الأربعاء الدامي رسالة سياسية للحكومة العراقية عبرالمفخخات
habeebtomi@yahoo.noلا يحتاج المراقب الى تمعن وتمحيص كبيرين ليلاحظ نقلة نوعية في التفجيرات الدامية عموماً كالتي تقع في الأسواق او المطاعم او في كراجات نقل المسافرين المكتضة ، وعموماً في مناطق تجمعات المدنيين ، وبين التي وقعت في الأربعاء ، فكانت تصريحات المسؤولين الحكوميين إن كانوا من الساسة او من كبار ضباط الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية بشان تلك التفجيرات ـ بين المدنيين ـ كانت تشير الى ضعف قوى الأرهاب وإفلاسها ولم يبق امامها سوى التسلل الى مناطق التجمعات الضعيفة امنياً ، فهي تختار التجمعات السكانية المدنية لصعوبة ضبط الأمن في تلك المناطق وهي تعتبر من الحلقات الضعيفة في المعادلة الأمنية .
لكن يبقى السؤال قائماً :
ولكن ماذا عن الأنفجارت الأخيرة التي وقعت في قلب العاصمة العراقية وأسفرت عن حوالي 700 إصابة بين قتيل وجريح ، وهي من المناطق الحساسة وفيها حراسة مشددة على مدار الساعة ؟
ننقل عن جريدة الشرق الأوسط اللندنية :
تسلل انتحاريون أمس إلى قلب بغداد مستهدفين بسيارات مفخخة مواقع حساسة، بينها 5 وزارات، منها المالية والخارجية،
انفجرت السيارة الأولى قرب وزارة المالية .. وأعقب هذا الانفجار بفارق دقائق انفجار هائل آخر قرب مبنى وزارة الخارجية في محيط المنطقة الخضراء وسط بغداد .. ولم تقتصر الحالة على أبنية هاتين الوزارتين، بل استهدفت انفجارات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة وصواريخ وقذائف هاون مقار وزارات الدفاع والتجارة والصحة والإسكان والتربية ومناطق الأعظمية والكفاح والصالحية والبياع والكرادة وشارع فلسطين، وحصدت العشرات من الضحايا. وأكدت مصادر إعلامية أيضا إصابة وزير التربية خضير الخزاعي بجروح خطيرة ..
ويبقى ان نقول :
وبعد هذه الهجمات بمختلف انواع الأسلحة لم يكن ينقصها سوى تشكيلات من قوات المشاة لتمشيط المنطقة كما هو متبع في العمليات العسكرية .
إن هذا الأختراق وهذا الهجوم قد بعث رسالة سياسية للحكومة العراقية ، ولكنها مكتوبة بأحرف من السيارات المفخخة والصواريخ وقذائف هاون ، وتقول بلغة واضحة : ان زمام المبادرة ليست بيد الحكومة العراقية ، وإن إزالة المتاريس والحواجز الكونكريتية من الشوارع لا يعني ان الحكومة قد اصبحت في وضع المسيطر ، كما ان الحكومة ليست في الموقف الهجومي او المبادر ، وليست هي التي تختار مناطق الهجوم ، بل إنها لا زالت في موقف دفاعي امام الهجمات المناهضة لها ، وهي اليوم تلزم جانب الدفاع عن نفسها اوهي في عقر دارها ، وفي اشد المناطق الحساسة التي تتركز فيها الحكومة وتنتشر فيها الحراسات المشددة ، والرسالة تقول :
إذا كانت الحكومة في موقف دفاعي فكيف تستطيع حماية الشعب من العمليات الأرهابية ؟ فقوى الأرهاب لا زالت ممسكة بيدها عناصر المبادرة وهي تختار الموضع الذي تستهدفه حتى لو كان هذا المكان وزارة الخارجية العراقية او وزارة الدفاع وغيرها من الأماكن التي ترمز الى سيادة الدولة العراقية ، فما بالك بقرية بعيدة مثل قرية خزنة او سنجار او بغديدة .
هل نلوم الحكومة في مثل هذه الحالة ؟ ماذا كنت فعلت انا او انت عزيزي القارئ لو كنا محل نوري المالكي الوظيفي ؟ هل كان لدينا حلول سحرية لحل المعضلة ولحقن دماء الناس الأبرياء ؟
اجل نؤمن بوجود رزمة من المشاكل امام الحكومة العراقية ينبغي حلها ، لكن في مقدمة تلك المشاكل كانت المسألة الأمنية التي دفعت بالحكومة العراقية الى الأدعاء باستتباب الأمن والأستقرار في ربوع العراق ، لكن هذه العملية قد اطاحت بحسابات الحكومة ومزاعمها ، وها نحن نعود الى المربع الأول في المسالة الأمنية ، ان كان ذلك في العمليات الأرهابية ذات التوجه الطائفي او العرقي كما حدث في بعض قرانا في محافظة نينوى ، او في العمليات الأخيرة التي استهدفت مراكز مهمة من مفاصل الدولة العراقية .
لكن من موقعنا كمواطنين نلاحظ ان هذه االعمليات وغيرها مهما بلغت الضحايا البشرية والأضرار المادية ، لا تؤثر على موقف الحكومة ولا على اي مسؤول ، وكأن الحكومة العراقية بكل مفاصلها الأمنية غير معنية بامن المواطن ، وليست مقصرة في اي واجب من واجباتها ، وهكذا نرى ان اي عملية انتحارية مهما حصدت من الأرواح ، وأسفرت عن خسائر مادية جسيمة تمر مر الكرام وكأن ارواح المواطنين يتحتم عليها ان تتحمل كل هذه المجازر ، فيما الحكومة العراقية في منأى عن اية مسؤولية امنية او قانونية او اخلاقية عن امن المواطن . ونتساءل : ماذا عن الخروقات والتفجيرات يوم الأربعاء 19 / 8 هل تمر ايضاً دون محاسبة اي مسؤول عراقي ؟
إن الفساد المستشري في مفاصل اجهزة حكومية مهمة والسكوت عنه ، في سيناريوهات لتبادل منافع وعمليات سكوت وتراضي ، بين مختلف اطراف الفساد ، قد افقد الأجهزة الحكومية السمات المهنية والحرفية في مزاولة واجب الوظيفة ، واصبحت عملية تبادل المصالح والتغطية على الفساد مصلحة مشتركة بين الفرقاء . ولعل الأجهزة الأمنية واحدة من تلك الأجهزة التي فقدت كثير من المهنية والحرفية فسهل امر اختراقها تحت ضغط الأصطفافات الطائفية والحزبية والمصالح المتبادلة ـ حتى في تغطية أفعال الفساد المالي والأداري ـ وهكذا تبقى الحكومة مشلولة لا تستطيع البت حتى في إقالة وزير او محاسبة مسؤول امني كبير او موظف ارتكب مخالفة قانونية او مالية وظيفية .
وسيبقى العراق ينزف دماً ولا يشهد الأستقرار ولا يتمتع بالخدمات الكهربائية او غيرها ، ما دامت مسالة تبادل المصالح الشخصية والحزبية والطائفية هي المهيمنة على عقلية المسؤولين الذين يمسكون بأيدهم مصائر العراق الجريح .
حبيب تومي / اوسلو في 20 / 08 / 2009