Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الأخت الفاضلة كاترين ميخائيل ..إنه تجنّي على الحكم الملكي

أقرأ المقالات التي يسطرها القلم الحر للزميلة الدكتورة كاترين ميخائيل ، وفيها الكثير حول المرأة وحقوقها وعن المعضلات العويصة والرزايا التي تخيم على سماء العراق ، وأقرأ ايضاً ومضات مضيئة فيها ذكريات عن القوش ، رغم مرارتها ، فإنها تبقى دافئة في اغوار النفس . لكن في المقال الأخير الموسوم ( رسالتي الى الذين يروجون للفكر الملكي ) فأختلف في كثير مع ما ورد في طرحها ، وأملي ان يبقى الأختلاف في الرأي حقاً مشروعاً وأن لايفسد للود قضية .
أزعم ان المقال الأخير حول الحكم الملكي هو تجني عليه . فلا يجوز ان تذهب بعض المثالب بالمناقب والتركيز عليها وغض الطرف عن الفضائل والأنجازات الحاصلة في العهد الملكي . إن الأنتقاد حالة صحية ضرورية لفتح نوافذ النقاش وتسليط الأضواء على اماكن الخلل ، ولكن في كل الحالات يتعين الأحاطة بكل جوانب الموضوع لكي يأخذ النقاش والأنتقاد طابع المهنية والحياد .
ــ ورد في الفقرة " 1 " من المقال ((.. كان العراق مقسماً الى عدة أقسام وقد دمرهم الفقر والجهل .. الخ )) .
أجل أن العراق كان مقسماً ، لكن هذا التقسيم لم يكن في العهد الملكي لقد كان في الزمن العثماني حيث كانت هنالك كما هو معروف إمارة البصرة وإمارة بغداد وإمارة الموصل ، وجاء العهد الملكي الوطني ووحد هذه الولايات فكّون الدولة العراقية . يقول المؤرخ حنا بطاطو في الكتاب الأول : العراق 31 " في مطلع القرن العشرين ، لم يكن العراق شعباً واحداً او جماعة سياسية واحدة . وهذا لا يعني الأشارة فقط الى وجود الكثير من الأقليات العرقية والدينية في العراق ، كالأكراد والتركمان والفرس والآشوريين والأرمن والكلدانيين واليهود واليزيديين والصابئة وآخرين . فالعرب أنفسهم الذين يؤلفون اكثرية سكان العراق كانوا يشكلون الى حد بعيد ، من جملة من المجتمعات المتمايزة والمختلفة فيما بينها والمنغلقة على الذات ، بالرغم من تمتعهم بسمات مشتركة ) .
اما تفشي الفقر والجهل فهذه نتائج طبيعية للحرب الكونية التي استمرت بويلاتها الى 1918 م . وهذا التأخر في معظم نواحي الحياة كان متفشياً في كردستان العراق كما في جنوبه ووسطه . ثم إن العراق لم يكن لوحده بؤرة فقر وجهل ومرض ومحاطاً بدول يسودها التقدم والعلم والأزدهار ، إنما الدول المحيطة بالعراق في اقليمها في الشرق الأوسط ، برمتها ، كانت ضحية الفقر والجهل والعراق لم يشكل استثناءً لتلك القاعدة السائدة .
تمضي الزميلة الدكتورة كاترين ميخائيل في نفس الفقرة الى القول :
(( .. لأن الحكومة حينها لم تهتم بالشعب بقدر ما كانت تهتم بطبقتها الغنية الدائرة حواليها فقد لا غير .))
في الحقيقة لم نقرأ عن وجود طبقة غنية مستفيدة من الوضع ، فالملك نفسه حينما يقوم بشراء سيارة بالأقساط سيكون من المتعذر اثبات ان الطبقة الحاكمة كانت تهدف الغنيمة من الأنخراط في الدولة ـ وسأكون شاكراً لو رجعت الى مقال كتبته تحت عنوان : بين نوري المالكي ونوري السعيد ضاع الأنسان العراقي . على هذا الرابط او على موقع تلسقف مثلاً .
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,116629.0.html
في العهد الملكي الليبرالي لم يكن هناك اشخاص أثرياء ، او طبقة ثرية على حساب المناصب الحكومية كما هي اليوم . أنا لا انكر وجود النظام الأقطاعي في العهد الملكي وشكّل الأقطاع كما هو معروف عن هذه الطبقة ، طبقة نفعية كان تأييدها للدولة العراقية بدافع الغنيمة ، لكن لنبقى مع الصراحة فإن الأصلاح الزراعي الذي تحقق بعد ثورة 14 تموز 1958 لم يحقق أي نتائج ملموسة على الصعيد الأقتصادي فالعراق كان من الدول المصدرة للحبوب أصبح بعد الأصلاح الزراعي والى اليوم دولة مستوردة لها .
