكة من ابناء عائلة شماشا المشهورة في اربيل انذاك. مثل ابوالحسن وهو جلال الدين علي بن شماس يهبالاها بن ابراهيم الاربيلي رئيس ديوان وأمين سر السلطان مظفر الدين كوكبري. كان ابو الحسن هذا رجلاً ذا سيرة حسنة ومستوى علمي ولغوي عال. وقد اصبح وزيراً. وكان ابن اخيه اسحق بن معليا بن شماشا رئيساً لديوان الواردات (الامور المخزنية) وقد اشتهر بالهندسة والطب كثيراً. وهناك شخص آخر اسمه ابو حفص غرس الدين بن شماشا وكان مسؤولاً ورئيساً لدار الترجمة في الامارة في تلك الحقبة. بالاضافة الى هؤلاء هناك العديد من الاشوريين الذين تقلدوا رئاسة ديوان الامارة مثل يعقوب ومختص، وفي سنة (1214) م كان في اربيل ابو البركات يهبالاها بن ابي الحسن بن بطرس رئيساً لديوان الحساب والضرائب.
هذه بعض الاسماء لشخصيات اربيلية متنفذة، حفظها لنا التاريخ، ومن دون شك كان هناك كثيرين مثلهم أو اقل شأناً في الوظيفة منهم والذين ساهموا بطريقة ما في تطور الثقافة وفن الادارة واستطاعوا الحفاظ على وجود الكيان الاشوري اجتماعياً واقتصادياً في اربيل.
بعد هذه الصورة المهمة والمقتضبة التي ظهرت فيها الاشورية المسيحية في اربيل وما حولها حيث كان عدد الاشوريين القاطنين على ارض اجدادهم ومنذ سقوط آشور والى سقوط بغداد (1258) م غير قليل مقارنة بالكثافة السكانية في تلك الايام. لابد وان نختم اخبار ذلك العصر أي الاتابكي بالتعرف على بعض المظاهر والاحتفالات الدينية الاربيلية العريقة ـ لا ننسى ان اربيل كانت عاصمة دينية ـ وخصوصاً عيد السعانين (اولأشٍعنُأ) عندما كان ينزل الاسقف او المطران من القلعة برفقة كوكبة من الكهنة والشمامسة باحتفال مهيب سائرين بصفين منتظمين حاملين المشاعل ومرتلين الاناشيد الروحانية. هكذا كانوا يطوفون في معظم قرى وقصبات اربيل تسبقهم كوكبة من حملة الصليب من الشباب.
هذه الاحتفالات الدينية الاشورية، اوحت الى السلطان مظفر كوكبري ودفعته ليقيم احتفالات مماثلة في عيد المولد النبوي على ان يشارك فيها كل طبقات الشعب والوجهاء من المناطق المختلفة. اذ لم يكن قبل ذلك قد خطر ببال أحد في كل العالم الاسلامي اقامة مثل هكذا احتفالات . وللاشوريين الاربيليين الفضل في هذا على مسلمي اربيل, ولهؤلاء الفضل على الشعوب الاسلامية اذ هم يحتفلون بميلاد نبيهم.
ومن بين المشاهير الاشوريين بالعلم والهندسة والمنطق الذين ظهروا في اربيل ولم يستطع الزمن على الرغم من قساوته ان يمحي ذكراهم، ابو الفتح نصر بن حوذان الهذياني الاربيلي والطبيب المشهور الصافي بن سليمان بن المختص، والشاعران الاربيليان الكبيران كيواركيس وردا وخاميس القرداخي . بالاضافة الى العديد من القادة العسكريين والامراء المحليين والمسؤولين الاشوريين الاربيليين الذين خدموا الامة والكنيسة بصورة مثلى في تلك الفترة العصيبة التي كانت تمر بها البلاد ايام المغول.
