الأستاذ مسعود البارزاني .. والكلدان الأكثرية المسيحية الصامتة
habeebtomi@yahoo.noالكلدانيون هذا المكون العراقي الأصيل ، تقلبت بهم صروف الدهر ونوائبه عبر الموجات التي رافقت التطور التاريخي لبلاد ما بين النهرين ، فكانوا السكان الأصلاء الذين رافقوا مسيرة الوطن العراقي في سرائه وضرائه ، الى ان ركنت مصائر العراق الى احضان الحكم الوطني الملكي ، فكان لهم دور مؤيد ومساند للحكم الوطني بتخليص العراق من الدولة العثمانية المنهارة في اعقاب الحرب العالمية الأولى ، ومن ثم دعمهم للحكم الوطني للوقوف في وجه الأحتلال البريطاني . لقد تفاعل شعبنا الكلداني مع العملية السياسية في العهد الملكي ، فكان منهم وزراء ونواب في
البرلمان وأعضاء في مجلس الأعيان .
إن انخراط الكلدانيون في اللعبة السياسية لم تقتصر على الأسهام في الوظائف السياسية الحكومية فحسب ، إنما كان هنالك شريحة واسعة من هذه الشعب انخرطت في الأحزاب اليسارية المعارضة للسطة ، وتسنموا مناصب قيادية في تلك الأحزاب .
أزعم ان الحكم الملكي ولاسيما في عهد المرحوم الملك فيصل الأول كان وطنياً اصيلاً وعراقياً صميماً ، فقد تفانى هذا الرجل وعمل بإخلاص منقطع النظير من اجل تأسيس دولة عراقية حديثة ، ومن جملة منجزاته هو تكريمه وتقديره وإنصافه للمكونات العراقية الأصيلة من المسيحيين واليهود ، والكلدانيون كشعب عراقي اصيل كان له مكانته المعتبرة طيلة العقود الأربعة التي استمر فيها الحكم الملكي في العراق .
وسوف يسقط الحكم الملكي وستبدأ مصائر العراق تدخل في منعطفات وأنفاق مظلمة ، لا سيما بعد ان هيمنت على الساحة السياسية العراقية الأفكار القومية العروبية التي جعلت من الوطن العراقي مجرد قطر من اقطار الأمة العربية المجيدة ، وسوف يتربع الفكر القومي مكان القمة في الهرم السياسي والمجتمعي العراقي ، وتنزوي الهوية العراقية في مكان الظل بعد ان غدت الأضواء الساطعة تشع على الهوية العربية ، وطفقت الهوية العراقية تنزوي جانباً لفسح المجال امام المواطنة العربية القومية الشاملة .
في هذا المنعطف كان الضغط على القوميات العراقية غير العربية لصهرها في بودقة القومية العربية وهذه الأطروحة كانت السبب في اتخاذ مواقف متشدده حيال الطموحات القومية للاكراد والكلدانيين والآشوريين والتركمان وغيرهم ، وقد افلح الأكراد بفضل تضحياتهم ونضالهم من تثبيت قوميتهم في الدستور العراقي في مطاوي السبعينات ، وبقى الباب موصداً امام الكلدانيين وغيرهم لتثبيت قوميتهم الكلدانية في الدستور ، وفي عهد صدام والبكر كان هنالك قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية من الكلدانيين والآشوريين والسريان وفسر القرار بعد ذلك على انه
منح الحقوق القومية لأبناء تلك القوميات .
بعد نيسان 2003 كان القدر يضمر اخباراً سيئة للكلدانيين بشكل خاص ، فقد طالهم بعد هذا التاريخ الأرهاب والقتل والتشريد وتفجير كنائسهم واغتيال رؤسائهم الروحانيين .. وعلى نطاق اللعبة السياسية لحقهم اجحاف منقطع النظير فقد خبا نجمهم السياسي الساطع في وطنهم العراقي ، وكان للرفيق بول بريمر الدور الرئيسي في هذا الأجحاف ، كما ان أشقاءنا بالدين واللغة في الأحزاب القومية الآشورية هيمنوا على مقاليد الأمور واصبحوا الأوصياء على مصير شعبنا الكلداني ، إن كان في الحكومة المركزية في بغداد ، او في حكومة اقليم كردستان ، فباتوا يمسكون بأيدهم زمام
السلطة والثروة والأعلام ونصيب شعبنا الكلداني في هذا كله النزر اليسير ليس إلا .
