الآليات القانونية في حل التنازع الدولي حول حقول النفط المشتركة ((العابرة للحدود))
ضياء عبد الله/ماهية الحقول النفطية المشتركة
تعد الثروة النفطية من أهم الثروات التي تساهم وبشكل مؤثر وفعال، بل بشكل أساس ورئيس في دعم الاقتصاد العراقي الذي اصبح يعتمد بالدرجة الاساس على مايصدر من ثروة نفطية وخاصة بعد عام 2003،الامر الذي يتطلب اهتماما خاصة بهذه الثروات باعتبارها عماد الاقتصاد الوطني،وعموده الفقري.وخاصة فيما يتعلق بإدارتها واستثمارها واستغلالها.
ولما كانت العقود النفطية هي الآلية التي يتم من خلالها استغلال هذه الثروات واستثمارها،فلابد من اعطاء هذا الموضوع الاهتمام اللازم،لاسيما اذا عرفنا أن هذه العقود، قد ترافقها العديد أو الكثير من الإشكاليات القانونية، والتي تظهر أثناء عملية إبرامها، أو بعد إبرامها، وقبل بدء تنفيذها وسريانها،وقد تظهر هذه الاشكاليات أثناء مرحلة تنفيذ العقود المبرمة، سواء كانت هذه العقود مبرمة على شكل مرحلة واحدة أو عدة مراحل.
وقد تظهر هذه الاشكاليات فيما يتعلق بعملية استغلال وإدارة وتطوير الحقول النفطية، لاسيما المشتركة منها أو العابرة للحدود.ومرجع هذا الامر، الخلافات المتعلقة بترسيم الحدود السياسية، أو طبيعة الحقول النفطية المستكشفة منها والمنتجة أو حتى غير المُكتشفة،فالنزاعات هنا تتعلق بعائدية الحقول النفطية ذاتها وتحديد وترسيم حدودها،فالنزاع في هذه الحالة يقترب من النزاع السياسي إضافة الى كونه قانوني واقتصادي.
وتختلف طبيعة هذه النزاعات، باختلاف طبيعة ونوعية العقود النفطية المبرمة:
1- عقد امتياز
2- عقد مشاركة
3-عقد تطوير الإنتاج
4- عقد شراء المنتج
5- عقد توريد الخدمة
أو طبيعة النزاع الحدودي، والذي ينعكس بالتالي على الحقول النفطية المشتركة،والعابرة لحدود الدولتين.
وهذه النزاعات أو الخلافات النفطية، لاسيما المتعلقة بالحقول النفطية المشتركة أو العابرة للحدود أو المتحاذية أو الحدودية، تحتاج الى وضع الحلول القانونية المناسبة والملائمة لها، وفقاً لطبيعة ونوعية كل نزاع على حدة، مع وجود بعض المبادئ العامة التي تحكم هذه النزاعات ويتم اعتمادها بشكل أساس في معظم هذه النزاعات او الخلافات وبالشكل الذي يحافظ على مصالح الطرفين أو الاطراف المتنازعة.
مع الاخذ بنظر الاعتبار أهمية فريق التفاوض والدفاع،والذي تناط اليه مهامه اقتراح ووضع الحلول القانونية المناسبة،وبالشكل الذي لايعقد الامور،بل يجد لها الحلول والمخارج القانونية وفقاً للإتفاقات الثنائية أو الجماعية، وبالاعتماد على الوسائل القانونية والسياسية والدبلوماسية،لحل هذه الاشكاليات قبل رفعها الى الجهات القضائية المختصة.
خلاصة القول أن النزاعات المتعلقة بالحقول النفطية المشتركة تحتاج الى حلول ومساعي دبلوماسية وسياسية، قد يقوم بها فريق وطني بالكامل او تحتاج الى تدخل طرف أو أطراف أخرى توفق بين الاطراف المتنازعة، ويتم ذلك من خلال المقترحات والحلول التي تؤطر بأطر قانونية،كإتفاقيات أو معاهدات أو عقود قانونية تتم بموافقة الاطراف المعنية.
المحور الاول/ مفهوم الحقول النفطية المشتركة
المطلب الاول/ تعريف الحقول النفطية المشتركة
يقصد بالحقول النفطية المشتركة،تلك الحقول التي يكون لها امتداد عبر حدود دولتين أو أكثر،فالحقل النفطي يمتد في حدود الدولتين أو أكثر،فيبدأ من الدولة (س)، ويمر عبر الدولة (ص)،وقد يكون متمركزاً في إحدى الدولتين ومخترقاً في جانب منه لحدود الدواة أو الدول الاخرى.
فالحقول المشتركة توصف بان لها امتدادات جيولوجيا عابرة للحدود،فهي حقول يمتد إنتاجها، أو مخزونها عبر حدود الدولتين، مع اختلاف نسب الإنتاج والمخزون من، حقل الى اخر ومن دولة الى اخرى،وبحسب طبيعة تكوين الحقل، والارض وارتفاعها وانخفاضها،وطريقة استغلال الحقل واستثماره، من حيث الحفر والتنقيب والإستخراج
وتلعب المعدات المستخدمة في الإستخراج دوراً كبيراً في ذلك.
وهناك من يرى خطأ التسمية المتقدمة، ويفضل استخدام الحقول الحدودية أو العابرة للحدود، فلايوجد حسب وجهة نظرهم حقول مشتركة، بل توجد حقول حدودية تمتد عبر حدود دولتين أو أكثر.
ومهما تكن التسمية المستخدمة،لاتأثير لذلك، فلايستطيع أحد أن ينكر وجود هذه الحقول المشتركة أو الحدودية أو العابرة للحدود أو المحاذية لها،أو المخترقة لها،أو المتداخلة
ومن الحقول المشتركة على سبيل المثال الحقول العراقية الكويتية(حقول الرميلة الشمالية)،الذي يبدأ في مدينة البصرة ويمتد داخل الاراضي الكويتية،وهو عملاق الحقول النفطية العراقية،وهو ثامن أكبر حقل في العالم.
والحقول العراقية الإيرانية (حقل مجنون، حقل الفكة،حقل أبو غرب في ميسان).
وهناك من يرى أمكانية اكتشاف حقول اخرى مشتركة أو حدودية أو عابرة للحدود،بين العراق والسعودية، والعراق وسوريا، والعراق وتركيا.
المطلب الثاني/ أنواع الحقول النفطية المشتركة
من ناحية أولى تقسم هذه الحقول بالاعتماد على عدد الاطراف المشتركة فيها، الى حقول ثنائية وجماعية،وتقسم من ناحية ثانية بالاعتماد علة مكان وجودها،الى حقول برية، واخرى بحرية.
أولا/ من حيث عدد الدول:- وتقسم الى نوعين هما-
1- الحقول المشتركة الثنائية:- وهي التي تقع أو تمتد بين حدود دولتين، ومن هنا جاءت التسمية،كالحقول النفطية التي يشترك فيها العراق مع الكويت وإيران.
