اقتراب موعد تقسيم العراق
لا شك في ان الانتخابات ممارسة ديمقراطية تتيح للفرد الفرصة في ان يتقدم بمؤهلاته الأكاديمية او السياسية او الاجتماعية للترشيح في الانتخابات والتنافس مع من مسموح له ديمقراطيا ايضا بالترشيح للفوز بمنصب يتيح له من خلاله خدمة المجتمع .لكن المؤسف بان كل الدلائل في ممارسة الانتخابات العراقية تشير الى عدم توفر عنصر الديمقراطية وصفة الكفاءة , لأن بعض الكتل المتنفذة بدأت باستعمال المال كوسيلة لكسب الاصوات حيث تبين ان هذه الكتل اصبح لها رصيدا عاليا من المال بحيث باتت لا تعتمد على مساعدات الحكومة في دعايتها الانتخابية , ولا يخفى على احد الضرر الذي سيلحق بالمستقلين حيث ستكتم اصواتهم بشكل او بآخر , وبالرغم من اننا على يقين بان هذه الانتخابات لن تمر دون تزوير وشراء للاصوات بالمال والمغريات فاننا رغم ذلك نطالب الحكومة بتوفير الأجواء الملائمة مع توفير الدعم المالي اللازم والمشروع للكتل الوطنية والمستقلة لمساعدتها في تحمل تكاليف الدعاية الانتخابية ولاثبات وجودها , لقد تناقلت وسائل الاعلام سير الدعاية الانتخابية منذ ايامها الاول وفي معظم المحافظات حيث تخللتها تمزيق لصور الناخبين والتشهير على الجدران والتهديد والترهيب باستخدام الورقة الدينية اضافة لاغراء الناخبين بالمال الذي اصبح متاحا لدى بعض الاحزاب الحاكمة .
ان من يعتقد بان الانتخابات ستكون ديمقراطية وشفافة وان نتائجها ستكون مرضية للشعب العراقي فهو واهم لأن العقلية الحاكمة والمتنفذة والمسؤولة عن سير الانتخابات في الشارع العراقي ما زالت هائمة في عشق السلطة وغير مستعدة لقبول الرأي الآخر , كما ان رائحة الكراهية والعداءات والحقد والثأر ما زالت على حالها تعشعش في رؤوس بعضها , كما ان مفهوم الديمقراطية اصلا ما زال غريبا على ايدلوجية غالبيتها .
ان العراقيين المخلصين من قادة الكتل والأحزاب الدينية والقومية والعلمانية مسلمون او مسيحيون وغيرهم مدعوون ان ينتبهوا ويكشفوا عن نوايا وعن ما يخبأ وراء هذه الانتخابات , كما انهم مطالبون بالوقوف ضد كل ما يطرح من مشاريع وبرامج تسعى لتقسيم العراق الى اقاليم طائفية وعنصرية بغيضة , وعليهم التأكيد بان ما يحتاجه العراقيون اليوم بعد ان فشل الحاقدون والارهابيون في اشعال الحرب الأهلية هو اشاعة ثقافة التوحد والحفاظ على سلامة التعايش بين المكونات الدينية والقومية , اما الدعوة الى انتخابات او استفتاءات يُشم منها رائحة التمييز الطائفي او القومي بحجة الانتعاش الاقتصادي واحلال الأمن والاستقرار فهذا يعني ان هناك من يريد العودة بشعب العراق الى عصر الجاهلية وعصر صراع القبائل والعشائر من اجل التسلط والسطو ونهب الآخر !
ان الانتخابات بالشكل الذي يعد تقسيمه على اساس ديني او طائفي او قومي فانه احد الطرق التي ستؤدي الى تقسيم العراق , وان تحقق ذلك لا سامح الله فانه سينعكس سلبا على المكونات الصغيرة والأصيلة المتواجدة على ارض العراق ومنهم اتباع الديانة المسيحية والصابئية واليزيدية والشبكية , ان هذه المكونات لم يكن في ذهنها يوما ان يصل العراق الى هذا الحال التقسيمي المزري , واود ان اشير هنا بان تسمية { الكلداني الأشوري السرياني } قد اُعتمدت في المحفل "السياسي" العراقي بعد غزو العراق عام 2003 كتسمية تشمل المسيحيين فقط , باعتبار ان { الكلدان الأشوريين السريان } هم شعب تأريخي اعتنق المسيحية وله مقومات تجعله ان يكون قومية واحدة فالدين و الأرض و العادات والتأريخ هما قواسم مشتركة لهذه القومية وان هذه القواسم مجتمعة تشعرهذا المكون بانه انهم ينتمي لقومية واحدة ..وهذا ايضا شكل جديد من اشكال التقسيم القومي في العراق ! ....ولكني هنا اشد على يد كل من يستطيع ان يختصر تسمية { الكلدان السريان الاشوريين } الطويلة في كلمة قومية واحدة تصف عظمتهم التأريخية وارثهم الحضاري والانساني والذي استمر يتعايش ويتفاعل مع القوميات الأخرى منذ الاف السنين على ارض بين النهرين "العراق" ..اتمنى ان يتحقق ذلك !