فأشقائنا الآشوريين يملكون قناتين فضائيتين ، آشور وعشتار ، وأنا لا انكر وجود قليل من الكرم للسريان والكلدان بشرط الموالاة لخطاب الأحزاب الآشورية الشقيقة ، ومن يجرؤ على الأعتراض فهنالك عدة طرق لكمّ الأفواه والأسكات ولنبقى بهذه الحدود ولا نذهب ابعد .
امام هذا الواقع المزري الذي يقترف تحت يافطة اننا شعب واحد ، كان تهميش شعبنا الكلداني وكان إلغاء اسم القومية الكلدانية من مسودة الدستور الكردستاني ، والأخوة الأشقاء الآشوريين من المؤكد يسعون الآن على إلغاء قوميتنا الكلدانية من الدستور العراقي ايضاً .
إن إلغاء قوميتنا من مسودة الدستور الكردستاني مخالف لحقوق الأنسان وحقوق الأقليات والتي تقر بها لوائح حقوق الأنسان في الزمن المعاصر المتمثلة في منظمات هيئة الأمم المتحدة والمدونة في الأتفاقيات والمعاهدات المبرمة بين الدول ويمكن إشارة الى واحدة من هذه اللوائح الواردة في معاهدة سيفر المبرمة عام 1920 بين الدول في اعقاب الحرب العالمية الثانية وجاء في المواد 62 ، و63 ، و64 التطرق الى مشكلة الشعب الكردي والى القوميات والمكونات الأخرى في المنطقة ، لقد ورد في المادة 62 من هذه المعاهدة :
)) المادة 62 : تتولى هيئة ، تتخذ مقرها في اسطنبول مكونة من ثلاثة أعضاء تعينهم حكومات كل من بريطانيا وفرنسا وايطاليا ، التحضير أثناء الأشهر الستة الأولى التي تعقب تنفيذ هذه الاتفاقية ، لوضع خطة لمنح حكم محلي للمناطق التي تسكنها غالبية من الأكراد والتي تقع إلى شرق الفرات والى جنوب الحدود الأرمينية التي ستحدد فيما بعد ، والى شمال الحدود بين تركيا وسورية وبلاد ما بين النهرين ، وعلى النحو المحدد في المادة 27 من القسم الثاني ( 2 و 3 ) وفي حالة عدم توافر إجماع في الآراء بصدد أي قضية ، يحيل أعضاء الهيئة المذكورة كل إلى حكومته ينبغي أن توفر
الخطة ضمانة كاملة لحماية {{ الآشوريين والكلدانييــــن }} والجماعات العرقية أو الدينية الأخرى في المنطقة ، ولهذا الغرض ستزور المنطقة هيئة مكونة من ممثلي بريطانيا وفرنسا وايطاليا وبلاد فارس والأكراد لكي تتولى تحديد أي تعديل – أن وجد – ينبغي إدخاله على الحدود التركية أينما تلتقي مع الحدود الفارسية وذلك على النحو الموضح في هذه المعاهدة )) .
وكما هو معلوم ان مقررات هذه المعاهدة ذهبت ادراج الرياح بعد ابرام معاهدة لوزان عام 1923 التي رفضت حقوق الكورد والمكونات القومية الأخرى في المنطقة ومنهم الكلدانيـــــــــون .
إن الذين يرمون الى إلغاء القومية الكلدانية يعملون ضد المنطق وضد الحقائق التاريخية الكثيرة التي تشير الى قوميتنا الكلدانية في بلاد ما بين النهرين وفي العراق المعاصر ، إنه تجني على المنطق وعلى التاريخ دون وجه حق .
