استمرار ملف النزوح في ديالى.. أسباب سياسية ودوافع طائفية تبعد الآلاف عن ديارهم
المصدر: شبكة الساعة
على الرغم من مرور 6 سنوات على إعلان السلطات العراقية النصر على تنظيم "داعش" وتحرير المناطق التي كان يسيطر عليها من البلاد منذ 2014 حتى 2017، إلا أن ملف النزوح ما يزال قائما لغاية اليوم في العديد من المحافظات العراقية ومنها محافظة ديالى.
وما تزال آلاف العائلات من مناطق السعدية والمقدادية وجلولاء خارج مناطقها لأسباب عديدة تنوعت ما بين أمنية، وسياسية، واجتماعية وخدمية.
ولا توجد إحصائية دقيقة بعدد النازحين من ديالى ومحافظات أخرى كالأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك وناحية حرف الصخر شمالي بابل، وذلك لأن أغلبهم لا يقيمون في مخيمات النزوح الحكومية، بل يتواجدون في مساكن خاصة أوجدوها لأنفسهم بعد أن يئسوا من العودة القريبة إلى ديارهم الأصلية.
وتعتمد الأرقام التي تعلنها الجهات الحكومية عن أعداد النازحين بالمتواجدين فقط في المخيمات، والتي أعلنت وزارة الهجرة الاتحادية إغلاقها جميعا باستثناء المخيمات التابعة لسلطة إقليم كردستان والتي تؤوي آلاف العائلات أغلبهم من قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى.
نهاية العام 2020 أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، إغلاق جميع مخيمات النازحين في محافظة ديالى، أعقبها إعلان جديد من قبل لجنة إعادة النازحين في أيار/ مايو الماضي عن انتهاء ملف العودة وإغلاقه باستثناء القرى المدمرة المعدومة خدميا التي يصعب عودة أهلها إليها.
إقرار حكومي
أكد كتاب رسمي صادر عن مكتب رئيس الوزراء في آب/ أغسطس الماضي أن آلاف العائلات في ديالى ما تزال ممنوعة من العودة إلى مناطقها الأصلية، حيث كشف الكتاب في 9 آب الماضي عن توجيه لوزيرة الهجرة والمهجرين العراقي، بإجراء تحقيق مفصل حول إمكانية إعادة 13000 عائلة نازحة لناحية السعدية التابعة لقضاء خانقين بمحافظة ديالى، في حين تم إجراء التدقيقات الأمنية لتلك العائلات وهي ترغب بالعودة لمناطقها بالتنسيق مع محافظة ديالى، ووجه السوداني وزارة الهجرة بتقديم الرد خلال مدة لا تتجاوز 20 يوماً.
من جانبها، رهنت وزارة الهجرة عودة نازحي ناحية السعدية باستتباب أوضاع المنطقة، وتأمين الخدمات مثل الماء، الكهرباء، والخدمات الأخرى، وأكدت صعوبة عودة أولئك النازحين لحين توفير تلك الخدمات، حسب تعبيره.
كما أن مئات العائلات التي نزحت قسرا من قرى نهر الإمام والمناطق القريبة منها في محيط قضاء المقدادية نهاية العام 2021 لم تعد لغاية اليوم بسبب مخاوفهم من استهداف الفصائل المسلحة التي تسببت بتهجيرهم بعد هجمات طائفية تسببت بمقتل 12 مدنيا ردا على هجوم شنه تنظيم داعش على قرية الرشاد وأسفر عن مقتل 14 شخصا.
أسباب أمنية واقتصادية وخدمية
عضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي أكد استمرار ملف النزوح في محافظة ديالى رغم الإعلانات الحكومية عن إنهاء ملف النزوح، كاشفا عن جملة أسباب تقف وراء تأخر عودة النازحين، تتخلص في المشاكل الأمنية، والسياسية والاقتصادية والخدمية.
البياتي أكد في حديث لشبكة "الساعة" أن أبرز المشاكل التي تعترض ملف النازحين تتمثل في العوامل الأمنية وعدم وجود إجراءات حقيقية لفرض الأمن في المحافظة"، مبينا أن "المحافظة تفتقر إلى الدعم الحكومي للنازحين وملف إعادتهم لمناطقهم وذلك يرجع إلى عوامل سياسية، وسوء الإدارة والفساد المالي والإداري".
وأضاف أن "الدمار الذي حل بمساكن الكثير من العائلات ولا سيما في مناطق القتال في ناحية السعدية وجلولاء يمثل سببا آخرا في تأخر عودة النازحين"، فضلا عن "غياب مصادر العيش وفرص العمل ونقص الخدمات كلها عوامل تسبب ببقاء النازحين خارج مناطق سكناهم الأصلية طيلة هذه السنوات".
وشدد البياتي على "ضرورة حسم ملف النزوح بشكل حقيقي في محافظة ديالى لأنها أولى المناطق التي أنهي ملف الإرهاب فيها وفرضت القوات الأمنية السيطرة عليها".
