الأصيل توما توماس , لم يكن للكراهية مكانا في قلبه.
الفقيد توما صادق ككّا (توما توماس) (أبو جوزيف), من مواليد ألقوش 1925 , أنهى دراسته الإبتدائيه في مدرسة مار ميخا في ألقوش, ليكمل الدراسة المتوسطه في مدينة الموصل , وفي كركوك أنهى دراسته الثانويه متميّزا بين أقرانه الأخرين.في أواخر الأربعينات من القرن الماضي, شاءت رغبته أن ينخرط في صفوف جيش اللّيفي برتبة ضابط عسكري وما بعد ذلك حصل على عمل وظيفي مرموق في شركة نفط كركوك , وحينئذ أي في مطلع الخمسينات إنخرط في صفوف الحزب الشيوعي العراقي كمناضل وطني مؤمن بقضية حاله حال العديد من زملائه واصدقائه الألقوشيين .
الشهيد توما توماس , القائد الشيوعي المعروف , والكلدواشوري الوطني المعروف بولائه المطلق لعراقيته ووفاء إنتمائه إلى أبناء شعبه وقومه ,مثل ناصع ليس في طراز بطولاته التي لم يسبق في عهده أن تمتّع َ بها غيره . حيث كان الشهيد المرحوم توما توماس, الملقب بأبو جوزيف صمّام الأمان المعروف لقاطع جبل القوش بكامله , إبان الحركة الكرديه منذ بداية الستينات , وعلى طول إمتداد سلسلة جبل القوش من فايدة الى عمق شيخان بإتجاه عقره , وهذا القاطع في المنظور العسكري كان خط المواجهة الأمامي الاول و المطل على سهل نينوى , طيلة فترة الحركة الكردية كان المرحوم أبو جوزيف يبهر بقيادته الوفيّه في تسيير عملياته حتى أعداءه, وما عرفناه عنه طيلة فترة نضاله أننا لم نشهد او نسمع يوما حدوث أي خيانة أو إبرام أي صفقات إستسلام من جانبه مع الحكومات وأنظمتها الحاكمة, حيث كانت العروض والإغراءات تنهال عليه من أطراف عديده , بينما في أماكن أخرى كانت المساومات والصفقات تجري على قدم وساق بين مسؤولين أكراد ورموز حكوميه عن طريق الوسطاء من المرتزقه الجحوش.
المرحوم أبو جوزيف ومن خلال طيلة فترة نضاله السياسية والعسكريه , جسّد هذا الرجل وعلى الأرض حقيقة إنسانيته وفكرة إيمانه وعشقه لمبدأ تحقيق العداله والمساواة سلميّا , وهو رغم كونه من الذين حملوا السلاح ضد الطغاة مظطرّا للمواجهة العسكريه , لكنه لم يكن من محبّي إزهاق الأرواح , ولا من مؤيدي نزعة الإنتقام , كان من أشد معارضي فكرة قتل الإنسان كلّما إستطاع إلى ذلك سبيلا, ولنا في ذلك الكثير من الشواهد التي عشنا معظم تفاصيلها عن كثب ,فهو ذلك الرجل الذي صفح حتى عن أولئك( دون ذكر أسماءهم) الذين أوصلوا للسلطات الأمنيه خبر تواجده في ألقوش يومها , مما حدا بالسلطات أن تزج بالألاف من افراد قواتها المسّلحة النظاميه و مجاميع الجحوش من المتزقة الأكراد الغير النظاميه لتطويق المدينة في ساعات الفجر الأولى , وكان ذلك يوم إستشهاد أحد مرافقيه الأبطال ( جندو دكالي) الشاب الأشقر ذي العيون الزروقاوين ,والذي لم يصله خبر تطويق المدينة إلا بعد مغادرة أبو جوزيف الذي إكتفى فقط بمصاحبة أحد مرافقيه (حبيب جيجو) لتسهيل عملية خروجه من الطوق المضروب حول المدينه , وحين سمع المرحوم الشهيد (جندو) بالخبر, لم يقبل على نفسه البقاء داخل المدينه تاركا مسؤوله السياسي والعسكري في مواجهة تلك المعركة الغير المتكافئه لوحده , وقد حاول العديد من أهله وأصدقائه منعه من الخروج للّحاق بأبوجوزيف , لكنه لم يرضخ لهم , ليسرع ومعه بندقيته السيمنوف متوجها حيث الطريق الذي سلكه المرحوم ابو جوزيف فاتحا النار يمينا وشمالا متخذا من صخرة هناك درعا له ليشاغل المرتزقه ظنّا منه بأن ذلك سيخفف من الضغط على المرحوم أبو جوزيف, لقد نجا المرحوم أبو جوزيف وبدهائه من تلك المعركة بأعجوبة كبيره, بينما الشهيد جندو كان يتلقى المئات من الرصاصات والقاذفات إلى أن تلاشت تلك الصخرة التي إحتمى بها مع الأرض ليصبح صدر الشهيد جندو مفتوحا مرفوع الهامة بعد نفاذ إطلاقاته , ليستشهد في ضاحية القوش الغربيه (خه ووشه) ,والقصة لم تنتهي هنا , حيث عاد المرحوم ابو جوزيف الى القوش في مساء نفس اليوم,,,ونترك تكملة التفاصيل ربما في مناسبة أخرى كي لا نطيل , لكن نقول أن ما تمتّع به البطل ابوجوزيف من شهامة ورجوله فريده في قيادته للمعارك , كان لها الصدى الإيجابي الكبير لدى خصومه قبل أصدقائه .