ولاهمية اربيل آشورياً نرى البطريرك مار دنخا الاول (1265ـ1281) يقوم بنقل الكرسي البطريركي من بغداد بعد سقوطها الى اربيل حيث شيد كنيسة كبيرة في القلعة وبالمقربة منها بنى المقر البطريركي. وافتتح العديد من المدارس في اربيل وحولها في ارجاء حذياب، وعلم تعاليم الكنيسة المشرقية. وكان لهذه التعاليم والاهتمام باربيل أثر بالغ الاهمية في حياة الاشوريين الاربيليين طوال القرنين اللاحقين.
هكذا استطاعت هذه العاصمة القديمة أن تصمد في وجه الزمن وعاتياته. وعاشت مدينة حية متحضرة، مدينة مسيحية نسطورية آشورية حرّة والى الربع الاول من القرن الرابع عشر للميلاد ايام البطريرك مار يهبالاها ابن الاتراك. هذه الوقفة المشرفة لم تأت ببساطة أو هبة لآشوريي اربيل بل اختطفوها بدم قذالهم وبالتضحيات الجسام!. والذي يتكرم ويقرأ سيرة الشهداء والقديسين سيرى ويتعرف على اخبار واسماء الالاف من ابناء وبنات درة آشور الثمينة اربيل، منهم اساقفة ومطارنة وكهنة عظام ورؤساء الاديرة وبنات العهد (الراهبات) الذين قتلوا واحرقوا بعد ان لاقوا صنوف العذابات النفسية والجسدية ليس لشيء الا لكونهم آشوريين مسيحيين!.
هكذا كانت اربيل طوال هذه القرون تنزف دماً من رقاب الشهداء الابرار ايام بني ساسان والامراء الاتباك في اربيل وحذياب والموصل وايام المغول عندما صمدت قلعة اربا ـ ايلو بهمة وايمان ابنائها بوجه قوات هولاكو آفة الارض ومدمر البشر، اذ تركها ومشى عندما عجز عن دخولها عام (1258) م.
ولكن بعد مرور قرن على هذا التاريخ، وبعد ان اصبح عدد الاشوريين يسير نحو التناقص بسبب المذابح من جهة وكثرة قدوم الغرباء واقامتهم في مقاطعة حذياب الغنية بالزراعة من جهة أخرى. وبسبب نمو روح التعصب والبربرية والرغبة في القضاء على الحضارة واصحابها الاشوريين ومن ثم نهب اموالهم والاستيلاء على ممتلكاتهم، كان هذا المشهد الدرامي الاربيلي يقترب من نهايته المأساوية عندما هبّ الغزاة الطامعون الى قتل كل آشوري مسيحي محاصر داخل القلعة على الرغم من وجود المقاتلين الاشداء من سكانها بداخلها بالاضافة الى الفدائيين القادمين من الجبال الاشورية لنجدتها . الا ان للحصار اثره خصوصاً عندما يكون مقروناً بالروح العنصرية والطائفية المقيتة بالاضافة الى الرغبة الجامحة للسلب "عندما شاع خبر حصار الكرد لقلعة اربيل وبلغ سوريا، هبت شراذم من اللصوص بلغوا الالوف وقصدوا المنطقة معللين النفس بالسلب والنهب والغنائم الباردة" .
وبعد اشتداد القتال ضد المحاصرين في القلعة وقدوم قوات من الاكراد من الجبال البعيدة لاسناد العرب والمغول الذين كانوا يحيطون بالقلعة والتآمر الذي قام به بعض الطامعين بالمال والسلطة عندما اوهموا بعض الامراء المغول بالمعلومات الكاذبة واستطاعوا استمالة قلوب بعضهم الاخر للوصول الى مآربهم . كل ذلك قد اعطى ثماره عندما لم يكن في تلك الارض صديقاً للاشوريين! وكانت التراجيديا الكبرى بحقهم وكان وكان الاول من تموز عام (1310) م يوماً من ايام آشور التي لا تنسى. وفيه اي في هذا اليوم حدث سقوط آخر لاشور للمرة الثانية بعد سقوط نينوى عام (612) ق.م. عندما صعد الغزاة الى القلعة مع دوغان وناصر الدين الدلقندي وقتلوا جميع سكانها دون رحمة ونهبوا كل شيء وقضوا على الوجود الاشوري هناك.
