الأَعْيادُ وما عَلَيْها .....
كُلُّ يَوْمٍ سعيدٍ هو يَوْم عيدٍ حقِيقيّ ........
تَأْتي الأَعْياد وتَنْقَضي ، فما الَّذِي تَرْمي بِهِ في أَذْيالِها ؟
أَمَّا عمَّا لَها مِنْ مباهجِ فهُناك آلاف الكِتاباتِ تُفصِّلُ فيها وتَحْكي عَنْ معانِيها الَّتِي تُوصَفُ بِالعُمْقِ والجمالِ على حَدِّ التَعْبيرِ المَبْذولِ لها ، ناهيكَ عَن المحاسِنِ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْها بِتَرَف ، لكِنَّ ما عَلَيْها في بابِها الآخَر لا يُطْرق حَيْثُ تَتَجمَّعُ السلبياتُ وتَفِيض ......
الأَعْياد تَخْلقُ أَعْباءً على كاهِلِ الفَرْدِ رُبَّما تُضاهي في ثِقلِها أَعْباءَ عامٍ كامِلٍ ، فهي تَضَعُ الأَفْراد في حالةِ تَوتُرٍ مُسْتَمرٍ إِذْ عَلَيْهم أَنْ يُنْجزوا مُتَعلِّقات كثِيرَةٍ وغَيْر مُلِّحة ولا هامَّة في فَتْرةٍ مُحدَّدَة ضيقَة ، وتَدْفَعُ بِهم إِلى ماراثونٍ رُغْماً عَنْهم أَوْ بِإِرادَةٍ مِنْهم ، فتُربِّي في صُدورِهم قَلقاً وتَوتُراً هم في غِنىٍ عَنْهُما ولَهُما بُدٌّ إِنْ رَغِبَ الإِنْسَانُ في ذلِك ......
كما إِنَّ الأَعْياد تُفْرِغُ خزِينة العوائلِ مِنْ المُدخَراتِ وتُضِرُّ بِاقْتِصادها ودخْلِها فتَنْمو الديون وتَزُّج بِالعوائلِ في ضِيقٍ وأَحْياناً مِحْنة .
أُفكِّرُ في المَرْضَى ومَنْ يَرْقدون في المُسْتَشْفيات ، أَوْ طريحي الفِراش لاشَكَّ إِنَّ الأَعْياد تَزِيدُ لَديهم الشعُور بِالعُزْلةِ عَن المُجْتَمع القَادِر على الاحْتِفالِ بِكُلِّ طُرُقِهِ بَيْنَما تَخْذُلهم ظُرُوفَهُم الصِحيَّة عَن المُشَاركةِ .... فهُم بِطَرِيقةٍ ما مَرْفوضين أَوْ مَنْبوذين مِنْهُ ، لايَقْتَصِرُ هذا الأَلَمُ النَفْسِيّ على المَرْضى وطَريحي الفِراش والراقدين في المُسْتَشْفياتِ بَلْ يُشَارِكهُم في ذلِك الأَيْتام مِمَّنْ لا أُسرَ لَديهم يَرْكنون إِلى دِفْئها ، يَلْحقُ بِهذا الرَكْب المُسِنُّون مِمَّنْ لاعوائل لَهُم تَرْعاهُم ، والأَفْراد مِمَّنْ صارَتْ الوَحْدَة نَصِيبهم بِدُوْنِ عوائل ، وأَيْضاً المُشَرَّدون في الشَوارِعِ والَّذِين لا مَأْوى لَهُم لأَسْبابٍ يَطُولُ تعْدادها بِضِمْنِها الكوارِث الطبِيعيَّة وما أَدْرانا بِظُرُوفِهِم ، الأَعْياد تُشِيعُ في دواخِلِ كُلِّ هؤُلاءِ الحُزْن بَدلاً مِنْ الفَرَحِ وتَقولُ لَهُم كَمْ هُم وحِيدين وكَيْفَ أَنَّ الحيَاة كشَفَتْ لَهُم عَنْ مَخالِبِها في شَرِيطِ ذِكْرياتِهم ، أَمَّا الفُقَراء فيُعرِيهم العِيد ويَشُقُّ سِتْرَهم في كُلِّ أَدواتِهِ وطُقُوسِهِ ورُمُوزِهِ : المَال ، المَلابِس ، الهدايا ، الاحْتِفالات وما إِلى غَيْرِ ذلِك ، فالعِيد مَأْزق ولَيْسَ مَخْرَج ، وتَبَرُّعِ الأَغْنِياءِ وكَرَمِهِم في الأَعْيادِ نَحْوَ الفُقَراءِ هو جُرُحٌ أَكْبَر لِكرامتِهِم إِذْ تَنْزَع عَنْهُم آخِرَ قِشَّةٍ يَحْتَمون بِها مِنْ صِيتِ الفَقْرِ وجَوْرِ العِيدِ وتَعدِّيهِ على كرامتِهِم ومكانتِهِم ، ولِلأَرامِلِ والأَيْتام وغَيْرَهُم حِصَةٌ كبِيرَة ٌمِنْ هذا ......
