Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

استحالة الردّ بالعنف على العنف

لكل دينه ولكل دين

مصون كرامة تأبى التحدي

شاعر الأرز (1925)

هذه كانت عبرة شبلي الملاط في قصيدة شهيرة الى أولاده ينبههم فيها الى ضرورة احترام مشاعر المؤمن. وكما في رواية سلمان رشدي عندما نشرها منذ عقد ونيّف ، فجأة تحوّلت أبعاد التعرض للقيم الدينية ورموزها في الصحف الأوروبية الى تداعيات أكثر مما تحصى، لأنها تشدّ الإنسان الى دفين معتقداته، أياً كان دينه، في سنّة راسخة عالمياً سواء كانت أفلاماً تتعرض لحياة السيد المسيح أو رفاقه، أو قوانين نزع الحجاب الذي ترتديه المسلمات في الغرب، أو التعرض لمعالم هندوسية في الهند، أو المسّ بحرمة القبور على جدرانها في أي بقعة كانت من المسكونة.

تداعيات أكثر مما يمكن إحصاؤها أو ترقبها إذاً، لها منطقها الخاص ووقعها المميز في عصرٍ معولم بحسب المجتمع الذي يتلقّى خبرها، فكان دور لبنان في التظاهرات العنيفة نهار الأحد وما لحقها من انفعال ملموس في مجتمع خاص هو المجتمع اللبناني، وبيئة خاصة هي بيئة الأشرفية وسكنها المسيحي.

صحيح أن الترتيبات لم تكن كافيةً تحسباً لأعمال الشغب، لكنه واضح أن وزير الداخلية، والحكومة وراءه، وجد نفسه في وضع صعب لأن التظاهرة كانت حاشدة في أولها لوجود جموع ينتمي بعضها الى "حزب الله"، وبعضها الى "الجماعة الإسلامية"، وهي نصيرة تيار الحريري انتخابياً، فكان مستحيلاً منعها أصلاً أو التضييق عليها لواقع مشروعية القيام بها أصلاً، كما كان أيضاً واضحاً أن المتظاهرين المسالمين لم ينسحبوا إلا في وقت لاحق لاندلاع العنف. فالظاهر أن العنف بدا سيّد الموقف منذ اللحظات الأولى وعلى غفلة، فطغى التدافع عدداً وحدّة على قوى الأمن والجيش حتى في الأعداد الموجودة، وكان صعباً أن يوقفوه من دون إراقة الدماء.

هذا يعني أني ميّال اليوم على أساس ما تناقلته الصحف غداة الحدث وفي تقرير الوزير فتفت الأول، الى ردّ الإعتبار الى الوزير السبع للدور الحضاري المميز الذي تحلّى به في موقف إنساني ومسؤول على السواء، فلو انتهج طريق البطش لأدخل البلاد في كارثة تطغى عليها الطائفية.

وشاءت الظروف أن هذه الحكمة تلاقت مع الإنضباط الكبير الذي أظهره أهلنا في الأشرفية ومع سرعة تحرك الشخصيات المسيحية والمسلمة الدينية والسياسية على وتيرة التهدئة. فلنتصور لحظة ما كانت اليه الأمور لو قتل متظاهرون برصاص الأمن، إن في بداية المظاهرة أو حتى لاحقاً.

يبقى أن درء مثل هذه الفتن شبه مستحيل في الإزدواجية المستمرة في السلطة، وأن الوزير السبع محقّ مجدداً في أن استباق الأمر أمر عسير عندما تكون السلطة مكبَّلة منذ ما بدأت تتراجع الثقة بجزء أساسي فيها مع تمديد ولاية الرئيس لحود، فضاعت المقدمات الدستورية الأساسية التي تحتاج اليها البلاد.

أما أن يستقيل وزير الداخلية في مطلق الأحوال، فهذه ظاهرة إضافية لسلوكه الحضاري. وحتى تظهر معلومات جديدة للملأ، في التحقيق القضائي أو في تحقيق خاص، أرى مناسباً أن يُحتذى نمط الوزير السبع في تقدير دقيق لاستعمال العنف من قبل الدولة حتى في وجه العنف، والعبرة الأخيرة بتفوق لبنان حضارياً، بفضل هذه الفلسفة، على ما نراه في دول أخرى مثل ما كانت الحال في أفغانستان هذا الأسبوع وما من المرجّح أن يحصل في دولٍ أخرى في عالم بات واحداً.

إن امتناع قوى الأمن والجيش عن تفريق المتظاهرين بالرصاص ظاهرة متقدّمة في عرف الأمم، وفي الخيار بين المحافظة على الممتلكات وازهاق الأرواح– ولو كانت أرواحَ متظاهرين متدافعين على التدمير، تبقى الأفضلية مطلقاً لحفظ حياتهم، وتعالج التعديات في ما بعد قضائياً كما هي الحال الآن.

مرشح للرئاسة اللبنانية Opinions