دوافع سياسية وطائفية
بينما يرى الناشط من محافظة ديالى علي العبيدي وجود دوافع سياسية وأخرى طائفية لإبقاء ملف النزوح مفتوحا في المحافظة.
يقول الناشط علي العبيدي لشبكة "الساعة": إن "جميع العائلات النازحة في ديالى هم من العرب السنة سواء في بعقوبة وأطرافها وخانقين والمقدادية والخالص وغيرها، وهذا يؤكد وجود دوافع طائفية وراء تقصد إبقائهم بعيدا عن مناطقهم".
وأضاف أن "تغيير ديمغرافية ديالى كانت هدفا سعت اليه طيلة السنوات السابقة الفصائل التي تحكم ديالى اليوم بشكل فعلي"، مبينا أن "ما حصل في قرى المقدادية وأبرزها نهر الإمام إلا دليل على ذلك".
وأوضح العبيدي أن "بعض المناطق يمنع أهلها من العودة إليها لأسباب انتخابية، فالجهات السياسية المتنفذة والتي تمتلك الفصائل المسلحة تسعى لإبقاء سكان بعض المناطق خارج سباق الانتخابات لضمان تمرير مرشحين موالين لهم، وهو ما حصل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي سبقتها والذي سيحصل في الانتخابات المحلية المقبلة".
وتكررت خلال العام الجاري، وعود الجهات المسؤولة بإنهاء ملف النازحين وغلقه بشكل كامل، إلا أن تلك الوعود لم تنفذ، على الرغم من مرور 9 سنوات على النزوح الذي بدأ في صيف عام 2014.
وكانت وزيرة الهجرة إيفان فائق قد أكدت نهاية العام الماضي على التزام الحكومة وفقا للبرنامج الحكومي بإغلاق ملف النزوح خلال 6 اشهر ومن ضمنهم النازحون من جرف الصخر.
لكن المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين في العراق علي جيهانكير أعلن عدم امكانية غلق ملف النزوح في البلاد خلال الفترة الحالية.
وقال جهانكير، إن "الأخبار المتداولة عن عزم الوزارة على إنهاء ملف النزوح في وقت محدد عارية عن الصحة"، مشيراً إلى أن "هذا الملف يتضمن خطوات والوزارة تعمل على إزالة التحديات التي تواجهها".
وبحسب جهانكير فإن "عدد المخيمات المتبقية في كردستان يبلغ 26 مخيما يقطن فيها أكثر من 36 ألف عائلة نازحة غالبيتهم من محافظة نينوى، خاصة من قضاء سنجار ذي الغالبية الإيزيدية، حيث يبلغ عددهم نحو 27 ألف عائلة نازح، والبقية (قرابة 10 آلاف عائلة) هم من مناطق أخرى من نينوى ومحافظة صلاح الدين وديالى وغيرها.
وفي إقليم كردستان فقط، يتواجد أكثر من 700 ألف نازح، 30 % منهم يتواجدون في مخيمات النازحين والباقي يسكنون على حسابهم الخاص.
أكثر من مليون نازح
المنظمة الدولية للهجرة في آخر تقرير لها صدر الأسبوع الماضي وتابعته شبكة "الساعة" كشفت عن وجود أكثر من مليون ومئة ألف نازح في عموم العراق، وبينت أن ما يزيد على 64 ألف نازح في العراق يشكلون نسبة 7% من مجموع النازحين الكلي في البلد يعيشون في ظروف سيئة جدا، مشيرة إلى أن أكثـرهم يتمركزون في محافظات صلاح الدين، والأنبار ونينوى وديالى.
وتذكر المنظمة الدولية في تقريرها: أنه "مع انتهاء الحرب مع داعش في العراق فإن مشكلة النزوح المزمنة أصبحت ملازمة لبيئة ما بعد الحرب في البلد"، مشيرة إلى أنه "ما يزال هناك 1.14 مليون يعيشون حالة نزوح بين ظروف معيشية شديدة القسوة ومتوسطة وقليلة الحدة، أغلبهم تقريبا نزحوا من مناطق سكناهم الأصلية ومضى عليهم في المخيمات أو مواقع النزوح أكثر من خمس سنوات".
وقالت المنظمة إنه "في ضوء ما ذكر أعلاه، فإنه من الضروري إدخال حلول مستدامة لمشكلة النزوح في العراق وذلك بتحسين ظروف المعيشة لتمكين الأشخاص النازحين من أن يتخذوا خطوات طوعية تجاه العودة لمناطقهم والاندماج مع المجتمع المحلي أو الاستقرار في أماكن ومواقع جديدة".
تجاهل حكومي
من جهته يؤكد مرصد "أفاد" المعني بحقوق الإنسان في العراق أن التغيير الديمغرافي والعنصرية والطائفية والفساد الحكومي تمثل أبرز الأسباب التي تقف وراء بقاء ملف النزوح مفتوحا.
وقال المتحدث باسم المرصد حسين دلي في تصريح لشبكة "الساعة" إن "المرصد يعتقد بأن التغيير الديمغرافي والعنصرية الطائفية والفساد الحكومي ممثلاً بوزارة الهجرة والمهجرين هي أهم الدوافع وراء تجاهل إعادة المهجرين من العرب السنة في العراق إلى ديارهم رغم مرور أكثر من 9 سنوات تقريبا على إخراجهم منها عنوة".