لايَقْتَصِرُ العيدُ في مَضارِهِ على ذلِك بَلْ يَتَعداها لِيُجْبِر الأَفْراد على الالتِقاءِ بِمَنْ لايُميلون إِلَيْهم ، ويَفْرِضُ عَلَيْهم تَحَمُّلَهم ، ويُطالِبَهُم بِاسْمِهِ وهو المُسامِحُ الكرِيم أَنْ يَصْفَحوا عَنْ تَجاوزاتِ وإِساءاتِ الآخَرِ إِلَيْهم مَهْما كانَ غَوْرُ تِلك التَجاوزاتِ عمِيقاً ، وغالِباً ما يُرْغِمهُم على ذلِك في شَكْلِ ضُغوطٍ يُمارِسُها الأَهْلُ والأَصْدِقاءُ بِغَرَضِ فَتْحِ صَفْحةٍ جدِيدَة والتَغاضِي عمَّا فاتَ دُوْنَ إِيجادِ حُلُولٍ حقِيقيَّة لِتِلك الأَزماتِ فلاوَقْتَ لِذلِك المُهِم أَنْ يَتَصرَّفَ الأَفْراد بِحَسْبِ ماهو مَطْلوبٌ ومَرْسوم ، ولِهذا فمُعْظم الخِلافاتِ الَّتِي يَتِمُّ طيَّها ظاهريَّاً في الأَعْياد تَحْتَ الضَغْطِ وبِمُسمَّى المُسامَحة وتَعْلِيلاتٍ أُخْرَى كالقَوْل : العِيدُ مَحَبَّة .... وإلخ ، تَبْقَى ساكِنة ولكِنْ عالِقَة وبِمُجَرَّدِ انْقِضاءِ الأَعْيادِ وتَوفُّرِ الأَسْبابِ السابِقَةِ ثَانِيةً تَتَفجَّرُ الخِلافاتُ مِنْ جدِيدٍ ويَعودُ الحالُ خِصاماً وخِلافاً كما كانَ قَبْلَ العِيد ، لَيْسَ لأَنَّ الأَفْراد غَيْر صالِحين أَوْ حقُودين أَوْ .... إلخ ولكِنْ لأَنَّ الخِلافات تَحْتَاجُ لِوَقْتٍ لَمْ تَحْظَى بِهِ ولَمْ يُمْنَح لَها لِفَضِّها ، هذا الوَقْت الضَرُوريّ الَّذِي يُهَيِّئُ الخِلافات لِمَراحِلِ الصُلْحِ والسِلمِ مِنْ خِلالِ تَعْيينِ أَسْبابِ الخِلافاتِ ودِراستِها ومُناقَشَتِها وتَبادُلِ الآراءِ بِشَأْنِها ، وتَوْضيحِ أَحْوالِها وظُروفِها وتَهْيئَةِ الأَحْوالِ النَفْسِيَّة لِلطَرَفيْنِ المُتخاصِمينِ لمَا سيَكونُ فيما بَعْد ، ثُمَّ إِيجادِ الأَرْضيَّةِ الصالِحةِ لاحْتِضانِ الحُلُولِ وإِزالَةِ أَسْبابِ الخِلافِ وإشَاعةِ الاحْتِرامِ بَيْنَ المُتَخاصِمين ، فكما إِنَّ لِلخِلافاتِ أَسْبابها يَجِبُ أَنْ يَكونَ لِلمُصالحاتِ والمُسامحاتِ أُسُسٌ تُبْنَى عَلَيْها وأَسْبابٌ تُمَهِّدُ لَها وظُروفٌ تُعينُها على ذلِك ، فلاشَيْءَ يَأْتي مِنْ وَمْضَةٍ لِيُفضُّ بِلَمْحةٍ .