فقيدنا البطل ابو جوزيف , كان من اللاعبين المتمرّسين للعبة الشطرنج, , وفي إحدى الأيام من عام 1970 , حين كان يلعب الشطرنج في مقهى 14 تموز في القوش,مع أحد أصدقائه ومسانديه السياسيين ,المضمد توما اوراها قاشا الملقب(ابو باسل) , كان الشباب ومن ضمنهم كاتب هذه السطور , نستمتع في مشاهدة نقلات اللعبة فيما بينهم حيث الجميع يتابع بصمت خطزات اللعبه , وإذا بضجه وصخب مشاجرة في الأسفل داخل السوق, حيث إشتبك أحد الألقوشيين مع رجال الأمن الذين إحتشدوا في السوق في محاولة منهم للقبض أو التضييق على المرحوم ابو جوزيف, حيث حاول أحدهم التحرش بأحد المواطنين (بدري قس يونان) , كي تدور رحى معركة بالأيدي , خاصة حين أشهر رجال الأمن أسلحتهم بوجه المواطنين , وهنا نهض الجميع في المقهى لمشاهدة ما يحصل , لأرى بعيني كيف أن الشباب كانوا يكنسون أرض السوق بأؤلئك الأقزام من رجال الأمن بعد أن جردوهم من مسدساتهم, الغريب في الأمر , بينما كان المرحوم ابو جوزيف يطالب الشباب بوجوب الرفق بأولئك الأقزام لأنهم غرباء من المدينه وهم في واجب وظيفي, كان أحد رجال الأمن يصرخ مطالبا النجدة من ابو جوزيف وهو يقول: عمّي أبو جوزيف دخيلك قل لهم يعيدوا لنا سلاحنا كي لا ننال العقوبة الإنضباطيه من مسؤولنا الأمني!!! وفعلا أمر المرحوم بإرجاع أسلحتهم وتركهم وشأنهم ليجروا اذيال الخيبة وراءهم.
نعم , أبو جوزيف لم يحمل قط أي كراهية أو عدائيه تجاه كل ما إسمه عراقي , ولم يفرّط يوما ما بقطرة دم من أبناء شعبه , ومن يقرأ الرسالة التي أرسلها الفقيد الى الصديق العزيز نبيل دمان حول الشأن القومي ومسألة التسميات , والتي نُشرت مؤخرا في الأنترنيت, من يقرأ هذه الرساله بإمعان سيرى أي صنف من الرجال والمفكرين كان هذا الرجل , وكيف كان يرسل إشاراته السياسية في طريقة حل الأمور وتذليل العوائق التي غدت أو بدت مستعصية خاصة حين تمادى البعض من جاهلي حقائق التاريخ مفرّطين في نفس الوقت في تناسيهم لماهية حاجة أبناء شعبنا اليوم وتعطشهم الى الوحدة , كي نكون الان كي من ضيّع المشيتين.
ستبقى دعوة المرحوم أبو جوزيف جرسا وناقوسا لوفائنا وإحترامنا له يدق في اذان كل من أحبّ بإحترام فكر ونضال ألفقيد أبو جوزيف , و إلى وجوب دعم فكرة لم شمل أهلنا وأبناء قومنا لتوحيدهم سياسيا تحت المسمّى التوحيدي الذي من شأنه بداية ان يرفض أي فكره تقسيميه لشعبنا الكلدواشوري السرياني, هذه الخطوه مطلوب اليوم العمل من أجل إنجازها بكل ما تمتلكه هياكلنا السياسية والإجتماعيه والثقافيه من طاقات و قدرات , نعم لقد أكد المرحوم أبو جوزيف و منذ سنين على هذه النقطة الحيوية .
وإخواننا في ال(زوعا) على علم جيد في هذه المسأله , وهي اليوم تشكّل الخطوه الأولى التي يستوجب تحقيقها , ثم إنطلاقا منها ستكون اللبنات الحقيقية لما يليها من مساندة ومعاضدة مطلب المجموع في إقرار مستقبل حقوق شعبنا على الارض دستوريا.
أشكر الأخ نبيل دمّان على دعوته هذه من أجل إحياء ذكرى رحيل البطل أبو جوزيف والمعذره عن عدم إسترسالي في ذكر المزيد مما عرفناه عن مزايا ونشاطات المرحوم ابو جوزيف ,,,,,,,المجد والخلود له ولكل شهداء أبناء شعبنا .