Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

اسئلة وحقائق عن مسيرة كربلاء المليونية

عدنان الصالحي/
قد يكون من السهل جمع شريحة كبيرة من الناس في فترة معينة او في فترات متقاربة او متباعدة ولكن ليس من السهل إطلاقا إن لم يكن من المستحيل جمع الملايين لتسير مشيا على الاقدام في مسافات تصل الى مئات الكيلومترات وبأيام محددة في كل عام.
هذا المستحيل لم يكن خاضعا لقانون سيد الشهداء بل طأطأ المستحيل برأسه أمامه خضوعا له، فملايين القلوب تهوي الى كربلاء تسبق النفوس والأجساد تلثم ترابها الطاهر على مدار العام، وزيارة الأربعين إحدى تلك المناسبات المقدسة ان لم تكن أبرزها فيها يستذكر المسلمون رجوع آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الى كربلاء الشهادة مع رؤوس الشهداء حيث أرجعت الى الأجساد الطواهر.
هذا المسير المليوني على مر العصور يؤكد إن الأجيال الإسلامية المتتالية وخصوصا أتباع الرسالة المحمدية العلوية وجدت نفسها في ذات الحسين ومسيرته واستيقنت بان الحياة الحقيقية لا يمكن أن تكون الا بإتباع اثر آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين)، وان رسالة سيد الشهداء في عاشوراء الحسين هي رسالة كرامة الإنسان ضد العبودية والامتهان، فقد فرقت عاشوراء بين الحق والباطل حيث انقسم الناس الى معسكرين معسكر الهدى والايمان، ومعسكر الشرك والضلال، و إذا ما تأملنا بوضعنا الحالي نجد ان هذا التقسيم مازال قائما حيث ينقسم الناس في معسكر رفض الظلم وطلب الإصلاح والعمل من أجل الحرية ورفض الطغاة من جهة، ومن جهة اخرى معسكر الفساد والمتزلفين للجبابرة وأصحاب فقه البداوة والتقليد الأعمى والتطرف.
وإذا ما سال سائل لماذا هذا المسير المليوني الهائل؟
انها كربلاء الحسين الذي جمع و جسد بحركته سير الأنبياء والرسل بدء بجهاد أدم ودعوة نوح ومسيرة إبراهيم وصراع موسى مع فرعون ومجاهدة المسيح مع بني إسرائيل، وصبر جده الرسول الأعظم محمد ( صلى الله عليه واله وسلم)، ولذا فان الحسين اكتسب من هؤلاء الرسل والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين كل كراماتهم بلا غلو لأنه جمع صبرهم متفرقين في مصيبته وكان ترجمانا لتجسيد أثرهم وتحقيق منهاجهم.
وفي الزيارة المروية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام يشير الى هذا المعنى بقوله (..وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة)، وهنا بيان صريح للغاية من كون الحركة الإصلاحية للإمام أبي عبد الله (ع) بأبعادها المتعددة هي الطريق الواسع والأسرع لإزالة الجهل وإزاحته من تفكير وعقلية الأمة، لأن المسير الخاطئ للأمة يؤدي بها إلى شفا حفرة من النار، كما جاء في قوله تعالى: (وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا) وهنا الاستنقاذ قد يتعدد الوجوه والكيفية حسب وجهة نظر المفسرين.
كما يشير الى هذا المضمون بيان مكتب سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي(دام ظله) بقوله (...النهضة الحسينية المقدسة كتلة ضخمة من القيم المشعَّة, توقظ روح الإصلاح والحضارة في وجدان الأمم, وتحفزها لتحقيق حياة الحرية والكرامة والعلم والإنسانية..... وإن ذكرى أربعين سيد الشهداء أرواحنا فداه ينبوع متدفق, يغمر الأمة, بكل شرائحها, بأنوار مبادئ هذه النهضة التي استشهد قائدها وأبطالها, لتبقى راية الحق عالية خفاقة..... ويضيف بيان مكتب سماحة المرجع بان هذه الذكرى العظيمة محطة لمراجعة حساباتنا, فهل نحن في حقيقة الأمر سائرون على نهج إمامنا الشهيد عليه السلام؟ وهل أعمالنا مرضية لديه, وهل سلوكنا مطابق لأحكام الشريعة المقدسة التي بذل الإمام الحسين لها كل غال ونفيس؟؟......).
أن الإصلاح العام والشامل للأمة الإسلامية والإنسانية هو الهدف السامي الذي سار الإمام الحسين (عليه السلام ) من اجله وبذل في سبيله دمه واستشهد أهل بيه الأطهار وأصحابه الأبرار وسبي عياله.
هذا العنوان الكبير لسيد الشهداء (الإصلاح الشامل) انتقل عقائديا وتاريخيا وأخلاقيا الى كربلاء وارتبط بها ارتباطا وثيقا، فأخذت تمثل اليوم مفترق طرق، بين المعسكرين المشار لهما في أول الحديث، فكل من يطلب الإصلاح ويحارب الفساد والمفسدين ويقف بوجه الطواغيت فانه يجد من سيره الى كربلاء عنوانا ومنهجا يحتذي به وشعارا يرفعه، وكل من يقف بالضد من هذا المسير ويمنع الناس من السير باتجاه هذه المحطة العظيمة المعاني فانه يتبنى المعسكر المناوئ، ويحاول أن يعيد المجتمع الى رواسب التكفير والتجهيل والتضليل لكي تبقى كراسي الظلم والجور والتسلط الى أطول فترة ممكنة.
ومن خلال ذلك يمكن ان نعرف ماذا يمثل المسير الى كربلاء والى من ينتمي من يقف بالضد منه ومن يحاول ان يشوه صورة هذه التظاهرة الكبيرة ويقف ضدها.
إن الملايين الزاحفة لمرقد سيد الشهداء في كل مناسبة لا تزيد في كرامة هذا الصرح الشامخ بل يأتي الجميع ليلوذ بقداسة هذا الركن الطاهر وان يرتشف منه روح العزم للمطاولة والمواصلة وان يضفي على تلك الروح المتلاطمة في حياة المادة لمسة من نفحات الآخرة ويستمد منه زخما جديدا ودفعة للنهوض باتجاه مقارعة الفساد ومحاربة النفس الأمارة بالسوء والسير قدما بما يريده لنا خالقنا من ان نكون عبادا مخلصين صالحين في كل الميادين.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com/index.htm

Opinions