فالمُصالحات والمُسامحات هي جُهْدٌ نَفْسيٌّ كبِير يَتِمُّ بَذْلَهُ بِعنايةٍ مِنْ قِبَلِ الأَطْرافِ المعْنيَّة بِالشَأْنِ لِيَتَحولَ إِلى اسْتِعدادٍ نَفْسيّ يُؤْهِّلُ الشَخْص لِيَخْطو نَحْوَ الآخَرِ ومُصافَحتِهِ ، هذا الجُهْد النَفْسِيِّ المُتَحوِّل إِلى اسْتِعْدادٍ هو اللَّبِنَة الأَساسِيَّة في كُلِّ هذهِ المَسْأَلة ، دُوْنَهُ لايُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ صُلْحٌ قائمٌ ومُسْتَديم ويَحْتَاجُ لإِطارٍ زَمَنيٍّ ( عامِل الوَقْت ) لِيَعْمَلَ ضِمْنَهُ لَيْسَ بِلَحْظةٍ أَوْ دقِيقةٍ ولا حتَّى بِيَوْمٍ ، بَلْ أَطْولُ مِنْ ذلِك ورُبَّما بِكثِيرٍ . علاوةً على ذلِك إِمْكانِيَّة تَفَجُّر خِلافات أُخْرَى آنِيَّة عابِرة أَوْ عمِيقَة ، كبِيرَة أَوْ صغِيرَة ، بَيْنَ الأَفْراد المُجْتَمعين وبُروزِ خِلافاتٍ جدِيدَة .
وكما إِنَّ الأَعْياد تُجْبِرُ الأَفْراد على اللِقاءِ بِمَنْ لايُمِيلونَ إِلَيْهم ، هُناكَ الآلافُ ورُبَّما الملايين مِنْ الأَشْخاصِ مِمَّنْ يُكافِحونَ لأَجْلِ إِيجادِ مكانٍ لَهُم بَيْنَ عوائلِهم أَوْ معارِفِهم لِيَحْتَفِلوا بِالأَعْيادِ لكِنَّهُم لايُدْرِكونَ مَرامَهُم لأَنَّ لا أَحَدَ مِنْ أَهالِيهم أَوْ معارِفِهم يَرْغبُ في اسْتِضافتِهِم لَيْلَةَ العِيد فيَقْضون العِيد في وَحْدَة بَيْنَ الجُدْرانِ الأَرْبَعة ، يَبْقَى الايجابيّ في هذا الحال إِنَّهُم يَمْلكونَ جُدْراناً أَرْبَعة وسَقْفاً يَحْميهِم ( غَيْرَهم قَدْ لايَمْلكونَهُ ) فلا يَفْضَحُ لِلآخَرِين وحْدَتَهُم وأَحْزَانَهُم .
ورَغْمَ أَنَّ كُلّ مامرَّ ذِكْرَهُ مِنْ سلْبيات الأَعْياد مُحْزِن ومُؤْلِم ، إلاَّ أَنَّ ما يَحزُّ في نَفْسي شَخْصيَّاً وبِعُمْقٍ هو وَضْعُ الأَفْراد الوحيدين بِاخْتِلافِ أَسْبابِ ذلِك في هذا العالم مِمَّنْ يَأْتي العِيد لِيَسْحقَهُم ويَضْغطُ بِهُم إِلى زاويةٍ مُهْملَةٍ بَعيدة ومنْبُوذة في المُجْتَمع الَّذِي هم شَرِيحة مِنْه فيُؤجِّجُ أَحْزانَهُم ويُحرِّرُ لَهُم تَصارِيحَ نبْذٍ مجانيّ ، في بَعْضِ الدُولِ الغرْبيَّة يتَوفَّرُ خَطُ خدماتٍ هاتفيّ مجانيّ لِيبوحوا عِبْرَهُ آلامَهُم وأَحْزانَهُم ومَخاوِفَهُم ووحْدَتَهُم .
