اعلام البرلمان
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COMتابعت باهتمام جلسة مجلس النواب لهذا اليوم، الاثنين، وذلك من خلال الشاشة الصغيرة التي بثت وقائع الجلسة كما وصلت اليها من الدائرة الاعلامية للمجلس.
النقاش بين النواب كان بشأن نشر وقائع جلسات المجلس في وسائل الاعلام، ولاهمية الموضوع وما ازعم انني افهم فيه شيئا ما، فقد اثار فضولي لاستنتج الملاحظات التالية، سواء بشان اصل الموضوع او طريقة حوار النواب وكيفية تعاطيهم مع الموضوع:
اولا: شخصيا، فانا مع فكرة بث كامل وقائع الجلسات الى الراي العام، الا ما خرج منها بدليل وبقرار من المجلس وليس من رئاسته، كأن يقرر النواب عقد جلسة سرية لاغراض الدفاع او الامن او ما اشبه، بمعنى آخر فان الاصل في الموضوع هو علنية الجلسات، اما الجلسات السرية فهي الشاذ من القاعدة.
ثانيا: ان المقصود بالعلنية هو اطلاع المواطن عليها قبل مقص الرقيب، وليس بعده، والا لما سميت علنية، ولذلك فانا لا افهم معنى مصطلح العلنية بعملية بث الشاشة الصغيرة لجوانب من الجلسات التي تسمح بها الدائرة الاعلامية فقط، فان مثل هذا البث لا يطلق عليه مصطلح الجلسة العلنية ابدا.
ان كل برلمانات العالم الحر تسمح للمواطنين ولمختلف وسائل الاعلام بالحضور في الجلسات العلنية ومتابعتها اولا باول بلا رقيب او حسيب، وعادة ما يحضرها الناس حسب اهتماماتهم بالموضوع مورد النقاش، والا لما شاهدنا التراشق بالطماطة او الصحون، مثلا، تحت قبة البرلمان، وبالصوت والصورة الحية والمباشرة، في العديد من دول العالم الحر اذا كان مفهوم الجلسات العلنية يعني بثها للراي العام بعد تمريرها على مقص الرقيب، هذا اذا كان البرلمان، اي برلمان، قد اعلن عن نيته عقد جلسة علنية، اما اذا كانت الجلسة سرية فهو لن يسمح بنشر اي شئ منها ابدا، ولذلك فلا داعي، في مثل هذه الحالة، لتمريرها على مقص الرقيب.
ثالثا: يسوق البعض حججا واعذارا مختلفة للتدليل على خطورة علنية الجلسات، ولقد استمعت الى بعضها التي ذكرها النواب في جلستهم، الا انني، وبصراحة، لم اقتنع باية واحدة من هذه الاعذار، وذلك؛
الف؛ ان اية رقابة على احاديث النواب هو نوع من انواع التجاوز على الدستور الذي كفل حرية التعبير للمواطن، فما بالك اذا كان هذا المواطن نائبا في البرلمان؟.
لا يحق لاحد ان يراقب افواه النواب، وان الرقيب الوحيد على كلامهم هو ضميرهم وعقولهم وما يعتقدون به، انه الرقيب الذاتي الذي يجب ان يجري تفعيله ليتحمل النائب كامل المسؤولية ازاء ما يدلي به من احاديث واقوال.
ان النائب له كامل الحق في التعبير عن رايه تحت قبة البرلمان، شريطة ان يتحمل مسؤولية كل كلمة او حرف يتفوه به، وعلى هذا الاساس فان مسؤولية القول والفعل تحت قبة البرلمان هي مسؤولية عينية وليست جماعية، بمعنى آخر فان المجلس غير مسؤول عن كلام كل نائب على حدة، انما هو يتحمل مسؤولية جماعية ازاء قراراته وتشريعاته التي يصوت ويوافق عليها فقط.
تاسيسا على ذلك فان المجلس لا يتحمل مسؤولية كلام اي عضو فيه، ما ينفي ضرورة تمرير كلام النواب واحاديثهم على مقص الرقيب.
