Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

استلاب الحقوق بحلّة المصلحة العامة

يقلق المرء كثيراً, بعد جهد جهيد من كدّ حثيث, من أن الورقة النقدية التي جناها بعرقه تكون مزيّفة، فتراه يقلبها مثنى وثلاث قبل أن ترقد بسلام في ثنايا ملابسه، حيث لا يشاء إلا مكرهاً أن يخرجها لتشم الهواء بعيداً عنه. وقلّما نراه ضارباً أخماس بأسداس ليرفع البرقع عمّا يواجهه بين الفينة والأخرى من أفكار هي كالسم في الدسم، لا تشاء ان تشم الهواء خارج عقله إلا بعد أخريات ناقعات كالزؤام تتمخض بعد هنيهات لتغزو مسامع الناس ببنات شفاه كان الحري بها ألا تولد إلا ميتة.

فالكثير منّا يستسيغ ما طاب مرآه وحسنت طلعته و لذّ مذاقه، متناسياً مغبّة النشوة الزائلة والفرح العابر الذي تتبعه أقسى العواقب والمترتبات. فترى وقلبكَ يدمى من حوادث وعاديات تمثل هذه الأنماط من التعاملات، بضمنها ازهاق أرواح بلباسات مختلفة، واستلاب الحقوق بحلّة المصلحة العامة، وإنتهاكات سافرة بحجج الأصلحية والأفضلية لصرعة الدماء الزرقاء التي تذود عن ذاتها في خليط ما عاد للدم فيه من لون.

والأنكى من ذلكَ هو التشبث اللاواعي لمن هم من دعاة الفكر بعصافات تذريها رياح الفكر النيّر، والذي يستغرقهم في نعت غيرهم بما شاءت الألفاظ أن تكون أقل قدراً من المراد. والطامة الكبرى هي في أن عملية التحوّل المرادة لهم تزيدهم في غيّهم والأكثر انهم يستشرون في الإنصباب على غيرهم دون روّية بوبال من المسجعات والمنظمات، تخرجها أفواههم زرافات ووحدانا.

هكذا، فبين المألوف في عالمنا الذي لا مألوف سواه عندنا، وبين غير المألوف بكليّته عندنا الذي قد لا نود التآلف معه اطلاقاً، يبقى جوابنا موقوفاً على مقدرتنا للتحوّل والإنفتاح على قبول المختلف والتعامل معه بمعقولية ومصداقية تنبع من حاجتنا للدخول إلى الأعماق حيث تتصارع الأضداد وتصوغ بصراعها مقوّمات كياننا الإنساني لتجعلنا أكثر قابلية لاكتشاف الواقع وتمييزه من بين الإدعاءات، وهكذا سنميز بين المألوف وغيره لنصوغ من ذلكَ نظرتنا إلى العالم بأجمل ما أمكن. لأن الحياة صورة ما نراه، فتكون حياتنا أبهى صورة تأتلق في مقلنا، فنحياها وتحيينا ونحيي الآخرين بها.

الراهب آشور ياقو البازي
Opinions