وأُشِيرُ بِوَجْهٍ خاصٍّ إِلى الأَشْخاص الوحيدين والمَعْزولين والمَنْبوذين كشَرِيحةٍ اجْتِماعيَّة لأَنَّني ألْتَقيْتُ البَعْضَ مِنْهُم في بَلدي ، وتَعرَّفْتُ عَنْ قُرْبٍ على بَعْضِ أَسْبابِهِم وأَوْضاعِهِم في بَلدٍ يُسيِّرهُ النِظامُ العائليّ والعشائريّ ويَفْتَخِرُ أَفْرادَهُ بِتَكاتُفِهم العائليّ كتَقْليدٍ وحالةٍ مُتَوارثة وسائِدَة . تَغيبُ عَنْ ورَقَتي هذِهِ الأَعْياد في زَمنِ الحُرُوبِ والفَوْضى السِياسيَّة لأَنَّ الأَغْلبِية قَدْ عايشَتْها وعرِفَتْ طَعْمَها ومَذاقَها ولَها مِنْها ذِكْرياتَها ، أَتْرُكُ مساحتَها لِلمُتابعينَ والمُتابِعات .
حَتَّى شُؤون المُواطنين على اخْتِلافِها في الدوائرِ الرَسْمِيَّة تَتَوقَّفُ أَوْ تُؤْجَّل ، أَوْ تَخْضَعُ لِحالةِ تَماهُلٍ وتَريُثٍ طوِيلٍ ، وكأَنَّ الحيَاة قَدْ تَوقَّفَتْ عِنْدَ الأَعْياد وعَلَيْها ولَنْ تَعُودَ إِلى حرَكتِها إِلاَّ بَعْدَ انْقِضائِها ، فالمُوظَّفِين وهُم في دوائرِهِم مَشْغولين بِهُمومِ العِيد ويَتَراخون عَنْ إِنْجازِ أَعْمالِهِم رَغْمَ تَواجُدِهِم في أَماكِنِها ......
هذا التَأْجيل ، أَوْ التَراخي ، أَوْ التَماهُل والتَريُث يَعْني فَتْرَة انْتِظارٍ إِضافيَّة لِمَنْ هُم في حاجةٍ ماسةٍ إِلى إِنْهاءِ مُعاملاتِهِم لِتَقْصيرِ مُعاناتِهِم وتَحْسينِ ظُرُوفِهِم وتَحْرِيرِهِم مِنْ ضيقاتِهِم ..... وإلخ .
وبَيْنَما تَدْخُل المُعاملات والإِجْراءات القَانونيَّة فَتْرَةَ السُبات العِيديّ الاحْتِفاليّ في الدوائرِ ، تُشْرِفُ المَحلات والمَتاجِر والمَعامِل ....... وإلخ على فَتْرَةٍ ماراثونيَّة وجُهْدٍ مُضاعفٍ لِلتَسابُقِ في تَوْفيرِ السلعِ( الزائدَة ..... ) على اخْتِلافِها لِلزَبائنِ فيَتَعرَّضُ العامِلونَ والعامِلات في هذِهِ القِطاعات إِلى ضُغوطِ عَمَلٍ مُضَاعفٍ وجُهْدٍ اسْتِثْنائيّ .
أَمَّا الطُرقات والشَوارِع فتُبْتَلى بِحالاتِ ازْدِحامٍ لايُوصَف وتَزْدادُ حوادِث السَيْرِ والاصْطِدامات .......
غَيْر أَنَّ المُتَضرِّر الأَكْبر مِنْ الأَعْياد هُم الحيَوانات الَّتِي لاذَنْبَ لَها في مُناسباتِ الإِنْسَانِ ولادَخْلَ لَها ، فلأَجْلِ أَنْ يُعيِّد الإِنْسَان تُذْبَحُ ملايين الحيَواناتِ وتَفْقُدُ حيَاتَها ويَتِمُّ صَيْدها ، وعلى موائدِ الأَعْيادِ تَتَراكمُ اللُحومُ بِإِفْراطٍ مُقَزِّز ودُوْنَ ضَرُورَة ، إِضَافةً إِلى طُقُوسِ الأَعْيادِ لِبَعْضِ الشُعُوبِ بِصَفِّ الذبائحِ وتَقْدِيم القَرابين وتَعْذِيبِ الحيَواناتِ .....وإلخ .