باء؛ ان مرور احاديث النواب على مقص الرقيب يثير الكثير من الجدل بشان صحة او عدم صحة ما ادلى به هذا النائب او ذاك من حديث او مداخلة في الجزء المسموح بنشره، ومن اجل ان نقطع دابر الشك ولا نسمح بالطعن في مصداقية الجلسات ومحتوياتها، وكذلك من اجل ان نقطع الطريق على النواب الذين يلجأون الى تسخير الاعلام في تصحيح او توضيح ما ادلوا به تحت قبة البرلمان، او في الدفاع عن انفسهم، فان العلنية هي الحل لكل ذلك، خاصة في العراق الجديد الذي تتقاطع فيه الكثير من المصالح الحزبية والسياسية والفئوية بين مختلف النواب، ما يفسح المجال للتاويل والتبرير بدرجة كبيرة.
جيم؛ للناخب كامل الحق في ان يعرف مستوى اداء النائب تحت قبة البرلمان، من خلال متابعة احاديثه وحواراته ومداخلاته وهو يناقش القضايا المطروحة، ولا يمكن للناخب ان يمارس حقه الدستوري هذا اذا مرت احاديث النواب على مقص الرقيب.
ان اطلاع الناخب على مستوى اداء النائب ومدى قدرته على الاتيان بشئ جديد، او بقدرته على الاقناع وهو يناقش ويجادل، يرسم في ذهنه الصورة الحقيقية لشخصية النائب، ليجدد ثقته به او يحجبها عنه في الانتخابات القادمة.
ان من حق المواطن ان يطلع على حقيقة مجريات مجلس النواب وما يجري فيه من احاديث ونقاشات، ولا يتحقق ذلك اذا مر مقص الرقيب على الاجتماعات، فالحقيقة يمكن ان نقراها قبل مقص الرقيب وليس بعده.
يجب ان يكون الحكم الوحيد على مصداقية حديث النائب هو المواطن العراقي، ليكتشف من خلال اطلاعه على تفاصيل مجريات جلسات مجلس النواب حقيقة النواب ونواياهم واتجاهاتهم واجنداتهم، على قاعدة {تحدثوا تعرفوا} فسيعرف المواطن اي النواب مع العملية السياسية بشكل حقيقي وجوهري لا مراء فيه ومن منهم ليس معها يسعى للطعن فيها باي شكل من الاشكال، ومن منهم مع الارهاب ومن منهم حريص على حقن دماء العراقيين، ومن منهم الكفوء والاخر غير الكفوء، وهكذا.
ان كل ذلك لا يمكن ان يكتشفه المواطن اذا مرت احاديث النواب بفلترات لها اول وليس لها آخر، ولذلك يجب ان تترك احاديث النواب تنساب الى المواطن بكل حرية وشفافية، ليصدر من ثم حكمه على وكلائه عن معرفة ووعي.
اما الحجة القائلة بان بث الجلسات بالكامل يؤثر على الوفاق الوطني، فهي من الحجج المضحكة المبكية، فكلنا يعرف بان من يريد ان يشنج الموقف ويصعد من حدة التوترات ليس بحاجة الى جلسة في البرلمان ليتحدث فيها، وانما امامه الفضاء باكمله مفتوح له 24 ساعة.
رابعا: ما اثار انتباهي هو ان اغلب النواب كانوا يحملون بايديهم نسخة من الدستور العراقي او نسخة من النظام الداخلي للمجلس وهم يسوقون ادلتهم على صحة اقوالهم وتطابقها مع الدستور والقانون، ومع ذلك فانهم تناقضوا في ادلتهم التي ساقوها، ما يشير الى نقطة في غاية الاهمية، الا وهي، ان النواب، بشكل عام، لا يقرأون كل النصوص الدستورية والقانونية الخاصة بمادة النقاش عندما يبحثون في الموضوع، وانما يجتزئون الفقرة التي تمر امامهم فقط دون العودة الى بقية المواد المتعلقة بالموضوع.
بمعنى آخر، انهم يحملون في ذهنهم صورة جانبية للراي الدستوري والقانوني وليس صورة كاملة، ما يقلل من شان ادلتهم التي يسوقونها لاثبات ما يعتقدون به صحيحا.
ان الدستور او القانون وحدة واحدة لا يمكن تجزئته، وهو حمال ذو وجوه، ولذلك لا يجوز تبعيضه عندما نريد ان نسوق مادة منه كدليل على صحة ما نريد قوله.
تاسيسا على ذلك فانا اقترح ان يستعين كل نائب، عندما يريد ان يعود الى الدستور او القانون، بخبراء قانونيين، ليقف على التشريع بشكل صحيح وسليم، فلا يجتزئ او يتناقض او يبتر النص من سياقاته، لان ذلك يوقعه في حرج يدلل على عدم تمكنه من فهم النصوص الدستورية او القانونية.