سقطت قلعة اربيل! سقط آخر حصن آشوري في بلاد آشور، ذبح الاشوريين القاطنين فيها منذ ايام امبراطوريتهم، عندما لم تجد نفعاً كل المساعي السلمية والدموع وصلوات البطريرك مار يهبالاها بن الاتراك ومعه ثلاث مطارنة بالاضافة الى رئيس دير مار ميخائيل ترعيل. سقطت اربيل بعد ان "حصد السيف كل مسيحي وجد فيها، ودمرت الكنائس الاربعة التي فيها"
هنا اختفت اربا ـ ايلو آشورياً وللمرة الاولى والاخيرة. والنفر القليل الذي كتب عليهم النجاة من هذه المذبحة المروعة اتجهوا صوب عينكاوة ومنها الى آشور الجبلية في شمال الوطن . وصاروا خميرة العلم وفخر الكنيسة هناك. وعلى سبيل المثال نورد اسماء اثنين من اولئك الرجال والاصح تلك المدارس المتنقلة. الاول القس والطبيب الماهر سبريشوع الذي اقام في تبريز والقس اسرائيل احد اجـداد
الربان يونان التخومي الذين سكنوا منطقة تخوما الجبلية الاشورية .
كما ورد في الموروث الحكمي المسيحي "ان الحمامة تعود الى عشها بعد ان تكون الحية قد التهمت بيضها، وتعمل بجهد كبير لبناء العش مجدداً ووضع البيض فيه ثانية". هكذا فعل البطريرك مار طيماثيوس الثاني (1318 ـ 1332) الذي جاهد كثيراً من اجل اربيل واهلها مع البطريرك يهبالاها الثالث وهو بدرجة مطرافوليط. وجاهد أكثر بعد تسلمه السدة البطريركية عن سلفه يهبالاها بن الاتراك، اذ جمع البقية الباقية من المسيحيين الاشوريين مرة أخرى في اربيل وضواحيها ونظم شؤونهم هناك. كما انه عقد مجمعاً كنسياً عام 1318 بعد رسامته مباشرة حضره احد عشر اسقفاً واسفر عن سنّ بعض القوانين تتعلق بالادارة الكنسية وضرورة الالتزام بالقوانين الرسولية وقوانين اباء كنيسة المشرق.
في هذه الاثناء وبعدها بدأ دور عينكاوة يظهر تدريجياً في حياة الاشوريين الكنسية والمدنية على حد سواء. اذ سكنها العديد من اهالي اربيل والقرى والقصبات المحيطة بها. وتحولت بالتدريج الى المركز السكاني (مدينة) الظل للعاصمة اربيل. كما كان الحال مع مدينة الحضر بالنسبة للعاصمة آشور، والمدن والقصبات الاشورية: القوش وتلكيف وبغدادا (باخديدا) وكرمليس وعين ـ سفني وبعشيقة...الخ بالنسبة الى العواصم نينوى ودور شاروكين وكلاخو. حيث سكنها الاشوريون الذين غادروا هذه العواصم، ليكونوا في بلادهم وعلى مقربة من اطلال عواصمهم ومثوى اجدادهم ومحطات ذكرياتهم ومركز الهامهم النفسي والحضاري مدى الدهور!
وفي الختام لايسعنا القول الا: " اسفاً على اربا ـ ايلو المدينة التي اعطت للبشرية خاميس القرداحي وكيواركيس وردا ومن قبلهم كانت قد اعطت فخر الارثودكسية البطريرك والواجهة الاشورية الذهبية مار ايشوعياب الحذيابي الطيب الذكر. ومن قبله الشهيد القائد مار قرداخ والشهيدة سلطان ـ مادوخت الشريفة الاربيلية. ومن قبلهم كانت قد اعطت الالاف من الرجال والنساء الاشوريين المسيحيين وغير المسيحيين الذين نعيش بفخر نحن ابناء القرن الواحد والعشرين على ارومتهم الاشورية الاصيلة".