نِصْفُ موائدِ الأَعْيادِ الطَافِحةِ لَوْ تَمَّ ادْخارَها لاغاثةِ الجائعين لخَفَّتْ مآسي البَشَرِيَّة وإِنْ لِيَوْمٍ واحِدٍ إِلى النِصْفِ وتَضَاءلَتْ .
في تايوان يَقومون بِتَسْمينِ بَعْضِ الخنَازِير ، حَيْثُ يَحْبِسونَها في أَقْفاصٍ لِسنَتينِ ، ويَتِمُّ تَغْذِيتها إِجْبارِيَّاً وبِطَرِيقَة مُكثَّفَة حَتَّى يَصِلُ وَزْن الخَنْزِير مِنْها المِئتين كيلو ، وتَحْضيراً للاحْتِفال بالأَعْيادِ البُوذيَّة يُقْتَلُ الخَنْزِير ثُمَّ تُشَقُّ بَطْنَهُ ويُنَظّف ويُدْبَغُ جِلْدَهُ ويُصْبَغ ....... إلخ ، لِيُصْنَعَ مِنْهُ بَالوناً يُعْتَقَدُ إِنَّهُ يَجْلِبُ الحَظّ الوفِير .
لاحاجةَ لِلحدِيثِ عَنْ تَقْدِيمِ القَرابينِ والذَبائحِ الحيَوانيَّة في الأَعْياد ، وكذلِك النُذور الَّتِي يَدْفَعُ الحيَوانُ حيَاتَهُ فيها ثَمناً .
خاتِمة كُلّ هذِهِ الضَوْضاء ـ ضَوْضاءُ الأَعْيادِ ـ تُحِيلُنا إِلى مُشْكِلَةٍ حسَّاسَةٍ وحاسِمةٍ وهي النِفايات ، هذِهِ المِعْضَلة قَدْ لاتَهُمُّ الكثِيرين ولا تُثِيرَهُم لكِنْها مَسْأَلةٌ حاسِمة إِنْ كانَتْ هُناكَ رَغْبَةٌ بِتَوْفيرِ مُسْتَقْبلٍ أَنْظَف وأَفْضَل للأَجْيالِ اللاحِقَةِ فلا نَتْرُكُ لَهُم عالَماً مُلَوثاً يَعُوم فَوْقَ كُرَةٍ مِن القَاذوراتِ .
أَطْنانُ النِفايات الَّتِي يُخلِّفُها الإِنْسَان على مَدَى أَيامِهِ الثَلاثُمائة والستِين ( فَضَلات المصانِع والمَحلات ..... إلخ مِنْ مُخْتَلَفِ النَشَاطاتِ الإِنْسَانيَّة ، إِضافةً إِلى الغازاتِ المُلوِّثَة الَّتِي تُساهِمُ وسائطُ النَقْلِ المُخْتَلِفَةِ في إِفْرازِها ، كذلِك النِفاياتُ النَوويَّة ) تَتَضاعفُ بِضْعةَ أَطْنانٍ أُخْرَى بِسَببِ الأَعْيادِ ، وطرِيقَةَ التَخلُّصِ مِنْها تُضرُّ البَشَر بِشَكْلٍ مُباشِرٍ وغَيْرِ مُباشِر فهي قَدْ تَسْتَقِرُ في عُمْقِ المياهِ أَوْ تَطْفُو فَوْقَها أَوْ تُحالُ إِلى بُلْدانٍ أُخْرَى أَوْ تُصَرَّفُ بِطُرُقٍ أُخْرَى مُتَنَوِّعة ، والأَضْرارُ الناتِجةُ مِنْها تَأْثِيرها مُباشِرٌ على البِيئَة فتُلوِّثُها وتُعِيثُ فيها بَعْضَ الخَرابِ أَوْ كُلِّهِ ، ولِلحيَواناتِ مِنْ هذهِ الأَضْرار النَصِيبُ الكبِير والفاعِل فهي قَدْ تَقُودَها إِلى النُفُوقِ وكذلِك قَدْ تُخَرِّبُ المسَاحات البِيئيَّة الصالِحة لِمعيشَتِها أَوْ تُقَوِّضها ........ وإلخ من كثِيرِ المَضار ، وإِنْ سَجَّلَ كُلُّ فَرْدٍ بِضْعةَ جُمَلٍ عَنْ مُشْكِلةِ النِفاياتِ في العالِم فمِن المُؤْكَّدِ سيَسْتَقِرُ لَدَينا مُجلَّدٌ ضَخِمٌ بِآلافِ الصَفَحاتِ .