خامسا: لقد شرق النواب وغربوا وهم يناقشون الموضوع المطروح، ما يشير الى انهم يتناولوه لاول مرة، فهو لم يتبلور في لجنة مختصة قبل طرحه للنقاش العام في المجلس، وهذا امر غير سليم ينبغي ان لا يتكرر في الجلسات القادمة، اذا ان من الضروري جدا ان لا يطرح موضوع للنقاش العام قبل ان يتم بلورته في لجنة خاصة ابدا، والا فان المجلس سيضيع وقته في سجالات متشعبة غير نافعة لها اول وليس لها آخر.
لقد رايت بعض النواب يتحدثون وكانهم اجبروا على الحديث، او انهم يتصورون بان من الواجب دستوريا او اللائق اخلاقيا ان يتحدث النائب في كل جلسة، فلا يفوت واحدة منها، ففي حديثه، مهما كان نوعه، استعراض لعضلاته ولقابلياته الخطابية، وان عليه ان يدلي بدلوه في كل موضوع مطروح للنقاش، ولذلك رايت بعضهم وقد مرروا وقتهم المحدد للحديث بمجموعة من العبارات الانشائية والجمل غير المفيدة، على طريقة {اذا تخاصمت بريطانيا مع لندن فلماذا تتدخل انجلترا} فيما قضى بعضهم الوقت بالمزاح وبعض الكلام الخفيف، وبهذا الصدد اقول؛
الف؛ ان على النائب ان لا يدلي بكل راي في كل موضوع، فليست البطولة في ان يتحدث النائب، وانما البطولة في ان يصيب مقتلا في حديثه الذي يجب ان ياتي بما لا يقل عن واحدة من ثلاث؛
1ـ ان يوضح معنى ويميط اللثام عن الملتبس من الامور.
2ـ ان ينظر، بتشديد الظاء، للموضوع.
3ـ ان يقدم مقترح ما.
اما التكرار والانشاء فليس مكانه تحت قبة البرلمان.
لابد للنائب ان يتذكر دائما بانه حجز مقعده تحت قبة البرلمان ليشرع الانظمة والقوانين وليس ليلقي موضوعا في الانشاء كتلك المواضيع التي كان يطلبها منا معلم الانشاء عندما كنا طلابا في المدرسة، وكيف كنا نبذل قصارى جهدنا لاختيار افضل الجمل واعذب الكلمات واحلى العبارات، لاننا كنا نستحق الدرجة على قدر جمال الموضوع في اغلب الاحيان.
باء؛ لم اشعر ان اغلب النواب تحدثوا في الموضوع عن معرفة وخبرة، وانما جاءت جل احاديثهم اجتهادات آنية، تعتمد على الذاكرة اكثر من اعتمادها على الورق، ما اثار عندي الشعور بانهم لم يتهيأوا بشكل مسبق لمناقشة الموضوع المطروح.
وتجنبا لتكرار مثل هذا الموقف، اقترح على كل نائب ان يستعين بخبراء متخصصين في كل موضوع ينوي المشاركة في مناقشته، لياتي حديثه عن خبرة، فيضيف شيئا جديدا او يكشف عن غموض او يبلور فكرة مطروحة.
ان الناخب لا ينتظر من النائب ان يكون موسوعة يفهم في كل شئ، او علامة في كل شؤون الدنيا، حتى هنا في الولايات المتحدة الاميركية، فان اعضاء الكونغرس لا يفهمون بالكثير من الامور، الا انهم يسدون هذا النقص او الفراغ بالمستشارين وعلى مختلف الاصعدة، وهذا بالضبط ما يجب ان يفعله النواب في العراق.
لا نريد خطباء تحت قبة البرلمان، انما نريد مفكرين يحملون رؤية واضحة ينتجون بها افكارا تفضي الى تشريعات تخدم المواطن والبلاد.
ان النائب قائد في موقعه، مطلوب منه ان يتخذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح، بعد ان يدلي برايه الصحيح في الوقت الصحيح ولا اعتقد بانه قادر على انجاز هذا العمل الجبار اذا لم يستعن بخبراء ومتخصصين في كل شان من الشؤون التي ينوي النقاش فيها.