ان وحدة ارض وشعب العراق في ظل حكومة ديمقراطية كفوءة ونزيهة هي الضمانة الأكيدة لخير ولاستقرار شعب العراق , لذلك ارى ان تقسيم العراق سيشكل خطرا على امن وسلامة الجميع حيث ان احتمالات اسغلاله من قبل ضعاف النفوس واردة خاصة اذا ما علمنا ان غالبية الشعب العراقي بكل مكوناته ما زال يعشعش في ذاكرته ظلم التمييز السياسي والطائفي والقومي والديني , فشعب العراق بحاجة الى تعزيز وحدته لا الى تمزيقه الى كتل , كما ان الثقافة التي توحد العراقيين باتجاه بناء العراق الجديد والدفاع عنه هي التي يجب ان نعمل من اجل ترسيخها في ذهن العراقي !
ولكن وبالرغم من ان مشروع تقسيم العراق يسير وفق مخططه كما نوهت عنه في مقال سابق , فاني اليوم اعيد تأكيده خاصة بعد ان اعلنت القيادة الأمريكية بان انسحاب الجيش الأمريكي لن يكون كاملا من المدن وفق الاتفاقية الأمنية , الى جانب دعوة بعض السادة الشيعة في المحافظات الجنوبية عن فكرة اقامة اقليم البصرة , وما يحدث اليوم في البصرة من تحركات وكلام ودعاية قبل الانتخابات دليل على ذلك , ان هذه ما هي الا اشارات تمهد لقيام الفوضى المعدة مما سيتطلب قيام الحكومة بالطلب من السلطات الأمنية في المحافظات الشمالية والوسطى والجنوبية للتحرك لاعلان تأييد قيام الاقاليم بحجة السيطرة وضبط الأمن وذلك لعدم قدرة الحكومة المركزية في بغداد على حماية مواطنيها , وهذه بالطبع هي الطريقة المشروعة لتنفيذ ذلك دستوريا .
ان شعب العراق ومنذ زمن بعيد عاش موحدا لا يعرف شيئا عن التقسيم الطائفي والمذهبي والقومي , وسبق وان قلت ان من لا يعرف شيئا عن تأريخ ومكونات شعب العراق عليه ان يسأل اي عراقي من الشمال حتى الجنوب عن جوهر شعب العراق , لقد كان منتسبي الجيش والشرطة والوزارات وجميع مؤسساتها وفي اعلى المناصب كانوا من المسلمين والمسيحيين بكل مذاهبهم ومن الصائبة واليزيدية والشبك والأرمن واليهود , ولم يكن في حسبان احد ان فلان شيعي وفلان سني وفلان كلداني وسرياني وفلان مسيحي اشوري وفلان كردي فيلي او كردي سني وفلان صابئي او فلان يزيدي او شبكي , فالجميع كانوا يتفاخرون بانهم عراقيون , ان المساس بوحدة اطياف هذا الشعب جريمة تأريخية وغير انسانية وسيعرض وجودهم الى استمرار نشوب صراعات دينية وقومية وكراهية لن تزول ابدا .
ان كل ما يحتاجه العراقيون اليوم هو انتخابات وطنية مبنية على اساس الكفاءة والوطنية تنبثق عنها حكومة وطنية وبرلمان غير طائفي او عنصري وغير تابع لأحد , حكومة نزيهة تحترم كل الاديان وتحترم العلمانية , حكومة علمية وسياسية وادبية منتخبة تحظى باحترام الجميع اقليميا وعربيا ودوليا , نتمنى ان يتحقق ذلك ...ترى اليس ذلك من اهداف اميركا في العراق ؟
استاذ جامعي مستقل