ــ النقطة 2 حول كردستان : اعترف ان موقف الحكومات في العهد الملكي الليبرالي لم يتسم بالعدالة مع الشعب الكردي ، لكن ينبغي تسليط الأضواء على جوانب اخرى في هذه القضية منها المصالح الدولية ، وتاثير التيار القومي العروبي على قرارات الحكومات بشان القضية الكردية ، وفي اواسط الأربعينات من القرن الماضي كان لنوري السعيد برنامج متكامل مقبول من قبل الشعب الكردي وقيادة ملا مصطفى البارزاني بالذات لحل المشكلة ، لكن بضغط من التيار القومي سقطت الوزارة وشكلت وزارة متشددة برئاسة حمدي الباججي .
وكما هو معروف فإن القضية الكردية بقيت تترواح دون حل في العهد الجمهوري ، وكانت آخر الممارسات بحق الشعب الكردي كما هو معروف هو قصف حلبجة وعدد كبير من القرى الكردية بالأسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً مما اودى بحياة آلاف الضحايا وكان ذلك في ظل حكومة البعث .
ــ الفقرة الأخرى 4 تقول :
-4 )) الاقتصاد العراقي مربوط باقتصاد بريطانيا وثروة النفط بيد المستعمر وابناء الشعب العراقي يستلمون الراتب من الاجنبي وكان والدي احدهم يعمل محاسب في شركة النفط في كركوك اكثر من عقدين . )) .
الأخت الكريمة كاترين ميخائيل اوردت هذه الفقرة بكلام فضفاض إن صح التعبير : من هم أبناء الشعب العراقي الذين يستلمون رواتبهم من الأجنبي ؟ هل تقصد الموظفين في الحكومة ؟ فهؤلاء كما هو معلوم يستلمون رواتبهم من دوائرهم الحكومية اما العاملين بالشركة فإنهم يستلمون رواتبهم من الشركة التي يعملون فيها إن كانت اجنبية او عراقية او عربية فأين وجه الغرابة في ذلك ؟ وما علاقة ذلك بالمستعمر ؟
وفي مجال الأقتصاد لابد من الأقرار بحقيقة ان الدينار العراقي في العهد الملكي كان اقوى عملة في المنطقة واستمر زخم قوته حتى بعد ثورة تموز 1958 وبعدها طفق يهبط في ظل الأنقلابات والحروب الداخلية والخارجية حتى وصل الى ما هو عليه اليوم .
أما الفقرة الخامسة فتقول :
5(( ـ الحركة السياسية الوطنية محاربة باكملها . ولدت في زمن الملكية حركات سياسية ديمقراطية ويسارية وقومية كلها حوربت وتعرضت الى الاضطهاد والقتل والسجن والمحاربة العلنية والسرية . لاحرية للتعبير ولا حرية للاحزاب السياسية . واعدم الالاف منها)) .
لا أدري ما هو المصدر التي اعتمدته الأخت الكريمة كاترين ميخائيل حيث تقول : وأعدم الآلاف منها ، إن المعروف في العهد الملكي والذي دام ما يقارب الأربعة عقود من الزمن لم يعدم من السياسيين الالاف ولا حتى المئات ، وههم معروفون ، منهم : يوسف سلمان يوسف الملقب باسم فهد وهو مؤسس الحزب الشيوعي العراقي ورفاقه ، وكان من الذين اعدموا أيضاً صلاح الدين الصباغ وجماعته من مؤيدي الفكر القومي ، واعدم أيضاً أربعة أكراد ممن سلموا أنفسهم للسلطات العراقية بعد عودتهم من أيران وهم عزت عبد العزيز ومصطفى خوشناو وخير الله عبدالكريم ومحمد محمود قدسي وكان ذلك يوم 19 / 6 / 1947 م . أي ان جميع المعدومين من السياسيين في العهد الملكي كان بحدود العشرين شخصاً او اكثر قليلاً فمن أين استقت الكاتبة الجليلة على رقم الآلاف ؟
قد يكون من المفيد للمقارنة بين العهد الملكي الليبرالي والعهود التي اعقبته . وكمثال غير حصري كانت ( مذبحة كاورباغي ) في تموز 1946 حيث فتحت الشرطة النار على عمال شركة النفط المضربين عن العمل ، فسقط خمسة من القتلى واصيب أربعة عشر بجراح من عيارات نارية . ونجم عن هذه الجريمة هيجان للرأي العام ، فعزل متصرف اللواء وطرد مدير الشرطة ونقل رئيس محكمة الأستئناف وبعث بقاض جديد ليقوم بالتحقيق ، ثم بعد اشهر قليلة سقطت الحكومة ، فأين وجه المقارنة في ايامنا هذه ، كم مواطن عراقي يطاله القتل والأرهاب والخطف والأبتزاز و .. و .. ولا تحرك الحكومة ساكنا . لقد كان في العهد الملكي الليبرالي قانون الدولة يسري على الجميع ، واليوم قانون الميلشيات والعصابات يسري على الجميع .