2- الحقول المشتركة الجماعية:- وهي الحقول التي تقع أو تمتد داخل حدود أكثر من دولتين،فتكون هناك منطقة مثلثة أو غيرها تحتوي على حقول نفطية،تشترك فيها ثلاث دول أو أكثر.
ثانياً/ من حيث مكان تواجد الحقول(نوعية الحقل):- وتقسم الى نوعين أيضاً هما-
1- الحقول المشتركة البرية:- وهي الحقول التي تقع ضمن الحدود الدولية البرية للدول الاطراف المشتركة في الحقل،سواء كانت دولتين أو أكثر،وأغلب الحقول العراقية المشتركة من هذا القبيل،فلاتوجد حقول نفطية بحرية للعراق.
2- الحقول المشتركة البحرية:- وهي الحقول التي تمتد او تقع ضمن الحدود الدولية البحرية للدول التي تشترك في الحقل النفطي،وغالباً ماتوجد هذه الحقول في مناطق البحار،كحقول نفط بحر الشمال.
المطلب الثالث/ خصائص الحقول المشتركة ومميزاتها
تمتاز الحقول النفطية المشتركة بعد مميزات وخصائص تتمثل بالاتي:-
1- أنها حقول عملاقة من حيث الإنتاج والمخزون.فهي حقول ذات إنتاج كبير، ومخزون نفطي هائل
2- أنها حقول عابرة للحدود بين دولتين أو أكثر.فلايصدق وصف الحقول المشتركة الا على الحقول التي تقع أو تمتد بين دولتين أو أكثر، أما غيرها من الحقول فتسمى بالحقول الوطنية. 3- تحتاج الى إتفاق بين الاطراف المشتركة لاستغلالها واستثمارها وتطويرها، من أجل المحافظة عليها وعلى ديمومتها لأطول فترة ممكنة(الاستغلال المشترك).
4- لايمكن لاي طرف أن ينفرد في ألاستفادة منها ما لم يرض الطرف الآخر ووفقاً لإتفاقات خاصة ثنائية أو جماعية. فلا يمكن أن تنفرد إحدى الدول بأستغلال هذه الحقول دون موافقة الدول الاخرى وإلا كان ذلك مدعاة للخلاف وإثارة النزاعات بين الدول والتي قد تصل الى حد الحرب. 5- المساواة في الاستفادة من النفط المنتج. المحور الثاني/ الاشكاليات المتعلقة بالحقول المشتركة
وتتمثل هذه الاشكاليات ابتداء في الامور الاتية:-
1- إشكالية تحديد وترسيم الحدود الدولية بين الاطراف، والتي يترتب عليها،تحديد الاليات التي يتم في ضوئها استغلال الحقول المشتركة،وهذا الترسيم يحتاج الى إتفاقية ثنائية أو جماعية بين الاطراف، كالإتفاقية المعقودة بين إيران والعراق، أو بين العراق والكويت، على الرغم من أعادة ترسيم الحدود بيننا وبين الكويت بعد الغزو العراقي للكويت في آب 1990،وتم ذلك من قبل المنظمة الدوليةعام 1991، وقد أدى ذلك الى استقطاع جزء من الاراضي العراقية وضمها الى الكويت، رغم احتوائها على العديد من الابار النفطية المنتجة،حوالي (11) بئراً،الامر الذي يتطلب تفعيل الدبلوماسية العراقية لاعادة النظر بهذا الترسيم،وبالشكل الذي يحفظ مصالح العراق المشروعة.
2- إشكالية البحث والتنقيب والاستكشاف:- فعمليات البحث والتنقيب والاستكشاف تحتاج الى جهود مشتركة وتعاون متبادل بين الاطراف المشتركة، فلايجوز لاحد الاطراف ان ينفرد بهذه الامور أو أحداها دون علم الاطراف الاخرى،لان هذه العمليات يترتب عليها تحديد الطاقة الإنتاجية للحقل،وعدد الابار التي توجد فيه،والمخزون أو الاحتياطي المقدر له،كما أن هذه العمليات (البحث،التنقيب،الاستكشاف)، تحتاج الى إمكانيات فنية عالية،تقوم بها جهات متخصصة، وفي الوقت نفسه تتطلب مبالغ نقدية كبيرة، كما أنها لاتخلو من المخاطر، لان هذه العمليات قد يكون نصيبها الفشل، أو عدم امكانية الإستخراج والإنتاج لارتفاع الكلفة،وهذا الامر لايمكن أن تتحمله إحدى الدول دون البقية، الامر الذي يتطلب وجود إتفاق خاص بهذا الامر، فليس من العدالة أن تقوم إحدى الدول بعمليات البحث والتنقيب والاستكشاف وعلى نفقتها، مع تحملها المخاطر،ثم تأتي الدول الاخرى لتطالب بالاستثمار المشترك لإنتاج الحقل، كما ان الانفراد في هذه العمليات قد يؤثر سلباً على إنتاج الحقل وجودته،ويخل بمقدار الحصص التي يمكن ان يحصل عليها كل طرف.الامر الذي يدعو الى تحديد مقدار مساهمة كل طرف،في كلفة هذه العمليات.
3- إشكالية الإستخراج :- لايجوز أن ينفرد طرف من الاطراف في عمليات إستخراج النفط، فمن المفترض أن يشترك جميع الاطراف في هذه العملية، حتى لايتحقق اثراء لأحد الاطراف على حساب بقية الأطراف في الكمية المستخرجة،وان يتم الإتفاق على مقدار الكمية المستخرجة (يومياً،أسبوعياً،شهرياً)،وحصة كل طرف منها،وبالشكل الذي يضمن هذه الحصة وعدم التلاعب بها من قبل أحد الاطراف، أو التأثير عليها.
كما يتطلب الامر تحديد طريقة الإستخراج، ومراعاة طبيعة الحقل، وارتفاع وانخفاض الارض،وعدم السحب(هجرة النفط)، أكثر مما هو متفق عليه،وذلك باستخدام تقنيات متقدمة من قبل احد الاطراف على حساب الاطراف الاخرى.فالجانب الكويتي يستخدم اليات وطرق لسحب النفط تؤثر بالنتيجة على الطاقة الإنتاجية للحقول المشتركة،وعلى مخزون تلك الحقول،مما يعني الإخلال بمبدأ المساواة في الاستفادة من النفط المنتج.