حَتَّى تَكونُ الأَعْياد أَعْيادأً
قَدْ يَكونُ مِنْ الصَعْب خَلْق البَدائلِ لِلأَعْيادِ ، لكِنَّ السَعي لِتَقْليص الأَضْرار النَاجِمة عَنْها واخْتِزال اللامُفيد مِنْ طُقُوسِها غايَةٌ هامَّة .
فمِن المٌجْدِي التَفْكير بِأَنَّ ذروةَ العِيد ( الاحْتِفالِ بِالحدثِ ) هي الفَرَح والسُرور ، وعَمَلُ الخيْرِ سيُحقِّقُ هذهِ الذروة وسيُغْنِيهِ مَعْنويَّاً ويَخْتَزِلُ اللامُفيد مِنْ طُقُوسِهِ .
أَرى إِنَّ الأَعْياد بِغاياتِها ومَقاصِدِها ومَعانيها الَّتِي تُشَاعُ عَنْها وتُنْسَبُ إِلَيْها بَعِيدة عَنْ طُرُقِ الاحْتِفالِ العامَّة بِها وأَقْربُ إِلى فِعْلِ تَحْقيقِ الخيْرِ والخِدْمةِ والمنْفَعةِ لِلوسَطِ الَّذِي يَعيشُ فيه الفَرْد . حقِّقْ الأَعْياد في حيَاتِك يَوْميَّاً
بالإِمْكان تَحْقيق أَعْياد يَوْميَّة صَغِيرَة في الحيَاةِ بِانْتِهاجِ الخَيْرِ مَسْلكاً ومُزاولتِهِ في أَفْعالٍ وإِنْ صَغِيرَة : كلِمة طيبَة ، مُقاسَمَة الآخَر همَّهُ ، مُشَارَكة الآخَر سَعادتَهُ ، الانْخِراط في خِدْمَةِ المَرْضَى وإِنْ لِيَوْمٍ واحِدٍ فَقَط ْ، تَفقُّد الأَشْخاص الوحِيدين أَوْ الأَيْتام أَوْ ذوِي الأَحْتِياجاتِ الخاصَّة ، حِمايَة الحيَوان ..... إلخ ، فمِنْ خِلالِ تَقْديمِ الدَعْمِ والرِعايةِ والمَعونةِ تتَحقَّقُ فَرْحةَ الأَعْيادِ والَّتِي بِدَوْرِها تُشَارِكُ في بِناءِ الصِحَّة النَفْسِيَّة والجَسديَّة لِلفَرْدِ .
تَوْظيفُ المَعاني المُشَاعة عَن الأَعْيادِ وغاياتِها في خَدَماتٍ إِنْسانِيَّة نَبيلة تُنمِّي قُدْرَة الفَرْدِ على المُشاركةِ في بِناءِ عالَمٍ أَفْضَل وأَنْقَى وأَطْهر .
كُلُّ فِعْلٍ فيه صِفات الخَيْرِ والمَنْفَعةِ والخِدْمةِ لِلوَسطِ الَّذِي نَعِيشُ فيهِ والَّذِي يُحقِّقَهُ الفَرْد فيكونُ نِتاجهُ الفَرَح والسُرور هو عِيدٌ ، بِهذا المَفْهوم تَكونُ الأَعْيادُ أَعْياداً مُثْمِرَةً تُعْطي أَكْثَر مِمَّا تَأْخُذ وتُغْدِقُ أَكْثَرَ مِمَّا تُقَتِّر ....
أَمَّا في الدُولِ الَّتِي تُمارِسُ الحُروبَ ديْدناً لَها فَقَدْ تَكْمنُ الفائدَة في التَدرُّبِ على لُغَةِ الحِوارِ والتَفاوضِ السَلْميّ كمُمارسةٍ لِلعِيدِ وتَطْبيقِ مَضَامينهِ .
تَمْنياتي لِلجَمِيع بِأَعْيادٍ حيَاتيَّةٍ مُتَواصِلة .
Shatham@hotmail.de
الأثنين 23 / 12 / 2013