وأضاف دلي: أنه "بالرغم من جميع المطالب الحقوقية والإنسانية لإنهاء هذا الملف المحتقن وما يتبعه من انتهاكات لحقوق الإنسان لنحو مليون عراقي، ما زال النازحون يقطنون مخيمات النزوح في مناطق عدة من العراق".
وتشير أرقام مرصد أفاد لوجود نحو 700 ألف نازح يتوزعون على مخيمات إقليم كردستان العراق في محافظات السليمانية وأربيل ودهوك، بينما يوجد نحو 300 ألف آخرين موزعين على مخيمات حسن شام والخازر والجدعة في نينوى ومخيمات بزيبز والعامرية المركزي في الأنبار ناهيك عن النازحين عن ديارهم في صلاح الدين وديالى، بجانب مئات الآلاف من المهجرين الذي يسكنون على حسابهم الخاص ولا يمكن رصد أعدادهم بدقة"، بحسب المتحدث باسم مرصد أفاد.
وأكد حسين دلي أن "هذه الأعداد تعيش في النزوح دون أي إعانة اجتماعية حكومية في محافظات متفرقة، بعيداً عن مُدنهم الأصلية التي ترفض الحكومة العراقية تسهيل عودتهم إليها، جراء سيطرة فصائل مسلحة على منازلها وبساتينها وأحواضها السمكية واستغلالها لمنافع خاصة، أو حتى إبقائها فارغة من أي ساكن مثل منطقة العوجة ويثرب بمحافظة صلاح الدين وقرى نهر الإمام والميثاق التابعة لمدينة المقدادية وكذلك ناحية السعدية في ديالى، بما يمكن عدّه نوعاً من العقوبات الجماعية المرفوضة من قبل الشرائع الدينية والأعراف الاجتماعية والقانون الدولي".
وأضاف أن "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، وخلال زيارة لمخيم هرشم للنازحين في محافظة أربيل نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، أي قبل شهرين تقريبا، شخصت وجود تحديات جمة تحول دون عودة النازحين إلى ديارهم، وأهمها الأمن والإسكان وفرص كسب العيش والتعويضات، وهذا ما يؤكد تقارير مرصد أفاد عن استخدام ورقة الموافقة الامنية سلاحاً بوجه من يروم العودة، ناهيك عن أن آلافاً من العائلات النازحة تم وقف المساعدات عنها وإبلاغ المنظمات الدولية بوجوب مغادرة المخيمات، لإجبار النازحين على تركها دون توفير مخصصات مالية لهم".
ولفت دلي إلى "مشكلة خطيرة تواجه النازحين في المخيمات وهي عدم التحاق المئات من أبناء النازحين بأي صفوف تعليمية منذ سنوات، وافتقار تلك المخيمات لأي وحدات صحية رغم وجود المعاقين وأصحاب الأمراض المزمنة والأطفال والنساء وكبار السن".
وأوضح متحدث مرصد "أفاد" أنه "رغم المناشدات الإنسانية من منظمات حقوقية دولية ومحلية ومطالبات عشائرية وسياسية من كتل برلمانية عراقية، فإن حكومة محمد شياع السوداني على غرار الحكومات السابقة تواصل صم آذانها عن تلك المطالب وتجاهلها بذرائع شتى، بل وعملت على تكريس الوضع القائم لعمليات التغيير الديمغرافي، مثل شق طريق جنوب بغداد يمر من بساتين ناحية جرف الصخر التي تم تهجير نحو 100 ألف شخص من أهلها، وترتيبات إدارية مثل عزل منطقة النخيب أمنياً عن محافظة الأنبار وإلحاقها بقيادة عمليات كربلاء، وتقنين سيطرة فصائل الحشد الشعبي على مناطق بين مدينتي سامراء والفلوجة قرب سدة الثرثار وذراع دجلة ومنع الصيد فيها، ورفض إعادة الآلاف من أهالي مدينة المقدادية بمحافظة ديالى وتسليم مناطقهم للقوات الامنية، وإلغاء سندات زراعية بالآلاف في مناطق اللطيفية والرضوانية جنوب العاصمة بغداد، بذريعة إقامة مدن استثمارية ومشاريع اقتصادية وسكنية لمنتسبي أجهزة الأمن والوزارات الحكومية، وكلها مناطق سنية".
وختم دلي حديثه بالقول: إن "كتلتي تقدم والسيادة السنيتين اللتين يقودهما رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وخميس الخنجر أعلنا على التوالي إنهما حصلا على تعهدات من قوى الإطار التنسيقي ضمن تحالف الدولة الذي تم بموجبه التصويت على السوداني رئيسا للحكومة، على إعادة النازحين والمهجرين وإخراج قوات الحشد من داخل المدن السنية وقانون العفو عن المعتقلين، لكن هذه التعهدات ما زالت حبراً على ورق ولم يتم تنفيذها لغاية اللحظة".