4- إشكالية التطوير والإنتاج:- أن الحقول النفطية المشتركة شأنها شأن أي حقل آخر،تحتاج الى التطوير والاهتمام من أجل ضمان استمرارية الإنتاج من هذا الحقل،وعدم تراجع إنتاجه بسبب تردي هذه الاساليب وقدمها،فمن الامور التي يجب مراعاتها مواكبة التطورات الحاصلة في مجال الصناعات النفطية، ومحاولة الاستفادة منها في تحقيق أفضل إنتاج من حيث الكمية والنوعية،وتطوير الحقل يجب أن يتم بإتفاق الاطراف، لوجود المصلحة المشتركة من وراء ذلك،والحال نفسه بالنسبة للإنتاج، فيجب ان يكون إنتاج كل طرف على قدر المساواة مع الطرف الآخر،من خلال الإتفاق على آلية لتحديد ذلك واحترام هذه الحصص وعدم الاخلال بها من خلال زيادة حصة طرف على حساب الآخر،ويتم ذلك من خلال الطرق المتعارف عليها للعد والحساب، وباشراف ومراقبة الاطراف.
المحور الثالث/ كيفية إدارة وأستغلال الحقول المشتركة
الحقول المشتركة تتم إدارتها واستغلالها، وحسب الإتفاق بين الاطراف المشتركة، بإحدى الطرق الاتية:-
1- الإدارة المشتركة المباشرة (الاستغلال المباشر):- ويتم ذلك من قبل الأطراف المشتركة مباشرة من خلال إتفاق يعقد بينهما، على أن يتولى كل طرف من جانبه،ما يقع على عاتقه من التزامات، ويتم ذلك في الغالب من خلال الشركات المتخصصة في الدول الأطراف، ويتم الإتفاق على جميع التفاصيل المتعلقة بالعمليات النفطية في الحقل المشترك،(بحث،تنقيب،إستخراج، إنتاج، تطوير، نقل، تصدير)، أو يتم تشكيل لجان لمتابعة ومراقبة ما تم الإتفاق عليه وتنفيذه من كلا الطرفين وهذه الطرقة هي المعول عليها في أغلب الحقول المشتركة.
2- التفويض بالإدارة والاستغلال الى إحدى الدول:- ويتم ذلك بتخويل إحدى الدول وتكليفها بجميع العمليات المتعلقة بالحقل المشترك، على أن تحصل بقية الاطراف على حصة أو نسبة من الإنتاج، كمواد عينية (حصة من النفط)،أومبلغ من قيمة النفط المباع،وهذه الطريقة نادرة الحدوث.
3- الإدارة المشتركة غير المباشرة:- وتتم هذه الطريقة بإتفاق الدول الاطراف في الحقل المشترك على إناطة إدارة الحقل وجميع العمليات النفطية المتعلقة به الى إحدى الشركات النفطية المتخصصة، وذلك بإتفاق الاطراف على تسمية هذه الشركة،وماهو المطلوب منها، على أن يحصل الاطراف على كمية من النفط المنتج وبالتساوي بينهما،أو على قيمة هذه الحصة،وهناك العديد من الشركات النفطية المتخصصة والتي تتمتع بالخبرة وتمتلك التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال،ومعظمها ذات جنسيات غربية، أو متعددة الجنسيات:-
أ- شركة هنت دالاس أويل.
ب- شركة دانا كاز.
ج- شركة هيرتج ميدل أيست الكندية.
د- شركة جينيل التركية.
هـ- شركة أوداكس الكندية.
و- شركة شل الالمانية.
ز-شركة نيوماكس الامريكية.
ح- شركة تكنكل بروم الروسية
ط- شركة كاز بروم الروسية
ي- شركة توتال الفرنسية
ك- شركة برتش بتروليوم.
ل- شركة شيفرون.
م- شركة ايكسون
ن- شركة بي اج بي.
المحور الرابع/نماذج الحقول المشتركة
أولاً/ الحقول العراقية المشتركة
1- الحقول العراقية الكويتية(الرميلة الجنوبية،الزبير،صفوان)
2- الحقول العراقية الإيرانية(نفط خانة،مجنون،حقل أبو غرب)
3- الحقول العراقية السعودية.(في دور البحث والاستكشاف)
4- الحقول العراقية السورية. (===============)
5- الحقول العراقية التركية. (===============)
ثانيا/ الحقول العالمية المشتركة
1- حقول بريطانيا والنرويج والدنمارك(حقول نفط بحر الشمال)
2- الحقول الكويتية السعودية (حقول الخفجي).
3- حقول بحر قزوين(روسيا،كازاخستان،أذربيجان،تركمنستان،جورجيا،إيران)
ماهية النزاعات الدولية المتعلقة بالحقول المشتركة
المحور الاول /تعريف النزاعات المسلحة
يقصد بالنزاع الدولي"الخلاف الذي ينشأ بين دولتين على موضوع قانوني، أو حادث معين،أو بسبب وجود تعارض في مصالحهما الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية،وتباين حججهما القانونية بشأنها.
المحور الثاني/ أنواع النزاعات الدولية ومعيار التفرقة بينهما
يقسم الفقه القانوني النزاعات الدولية الى نوعين:-
1- النزاعات القانونية
2- النزاعات السياسية
النوع الاول يصلح لن تنظر فيه محكمة دولية أو محكمة تحكيم،وتقضي فيه وفقاً لقواعد القانون الدولي،أما النوع الثاني، فعلى خلاف الاول لايمكن لمحكمة دولية النظر فيه،ويمكن تسويته عن طريق الوسائل الأخرى لتسوية المنازعات،كالوساطة والتوفيق.
أما عن معيار التفرقة بين النوعين، فقد طرحت ثلاثة معايير للتمييز بينهما:-
1- المعيار الشكلي – والذي يعتد بنوعية النزاع الحاصل بين الاطراف، وإمكانية حسمه عن طريق تطبيق أحكام القانون الدولي الواضحة والمعترف بها،فهو نزاع قانوني،وبخلافه يكون النزاع سياسي.
2- المعيار الموضوعي/ وينظر إلى طبيعة النزاع القائم بين الاطراف، فالنزاع يكون قانونياً،عندما تكون الخصومة قائمة على تطبيق قانون أو تفسيره دون المطالبة بتعديل هذا القانون،على خلاف المنازعات السياسية التي يطالب فيها الاطراف بتعديل قانون قائم وموجود.
3-معيار الاهمية- فالنزاع القانوني هو النزاع قليل الاهمية التي تتصل بالمسائل الثانوية أو الصغيرة والتي لاتمس مصالح الدولة العليا،أما النزاع السياسي فهو يمس المصالح العليا للدولة،وعليه هنا ووفقاً لهذا الرأي لايمكن وصف النزاعات المتعلقة بالحقول النفطية المشتركة بأنها قانونية، بل على العكس فانها سياسية،كونها مرتبطة بمصلحة عليا للدولة.
خلاصة القول ان النزاعات المتعلقة بالحقول النفطية المشتركة هي منازعات ذات طبيعة مزدوجة قانونية وسياسية في أن واحد،فهي تتعلق بمواضيع قانونية من جانب، كاستثمار الحقول، وطريقة أدارتها،وسياسية، كونها عائدة لارادة الاطراف لتعلقها بمصالح مهمة وضرورية ومؤثرة بالنسبة للاطراف.
