الــيـوم صــدام . . و غــداً كـل الـطـغاة
لم يكن الخامس من نوفمبر تشرين الثاني من العام 2006 يوماً عادياً في تاريخ العراق و العراقيين . و هو لن يكون كذلك في تاريخ الشعوب العربية قاطبة . و لا أبالغ في الوصف إن قلت أنه سيكون أحد التواريخ المميزة في الروزنامة البشرية و الذاكرة الإنسانية التي ستمثل بداية عهد جديد في منطقة الشرق الأوسط و العالم .فلقد كان الخامس من تشرين الثاني نوفمبر ، يوم إعلان حكم الإعدام شنقاً حتى الموت على صدام حسين و أزلامه ، يوم تنفيذ القصاص العادل بحق بعضٍ من قادة الزمرة المجرمة التي اختطفت السلطة في دولة العراق بطرق التفافية غير مشروعة ، تحت يافطة الثورات الشعبية ، لكنها في الحقيقة أقرب إلى الانقلابات العسكرية الدامية . و حوّلت هذا العراق إلى رهينة صامتة ، و مزرعة عائلية – طائفية ، تقتل أبناءه و تنكـّـل بمواطنيه دون أي وازعٍ أخلاقي و لا أي رادعٍ إنساني .
و الخامس من تشرين الثاني نوفمبر هو يوم انتصار الحق لملايين العراقيين و غير العراقيين ، من الكويتيين و الإيرانيين و السوريين و العرب من ضحايا دكتاتور العراق السابق ، بعد عقود طويلة من الظلم و الظلام و القهر و القمع . إنها النهاية المنطقية للـ "زعيم الأوحد" في الـ "حزب الأوحد" في جمهورية الصمت المطبق التي لم يكن لها مثيل في العالم كله . انه انتصار لـ "كارما" الشعوب المقهورة و الأقليات المسحوقة و الأكثريات المضطهدة على بقايا دولة كم الأفواه .
نعم ، إن الخامس من نوفمبر هو فرحة العيد المنتظرة لذوي ضحايا المقابر الجماعية في الجنوب العربي الشيعي المذبوح ، و ميلاد الابتسامة المنتظرة لذوي ضحايا مذبحة حلبجة و الأنفال من الأكراد العراقيين الأبرياء . إنها قيامة حقيقية لأرواح شهداء الحركة الآشورية الذين علق نظام القمع الصدامي قاماتهم و هاماتهم الشامخة على مشانق إيديولوجيا الإقصاء و الإلغاء ليُعدم أجسادهم في منتصف ثمانينات القرن الماضي ( يستذكر الآشوريون في 19 نوفمبر الحالي الذكرى الثانية و العشرين لإعدام كوكبة من قادة الحركة الديمقراطية الآشورية في العراق بعد محاكمة صورية على يد المجرم عواد البندر ) . انه باختصار يوم انتصار المستضعفين في الأرض على الذي طغى و تجبـّر فيها ٍ.
من كان ليصـدّق أن الـ "الرئيس" العربي الأعتى جبروتاً و الأكثر طغياناً ، و زعيم الاستخبارات الأكثر نفوذاً ، و رئيس الأجهزة الأمنية التي لا مثيل لفنونها في التعذيب و القتل في كل الأرجاء ، و صاحب جيش القدس المليوني و صواريخ السوفييت الضاربة و مصانع السلاح النووي المزعومة ، أن هذا الرجل سيقذف به القدر إلى حيث يـُحاكـَم جزائياً و يحاسـَب قانونياً على أيدي مواطنيه الذين لطالما قمعهم و اغتصب حقوقهم و صادر قراراتهم ، و يلقى جزاءه العادل من قضاءٍ لطالما أقصاه و شلّ عمله و قلل من شأنه .
إن الخامس من نوفمبر ، إلى جانب كل هذا و ذاك ، هو يوم النكسة و العار للإيديولوجيات السياسية الشوفينية المريضة ، و المكررة في مصافي الحقد و الرفض ، عربية كانت أم غير ذلك . انه يوم انهيار جدران الفصل الفكري و السياسي و القومي و العرقي بين مواطنين لا حول لهم و لا قوة ، يصنـَـفون سياسياً على أنهم من درجة "الرعاع و الخدم" من جهة ، و بين مواطني الـ " فيرست كلاس" من ركاب الدرجة الأولى و المميزة ، الذين اعتادوا أن يركبوا على رقاب الشعب ، و يمتطوا - حتى اللحظة الأخيرة - مقولات فولكلورية من قبيل "الأمة" و "العروبة" و "القضية" و "الشعب" و استراتيجيات تبريرية من قبيل " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " من جهة أخرى .
إن الخامس من نوفمبر هو أخيراً ( و ليس آخراً ) درس سياسي و عبرة أخلاقية لكل من أخذ يتجبّـر و يطغى في أرض العراق ، و لكل من بدأ نفوذه ينتفخ مع قدوم دبابات الغزاة إلى أرض العراق ، و لكل من بدأ يخطط و يرسم لتغيير معالم و هوية و تاريخ شعوب العراق و أرض العراق ، كي يتعظ منها و يرتدع بها و ينأى بنفسه عنها .
فماذا تعلم طغاة اليوم و مغتصبو الحقوق و وكلاء سياسات الإقصاء الحصريون من مشاهد الخامس من نوفمبر ؟؟ ماذا تعلم من لا زال يحذو حتى الساعة حذوَ صدام و "ربعه" في مزاولة سياسات "التعريب" و "التكريد !!" و غيرها ؟ ماذا تعلم من لا زال يقلد سياسات صدام حسين في الإلغاء القومي ، و التهميش السياسي ، و التطهير العرقي ، و التغيير السكاني ، و محو القومية الإلزامي ، و استبدال الديانة الإجباري ، و فرض اللغة القسري ؟؟؟ .
ماذا تعلم من لازال ينافس صدام – و قد تفوق عليه بالواقع - في إتباع سياسة شراء إرادة الشعوب بالمال تارة ، و بالحديد و النار و الاعتداء و الاغتصاب تارة أخرى ؟؟ ماذا تعلم هؤلاء من تلك اللحظات الصعبة و المهينة لـ "قائد الأمة" و هو يرتجف أمام دوي النطق بالحكم عليه شنقاً حتى الموت ، وان كان موته لا يساوي - كما قال دولة الرئيس المالكي - قطرة من دماء شهداء العراق من العرب و الكرد و التركمان و الكلدوآشوريين .
اليوم في الخامس من تشرين الثاني من العام 2006 أعلن القاضي الكردي رؤوف عبد الرحمن الحكم بالإعدام على طاغية العراق السابق ، و غداً سيعلن قاضٍ آخر في محكمة أخرى ، و في زمان و مكان مختلفين - لكن حتماً قريبين - حكم الإعدام على كل الطغاة و أزلامهم من الذين يسلكون ذات الطريق الشائكة التي سلكها صدام . . . . .
أسامة أدور موسى - اعلامي كلدوآشوري - سوريا