اغتيال الطفولة
تختال الطفولة مرارًا وتكرارًا، مرة من قبل الأهل عندما يغضون النظر عن كل تصرف وسلوك غير سليم يتبادر من أطفالهم في غير محلهِ وأيضًا عندما يهملونهم ولا يحققون مطالبهم واحتياجاتهم وهذه الأخيرة بالتأكيد قد تكون لها أسبابها هي الأخرى. لا ننسىّ المجتمع هو الآخر الذي يتفنن في الأساليب الغير الصحيحة وترويج للمفاهيم المغلوطة للكثير من الحالات الحياتية. ومرة من العالم برمتهِ والحروب التي تقام على أرضهِ، حروب أقل ما نقول عنها أنها ضد الإنسانية بكل ما تحملهُ في جعبتها من قتل وتشريد وحرمان وتهجير وتصفيات.
عندما نذكر كلمة طفل وطفولة يتبادر إلى ذهننا الصفاء والنقاء والبياض والبراءة والزهور وبراعم الأشجار والربيع، هؤلاء الأطفال هم زهور هذه الحياة وقلب هذه الإنسانية وهم نبض حياة هذه الحياة. لكن في بعض البلدان ما هم سوى مُغتالين، مُشردين، جائعين، مظلومين، مُحتاجين، محرومين، مُتألمين، يتيمين، ضائعين، مُستغلين، غير أمنين، عنيفين، مُنحرفين، هاربين، متسولين، هيكل تسكنهُ الظلمة والذهول والدهشة والرعب ... الخ، بصحيح العبارة هم أطفال فاقدين طفولتهم ولا قيمة لكيانهم الصغير ... كيف ولماذا؟!
الحرب عندما تخوض في أي بلد، أكيد لا يضعون في الحسبان كل شيءٍ ومن ضمنهم الأطفال، هؤلاء إشراقه المستقبل إذا غابوا غاب الوطن معهم ويكون مظلمًا وناقصًا! الحروب ليست محصورة فقط في أصوات القنابل والمدافع والرصاص وليست فقط في أطلاق الصواريخ من الطائرات وليست فقط في القتل المباشر والتدمير، بل هنالك تأثيرات أخرى نلمسها حينما تهدأ ثورة الحرب قليلاً، أنها الشلل الداخلي الذي يصيب كل مرفق في الإنسان ومن ثم البلد، أنها الجانب الآخر من الحرب ذات التأثير النفسي المُدمر الذي يُحاصر الفرد في نفسهِ ويمنعهُ من الانطلاق، واصلاً إلى مختلف الفئات العمرية دون استثناء وتحديدًا الأطفال الذين لا حول ولا قوة ولا إرادة لهم، يتعرضون للكثير من الصدمات النفسية الناتجة من هذه الحرب التي إن أعطيناها وصف قريب لها، نقول هي تلك المعصرة التي تقطر نِقطة نقطة في انتظار مُمللّ لا نهاية لهُ!
الحرب تحل وتنتهي نعم، ولكنها لا تمرّ وكأنها زوبعة صغيرة في فنجان بلْ هي عاصفة تقلع كل ما يكون أمامها! حرب حولها يُثار الكثير من التساؤلات والكثير من المخاوف من المجهول التي هي الأخرى لا تعلمهُ؟! يضعون خطط للحرب وتوقعات لا تصلها بنسبة، ومن جانب آخر لا يلاحظون انعكاساتها أو يضعونها في الحسبان استنادا إلى حروب شنت قبلها. ما ذنب البراءة التي لا تملك صوتها ولا حياتها، فقط لها من الحياة بكائها وخوفها وفزعها وهروبها إلى حضن الوالدين، فكيف بالحروب وما تعجُّ به؟! وكيف بالطفل إذا خاف إلى من يلجأ إذا كانت الحرب قد خطفت الأب والأم ودمرت المنزل؟! شعورهم هذا لم يجربوه ولم يشعروا به لذلك لا يضعون في الحسبان كل هذه الأمور عندما يعلنون حربهم، وكل ما يكون حاضر في ذهنهم لحظتها هو كيف يبدؤن الهجوم وأي توقيت يكون مناسب لهم هم. وأكثر ما يهمهم هو تحقيق إستراتيجيتهم السياسية المنتهجة؟!
الحرب فعلا طاحنة تطحن كل شيءٍ ومعهم البشر، حرب شريرة كذاك الوحش الذي يحمل في أحشائهِ الموت والقتل والمعاناة وإراقة الدماء ومختلف الأفعال البشعة التي تكون كقبضة اليدّ مُجتمعة تضرب وتخنق النفوس البريئة! عندما يقتل طفل في الشارع برصاص جندي أو يهدم المنزل عليهم وهم في داخلهِ، أو ملجأ بالكامل بما فيه يُدمر من نساء وأطفال رضع وشيوخ، فالطفل الناجيّ من بينهم مثلاً والذي أطلع بعينهِ وشاهد ذلك الموت الحيّ وذلك الرعب، فكيف ستكون نفسيتهِ وأي أثر بصم بصمتهِ في داخلهِ وأي حياة ستكون لهُ بعد ذلك وبأي صورة ستُعاش؟!
نسأل هنا هذا السؤال الذي طالما يتبادر إلى ذهني، الكثير من الندوات والمؤتمرات التي تقام من أجل إنقاذ الطفولة ومن أجل حمايتها، عندما تقام ويناقش فيها بأي حلول ونتائج تختتم مُناقشاتها؟! وربما قد يقول قائل:" هنالك حلول وقواعد للسير عليها توضع ولكن التطبيق الفعلي لها في الواقع لا يوجد"؟! فأين يكمن الخلل هنا، وما هي السبل الكفيلة للحدّ ولو قليلا من كل ما هو قائم في الحياة؟! الحروب لا تنتهي والحياة لا تنتهي، فهل هو صراع بين الحياة والحرب على الإنسان؟! أم هو صراع الإنسان مع الإنسان نفسهُ بالحروب؟! ويبدو أنهُ كذلك مع الأسف!
ويبقى أن نقول نصوص بنود حقوق الإنسان، القوانين الدولية، البروتوكولات، اتفاقية حقوق الطفل وغيرها، أين هي اليوم من التطبيق الفعلي؟! أين هي الحماية المنصوص عليها فيهم، وكيف تُصان الكرامة في ظلهم؟! أين هو الطفل والمرأة اليوم في ظل مختلف الممارسات الوحشية والحروب المدمرة؟! صور مؤلمة لضحايا تركت في نفسهم مشاهد لا الزمن ولا هو نفسهُ قادر أن يتجاوزها أو ينساها، صور باتتْ مطبوعة في الأذهان وراسخة في القلوب وتعيش فيهم بكل ما فيها، أنها نوع من الثقافة التي تغذي العقول والأذهان على العنف والقلق والخوف، أنهُ جيل كامل مُتمثل بهؤلاء الأطفال الذين سيكبرون وهم يعانون من مشاكل نفسية عميقة، لها تأثيرها السلبي مستقبلا على حياته ومستقبله ومستقبل بلده، طبعًا إذا تركت بدون علاج وبدون مساعدة على تجاوزها، وهذا صعب وصعب جدًا في ظل بلد مثل العراق طحنتهُ الحروب ومزقهُ العنف والتفرقة، وكذلك الحال مع فلسطين وسوريا ولبنان!