المحور الثالث/ المبادىء الحاكمة لحل نزاعات الحقول المشتركة
واهم هذه المبادىء:-
1- مبدأ توازن المصالح – ويقصد به مراعاة مصالح كلا الدولتين وبالشكل الذي يحقق مصالحهما بشكل عادل ومتساوي.كالإتفاق على حصص متساوية من إنتاج الحقل المشترك،وتحمل نفقات تطوير الحقل بحسب حصة كل طرف،فلايفضل على طرف اخر،ولا يتم استغلاله من الطرف الاخر
2- مبدأ عدم الإضرار بالغير- فلايجوز الحاق الضرر بالطرف الاخر في الحقل المشترك، سواءكان هذا الضرر جسيماً أو بسيطاً،ومن صور هذا الضرر إستخراج وإنتاج كميات تفوق الحصة المقررة والمتفق عليها،او سحب كميات بدون علم الطرف الآخر أو استخدام تقنيات تضر بإنتاج الحقل.
3- الملكية المشتركة للحقل.
المحور الرابع/ الوسائل المستخدمة في حل إشكاليات الحقول المشتركة
هناك وسائل متعددة لحل الإشكاليات المتعلقة بالحقول المشتركة تتمثل بالإتفاقيات التي تعقد بين شخصين او اكثر من اشخاص القانون الدولي،وترمي الى إحداث آثار قانونية معينة،والتي يمكن تصنيفها الى عدة أنواع تتمثل بما يأتي:-
1- الإتفاقيات الثنائية- وهي الإتفاقيات التي تعقد بين دولتين (الدولتين الاطراف)،المتنازعتين على الحقل المشترك،تهدف من ورائها تسوية المسائل الخلافية العالقة بينهما وبشكل رضائي، وبما يحقق مصالح الطرفين،ويمكن اللجوء لهذا النوع من الإتفاقيات في حل إشكاليات الحقول النفطية المشتركة بين العراق والكويت وإيران.
2- الإتفاقيات العقدية – وهي التي تعقد بين دولتين او اكثر،أو عدد من الدول،في شأن خاص بها،وهي كالإتفاقيات الثنائية لاتلزم الا أطرافها،وفي حالة تكرار النص على نظام او قاعدة ما تتعلق بامر معين،ففي هذه الحالة تصبح القاعدة التي اخذت بها الدول في مثل هذه المعاهدات قاعدة قانونية دولية ناشئة عن طريق العرف الذي ثبت تكرار النص عليها،والتزام الدول بها.
3- الإتفاقيات الشارعة(الجماعية)- وهي الإتفاقيات العامة التي تبرم بين مجموعة كبيرة من الدول تتوافق ارادتها على إنشاء قواعد عامة أو أنظمة مجردة تهم الدول جميعاً،فهي تضع قواعد قانونية تلزم الدول، لذلك سميت بالمعاهدات الشارعة.
4- اللجان المشتركة- والتي تشكل من قبل الدول الاطراف في موضوع النزاع المتعلق بالحقل المشترك،ويتم ذلك باختيار كل طرف ممثل أو أكثر عنه،على أن يكون لكل طرف عدد متساومن الممثلين مع الطرف الاخر،وقد يصار الى اختيار طرف ثالث، لترأس تلك اللجان،والتي تعمل على تذليل الصعاب وحسم الخلافات المتعلقة بالحقول المشتركة،وتتخذ هذه اللجان قراراتها بالاغلبية.
الطرق السلمية لحل وتسوية منازعات الحقول النفطية المشتركة
المحور الاول / مفهوم الطرق السلمية
عند نشوب خلاف او نزاع بين طرفين او اكثر حول موضوع من المواضيع المتعلقة بالحقول النفطية المشتركة، من المفترض إبتداءً،محاولة حل هذه الخلافات عن طريق الوسائل السلمية،ولايتم اللجوء الى القضاء الدولي أو غيره من وسائل الضغط والاكراه التي أجاز القانون الدولي اللجوء اليها،سواء من قبل أحد الاطراف أو من قبل الجهات الدولية المختصة، فقد الزم ميثاق الامم المتحدة الدول الاعضاء جميعاً بفض نزاعاتهم الدولية بالوسائل السلمية،على وجه لايجعل السلم والامن والعدل الدولي للخطر.
وقد حددت المادة(33) من الميثاق هذه الوسائل السلمية،بقولها(( يجب على أطراف أي نزاع من شأن أستمراره أن يعرض حفظ السلم والامن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادىء ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية،أو أن يلجئوا الى الوكالات والتنظيمات الاقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها)).
وقد يتطلب الامر اتخاذ اجراءات رادعة من قبل مجلس الامن لحل هذا النزاع،وقد نص الميثاق على هذا الاجراء عند تعذر حله عن طريق الوسائل التي حددها الميثاق في المادة سالفة الذكر.
فالوسائل السلمية هي مجموعة من الوسائل والاليات التي يمكن اللجوء اليها في حل وحسم النزاعات المتعلقة بالحقول النفطية المشتركة، بعيدا عن اللجوء الى حكم القوة.
وتتمثل هذه الوسائل أو الطرق بما يأتي:-
1- الطرق الدبلوماسية/وتشمل(المفاوضات،المساعي الحميدة،الوساطة،التحقيق)
2- الطرق السياسية/ وتشمل(تسوية المنازعات في ميثاق الامم المتحدة،وفي المنظمات الاقليمية.
3- التحكيم(ويتم أما بالنص عليه في الإتفاقية أو العقد المبرم،ويسمى شرط التحكيم،أو يتم اللجوء اليه بإتفاق الاطراف بعد نشوء الخلاف أو النزاع،ويسمى مشارطة التحكيم.
4- الطرق القضائية/وتتم باللجوء الى الجهات، رغم عدم النص عليه في العقد القضائية المختصة بمحكمة العدل الدولية.
المحور الثاني/ دور المنظمات الدولية والاقليمية
تلعب المنظمات الدولية والاقليمية دوراً مهماً في حل النزاعات والخلافات المتعلقة بالحقول النفطية المشتركة،وهذه الامر جزء من مهام هذه المنظمات التي تهدف الى حل النزاعات بالطرق السلمية للتوفيق بين الاطراف،وإيجاد الحلول المناسبة بينهما.
كما تتولى المنظمات المتخصصة كالاوبك،تسوية النزاعات المتعلقة بهذه الحقول،كونها المنظمة المعنية بالشؤون النفطية من حيث تحديد سف وحصص الإنتاج التي يتوجب على الدول الاطراف الالتزام بها،ان دور هذه المنظمات يتمثل في تقريب وجهات النظر واحتواء الازمات والخلافات النفطية ومنها مسائل الحقول المشتركة،وتقديم الحلول المناسبة للاطراف المعنية،ومن الطبيعي ان ما يتخذ من قرارات،يتم حسب النظام المتبع للتصويت في كل منظمة على حدة على ان لاتشترك الدول المتنازعة في التصويت فيما يتعلق بالمسألة محل الخلاف.