ان على كل نائب ان يتخذ لنفسه خبراء في مختلف القضايا، يعود اليهم كل حسب اختصاصه كلما دعت الضرورة الى ذلك، اما انه يقف في كل مرة وبيده المايكرفون ليتحدث في كل قضية، بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، فان ذلك يقلل من شانه، ويطعن في مصداقيته، فليس العيب في ان يستشير النائب اهل الخبرة والتجربة قبل ان يناقش ويتحدث، انما العيب كل العيب في ان يجازف في كل مرة ليدلي بآرائه في كل القضايا المطروحة بلا علم او سابق معرفة.
ان بامكان النائب ان يتواصل مع مثل هؤلاء الخبراء بالهاتف والبريد الالكتروني اذا كان الحديث واللقاء المباشر صعب المنال، فلقد ذللت التكنولوجيا الكثير من الصعاب التي كانت تحول دون التواصل المستمر بين الناس.
كما ان من الضروري بمكان ان يطلع النائب على تجارب الدول المتقدمة التي سبقتنا في بناء انظمتها الديمقراطية، خاصة على صعيد القضايا الادارية والتنظيمية، اذ يمكن اعتبار ما توصل اليه الاخرون في هذا المضمار تجارب ثرية لو اخذنا بها لوفرنا على انفسنا الكثير من الجهد والزمن.
سادسا: وبهذا الصدد فانا اقترح ان يصار الى طريقة معينة يتم من خلالها اشراك الراي العام بالنقاشات التي تجري تحت قبة البرلمان، من خلال اشراك منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام والخبرات والكفاءات المتنوعة في المجتمع العراقي.
والطريقة التي اقترحها هي ان يعلن مجلس النواب العراقي مسبقا عن ورقة عمل جلساته الرسمية وما سيناقشه من مواضيع ومشاريع، لتبادر وسائل الاعلام الى تنظيم جلسات حوارية تستضيف فيها اهل الخبرة والاختصاص، واخرى برامج على الهواء مباشرة يتحدث فيها الناس ليدلوا بآرائهم في القضية المطروحة، وانا متاكد من ان النواب سيجدون في مثل هذه البرامج الحوارية الكثير الكثير من الافكار التي تثري نقاشاتهم وتبلور آراءهم وتنضج مقترحاتهم.
بهذه الطريقة سيقترب مجلس النواب اكثر فاكثر من نبض الشارع العراقي، الذي سيحس بانه مشارك حقيقي وفعلي وليس هامشي في عمل النواب ومجهودهم الفكري الذي يبذلونه من اجل تشريع القوانين.
واذا لم يسعف الوقت مجلس النواب للاعلان مسبقا عن ورقة عمل بعض جلساته، فلوسائل الاعلام ان تنظم مثل هذه البرامج الحوارية فيما بين جلسات المجلس وقبل التصويت على التشريع ما امكنها الى ذلك سبيلا.
سابعا: جرى الحديث في الجلسة عن امكانية تاسيس فضائية خاصة لمجلس النواب لبث جلساته للراي العام، وانا هنا لي راي في الموضوع؛
الف: يجب ان ناخذ بنظر الاعتبار ان الذي يتابع جلسات مجلس النواب بتفاصيلها المملة هم المهتمون بها فقط، فليس كل المواطنين لهم الاهتمام المتساوي بها.
قد يهتم كل العراقيين بنتائج الجلسات وما يتمخض عنها من قرارات وتشريعات، ولكن ليس كلهم يتابعون تفاصيلها.
باء: ارى لو يصار الى تاسيس اذاعة تبث على موجة (اف ام) ليلتقطها اكبر عدد ممكن من المهتمين، لمتابعة جلسات المجلس على الهواء مباشرة، كما هو الحال مثلا هنا في الولايات المتحدة الاميركية، التي يتابع المهتمون تفاصيل جلسات مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب) على الهواء مباشرة بالراديو المتاح للمتلقين اكثر حتى من الشاشة الصغيرة.
جيم: يجب ان لا يقتصر البث المباشر على الجلسات العامة لمجلس النواب، بل يجب الاهتمام بجلسات اللجان المختصة كذلك، خاصة عندما تستجوب ضيوفها من المسؤولين، فان عمليات الاستجواب هذه تساعد المواطن على معرفة الحقيقة اكثر من اية جلسة اخرى، فهي تكشف عن الخطا والتقصير او القصور ما لا تكشفه الجلسات العامة.
22 تشرين الثاني 2010