في الفقرة التاسعة ورد :
9 ـ )) اكن كل الاحترام للسياسي شريف علي الذي اراد ان يدخل الانتخابات ويرجع بعض من رجالات النظام الملكي لكن لم ينجح وسحب بكل احترام ومن هنا فرض احترامه . الم تكن هذه التجربة كافية لذوي هذا افكر ؟))
إن الحركة الملكية الدستورية العراقية والتي تمثلت في الشريف علي بن الحسين تقول اولاً : من ميثاقها الوطني انها تتمسك بوحدة الوطن العراقي والحفاظ على استقلاله .
وفي سادساً : تدعو الى إقامة نظام ديمقراطي تعددي وتنتقل فيه السلطة عبر صناديق الأقتراع وإنشاء المؤسسات الديمقراطية السليمة على اساس الفصل التام بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية . والحركة تدعو ايضاً الى إجراء استفتاء حر لكي يختار الشعب النظام الذي يريده .
ليس مستغرباً ان تخفق الحركة الملكية في الأنتخابات فنتائج الأنتخابات العراقية كانت في صالح الأحزاب الدينية التي الهبت العواطف المذهبية للناخبين ، وكان ذلك بهدف تسويق المفاهيم التي انكشف عجزها في إدارة الدولة ، وهكذا لم يكن الأخفاق من نصيب الحركة الملكية الدستورية العراقية فحسب ، إنما طال كل القوى العلمانية الديمقراطية ، ونجم ذلك بسبب هيمنة التيار الديني السياسي والذي اضفى المقدس على كل قراراته وهذا ما اثر على مجمل نتائج الأنتخابات .
من باب الأنصاف في إصدار الحكم على النظام الملكي الوطني في العراق ، لا بد من الأشارة الى ان هذا الحكم عمل على ترسيخ ركائز الدولة العراقية الحديثة وأعلاء شأن الهوية العراقية . وفي مجتمع ينزع فيه للولاء القبلي في انتماءاته ، كان لابد من توطيد سلطة مركزية فاعلة ، مبنية على اساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وأنا لا ازعم بوجود نظام ديمقراطي ليبرالي مزدهر في ذلك العهد ، لكن كانت هناك محاولات جادة بهذا الخصوص ، ومرة يصيبها النجاح وأخرى ينتابها الأخفاق كأية تجربة جديدة .
أن الحكم الملكي الليبرالي كان يستثمر الثروة النفطية وأستطاع ان يخطط ويبني مشاريع تنموية عملاقة لتطوير العراق ، منها سد دوكان ودربندخان وسدة الكوت ومشروع الثرثار وسد أسكي موصل حيث وضعت تصاميمه في العهد الملكي وكان الصديق ، والدك المرحوم ، يشرح لنا عن فوائد هذا المشروع وكان يقول : ان القوش وكل القرى في سهل الموصل سوف تستفيد من ناحية الأرواء من هذا المشروع ، لكنه نفّذ على الصورة التي هو عليه اليوم وسمي سد صدام بدل سد اسكي موصل .
كنا نسمع من الراديو في العهد الملكي عن هذه المشاريع وغيرها وكان ذلك في برنامج عنوانه : العراق في انتقال ، وكنا نحن اليساريين وأنا واحد منهم نقول : " العراق في انتقال من قندرة الى بسطال " في باب البروبكندا قوامها التهكم على هذه المشاريع الخيّرة .
إن الثروة النفطية في العهد الملكي استغلت لأنشاء المشاريع وتطوير البلد وبعد تأميم هذه الثروة أصبحت مبالغها أداة سهلة للأنفاق على الأسلحة وعلى شن الحروب وعلى قمع الشعب وعلى المصفقين والمداحين للأنظمة اللاحقة .
أحيي الأنسانة الدؤوبة كاترين ميخائيل على مثابرتها وجهودها القيمة في اعلاء شأن الكلمة الحرة في عراقنا العزيز .
حبيب تومي / اوسلو
habibtomi@yahoo.com Opinions