والمنظمة حرة في اختيار الطريقة أو الوسيلة التي تراها مناسبة لحل الخلاف دون التقيد بالترتيب او التسلسل الوارد في ميثاق الامم المتحدة.
وفي حالة العجز عن اتخاذ الاسلوب المناسب لحل الخلاف تتم احالة الامر على مجلس الامن الذي يمتلك من الصلاحيات ما يكفي لمعالجة الامر، الى الحد الذي يبيح له التدخل العسكري لحل الخلافات التي تهدد الامن والسلم الدوليين.
وفي اطار الجهد الاقليمي يحرص ميثاق الامم المتحدة على عرض الامر أولاً على المنظمات الاقليمية أو الوكالات المتخصصة قبل عرض النزاع على مجلس الامن.
وخير مثال على ذلك الجهد الذي تبذله منظمة جامعة الدول العربية في حل النزاعات التي تنشأ بين الدول العربية والتي نص الميثاق على حلها بالوسائل السلمية،كالخلافات الحدودية والنفطية التي وقعت بين العراق والكويت قبل الغزو العراقي لدولة الكويت،والخلافات التي حصلت بين بعض دول الخليج العربي.كذلك حرص مجلس التعاون الخليجي على حل الخلافات الناشئة بين أعضائه بالطرق الودية والسلمية،وحث جميع الاطراف على التروي وعدم الاقدام على أي عمل يضر بالمصالح المتبادلة وعلاقات حسن الجوار بين الاعضاء، فساهم في حل النزاعات الحدودية بين قطر والبحرين، وبين السعودية واليمن،وبين السعودية والكويت.
وفي الصعيد ذاته تقوم منظمة الوحدة الافريقية بحل النزاعات التي يكون أقطابها دول القارة السمراء،والحال نفسه من منظمة دول أمريكا الجنوبية واللاتينية،والاتحاد الاوربي، الذي يعمل جاهداً على تنسيق الجهود بين دول الاتحاد ورسم السياسات الموحدة، لتجاوز كل العقبات والصعاب التي يواجهها من أجل خلق الوحدة التامة بين أعضائه.
الطرق الدبلوماسية
وتتمثل هذه الطرق بالمفاوضات والمساعي الحميدة والوساطة مهما كان نوعها ومن يقوم بها،ولجان التحقيق وتقصي الحقائق.،وهذا ما سنحاول تسلسط الضوء عليه في هذه المحاضرة.
المحور الاول/ المفاوضات
ويقصد بها الاتصال المباشر بين الاطراف المتنازعة حول الحقول النفطية المشتركة أو العابرة للحدود،بغية تسوية الخلاف والنزاع الحاصل والقائم بينهما عن طريق التوصل الى إتفاق مباشر.
وتجري المفاوضات بين جهات رسمية في الدولتين،في الغالب وزراء الخارجية في الدولتين او الدول المعنية بالامر أو وزارة النفط،ممثلة بوزيرها أو من يمثله،وقد يقوم بها الممثلين الدبلوماسيين للدول المعنية،او يتم ايكال المهمة الى فريق او لجنة متخصصة في كلا الدولتين، وقد تجري المفاوضات في أطار منظمة دولية أو إقليمية أو منظمة متخصصة،او تتم في مؤتمر دولي يعقد خصيصاً لهذا الغرض أو بشكل عرضي وغير مخطط له مسبقاً.
وتنص المعاهدات على ضرورة الالتجاء الى المفاوضات قبل الالتجاء الى التحكيم او القضاء الدولي.
وتمتاز المفاوضات بالمرونة والكتمان،فهي انسب وسيلة لحل الخلافات، مهما كان نوعها، ومنها منازعات الحقول النفطية المشتركة.
الا ان المفاوضات تحتاج الى أمر ضروري وجوهري وهو توافر حد أدنى من تعادل القوى السياسية بين الطرفين المتفاوضين،او الاطراف المتفاوضة، والاكان الطرف الضعيف ضحية للطرف القوي.ومن هذه المفاوضات الجارية بين العراق والكويت،والعراق وإيران حول الحقول النفطية المشتركة بغية التوصل الى حلول مرضية لكلا الطرفين،فيما يتعلق باستغلال الحقول وتطويرها،وتحديد حصة الإنتاج للاطراف المعنية.ومثال المفاوضات التي أجرتها الحكومة العراقية عام 1971،مع شركات نفط العراق،بسب ارتفاع اسعار النفط.
المحور الثاني/ المساعي الحميدة
وهو عمل ودي يقوم به طرف ثالث صديق للطرفين المتنازعين حول الحقول النفطية المشتركة،بهدف التخفيف من حدة التوتر بين الطرفين،وخلق جو ملائم ومناسب لاستئناف واستمرارية المفاوضات، بغية الوصول الى تفاهم بين الاطراف المعنية،بخصوص هذه الحقول.
والهدف من المساعي الحميدة هو تجنب تفاقم الاوضاع بين الاطراف المعنية، ومنع نشوب نزاع مسلح وحلها حلاً سلمياً.
وقد تؤدي هذه المساعي الى وضع حد للنزاع القائم بين الاطراف المعنية.
وتمتاز المساعي الحميدة بالمسعى الودي لاستئناف المفاوضات دون الاشتراك فيها،وقد تقترح الحلول في بعض الاحيان.
ومن هذه المساعي ما قامت به بعض الدول العربية بشأن النزاع العراقي الكويتي بشأن مسألة الحقول النفطية الحدودية عام 1990.
المحورالثالث/ الوساطة
هي مسعى ودي تقوم به دولة ثالثة من أجل حل نزاع قائم بين دولتين،ويتم ذلك بالاشتراك في المفاوضات التي تجرى بين الاطراف المعنية،وتقترح الحلول التي تراها مناسبة لحل النزاع أو تخفيف حدته.
وتمتاز الوساطة بأنها اختيارية،أي أن الدولة التي تقوم بها طواعية واختيارا ومن تلقاء نفسها،وتكون الاطراف المتنازعة حرة في قبول الوساطة أو رفضها،دون ان يعد ذلك مخالفة للقانون الدولي،كرفض الهند الوساطة الاسترالية لانهاء النزاع مع الباكستان،كما ان النتيجة التي تنتهي اليها الوساطة تكون مجردة عن كل الزام، ولايمكن فرضها على الدول المتنازعة، لانها حكم واجب التنفيذ.
ولكن قد يكون اللجوء للوساطة إجباريا،اذا نصت الإتفاقية الدولية بين الاطراف المتنازع على ذلك.