وكان احتفال اكيتو
في غمرة الجدل الدائر وفي زخم الأحتفالات في اعياد اكيتو وقف شعبنا الكلداني صامتاً مهمته الوقوف في العراء والتصفيق ، لقد اقتصرت امكانيات احزابنا الكلدانية على إصدار بيان مقتضب عن اكيتو وورد فيه :
(( .. وفي الوقت نفسه كنا نتمنى من كافة تنظيماتنا السياسية والشعبية والاجتماعية والثقافية المنبثقة عن صفوف شعبنا لتوحيد الاحتفالات بهذه المناسبة وفق برنامج منسق ومنظم بدلا من الاحتفالات المنفردة بطريقة تشوه صورة شعبنا وتضعف اواصرنا ، فلنستغل أيها الاخوة كل مناسبة خاصة بنا من أجل لم الشمل وتوحيد الصفوف بنوايا صادقة بعيدا عن المراوغة ومحاولات أنكار الاخر وتكون الوحدة الحقيقية الهدف المنشود )) .
ولم يرد في هذا البيان رأس السنة البابلية الكلدانية 7309 لكي لا يزعل الأشقاء الآشوريين ومن المؤكد سيكون ذكر هذه السنة طريقة لتفرقة صفوف شعبنا ، بيد ان ذكر التوقيت الآشوري يعتبر خطوة للوحدة وفي لم الشمل للمسيحيين ، كما ان رفع الأعلام الكلدانية يعتبر خطوة في تفرقة وتمزيق الصفوف بينما رفع الأعلام ( الآشورية فقط لا غيرها ) هي خطوة لرص الصفوف ، وهكذا ينطبق المثل :
(( تريد ارنب اخذ أرنب تريد غزال اخذ أرنب ، فلك مطلق الحرية في الأختيار )) .
كان نصيب شعبنا الكلداني السير بهذه المسيرة او تلك والوقوف في العراء لسماع الأغاني الثورية وكان يسمح له ايضاً بأن يصفق للمغنين القادمين من أقاصي الدنيا .
لقد كانت الألتفاتة الوحيدة من الرئيس مسعود البارزاني حينما قدم تهنئته لشعبنا المسيحي بكل تكويناته القومية من كلدان وسريان وآشوريين فقد ورد فيها :
(( بمناسبة أعياد أكيتو و رأس السنة الآشورية البابلية، أبعث بأحرّ التهاني الى الأخوات والاخوة الآشوريين والكلدان والسريان في كوردستان والعراق، وعلى وجه الخصوص الى الأخوات والاخوة المسيحيين الذين لجؤا الى اقليم كوردستان خوفاً من بطش الارهاب، وهم الآن يعيشون بكل حرية في ظل التعايش الأخوي والوئام والتسامح السائد في كوردستان.
وأتمنى للأخوات والاخوة الآشوريين والكلدان والسريان الذين يشكلون جزءً مهماً من شعب كوردستان، العيش بسعادة وأمان وأن يقضوا أعيادهم بالهناء والمسرّة )) .
كانت هذه التفاتة مباركة وشفافية في التعامل الديمقراطي مع كل المكونات القومية لشعبنا المسيحي . إن الأستاذ مسعود البارزاني قد ذاق طعم النضال لتحقيق اماني شعبه القومية ، وإن كان الشعب الكردي مظلوماً لا يمكن ان يكون اليوم ظالماً ، وقد تجسد هذا الموقف في احتضان اقليم كردستان للمسيحيين من كلدان وسريان وآشوريين وأرمن والصابئة المندائيين لقد كان اقليم كردستان ملاذاً أمناً لهذه المكونات العراقية الأصيلة .
في هذه المناسبة نطلب من الرئيس مسعود البارزاني ان يعيد الحق الى نصابه في مسودة الدستور الكردستاني لاعادة القومية الكلدانية الى مكانها الطبيعي في وثيقة الدستور الكردستانية المهمة .
كما نهيب بحكومة اقليم كردستان بأن تنصف احزابنا ومنظماتنا الكلدانية بالدعم المعنوي والمادي اسوة بما تحظى به المنظمات والأحزاب الآشورية في هذا الأقليم ، وان تقف حكومة الأقليم على مسافة واحدة من هذه المكونات الأصلية .
حبيب تومي / اوسلو في 10 / 04 / 2009 __________________________________________________ Dårlig plass? Få Yahoo! Mail med 250 MB gratis lagringsplass. http://no.mail.yahoo.com