والوساطة تستخدم لمنع تفاقم الخلاف حول الحقول النفطية المشتركة،وبالتالي تحول دون نشوب نزاع بين الاطراف،كالوساطة الجزائرية بين العراق وإيران والتي قادت الى عقد إتفاقية الجزائر.أو لوضع حد لنزاع أو حرب قائمة بين الاطراف.
المحور الرابع/لجان التحقيق والتوفيق وتقصي الحقائق
عندما يكون النزاع خلافاً على وقائع معينة،يقوم الطرفين المتنازعين بنعيين لجان تحقيق أو تشكيل لجان لتقصي الحقائق المتعلقة بالموضوع محل الخلاف،وفحصها.
ويكون تكوين أو تشكيل هذه اللجان بموجب إتفاق خاص بين الاطراف المتنازعة،يبين فيه الوقائع المتنازع عليها،والمطلوب التحقيق فيها،والسلطة الممنوحة والمخولة للجنة،والاجراءات التي تسير عليها وتعمل بموجبها،ومكان انعقادها،فاذا لم تتفق الاطراف على تشكيل لجان التحقيق،تقوم كل دولة باختيار عضو واحد أو عضوين، ويختار هولاء العضو الثالث أو الخامس.
وتمارس اللجان عملها بشكل سري،وتتخذ القرارات بالاغلبية،ويقتصر قرار اللجنة على سرد الوقائع المطلوب التحقيق فيها،وذلك من غير تضمين الحكم أي حكم بالمسؤولية،بل يترك لطرفي النزاع كامل الحرية في أن يستخلصان الاثر الذي يريانه.
وقد ظهرت هذه الطريقة لأول مرة باقتراح من روسيا عام 1899،ثم نظمت قواعد وإجراءات اللجوء اليها في إتفاقية لاهاي (1907).
اللجوء الى لجان التحقيق غير الزامي،واصبح وسيلة توضيح ورسم الطريق أمام المنظمة الدولية في تسوية المنازعات،وأصبحت لجان التحقيق تتوجه الى مكان النزاع او الخلاف، وتثبت اجراءاتها،وتقترح حلاً،بدلاً من الاقتصار على عرض الوقائع.
اما لجان التوفيق فهي تتميز بما يأتي:-
1- الجماعية- فهي تتكون من ثلاثة او خمسة او سبعة أعضاء أو أكثر.
2- الدوام – فهي تنشأ مقدما ًبموجب معاهدة دولية وليس بشكل مؤقت لمعالجة خلاف معين بالذات.
3- صلاحية اللجان- وتتمثل في دراسة النزاع وتقديم تقرير عنه الى الاطراف يتضمن المقترحات التي تراها كفيلة بتسوية النزاع،وليس للتقرير صفة الزامية،بهدق تسوية المنازعات المتعلقة بالمصالح المتبادلة للدول.
4- إجراءات اللجان- تتخذ الإجراءات بشكل سري، ونشر التقرير ليس ملزماً،وتتخذ القرارات بالاغلبية.
المحور الخامس/ التسوية السياسية لمنازعات الحقول المشتركة
بدأت الطرق السياسية بالظهور كوسيلة لحل الخلافات في عهد عصبة الامم المتحدة واستمرت حتى عام 1939، ثم اعيد في ميثاق الامم المتحدة،ففي بداية الامر كان لزاماً على الاطراف اللجوء الى التحكيم او القضاء الدولي،او عرضها على مجلس عصبة الامم، الذي يعمل كوسيط محاولا حمل الطرفين على التفاهم والوصول الى تسوية واعداد تقرير يعرض على التصويت.
اما في ظل ميثاق الامم المتحدة فقد تكفلت المادة (33) منه ببيان الطرق التي يتم من خلال اللجوء اليها فض النزاعات بين الاعضاء،مع اعطاء الاطراف الحرية في اختيارالطريقة الانسب من بينها.
كما اعطى الميثاق لمجلس الامن بموجب المادة(34)،الحق في التدخل المباشر عند وجود حالة تهدد الامن والسلم الدولي،بناء على طلب من الامين العام، او طلب من احد الاعضاء،او بناء على قراريصدره المجلس مباشرة،وحسب طبيعة وخطورة النزاع،فقدلايكتفي المجلس بمجرد التوصية، بل يصدر اوامره ويفرض تدابير مؤقتة،وله فرض الجزاءات الاقتصادية والعسكرية المنصوص عليها في الفصل السابع من الميثاق.
ويشجع مجلس الامن الحلول السلمية المباشرة او عن طريق المنظمات الاقليمية.
التحكيم ودوره في فض منازعات الحقول
النفطية المشتركة
يعد التحكيم من أهم الوسائل القانونية التي يمكن من خلالها فض النزاعات المتعلقة بالحقول المشتركة،وقد أدت الظروف المحيطة بالوسائل الداخلية لفض المنازعات في الدول المضيفة أوالاطراف في النزاع النفطي حول الحقل المشترك،وضعف ثقة المستثمرين الاجانب فيها،وأستحالة ظهور الفرد بصفته الشخصية أمام المحاكم القضائية الدولية،الى اقتناع عدد كبير من الدول بمدى فائدة التحكيم كوسيلة بديلة لفض المنازعات الاستثمارية المتعلقة بالحقول المشتركة،ويعد ذلك تطوراً هائلاً في وسائل حسم النزاع.
ومن خلال استقراء الإتفاقيات النفطية (البترولية)، في العديد من الدول، نجد هناك إتفاق أو شبه أجماع على هذه الوسيلة، لحسم هذه المنازعات.
وقد تبنت منظمة الاوبك نظام التحكيم ودعت الى الاخذ به كوسيلة لتسوية المنازعات البترولية،لمرونة إجراءاته واختصار وقته،وقلة تكاليفه،فضلا عما يبعثه من اطمئنان لدى الاطراف التي تلجأ اليه.
وقد حظي موضوع التحكيم باهتمام واسع لم يسبق له مثيل على كافة المستويات فعلى المستوى الدولي تم ابرام العديد من البروتوكولات والإتفاقيات الدولية،كبروتوكول جنيف عام 1923،وإتفاقية جنيف 1927،وإتفاقية نيويورك1958،والإتفاقية الاوربية للتحكيم التجاري الدولي 1961،وإتفاقية تسوية منازعات الاستثمار1965.
وقد نشأت العديد من مراكز التحكيم الدائمة ذات الطابع الدولي والتي من اهمها محكمة التحكيم الدائمة لدى غرفة التجارة الدولية بباريس،والجمعية الامريكية للتحكيم،ومحكمة لندن للتحكيم،كما أنشأت اللجنة القانونية الاستشارية الافروأسيوية مركزين للتحكيم أحدهما في ماليزيا(كوالالمبور،والاخر في مصر (القاهرة).
المحور الاول/ ماهية التحكيم
التحكيم من مشكلات القانون،فهو وسيلة لإبعاد الاطراف عن الالتجاء الى القضاء،فبمقتضاه ينزل الخصوم عن حقهم في الالتجاء الى القضاء،مع التزامهم،بطرح النزاع على محكم أو أكثر للفصل فيه بحكم ملزم للطرفين،عليه سوف نتطرق في هذا المحور الى تعريف التحكيم،وأسباب ومبررات اللجوء اليه،والقضايا التي يجوز عرضها على التحكيم، وأنواعه،وطبيعته القانونية.
أولاً/ تعريف التحكيم- ويقصد به تسوية المنازعات الناشئة بين الدول المعنية والمتعلقة بالحقول النفطية المشتركة بواسطة القضاة الذين تختارهم وعلى اساس احترام قواعد القانون الدولي.ولايختلف التحكيم الدولي عن القضاء الدولي الامن حيث الشكل،اذ يرجع أمر تشكيل هيئة التحكيم الى ارادة الدول الاطراف في النزاع،فهي التي تختار أعضاء هيئة التحكيم التي تفصل في النزاع،وذلك بمقتضى إتفاق خاص،لتسوية نزاع معين دون سواه.أما القضاء الدولي وأن أعتمد على أرادة الاطراف،ألا أن تشكيل المحكمة والاجراءات التي تتبع فيها،يتولى القانون الدولي العام تحديدها ابتداء،قبل نشوء النزاع،وقبل إتفاق الاطراف على عرضها على المحكمة الدولية، ويفرق الفقه بين شرط التحكيم، ومشارطة التحكيم.
فشرط التحكيم يقصد به:- ذلك الشرط الذي يرد ضمن بنود تنظيم علاقة قانونية معينة،وبمقتضاه يتفق أطراف العلاقة الاصيلة-قبل نشوب أي نزاع- على حسم ما قد يثور بينهم من منازعات بواسطة التحكيم،وقد يكون شرط التحكيم عاماً أو خاصاً،فيكون عاماً اذا أحال الى التحكيم كافة المنازعات المتعلقة بتفسير أو تنفيذ الإتفاقية،ويكون شرط التحكيم خاصاً،اذا قصر الاحالة على التحكيم على بعض المسائل دون البعض الاخر.
أما إتفاق التحكيم :فهو تصرف قانوني مستقل،يتخذ شكل إتفاق مكتوب،ويحدد فيه الطرفان موضوع النزاع وأسماء المحكمين ومكان وإجراءات التحكيم،وقد يحدد كذلك القانون الذي يطبقه المحكمون،وعادة يكون إتفاق التحكيم لاحقاً على نشوب الخلاف.
بمعنى أن إتفاق التحكيم غير منصوص عليه في العقد أو الإتفاقية المبرمة إبتداءً لكن الاطراف رضوا باللجوء اليه بعد نشوب النزاع.
وتظهر أهمية هذا التمييز في تحديد نوع المنازعات التي يمكن أعمال التحكيم وشرط التحكيم فيها.
ويشترط في التحكيم كوسيلة لحسم النزاعات الدولية ما يأتي:-
1- الايجاب والقبول
2- اطراف التحكيم
3- محل أو موضوع التحكيم
ثانياً/ أنواع التحكيم
يقسم التحكيم من حيث الزامية اللجوء اليه على نوعين:-
1- التحكيم الاختياري- فالاصل في التحكيم أنه اختياري،كونه يقوم على مبدأ الرضائية بين الاطراف،ويكون في حالة الاتفاق على التحكيم اللاحق لنشوب النزاع،أي إتفاق التحكيم،فالتحكيم يكون اختياريا اذا كان اللجوء اليه يتم بمحض أرادة الخصوم وليس مفروضاً عليهم،أي متى كان للاطراف حرية اللجوء بصدد النزاع اما الى القضاء او الى التحكيم بيد انهم اختاروا بارادتهم الحرة اللجوء الى التحكيم.
2- التحكيم الاجباري- وذلك عندما تنص الإتفاقية على وجوب اللجوء اليه عند نشوء النزاع إبتداءً،أي شرط التحكيم،فلايجوز للاطراف اللجوء الى القضاء إبتداءً،وانما يتعين عليهم اللجوء الى التحكيم.
ويقسم التحكيم من حيث الجهة القائمة به، او من حيث سريانه على نوعين:-
1- التحكيم المؤسسي أو المنظم :- هو التحكيم الذي يجري تحت رعاية واشراف إحدى مؤسسات او مراكز التحكيم الدائمة وطبقاً للائحة التحكيم النافذ لديها،والتي تحدد كيفية اختيار المحكمين،وكيفية سير الاجراءات أمامهم.
2- التحكيم الحر:- هو التحكيم الذي يتم بمعرفة الاطراف أنفسهم،اذ يتولى هؤلاء اختيار المحكمين الذين سيتولون الفصل في النزاع،ويحددو الاجراءات واجبة الاتباع،دون اللجوء الى أي مؤسسة أو مركز دائم للتحكيم.
والتحكيم المؤسسي هو المعول عليه في الوقت الحاضر أما التحكيم الحر فقد أفل نجمه،على الرغم من أقراره والاخذ به في الإتفاقيات الدولية.
كما يقسم التحكيم من حيث القواعد التي تطبق الى:-
1- تحكيم طبقاً لقواعد القانون- هو التحكيم الذي يتقيد فيه المحكمون بقواعد القانون الموضوعي عند الفصل في النزاع المطروح عليهم.
2- التحكيم طبقاً لقواعد العدل والانصاف- في هذا النوع لايتقيد المحكمون بقواعد القانون الموضوعي عند الفصل في النزاع،حيث يمكنهم الفصل في النزاع المطروح عليهم وفقاً لقواعد العدل والانصاف وان أدى ذلك الى استبعاد قواعد القانون الواجبة التطبيق.
كما يقسم التحكيم من حيث أطرافه الى :-
1- تحكيم دولي_عندما يكون أطرافه دولاً،ويطبق عليه أحكام القانون الدولي.
2- تحكيم داخلي أو وطني – عندما يكون موضوعه حل نزاع ناشيء عن علاقة وطنية بحتة.
ثالثاً/ الطبيعة القانونية للتحكيم
التحكيم الذي يتم اللجوء اليه في النزاعات المتعلقة بالحقول المشتركة هو تحكيم ذو طبيعة دولية، تحكمه قواعد القانون الدولي، مع الاخذ بنظر الاعتبار ما يتراضى عليه أطراف النزاع من أحكام تنظم عمليات استغلال واستثمار هذه الحقول،وقانا أن التحكيم هنا هو تحكيم دولي، كونه يقع من قبل دولتين ذات سيادة،كما أن الاطراف قد يتفقان على اختيار المحكمين من قبل هيئة دولية كمحكمة العدل الدولية.
فالتحكيم الدولي قاصر على التحكيم الذي يجري بين اشخاص القانون الدولي.
وهناك من يرى أن التحكيم في النزاعات النفطية هو تحكيم تجاري.
رابعاً/ مبررات واسباب التحكيم
أن الاخذ بالتحكيم له عدة مبررات يمكن أيجازها بالاتي:-
1- أن الالتجاء الى التحكيم أقل في التكاليف وأسرع في الاجراءات من الالتجاء الى المحاكم القضائية،فالتحكيم يختصر درجات التقاضي ومراحله،فحكم التحكيم لايقبل الطعن فيه بطرق الطعن في الاحكام القضائية، الامر الذي يختصر الاجراءات والوقت.ولكننا نرى أن هذا القول لايمكن قبوله على أطلاقه،فقد تكون النفقات أكثر كلفة،والاجراءات قد تستمر في بعض المنازعات بضع سنين،كالنزاع بين السعودية وشركة (الارامكو) الامريكية والذي بدءعام 1955، وأنتهى عام 1958.
2- أن الفصل في نزاعات عقود النفط(البترول) يحتاج الى مؤهلات علمية وفنية خاصة،نظراً لتعلقها بمسائل فنية بحتة،ورغم ذلك فقد تم اللجوء الى رجال القانون في معظم المنازعات النفطية.
3- انعدام الثقة بالقضاء الوطني بالنسبة للدول الاطراف.
خامساً/ قابلية النزاع للتسوية بطريق التحكيم
المنازعات التي تحال الى التحكيم، تختلف باختلاف طبيعتها وأنواعها،ويمكننا أيجاز الأمور والمسائل التي يجوز احالتها على التحكيم:-
1- عقود البيع والشراء(النفط،الحبوب،الحديد، المنسوجات،الكائن والمعدات)
2- قضايا الوكالات التجارية
3- تجهيز ونصب المعامل الصناعية
4- قضايا الهندسة المدنية
5- العمليات المصرفية
6- عقود النقل والشحن البحري
ويشترط لصحة التحكيم، أن يكون محله مشروعاً، وأهم ما يلزم لتوافر مشروعيته وهو أن يكون النزاع الذي أتفق الاطراف على اللجوء الى التحكيم بشأنه، من المنازعات التي يجوز تسويتها بطرق التحكيم ومنها، منازعات الحقول النفطية المشتركة،ومن المسلم به أن كل دولة تتولى وبحرية تحديد المسائل التي يجوز أو لايجوز الإتفاق على تسويتها بطريق التحكيم،ولاأدل على هذه الحرية المعترف بها للدول في هذا الخصوص من الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم.
ولايشترط لطلب التحكيم أن يكون طرفا النزاع أعضاء في الهيئات التحكيمية،بل يمكن أن يكونوا غير منتمين لها،ومع ذلك قبلوا اللجوء الى التحكيم أمامها،كغرفة التجارة الدولية في باريس(غرفة تجارة باريس).
واذا كان التحكيم يتم برضا الاطراف المتعاقدة،فهل يكفي هذا الرضا لقيام التحكيم،أم يجب أن يتم افراغه في شكل معين،وبعبارة اخرى هل يجب أن يكون إتفاق التحكيم مكتوباً؟ وأن كان كذلك فما هي نوعية الكتابة،وما هو القانون الواجب التطبيق في حالة اختلاف الاطراف على شكل التحكيم؟
ان إتفاق التحكيم يجب أن يكون مكتوباً،لكن الاختلاف حول شكل الكتابة المطلوبة، وهل هي رسمية أي موثقة في محرر رسمي موثق،بأعتبار أن الاتفاق يمثل الاساس القانوني للتحكيم، أم عرفية،فقد يكون الإتفاق مثبت في الرسائل المتبادلة،أو برقيات أو تلكسات.
وهناك الكثير من القوانين الوطنية التي لا تتطلب أن تكون الكتابة رسمية، بل تكتفي بالعرفية منها، كالقانون البريطاني،والامريكي،والروسي،والهندي،والارجنتين،وبوليفيا،والبرازيل، وشيلي،بل أن هناك من القوانين من أجاز جعل التحكيم شفويا،كما هو الحال في المانيا،وكولومبيا.
تشكيل لجان التحكيم والقانون واجب التطبيق
المحور الاول/تشكيل لجان التحكيم
أن لجان التحكيم هي الجهة المختصة بحسم النزاع الذي يرغب الاطراف المتنازعة بعرضها عليها،وهذه اللجان تتشكل بناءً على إتفاق الدول الاطراف،وبأعداد متساوية من كل طرف، وبالشكل الذي يحقق العدالة في التمثيل في هذه اللجان أو المحاكم المختصة بالتحكيم.
فالمحكمين هم الاشخاص الذين أولاهم الخصوم ثقتهم، واطمأنوا الى قضائهم،فاستأمنوه على حقوقهم محل النزاع للفصل في خصومتهم،أو تختاره محكمة التحكيم،فتكون بذلك قد توسما العدل والنزاهة والحكمة والالمام والدراية والخبرة،لذلك أولت القوانين والإتفاقيات الدولية المحكمين عناية خاصة، من حيث الشروط الواجب توافرها فيهم،وسبل تعيين أو اختيار المحكمين،وتحديد حقوقهم وواجباتهم.
ويتم تشكيل اللجان من عدد من الاعضاء يكون فرديا،فيختار كل طرف عضواً أو ممثلاً عنه أو أكثر،وقد يتفق الطرفان على العضو الثالث(رئيس لجنة التحكيم)،وفي حالة عدم إتفاق أطراف النزاع على ذلك يتولى هولاء اختيار المحكم الثالث أو الخامس.
ويتم اختيار المحكمين من بين ذوي الخبرة والاختصاص في مجال النزاع المعروض،مع مراعاة العالمية في الاعضاء،فلا يمكن أن يكون جميع أعضاء اللجنة من جنسية واحدة،فيراعى تمثيل القارات المختلفة فيها،وأن كان الغالب على تشكيلها وجود القضاة وأساتذة الجامعات،والمهندسين. ولاتتقيد حرية الاطراف في اختيار المحكمين،إلا بالقواعد القانونية،فلايجوز على سبيل المثال اختيار القاصر،أو فاقد الاهلية،ويتمتع المحكم بالاستقلالية عن الطرف الذي أختاره أو رشحه،ويتم الاختيار بمساعدة اللجان الوطنية التي تزود المجلس بقوائم المرشحين.
وبعد تقديم طلب التحكيم يبلغ الطرف الاخر بذلك الامر،ويشترط في الطاب أن يتضمن أسماء الاطراف المعنية بالنزاع،وظروف القضية،وخلاصة قانونية وافية عن النزاع،عدد المحكمين،وكيفية اختيارهم،وبعد تقديم الطلب الى الجهة المعنية،تقوم سكرتارية المجلس بإبلاغ طلب التحكيم للطرف الاخر للاجابة عليه خلال فترة زمنية محددة.
وخلاصة القول أن هناك ثلاث طرق لاختيار المحكمين وهي:-